Print

كيف أنسى قبطيتى؟!

بقلم منير بشاى

(مهداة لكل من ازعجهم التعريف بهوية  مجدى مكين، ضحية التعذيب والقتل بمركز الاميرية، على انه قبطى.  ولا يختلف الامر لو لم يكن الرجل قبطيا فهو انسان.  ولكن نعرف ان مئات الاحداث التى تحدث لاقباط مصر تثبت ان معاناتهم كانت اساسا بسبب كونهم اقباط)

        تتردد من حولنا فى هذه الايام شعارات تطالبنا بان نباعد انفسنا عن تسمية انفسنا اقباطا، وتدعونا الى ان نتذكر فقط اننا مصريون، وكأن هذا يتعارض مع ذاك! مع ان كلمة قبطى معناها مصرى.  ومع ذلك اذا كانت الدولة تريد الأقباط ان ينسوا انهم اقباط ألا يجب ان تكون هى القدوة فتنسى اننا اقباط وتتذكر فقط اننا مصريون لنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات؟

        ولنفترض ان القبطى حاول ان ينسى انه قبطى فهل يستطيع ذلك؟  وكيف ينسى القبطى قبطيته اذا كان هناك الف سبب وسبب يذكّره بها كل يوم كمواطن يعيش على أرض مصر؟

        كيف انسى قبطيتى اذا كان هناك جهدا مكثّفا ومنظما ومستمرا للتقليل من وجودى فى ارض جدودى؟ يحدث هذا عندما يعاملوننى على اننى كمية مهملة لا تستحق الذكر فيعتبرون عدد الاقباط سرا لا يعرفه غير رئيس الجمهورية ورئيس جهاز الاحصاء والهدف اخفاء قوتنا العددية.  ومع هذا فهم لا مانع لديهم من تسريب المعلومات الكاذبة التى تبخس العدد.

 

        كيف انسى قبطيتى اذا كان هناك من يتذكرها لى ويذكرنى بها كل يوم؟  فكطالب تخرج من الثانوية العامة لا يسمح لى بإلتحاقى بكليات معينة مثل الشرطة والحربية والطيران الا بنسبة ضئيلة. وكطالب جامعى تصبح قبطيتى مشكلة عندما أمثل امام لجنة امتحان شفوى.  واذا حدث ان تخرجت بمجموع يؤهلنى لوظيفة معيد فى الجامعة احرم منها لا لشىء سوى اننى قبطى.  واذا قدمت على وظيفة فى السلك الدبلوماسى يرفضوننى لأننى قبطى.  واذا حاولت ان اصبح مذيعا ايضا يرفضونى لأننى قبطى.  واذا ظهرت حركة التعيينات لوكلاء النيابة قد لا تجد فيها اسما قبطيا واحدا.

        كيف انسى قبطيتى اذا كانت هى التى وقفت حائلا بيننى وبين الوصول الى مركز مرموق فى بلادى؟ فيرفضوننى ويضيفون الى اضطهادى الاهانة عندما يقولون ان التعيين كان بحسب الكفاءة، وكأن قبطيتى ورّثتنى جينات الغباء.  فان تناسيت ان معاناتى كانت بسبب قبطيتى سأكون فعلا غبيا كما يقولون.  ولكننى اعلم ان القبطى الذى يحرم من المناصب الحكومية يلجأ الى العمل الحر فينبغ.  والقبطى الذى ترفضه مصر يهاجر الى الغرب فيتفوق على زملائه الاوربيين والامريكيين وغيرهم من الأجناس واحيانا يصبح رئيسا لهم..

        كيف انسى قبطيتى والتى سببت لى كل الآلام كلما قدمنا طلبا لبناء كنيسة نصلى فيها الى الله؟  و يعطى الطلب لأمن الدولة لابداء الرأى على اعتبار ان بناء كنيسة عمل يهدد أمن الدولة!

        كيف انسى قبطيتى وأنا أعرف ان قبطيتى تجعل بناتى (حتى القصر منهم) يعيشون تحت تهديد الخطف والاسلمة القسرية؟  ولماذا اصبحت القبطية بالذات هدفا للخطف بينما لم نسمع ان قبطيا خطف مسلمة او ان مسلما خطف مسلمة؟

        ولماذا تطالبوننى ان انسى قبطيتى؟ هل قبطيتى عيب يجب ان اخفيه او اخجل منه؟ هل هى تتصادم مع مصريتى او تتعارض معها؟ هل هى نوع من الولاء غير المشروع لتنظيم او كيان ارهابى يحمل تهديدا للوطن ؟  التنوع اثراء وقوة وليس تقسيم واضعاف.

        انا قبطى ليس من باب التفاخر او التعالى على احد، ولكن من قبيل الاعتراف بالحقيقة المجردة.  ومهما حاولت لن استطيع التخلص من قبطيتى، تماما مثلما لا استطيع التخلص من لون جلدى.  القبطية بالنسبة لى هى صليبى وهى تاجى، وهى قدرى الذى لا مفر منه.