Print

إعترافا بفضل أمريكا!

بقلم منير بشاى

        أعلم اننى فى هذا المقال ادافع عن قضية احتمال الخسارة فيها تفوق المكسب.  فالكلام عن امريكا غالبا ما يثير شجون بعض الناس الذين أصبحت كراهية امريكا عندهم عقيدة ودين.  وعلى ذلك فليس هدفى هنا تغيير اذهان هؤلاء.  بل وليس هدفى الدعاية لأمريكا فأمريكا ليست بحاجة الى دعايتى.  ولكن الأمر بالنسبة لى مسألة مبدأ وضمير ورد فعل لبعض افضال هذا البلد العظيم على شخصيا.  هذا خاصة اننى ازعم اننى اعرف عن امريكا ما لا يعرفه من ينتقدونها فقد عشت وعملت فيها ما يقرب اليوم من نصف قرن وما اعرفه عن امريكا اختبارات حياتية صادقة.

        ليس معنى هذا اننى اعتقد ان امريكا معصومة من الأخطاء.  الكمال لله وحده والمدينة الفاضلة فكرة فلسفية خيالية لا وجود لها فى عالم الواقع.  فكل من على الأرض قابل للخطأ والخطيئة.  ولكن ما يضمن عدم الانحراف هو حقيقة ان امريكا دولة القانون.  جميع المواطنين يخضعون لسلطة القانون بما فيهم رئيس الجمهورية.  وقد عاصرت رئيسا لأمريكا (نيكسون) فقد منصبه لأنه تستر على مجموعة من رجاله تجسسوا على الحزب الآخر وتمت ادانتهم وحكم عليهم بالسجن مع انهم من كبار المسئولين.  فى اى دولة فى العالم يمكن ان يحدث مثل هذا؟

          ولعل أسوأ ما نسب لأمريكا هو العنصرية.  ولكن اهم مميزات امريكا انها تصدت لها وعالجت آثارها.  فرأينا الجنس النيجرو ينتقل من مرحلة الاستعباد الكامل الى المواطنة (المنقوصة)، الى المواطنة الكاملة، الى المواطنة المميزة.  واخيرا وصلوا لمنصب رئيس البلاد.

        أمريكا حاليا اقوى دولة عسكريا فى العالم.  اى دولة فى قوتها غالبا تستخدم قوتها لاخضاع العالم ولكن امريكا كانت عاملا للاستقرار وليس التهديد.  كانت امريكا لوقت قريب مستعمرة تابعة لبريطانيا ولكنها قررت الاستقلال لتأخذ دور الرائد المستقل بدلا من التابع المطيع.  وكبرت امريكا لتصبح اكبر من بريطانيا وتصبح هى من تحميها بل وتحمى اوروبا عندما تم تهديدها بواسطة هتلر الذى حاول فرض هيمنته على القارة كلها وحقق بعض النجاحات المبدأية.  ولكن ميزان القوة انقلب ضد هتلر بعد دخول امريكا طرفا فى الحرب العالمية الثانية وتمت هزيمته  والقضاء على النازية.

        ثم حدث تهديد للانسانية بظهور الاتحاد السوفييتى وانتشار الشيوعية.  ولم تكن هناك دولة تستطيع ان تتصدى لذلك الخطر غير امريكا التى هزمته وحجمت الشيوعية.  وظهر صدام حسين واستولى على الكويت وهدد بالسيطرة على بترول الشرق الاوسط  وظهر تنظيم داعش وهدد المنطقة ووعد بغزو أوروبا ولكن بفضل القيادة الأمريكية امكن هزيمتهم.

        ولكن تفوّق أمريكا الاكبر والأهم هو فى مجال صناعة الحياة.  فبفضل خلق البيئة المشجعة على الابتكار استطاعت امريكا ان تكون الرائد لكل اختراع مفيد لتحسين نوعية الحياة للانسانية كلها.  فمن بين ما ابتكرته امريكا اشياء لا يمكن ان نتصور الحياة بدونها.  مئات الاختراعات مثل اللمبة الكهربائية والطائرة والتلفزيون والكومبيوتر والانترنت والميكروويف والليزر والتليفون المحمول والكيموثرابى.  اختراعات تتعلق بالطعام والعلاج والتمتع الوفير بالحياة.

        وأمريكا كانت الرائد فى مجال غزو الفضاء وتمكنت من وضع انسان على سطح القمر.  ولكن امريكا لم تستخدم هذا النجاح لتهديد البشرية او اخضاعها لهيمنتها بل استخدمت التقدم التكنولوجى المكتسب لخير الانسانية فى مجالات عديدة.  عن طريق هذا التقدم امكن ابتكار الاقمار الصناعية ومنها امكن انشاء محطات الساتلايت التى تحولت الى اداة لبث المعلومات ونقلها للناس فى بيوتهم عن طريق دش صغير او صندوق يتم توصيله الى جهاز التلفزيون.

        ومن اهم ما جاءنا من امريكا هو جهاز الكومبيوتر.  وهو قد احدث ثورة فى حياة الناس يصعب تصور الحياة بدونها.  والكومبيوتر ساعد على سرعة الانتاج وخفض المصاريف فى الشركات وهذا ادى الى خفض اسعار السلع.  وظهر الكومبيوتر الخاص للافراد وعن طريق الانترنت الذى ارتبط به ظهرت امكانية استخدامه للتواصل فيما يسمى ايمالات.  وظهر ما يسمى بالسوشيال ميديا مثل الفيسبوك والتويتر وبرامج السكايب التى حولت العالم الى قرية صغيرة.

        الحيز المتاح للمقال يضطرنى للاختصار فاقفز الى نقاط اخرى هامة تتعلق بالموضوع.  فموقف الشعب الامريكى من اعمال الخير لا ينكره الا جاحد.  ففى كل مرة تسمع عن زلزال مدمر او تسونامى خطير او وبأ يهدد البشر او مجاعات تنذر بالموت او حروب تحول الآمنين الى لاجئين او غير ذلك من الكوارث الطبيعية او التى من صنع الانسان- عندما ترى هذا ترى على الفور ان من هم على رأس عمال الاغاثة مندوبين من الشعب الامريكى جاءوا بطائراتهم المحملة بالغذاء والدواء والخبراء لينقذوا هؤلاء البؤساء بغض النظر عن الجنس او اللون او الدين.

        أما مجال حقوق الانسان فيحتاج الى مقال خاص.  فامريكا منذ قيامها وضعت هذا كمثل أعلى تسير على خطاه.  وفى هذا يقول جيمى كارتر "أمريكا لم تخترع حقوق الانسان، حقوق الانسان هى التى اخترعت أمريكا".  هذا ليس معناه ان امريكا اصبحت بوليس العالم ولكنها صارت بنفوذها قوة تستعمل آليات كثيرة لتشجيع الديمقراطية ووقف القمع والاستبداد ضد الشعوب المستضعفة.

        غريب ان نسمع كلمات النقد لأمريكا الذى قد يصل الى الشتيمة من اناس ازعم انهم يتمنون لو يدفعوا ذراعهم الايمن مقابل ان يسمح لهم بالهجرة اليها.  وحتى وهم فى بلادهم يعيشون من اعانات امريكا ثم  يلعنوها نهارا وليلا.  ولكن – للأسف - بعض الناس مثل القطط تأكل وتنكر.

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.