Print

الألف والياء!

بقلم منير بشاى

        فى هذا المقال أعرض إيمانى ولكن لا أتعرض لإيمان الغير.  فبغض النظر عن محتويات العقائد الأخرى ورأينا فيها فمن المؤكد أن إيمان كل إنسان عزيز عليه حتى وإن كان يعبد الحجر.  ولذلك سوف أبتعد قدر ما أستطيع عن الجدل الدينى الذى يضر أكثر مما يفيد..

        الإيمان اقتناع قلبى شخصى.  وهو لا يخضع للتجريب العلمى ولا يمكن إثباته من تحت المجهر أو من خلال أنبوبة الاختبار.  ومع ذلك فالإيمان الصحيح لا يتناقض مع العلم الصحيح، ولا يتعارض مع العقل والمنطق السليم.  وفى النهاية إن مدخل الإيمان للقلب لابد أن يمر على العقل ويحظى بتأييده.

        خلال المقال سأورد بعض ما قاله السيد المسيح عن نفسه.  ولنا أن نصدق كلام السيد المسيح أو لا نصدقه.  فان لم نصدقه فإننا بذلك نشكك فى قصة المسيح ونعتبرها أكذوبة.  وفى هذه الحالة علينا ان نفكر فيمن يكون الكاذب وماذا تكون مصلحته؟  فهل السيد المسيح قد استفاد؟  أم هل تلاميذ المسيح هم من استفادوا؟  هل يعقل أن التلاميذ العزل ينطلقوا الى العالم ليبشروا الناس بأكذوبة من تأليفهم ويعانوا فى سبيل ذلك الاضطهاد والتعذيب والاستشهاد؟

        من يكون المسيح؟  جاء المسيح الى عالمنا فى صورة إنسان ولكنه كان أعظم من إنسان، تنبأ بأمور آتية ولكنه كان أعظم من نبى، وحمل لنا رسالة السماء ولكنه كان أعظم من رسول.  قال عن نفسه انه أعظم من يوحنا المعمدان ويونان وسليمان وموسى وابراهيم.  وقال إنه رب داوود.

عاش على أرضنا 33 عاما ولكنه كان موجودا قبل ان يولد واستمر حيا بعد أن مات.  جاء من السماء وعاد إلى السماء وسيأتى مرة أخرى من السماء.  هو الأزلى الأبدى، هو من قال "أنا هو الألف والياء البداية والنهاية " رؤيا 1: 8.  وهو من قال "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن".

        قبل مولده كتب عنه مئات النبوات تحكى كل تفاصيل حياته.  قيل عن ميلاده "ولكن يعطيكم السيد نفسه آية: ها العذراء تحبل وتلد أبناً وتدعوا أسمه عمانوئيل" اشعياء 14:7.  وعن صلبه قيل "ثقبوا يدي ورجلي. أحصي كل عظامي، وهم ينظرون ويتفرسون فىّ.  يقسمون ثيابي بينهم، وعلي لباسي يقترعون" مزامير 117:22-18.  وفي تفاصيل الصلب "وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا.  تأديب سلامنا عليه، وبحبره شفينا.  كلنا كغنم ضللنا.  ملنا كل واحد الي طريقه، والرب وضع عليه اثم جميعنا.  ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه.  كشاة تساق إلي الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه". أشعياء 53

        رأينا فى حياة السيد المسيح شخصية فريدة ليس لها مثيل.  ولد من عذراء بدون زرع بشر، بشرت الملائكة بمولده، اهتز لمولده ملوك وعروش، جاء ليسجد له حكماء من المشرق وهم يتبعون نجما ليقف عند طفل مولود فى مزود للبقر.  كل ثروة الكون كانت تحت تصرفه ولكنه عاش فقيرا ولم يكن له أين يسند رأسه.  عمل المعجزات فشفى المريض وأقام الميت وخلق عيونا للمولود أعمى.  ولكن عندما جاءت الساعة أسلم نفسه للاهانة والتعذيب ثم الصلب بإرادته واختياره.  تزلزلت الارض وقت صلبه فشهد قائد المئة الرومانى: حقا كان هذا إبن الله.

        لم يكن المسيح مجرد إنسان ذو أخلاق حميدة بل كان الوحيد الذى تحدى أن يجد الناس فيه خطيئة.  ومع ذلك كان شفوقا رحيما على الخطاة والمذنبين.  مرة اتوا أمامه بامرأة زانية يطلبون رجمها فقال لهم: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها اولا بحجر.  فمضى الجميع لأنهم كانوا جميعا خطاة.  وبقى هو المعصوم من الخطأ ليقول للمرأة "ولا أنا أدينك إذهبى ولا تخطئى أيضا".

        ما قاله عن نفسه لا يجرؤ إنسان أن ينطق به.  قال "الحق أقول لكم إن أنبياء وأبرار كثيرين إشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا" متى 13" 17 وقال "فتشوا الكتب (الاسفار المقدسة) لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهى تشهد لى " يوحنا 5: 39

        دعى إسمه يسوع الذى معناه المخلص.  وسمى مخلص العالم لأنه استطاع أن يصنع خلاصا أبديا لكل من يؤمن.  ولم يكن خلاص المسيح بإخضاع الشعوب تحت سيطرته بقوة السيف وإراقة الدماء.  ولكن كان عن طريق تقديم نفسه ليموت على الصليب كفارة عن خطايا العالم.

        ولكن بعد أن أرسل الله ابنه الوحيد يسوع المسيح لفداء البشرية لم يعد هناك مبرر لرسول جديد.  وقد أوضح السيد المسيح هذه الحقيقة فى مثل الكرم والكرامين.  والمثل كما رواه السيد المسيح يقول "أرسل صاحب كرم عبيده إلى الكرامين ليأخذ ثماره فأخذ الكرامون عبيده وجلدوا بعضا وقتلوا بعضا ورجموا بعضا.  ثم أرسل أيضا عبيدا آخرين أكثر من الأولين ففعلوا بهم كذالك.  فأخيرا أرسل لهم ابنه قائلا يهابون ابنى.  وأما الكرامون فلما رأوا الإبن قالوا فيما بينهم هذا هو الوارث هلم نقتله ونأخذ ميراثه فأخذوه خارج الكرمة وقتلوه".(متى 21)  فالمسيح جاء آخر الكل وتمم العمل وأعلن ذلك على الصليب عندما قال "قد أكمل".  والعمل الكامل لا يحتاج أن يكمله أحد.

        قال السيد المسيح عن نفسه "أنا هو الطريق والحق والحياة ليس أحد يأتى الى (الله) الآب الا بى" يوحنا 14: 6.  لم يقل المسيح أنا طريق (من الطرق) أو حق (من الحقائق) أو حياة (من أنواع الحياة) ولكنه قال أنا هو الطريق (الوحيد) والحق (الكامل) والحياة (الأبدية).  هو الأول والآخر وكل شىء بينهما.  هو من بدأ العمل وهو من أكمله، هو الكامل وحده، هو الألف والياء.

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.