عبد المنعم سعيد

كشف حسابعبد المنعم سعيد

شهد الأسبوع الماضى هجومًا إعلاميًا على القوات المسلحة المصرية يشبه إعصار «دوريان»، الذى شب على جزر البهاما وساحل الجنوب الشرقى للولايات المتحدة. وبينما قام هذا الأخير بتدمير الجزر والعصف بالساحل، فإن الهجمة الإعلامية لن تنجح فى هجومها، لأن الشعب المصرى من ناحية لديه الكثير من الصلابة، ومن ناحية أخرى لأن لديه «كشف حساب» الجيش المصرى، والذى يستطيع التمييز ما بين الصدق والكذب والغث والسمين.

عين الإعصار الإعلامى كانت ممثلًا ومقاولًا لديه شهادة على التعامل مع عدد من مشروعاتنا القومية، بعضها وقائع واجبة التحقق والتحقيق، وبعضها الآخر انطباعات شخصية، الكثير منها ذائع فى الصحف وشبكات التواصل الاجتماعى حول الأولويات وعما إذا كان البناء ضروريًا أو أن الأجدى استهلاك قيمته من قِبَل الأكثر احتياجًا. حول العين تعددت حلقات، الأولى كانت موجات كبيرة من الدعاية الإخوانية المتربصة، والجاهزة بحملة منظمة تجمع وتربط وتقيم وتمد ما جاء فى العاصفة بالربط التاريخى لدور القوات المسلحة فى التاريخ المصرى.

الحلقة الثانية تأتى من جانب قناة الجزيرة، التى تدخل إلى الموضوع من نافذة الحلقة الأولى، وكأنها تقوم بعمل إعلامى يقوم باستقصاء ما يحدث، وكأن ما جرى يجرى فى كوكب آخر أو فى الأبعاد السحيقة للقطب الجنوبى. الحلقة الثالثة لمجموعة من الهواة، بعضهم يظهر للمرة الأولى، والبعض ظهر فى أدوار متقطعة من قبل تسخر وتحرض. الحلقة الرابعة قامت على حشد أشكال الإعلام من أفلام وموسيقى وأغنيات، المهم أنها تصب السخائم على القيادة المصرية والنظام المصرى، والشعب المصرى ما لم يقم بالثورة فورًا. الحلقات كلها تدور وفق منظومة منظمة ومحبوكة الاستعداد والتدبير، وفى سرعات كبيرة لعلها تولد رياحًا كالعواصف، وأمطارًا كالأعاصير، لعلها تكتسح وتدمر ما قام منذ 30 يونيو 2013.

لماذا حدث كل ذلك الآن، وبمثل هذه السخونة والعنف اللفظى والوقاحة فى التعبير؟ المرجح أن ذلك لأنه بات جليًا أن مصر قد حققت نجاحات كبيرة، بعضها خارجى، مثل المشاركة فى قمة الدول السبع والمؤتمر اليابانى الإفريقى، والبعض الآخر داخلى مثل التقارير الإيجابية عن الاقتصاد المصرى، والتى بثها صندوق النقد الدولى بعد انتهاء الجولة الأخيرة لعمل الصندوق فى مصر، وارتفاع قيمة الجنيه المصرى إزاء الدولار، وتصاعد إنجازات المشروعات المصرية مثل الصوب الزراعية، والعاصمة الإدارية، والمتاحف، والمناطق الصناعية، فضلًا عن انخفاض معدلات التضخم والبطالة، وتقريبًا جميع المؤشرات الكلية المصرية.

ولا يقل أهمية عن ذلك كله أن مصر حققت نجاحات كبيرة فى التعامل مع الإرهاب، وكانت ضربة «خلية الكويت» مُوجِعة بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، فقد حرمتها من قاعدة مالية معتبرة، وجسر قوى لباقى منطقة الخليج، خاصة قطر وتركيا، كما أنها دفعت جماعات منهم إلى الخارج فى أوروبا أو تركيا، وكلتاهما أكثر تكلفة. وما لم يقل عن ذلك ألمًا صدور أحكام قضائية رادعة على قادة الجماعة، وظهور بدايات انشقاق بين شباب الجماعة فى السجون وقياداتها فى الخارج. هذه التطورات الأخيرة تحديدًا هى التى أطاحت بلب جماعة الخارج، وكان القرار هو هذه الحملة الإعلامية بكل ما كان لدى الإخوان من قوة. وسواء كانت عين العاصفة قد جاءت بالصدفة أو أنها كانت بالتدبير، فإن استغلال الموقف بدا مُغْرِيًا لجماعة استبدت بها الغربة وطال السفر، ودون شعاع ضوء فى نهاية النفق يعيد ما كان ويسترجع مَن انكسر.

ولكن أيًا ما كانت التساؤلات التى تولدت فى عقل المواطن المصرى، وما جرى بالغريزة على شبكات التواصل الاجتماعى، فإنه فى لحظة الاختيار ما بين القوات المسلحة المصرية وجماعة الإخوان ستكون الاستجابة هى رفض الاختيار لأنه وقع بالفعل فى 30 يونيو 2013. وبالمناسبة فإنه كان نفس الاختيار الذى سار فيه الشعب السودانى عندما تخلص أخيرًا من حكم الإخوان المسلمين الذى استمر ثلاثين عامًا، انتهت فيها السودان إلى التقسيم بين الشمال والجنوب، والحروب الداخلية فى الشمال والجنوب، والانهيار الاقتصادى، واللعنة الدولية. أكثر من ذلك فإن لدى الشعب المصرى كشفًا طويلًا للحساب حول ما حققته القوات المسلحة المصرية خلال السنوات الماضية منذ مشاركتها الشعب المصرى فى الإطاحة بحكم الإخوان، ومضيها فى مقاومة وتحجيم الإرهاب وتحقيق الاستقرار.

والقائمة بعد ذلك طويلة من السير قدمًا وبشجاعة كبيرة فى كبرى عمليات الإصلاح الاقتصادى فى التاريخ المعاصر، وتحقيق انطلاقة لمصر فى الطريق إلى المستقبل فى الداخل والخارج أيضًا. الشعب المصرى على يقين فى ذات الوقت أنه سوف يأتى وقت تقدم فيه المراجعة لتصحيح المسار، تمهيدًا للإجابة الضرورية عن تساؤلات تحصن المسيرة وتحميها.


2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com