الرهان على الانفتاح

بقلم منير بشاى

 

       من قصص التراث الشعبى الطريف ما يروى عن رجل اراد ان يفتح شباكا فى غرفته ليزيد الضوء والتهوية.  لم يكن الرجل يظن ان ما يعمله يخص احدا سواه او يضايق احدا غيره.  شرع الرجل فى مشروعه وبينما هو منهمك فى العمل اذ بمن يستوقفه ليقول انه مهندس البلدية ويسأله عن ترخيص فتح الشباك.  ولم يكن يظن الرجل انه يحتاج لترخيص ليفتح الشباك.  فالبيت بيته والشباك شباكه والشمس والهواء ملك لله وحده.  اوقع المهندس على الرجل غرامة جنيه (لحلوح) ومضى.  احتار الرجل ماذا يعمل وفى النهاية قرر انه لا يستطيع الوقوف ضد الحكومة فقرر ان يسد الفتحة ويستريح.  وفى اليوم التالى مر عليه مهندس آخر وسأله ماذا يفعل؟  فرد بانه يقفل فتحة الشباك فطلب ان يريه ترخيص غلق الشباك.  وطبعا لم يكن الرجل لديه ترخيص فاوقع عليه المهندس غرامة جنيه (لحلوح).  وهنا صرخ الرجل: لحلوح تانى؟!  فتحنا الشباك دفعنا لحلوح قفلنا الشباك ندفع لحلوح قولولنا نعمل ايه نفتح الشباك ام نغلقه؟!

       تذكرت هذه القصة بينما كنت اتابع الجدل الذى يدور اليوم حول الطريقة المثلى لمقاومة انتشار فيروس الكورونا.  والآراء تتباين بين غلق الاقتصاد وفتحه وكل يرى ان رايه هو الصحيح.  وتزداد المشكلة لأن كل خيار له مخاطره وتبعاته. 

       وما زاد الموضوع تعقيدا فى الولايات المتحدة هو تزامن انتشار وباء الكورونا مع مناسبة انتخابات الرئاسة المحدد لها نوفمبر 2020.  كل طرف يتصرف وهذا الامر فى تفكيره وسواء اراد او لم يرد فالموضوع يتحكم فى قراراته بهدف محاولة تفادى الهزيمة فى المعركة الانتخابية وتقوية فرص الفوز.

.      عندما بدأ انتشار الوباء فى الولايات المتحدة كان هناك بعض التهوين من خطورته.  قيل لنا وقتها ان الذعر من الفيروس اخطر من الفيروس نفسه.  وقيل انه من الطبيعى ان يموت بعض الناس فالانفلونزا العادية يموت بسببها ما بين 30 و 50 الف سنويا.  وقيل انها مرحلة وتمضى وتعود الامور الى طبيعتها.  كانت هناك مخاوف فى انه لو تزايد القلق بين الناس قد يتسبب فى انهيار سوق الأسهم وبالتالى ينهار الاقتصاد وينسب الفشل الى الادارة.

       وعندما رأت الادارة الامريكية ان التهوين قد ينقلب ضدها رأيناها بين يوم وليلة تأخذ الموضوع الى الاتجاه الآخر.  أوكل الرئيس ترمب الى نائب الرئيس بنس مهمة تكوين لجنة من كبار خبراء الامراض المعدية فى الولايات المتحدة لعمل الخطط اللازمة لمجابهة هذا الخطر ووقف انتشاره.  وكانت النتيجة تكوين لجنة على رأسها الدكتور فاوصى Fauci الذى اثبتت الأيام انه سيصبح شوكة فى جبين الرئيس ترامب فالرجل له فلسفته التى لا يحيد عنها وهى الغلق الكامل وهو لا يتورع عن اعلان خلافه وتصعيده الى اعلى المستويات اذا لزم الامر.

       اضطر الرئيس ترمب الى ان يساير التيار معطيا لنظرية الغلق الفرصة لتثبت نفسها.  لازم معظم الناس بيوتهم واغلقت الشركات ابوابها وفقد ملايين العاملين وظائفهم ولازموا البيوت مع انه ليس بهم مرض.  هؤلاء فقدوا مصدر دخلهم واعتمدوا على المساعدات القليلة التى تصلهم من الدولة والتى لم تكن فى مقدور الدولة ان تعطيها الى ما لا نهاية.  وهنا احس الديمقراط انها فرصتهم لتوجيه الضربة القاضية فتقدموا بمشروع لمد هذه الاعانات طوال فترة الازمة بتكلفة 3 ترليون دولار والتى مع تناقص ايرادات الدولة تصبج توصيفة أكيدة الى الافلاس.

       قلب الغلق البلاد رأسا على عقب.  اسعار المأكولات والبقالة زادت واختفى الكثير منها.  واصبحت تعتمد على من يحضرها لك ويضعها امام باب المنزل وكأنه يتعامل مع مرضى البرص.  المدارس والجامعات اغلقت والمحلات التجارية اغلقت والفحص الطبى اصبح يتم تليفونيا والعمليات الجراحية الاختيارية تأجلت وفقدت المستشفيات مصدر دخلها وزيارة طبيب الاسنان تأجلت ولا تسألنى عن قص الشعر او الذهاب الى الكوافير! كل اماكن الترفيه اغلقت ابوابها وأيضا الذهاب لمشاهدة مباريات رياضية وكذلك الذهاب للمطاعم الذى هو جزء من حياة كل أمريكى.  وكانت الكنائس من ضحايا هذا الغلق وفرض التباعد الاجتماعى بين الناس بمسافة لا تقل عن 6 قدم.

       من السهل ان تجلس وتضع هذه الضوابط وتطلب من الناس تنفيذها ولكن محاولة تطبيقها شىء آخر.  وليس غريبا انها خلقت مناخا من الكآبة وضياع الأمل ادى بالبعض الى الانتحار او الانهيار العصبى او العنف الاسرى.  واصبح الموت بالكورونا ليس البديل الأسوأ.  وهنا قرر الرئيس ترمب ان يفتح الاقتصاد تدريجيا.  يحدث هذا فى وجه معارضة فريق مكافحة الكورونا وعلى رأسها دكتور فاوصى وطبعا من يحركهم من وراء الستار هم أعضاء الحزب الديمقراطى.

       فى هذه الظروف يقرر الرئيس ترمب فتح الاقتصاد.  طبعا هناك مخاوف انه يقدم على رهان  من الممكن ان يخسره.  ولكن من حسن الحظ ان الشعب الأمريكى قد بدأ يتظاهر فى الشوارع تأييدا لمبدأ الفتح.  والدلائل المبدأية تشير الى ان الاقتصاد قد بدأ فى التحسن وان الانفتاح الجزئى الذى حدث قد اتاح لشعاع الامل ان يدخل الى حياتنا من جديد.

Mounir.bishay@sbcglobal


2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com