Print

بين حقوق المواطن وحقوق الوطن!

بقلم منير بشاى

هل للوطن حقوقا مستقلة تطغى على حقوق المواطن وتلغيها؟

فى عام 2016 اعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى امام الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند انه "لا يمكن قياس حقوق الانسان فى مصر حسب المعايير الأوروبية". وهو قول صادق فحقوق الانسان فى مصر لا يمكن قياسها بل ولا يمكن حتى مقارنتها بالمعايير الأوروبية.

هذا رغم ان الانسان هو الانسان فى كل مكان. والحقوق الانسانية هى حقوق عالمية وليست حقوق محلية تختلف من مكان لمكان. ومصر قد التزمت بمراعاتها مثلها مثل فرنسا. واى دولة من حقها التدخل فى سياسات اى دولة اخرى حماية لحقوق الانسان. فحقوق الانسان لم تعد شأنا داخليا لدولة بالذات ولكنها شأن عالمى يخص الدول جميعها بل يلزمها بالتدخل لحماية حقوق الانسان وإلا يكون هناك خرق للمواثيق الدولية.

حقوق الانسان هى حقوق مرتبطة بالانسان كونه إنسانا. وهى حقوق طبيعية، هى ليست امتيازات، وليست منحا يتفضل بها انسان على انسان آخر. وفى عالم اليوم كثيرا ما نجد هذه الحقوق تنتهك بواسطة حكومات وانظمة بدعاوى مختلفة وعلى رأسها ما يسمونه "دواعى الأمن". ولكن دعاوى الامن هذه غالبا لا تخرج عن ان تكون اجراءات لضمان بقاء الحاكم فى كرسيه عن طريق القمع والترهيب.

وحتى فى الاوقات التى تجد الدولة نفسها مضطرة الى تبنى معايير غير عادية مثل الاحكام العرفية فان هذا يجب ان يكون له مبرراته القوية ولفترة محدودة. اما فرض تلك الاحكام لأتفه الاسباب ومدّها لآجال لا نهاية لها فهو سلب المواطن من حرياته الاساسية. وهذا ما فعله الرئيس مبارك فى اعقاب اغتيال الرئيس السادات.

ومن محاولات تبرير القمع الادعاء بأن دول العالم كله تتبع نفس النهج القمعى. ومثال هذا ما نسب الى رئيس وزراء بريطانيا "دافيد كاميرون" عقب احداث الشغب فى اغسطس 2011 انه عبر عن صعوبة الالتزام بمبادىء حقوق الانسان عندما تعرضت بلاده لاعمال الشغب.  وهو تصريح يوحى بان رئيس الوزراء البريطانى يرفض مراعاة قوانين حقوق الانسان عندما تتعرض بلاده للشغب. ولكن هذا التصريح الذى نسب للرجل تم التلاعب بالترجمة العربية ليجعله مخالفا للمعنى. ما قاله الرئيس البريطانى فعلا هو إن مراعاة دولته لقوانين حقوق الانسان تجعل حماية بريطانيا ضد الارهاب امرا صعبا. ومع ذلك فهو لم يقل ان بريطانيا ستوقف العمل بقوانين حقوق الانسان نتيجة وجود صعوبات، بل إنه سيستمر العمل بها رغم الصعوبات.

ولكن الرئيس السيسى اراد ان يوحى للرئيس الفرنسى ان هناك اولويات لمصر تفوق اهتمامها بموضوع حقوق الانسان فقال "أرغب فى القول للرئيس الفرنسى وكافة الأوروبيين المهتمين بهذه القضية إننا نرى بالاضافة الى الحريات وحقوق الانسان أن توفير التعليم الجيد وتوفير المسكن الجيد والعلاج الجيد والوعى الجيد هى حق من حقوق الانسان" وفعلا ما اشار له الرئيس هو اهداف نبيلة، ولكن هل تتوقف الحريات فى مصر الى ان يتم تحقيق هذه الاهداف؟ هذا وكل الدلائل تشير الى ان هذه المرافق التى ذكرها الرئيس اصبحت منهارة فى مصر واعادة بنائها قد يستغرق عقودا، بعد ان نبدأ، واذا نجحنا فى العلاج، فى ظل الانفجار السكانى الذى يبتلع كل محاولات التنمية.

وفى النهاية يصل الرئيس السيسى الى خلاصة الأمر وهو ان على الاوروبيين ان ينسوا موضوع حقوق الانسان فى مصر لأنه لن يتحقق. وكأنه يقول "حلوا عننا وسيبونا فى حالنا" فقال "المنطقة التى نعيش بها مضطربة للغاية ولا يمكن للمعايير الأوروبية ان يتم قياسها ويتم النظر لها فى ظل الظروف التى تمر بها دول المنطقة بما في ذلك مصر".

ومع ذلك دعنا نكون واقعيين فنتفهم موقف مصر التى تحارب ارهابا يريد اسقاطها. ومع التسليم بضرورة التزام الدولة بالمعايير الأمنية. ولكن هل الممارسات التالية تتعارض مع الأمن؟

• سلب كرامة المواطن وتعذيبه فى اقسام الشرطة لغرض اجباره على الاعتراف بجرائم قد لا يكون ارتكبها.

• قمع الحريات الدينية وحبس وتعذيب من يريد تغيير دينه الاسلامى، واثبات هذا فى هويته، بحجة حمايته. فهل الحماية تتضمن التعذيب؟.

• النقاش العلمى الموضوعى للدين الاسلامى هل يستحق السجن المشدد بحجة أنه ازدراء بالاديان؟ هذا مع ان هناك اديان أخرى تتعرض للازدراء الفعلى كل يوم دون رادع؟

• هل يجوز ان يصبح الملف القبطى كله ملفا امنيا يتبع الأمن الوطنى وكأنه يتعامل مع طائفة تمثل خطرا أمنيا على البلاد؟ وهل بناء كنيسة من الخطورة بحيث يحتاج لموافقة الأمن؟

• هل حان الوقت ان يعرف الأقباط من الدولة عددهم الحقيقى؟ ام سيظل الرقم سرا امنيا؟ وما هدف الدولة من تركنا فى الظلام ازاء هذه القضية التى تمثل حقا صريحا، وبالتالى نصبح فريسة للتخبط بين من يقول ان العدد 3 مليون ومن يقول انه 30 مليون؟ هذا فى الوقت الذى أصبح الرقم الصحيح يمكن معرفته بلمسة اصبع فى قاعدة بيانات الرقم القومى.

من المؤكد ان الغالبية العظمى من حقوق الانسان تتعلق بحريات لا تكلف الدولة لإقرارها نفقات مالية ولا يتعارض تطبيقها مع متطلبات الأمن.  ومع ذلك سيظل السؤال المحيّر يتردد: لماذا يتحتم علينا فى مصر ان نضحى إما بالحريات او بالأمن؟  إما بحقوق المواطن أوبحقوق الوطن؟  لماذا لا نستطيع الحفاظ عليهما كليهما؟ 

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.