Print
alquds
الفتنة الطائفية
وإلي ما يوجع قلوبنا ويكسر روحنا الوطنية من وقت لآخر، وأعني أحداث الفتنة الطائفية في قرية بمها بمركز العياط بمحافظة الجيزة والاعتداءات الآثمة التي قام بها عدد من أبناء ملتنا المسلمين ضد أشقائنا المسيحيين، وحرق عدد من منازلهم وإصابة آخرين بسبب انطلاق إشاعة بأن المسيحيين يقومون ببناء كنيسة دون الحصول علي إذن بذلك، وهو ما دفع خطيب المسجد يوم الجمعة لأن يصرخ طالبا حماية الإسلام والمسلمين، فاندفع الشباب المتطرف، لما قام به وهو ما أشار إليه أمس في الأخبار زميلنا إبراهيم سعدة في عموده اليومي ـ آخر عمود ـ

وقام بنقل رواية عن جريدة الدستور ، وعلق عليها بقوله: كلام هايف لأناس لا يرون إلا ما يتوهمونه، ولا يهتمون بما يمكن أن يحدث ما أسموه بـ طيش شباب بإشعال الفتنة الطائفية في قرية صغيرة، سرعان ما تنتقل إلي قري ومدن أكبر في طول البلاد وعرضها! ما كان يمكن لهذا الشباب الطائش أن يقوم بما قام به لو أن وزارة الأوقاف أحسنت اختيار الخطبة الدينية في المسجد، ولو أن السادة المحافظين احترموا حقوق المواطنة ـ عملا لا لغوا ـ وسمحوا للمصريين الأقباط ببناء كنائسهم كما يسمحون لأخوتهم المسلمين ببناء مساجدهم .
وإلي الدستور التي نشرت تحقيقا لزميلينا هاني الأعصر وخالد عزام، جاء فيه: نفي بدر ميرة أمين الحزب الوطني بالعياط حدوث أي حريق أو تلفيات بمساجد القرية أو منازل المسلمين، وأكد أن ما تردد حول حدوث حريق بمسجد الرحمن فجر أمس ـ الأحد ـ ما هو إلا إشاعة أطلقها بعض المتطرفين لدفع المسيحيين للصلح، ولم يعرفوا أن إشاعتهم كان من الممكن أن تزيد نار الفتنة، وقال ميرة لـ الدستور إنه يسعي هو والعميد أحمد الصاوي و علي السعودي عضو مجلس الشعب عن العياط لإتمام الصلح بين الطرفين.
جلسنا مع الكاهن المسؤول عن القرية حنا مكين واتفقنا علي اختيار لجنة تقوم بتقدير الخسائر والتي سيقوم بدفعها أهالي الجناة، وعن الحق الجنائي بعد إرضاء المسيحيين سوف نقوم بما يسمي تعديل أقوال حتي يسقط الحق الجنائي عن المتهمين، في نفس الوقت أبلغ أمس أحد الأقباط ويدعي عصام رجال الأمن الموجودين بالقرية عن التهديدات التي تلقاها من أحد المسلمين، ويدعي مسعد أبو سريع الذي ألقت قوات الأمن القبض عليه بمجرد الإبلاغ عنه.
وذكر شخص يدعي عياد ميخائيل من أهالي بمها أنه رغم وجوده بجوار أخيه المصاب بالمستشفي طيلة الأيام الثلاثة الماضية إلا أنه فوجيء بطلب استدعاء لإبلاغ المسلمين ضده أنه الذي قام بإحراق الزاوية التي يصلي فيها الأهالي، كما تقدم عيد عبدالمجيد فلاح هو وأبناؤه ببلاغ إلي قسم العياط يتهمون فيه عددا من الأقباط بالاعتداء عليه، ويشكو معظم الأقباط المتضررين من احتراق بيوتهم التي زادت عن عشرة منازل وخمسة محلات من عدم وصول أي موظف من وزارة التضامن الاجتماعي لصرف التعويضات أو النظر في حالتهم أو السؤال عنهم! .
كما كتب زميلنا محمد الدسوقي رشدي مقالا هاجم فيه رئيسنا واتهم عهده بأنه الأسوأ في حماية الوحدة الوطنية والأقباط، فقال قولا أزعجنا من نوع: الرئيس مبارك يقول دائما إن المسلمين والمسيحيين في مصر أبناء وطن واحد يعملون من أجل رفعته وتقدمه ويقول ايضا ان الدولة ملزمة بإقرار المساواة بين المسلم والمسيحي في الحقوق والواجبات، كما هي ملزمة بحماية مواطنيها وتوفير الأمن والاستقرار لكل مواطني الدولة بغض النظر عن ديانتهم ورغم ذلك لا يمر شهر من حكم الرئيس مبارك إلا بعد أن يشهد حادثا أو أكثر يتعرض من خلاله أقباط مصر إلي الاضطهاد، عهد الرئيس مبارك كان وبلا فخر أزهي عهود الفتن الطائفية التي راح ضحيتها الكثير من الأقباط والمسلمين معا.
الغريب أن موقف الأقباط من الرئيس مبارك يأتي مخالفا تماما لموقف الرئيس منهم، الأقباط يحبون الرئيس مبارك والكنيسة تبصم بأصابعها كلها من أجل بقاء الرئيس وبابا الكنيسة وأعضاء مجلسه دائما ما يسارعون بإرسال تلك الرسائل المؤيدة دوما للرئيس مبارك والمسيحيون أيدوا تعديلات مبارك الدستورية ولم يعترضوا فهل يؤمن الأقباط عن جد بأن الرئيس مبارك يحميهم رغم أن عصره شهد أكثر الفتن الطائفية شدة وتكرارا؟
المسلمون في مصر يعتقدون ذلك ايضا ويرون أن نظام مبارك يحمي الأقباط ويمنحهم أكثر مما يستحقون من حقوق، لأنهم يساندونه ولأنه يريد أن يداعب قلب أمريكا من خلالهم.
المشهد يبدو أكثر فوضوية والعلاقة بين المسلمين والمسيحيين أصبحت أكثر اضطرابا في عهد الرئيس مبارك، والصورة لا يتضح منها من يقف مع من ومن يحمي من ولكنها تقول بوضوح إن الرئيس مبارك لا يحمي أحدا من مواطنيه سواء كان مسلما أو مسيحيا وإلا لكان قد اتخذ مواقف أكثر جدية في التعامل مع تلك الحوادث التي يروح ضحيتها مواطنون غلابة .
لا داعي للتهكم هكذا، عهد رئيسنا أزهي عهود الفتن الطائفية؟! هذا ظلم وتجن، لأن السبب في هذه الفتن وفي فتنة قرية بمها لا يعود إلي نظام رئيسنا، وقد أنصفه في نفس العدد زميلنا بـ الأهرام نبيل شرف الدين، بقوله عن السبب الحقيقي لهكذا فتن:
الأسبوع الماضي افتتح البابا شنودة الثالث كنيسة قبطية في دولة الإمارات، التي لا يمكن لأحد الزعم بأن للأقباط جذورا أو حقوقا بها، ولو كانت قد رفضت إنشاء كنائس علي أراضيها لما كان بوسعنا أن نلومها، بينما يحتقن آلاف المصريين المسلمين ويثورون حين تتناهي إلي أسماعهم شائعة مجرد شائعة بأن مسيحيين يرغبون في بناء أو ترميم كنيسة في بلدهم الأم مصر، بعد أن تمكن أشهر تنظيم علني في مصر من نشر ثقافة التعصب علي نحو شعبي واسع، لم يعد حكرا علي الجماعات السرية، بل أصبح المواطن العادي الذي لا هوفي العير ولا النفير متعصبا، هذا التنظيم الذي أشرت إليه هو جماعة العائدون من النفط وهم الملايين الذين سافروا إلي بلاد الخليج والسعودية ولم يرجعوا بالريالات والدنانير فقط، بل عادوا بمنظومة كاملة من المفاهيم الغريبة علي مجتمعنا والممارسات التي تعول علي المظهر أكثر من الجوهر وفي صدارتها ذلك الزي المسمي النقاب الذي لم تعرفه مصر أبدا طيلة تاريخها، فاليشمك مثلا زي مختلف تماما، كما أنه تركي وليس مصريا، وهكذا أصبح لعقيدة الوهابية وكلاء في ربوع البلاد يقدمون أنفسهم تحت لافتة الدعوة السلفية ، وقد روجوا لمظاهر وظواهر اجتماعية تستحق الرصد وهو ما سنتعرض له بالتفصيل في مقالات قادمة .