Print



ماذا لو حكم الإخوان
بقلم : كرم جبر
 


وانطلقت قوات حماس الإسلامية لتطارد فلول الخائنين فى شوارع غزة، وألقت القبض على شاب فى الثامنة عشرة من عمره.. حملوه معصوب العينين إلى ميدان عام فيه مئات يكادون يفتكون به.. أوقفوه فوق طبلية خشبية وهم يهتفون ويصيحون «الله أكبر.. الله أكبر».. أحضروا أمه، ألبسوها فستان فرح أبيض.

جعلوها تزغرد فرحا بأن الابن الخائن سوف ينال عقابه، اختلطت زغردوتها بدموعها بصياح هستيرى من جمهور أصبح متعطشا للقتل.. وجاء فدائى آخر يرتدى زيا مثل الزى الذى ارتداه طلبة ميليشيات الأزهر، وضع بندقيته الآلية فى رأس الفتى الصغير وأخرج «دفعة» فيها عشرات الطلقات.. وتفتت الرأس الصغيرة تماما، وتطايرت نافورة دماء من نصف الرأس المتبقى. المشهد لم ينته بعد.. أحضروا الأم التى وقفت تشهد أشياء لن تنساها طوال العمر، جعلوها تركل جسد الابن المقتول بقدميها على أصوات طلقات الرصاص التى تدوى فى الهواء فرحا وابتهاجا، وصيحات المنتقمين «الله أكبر.. الموت للخونة». هل تعرفون جريمة هذا الشاب الفلسطينى وأمه.. إنه ينتمى لفتح و«فتح» أصبحت بالنسبة لحماس مثل الكفار.. صحيح أنهم قتلوا الشاب، ولكن ما فعلوه بأمه أكثر ألف مرة من القتل.

حماس هم «إخوان» فلسطين، أو فرع فلسطين، وتحتل مكانا متقدما فى جدول أعضاء التنظيم الدولى للجماعة المحظورة.. والتنظيم معناه أن الجماعة حركة عالمية لا تعترف بالهوية الوطنية، ولا بالعلم ولا بالنشيد، لا يعترفون بوطن يجب الدفاع عن ترابه والاستشهاد فى سبيله، وطنهم يشمل أية قطعة أرض فى الكرة الأرضية ترفع أعلام الإخوان. لهذا تعجب البعض من اجتراء مرشد الجماعة المحظورة على مصر وقيامه بسبها والاستهزاء بشعبها، لم يكن غريبا أن يقول «طظ» فى مصر، لأن دعوته لا تعترف بالحدود القطرية، ولم يكن عيبا أن يقول إن مصر يمكن أن يحكمها موريتانى أو سنغالى، ليس مهما الجنسية، ولكن الأهم هو أن يكون الحاكم على دين الإخوان.
حماس نفس الشىء.. من لا ينتمى لعقيدتها هو خارج عن الإسلام، ويجوز عليه ما يجوز على الكفار المشركين، وبدلا من أن «يقطعوا تقطيعا»، «تفجر رؤوسهم بالرصاص تفجيرا»، والكفار لا تأخذكم بهم شفقة ولا رحمة.. حتى لو كانوا من أبناء الدين الواحد «الإسلام» والوطن الواحد «فلسطين»، هم أعداء من أبناء الوطن!

حماس والمحظورة: النشأة فى أحضان الاستعمار
الإنجليز أنشأوا الإخوان فى الإسماعيلية لشق الحركة الوطنية التى كانت تقاوم المستعمر فى منطقة قناة السويس، ثم تحولت الحركة من جيب سرى للاستعمار، إلى المقاومة المصطنعة ضد الاستعمار.. وكانت أفضل عباءة لتجميل صورتها أمام الرأى العام هى المتاجرة بالإسلام ورفع شعارات إسلامية. «حماس» نفس الشىء، وأرادت إسرائيل بتأسيسها شق المقاومة الفلسطينية، وخلق طوابير مؤهلة من الجواسيس تخبرهم أولا بأول بتحركات الفدائيين، ولم تجد الحركة سوى شعارات إسلامية لتدارى بها خيانتها.. وبمرور الوقت تحولت حماس من الخيانة إلى «الجهاد» بعد أن طمعت فى السلطة والحكم. مصر ذاقت الأمرين من الجماعة المحظورة منذ نشأتها، قبل الثورة وبعدها.. أيام الملك فاروق ثم عبدالناصر والسادات وفى الوقت الحالى.. لم يتحالفوا مع نظام أو حاكم إلا وانقلبوا عليه وتآمروا ضده.. ونفس الشىء فعلته «حماس» التى تحولت إلى شوكة فى ظهر عرفات حيا، وبعد موته هاجموا منزله ونهبوه ثم حطموا أثاثه وحرقوه.

حماس والمحظورة: من يحرك الشيطان
إيران تلعب وتعبث، وتدحرج «كرة النار» من أرض فارس إلى بلاد النهرين فى العراق، ثم لبنان وفلسطين ليكتمل الهلال العظيم الذى كانوا يطلقون عليه قديما «الهلال الخصيب» إلى «هلال النار»، وهلال النار أصبح طرفه الجنوبى على حدودنا الشرقية فى سيناء. كما اعترف مرشد الجماعة المحظورة فى مصر بأن حركته عالمية وأنه ينفذ «أجندة» التنظيم الدولى، يفعل نفس الشىء قادة حماس، فعندما يأتى إسماعيل هنية إلى مصر ثم السعودية ويعلن موافقة حماس على اتفاق الهدنة، ثم يذهب إلى إيران ويعود إلى غزة، يحنث بوعوده ويتعمد تخريب أى اتفاق. خالد مشعل قائد حماس فى الخارج مقيم فى دمشق، وسبق لمدير المخابرات السورية أن صرح بأن بلاده ليست فندقا خمسة نجوم يقيم فيه قادة حماس ويديرون أعمالهم.. وكان كلامه يعنى أنه عليه أن يستمع ويوافق على ما يملى عليه. هذا يعنى أن هموم الشعب الفلسطينى وعذابه ومعاناته، لا تدخل أبدا فى حسبان حماس، لا يعنيهم أن يقتل العشرات أو أن يموتوا جوعا.. ومنذ متى كان للفرد وحياته وحقوقه أدنى اعتبار عند هذه الجماعات؟!

حماس والمحظورة: الديمقراطية مجرد رقصة مع الشيطان
أشد الناس عداء للديمقراطية هم تلك الجماعات التى تعتقد أن لديها تفويضا إلهيا للحكم وتطبيق الشرع الذى يريدونه، وليس شرع الله.. الديمقراطية عندهم ليست إلا وسيلة للوصول إلى الحكم وبعدها سوف يجلدون الديمقراطية بالسياط ويقطعون رأسها بالسيف. الديمقراطية لدى تلك الجماعات معناها التفويض الإلهى، وأن يفعل قادتهم أو أولو الأمر ما يشاءون، فهم مفوضون من الله سبحانه وتعالى أن يحققوا عدالتهم المنقوصة المشوهة دون أن يستطيع الفرد أن يرفع رأسه أو ينطق حرفا.. إلا أصبح كافرا يجب عليه الحد. ديمقراطيتهم أسوأ من الديكتاتورية، لأنها ديمقراطية قوامها تأليه الفرد، وإضفاء صفات مقدسة عليه، تعصمه عن الخطأ وعن السؤال والمحاسبة، لأن الآلهة لا يخطئون، وبالتالى لا يحاسبون.. ديمقراطية أساسها الموت للكفار كما فعلوا مع الشاب الصغير المنتمى لفتح وأرغموا أمه على أن تزغرد وترقص وتدوس على جثمانه الصغير بعد قتله.

حماس والمحظورة.. عدالة قطع الرقبة
فى تاريخ حماس والمحظورة ملفات أكثر سوادا من الليل البهيم فى القتل والتعذيب والتنكيل.. يختص شيوخهم العواجيز بإصدار أحكام سرية بالقتل، ويتم إبلاغها للشباب والغلمان الذين تم غسل أدمغتهم لتنفيذها بأبشع أساليب القتل. الموت بهذا الأسلوب المرعب معناه إثارة رعب أكبر فى نفوس من تسول لهم أنفسهم أن ينطقوا أو يعترضوا، فأحيانا يكون «الموت الآمن» هو أقصى غايات الخائف الباحث عن العدالة والحرية. حماس والمحظورة ليس لهما قانون مكتوب ولا تعترفان بقضاء دنيوى ولا قضاة مدنيين، قضاؤهم سريع وعاجل وله قانون خاص من أسوأ كتب التفسير فى عصـــور الردة والانـــــغلاق والظلامية، ونهاية مشهد المحكمة التى لا تستـــغرق سوى لحـــظات يكــون إما بالسياف، أو برصــــاص غادر، دون محاكمة عادلة. «المحظورة» تعترف بقانون الدولة وقضائها فى الأحوال التى تخدم مصالحها، وبعد ذلك تتمرد على القانون وتشكك فى القضاء ولا تحترم الشرعية ولا الدستور، تأخذ ما ينفعها ويحقق مصالحها وتمزق ما عداه وتلقى به فى سلة المهملات.

حماس: المرأة الفلسطينية هى أولى الضحايا
المرأة الفلسطينية أولى ضحايا حماس، فابنها أو زوجها أو شقيقها أو أبوها.. إما قاتل أو مقتول.. كتب عليها أن تعيش حزينة مكلومة، تخرج من حزن لحزن ومن جنازة لجنازة.. ولا يوجد بيت فلسطينى واحد إلا وعلى جدرانه صورة فقيد إما برصاص الأعداء أو الأصدقاء وأبناء الوطن.
لا تقف أحزان المرأة الفلسطينية عند هذا الحد، بل دمروا منظومتها النفسية، وصار مشهد النساء الفلسطينيات وهن يزغردن ويوزعن الحلويات والشربات عند قتل عزيز لديهن.. صار مشهدا غريبا ويتنافى مع جلال الموت وهيبته ووقاره. القتل أصبح زائرا يمكن أن يأتى فى أية لحظة دون سابق موعد، لا يستأذن ولا يدق الأبواب، بل يدخل من الشباك ومن الباب أو من «خرم أبرة».

المحظورة : المرأة للمتعة أو الخدمة
أقوال زعماء المحظورة عن المساواة بين الرجل والمرأة، وحقوق المرأة.. مجرد أكاذيب المقصود منها جذب التعاطف، وأن تظهر دعوتهم المتخلفة المعادية للنساء فى صورة الحركة الحضارية المتقدمة التى تسوى بين المرأة والرجل فى الحقوق والواجبات. المساواة بين الجنسين عند «المحظورة» وهم وخيال، وليس أدل على ذلك من الحرب المدروسة طويلة المدى ضد المرأة وحقوقها ودورها ومكانتها التى تديرها المحظورة والمتعاطفين معها ضد النساء وحقوقهن فى مختلف وسائل الإعلام. لا يمكن أن تصادف قضية نسائية هادفة فى وسائل الإعلام التى تسيطر عليها أفكار المحظورة، فالمرأة إما محظية أو لمتعة الرجل، وتقتصر فتاواهم ودروسهم على الجانب الأنثوى من المرأة، وإهمال عقلها ووعيها وفكرها ومكانتها الاجتماعية. تحولت نساء الإخوان إلى جيوش من المنكسرات الباحثات عن دور فى «جراج» المجتمع.. نساء يشبهن إلى حد كبير محظيات السلطان، ولا يتحدثن إلا عن الآخرة وميزان الحسنات، وكأن الدنيا رجس من عمل الشيطان.
اتسعت مساحة الحرام فى جسد المرأة وعقلها وفكرها، وأصبحت مثل الشيطان أن أقبلت أو أدبرت فى المجتمع.. كل شىء فى المرأة حرام، وكأن الغريزة والإثارة هى المحرك والمحرض، وإن الله خلق النساء فى الدنيا من أجل المتعة وإشباع الرجال.

«حماس» و«المحظورة» :
فلتحيا الميليشيات لأول مرة يشعر المصريون بالرعب عندما شاهدوا طلبة جامعة الأزهر يقومون بعروضهم القتالية بنفس أســــــلوب حــــــماس وملابسها وشعاراتها وأدواتها.. شعر الناس بالخطر ينبت تحت الجلد، ويجرى فى الدماء ويلامس الأعصاب، خــــــــطر حقيقى ينبع من الأعماق وليس مستوردا من الخارج. الشعب المصرى بطبيعته طيب ومسالم يكره العنف ولا يحب منظر الدماء، لن يخرج فرحا وطربا ورقصا وإطلاقا للرصاص وهو يودع القتلى، والشهداء، ولن تزغرد النساء على رءوس أبنائهن وهم مقتولون.. نحن شعب يجل الموت ويحترم الأحزان. بالله عليكم، ماذا يقول من قتلوا برصاص أبناء الوطن والدين لخالقهم، وهل هم كفار قتلوا عدلا وقصاصا، أم شهداء ضحوا بأرواحهم دفاعا عن أرض أو عرض أو دين.. من القاتل ومن المقــــتول؟.. ومن الذى يدخل الجـــــنة ومن الذى يذهب إلى النار ؟ قانون الميليشيات هو الأسوأ فى تاريخ البشرية منذ عصور البشرية الأولى حتى الآن، والأكثر سوءا إذا كانت لميليشيات دينية، لأنهم يعتبرون البشر مجرد شاه تجب التسمية عليه قبل أن يمر السكين فوق رقبته.

«.. ماذا لو حكم الإخوان»؟!
«لو» تفتح عمل الشــيطان.. وكثيرا ما يرتدى الشـــــيطان ثياب الواعظين، ويبشر أهله بالجنة والنعيم.. لكنها دعوة ظاهرها الرحمة، باطنها العذاب.. عذاب لا ينتهى