Print

اتفاق بمها باطل بطلانا مطلقا 

ووصمة فى جبين العدالة والانسانية

source American Coptic Association  

     حتى نتتبع سويا – القارئ العزيز وكاتب هذه السطور – معنى هذه العبارة، يتعين أن نتفهم معا ما هو البطلان المطلق وما هو البطلان النسبى.  ثم نعرج على مفهوم القانون الجنائى فى عبارة موجزة، ثم ننتهى الى ما يعرف بالاشتراط لمصلجة الغير.  وذلك حتى نتبين كنه ذلك الاتفاق العجيب.

 

 

     البطلان المُطلق هو ذلك الاتفاق الذى يتعارض مع القانون أو الدستور أو النظام العام.

 

     فمثلا إذا اتفق شخص مع آخر على أن يقوم الأخير بسرقة محل تجارى ويحصل الطرف الأول على نصف المسروقات مقابل مراقبة الطريق فى الوقت الذى يقوم فيه الطرف الآخر بعملية السرقة، فلا يحق للطرف الأول مقاضاة الطرف الآخرلتنفيذ هذا الاتفاق لأنه باطل بطلانا مطلقا لمخالفته للنظام العام. 

 

     كذلك اذا اتفق شخص مع امرأه على أن يباشرها دون زواج حتى ولو كان الزواج عرفي، مقابل مبلغ من المال، لا يحق لها مقاضاته اذا أخل بالتزامه لأن العقد باطل بُطلانا مُطلقا لأنه يتنافى مع الآداب والنظام العام.   وهذا البُطلان المطلق لا يمكن تصحيحه بأى شكل من الاشكال.  

 

     اما البُطلان النسبى فهو ذلك البُطلان الذى يُمكن تصحيحه .  مثلا إذا أبرم أحد الأطراف اتفاقا مع آخر، ولكن كان الأول مُكرها على ابرام ذلك الاتفاق، فان الطرف المُكره يمكن أن يُبطل هذا الاتفاق فى خلال مدة معينة لأن ارادته كانت معيبة اثناء ابرام الاتفاق   مع ذلك يمكن للطرف الذى يقع عليه الاكراه ان يُجيز العقد صراحة أو ضمنا.  ويتم صراحة بالتنازل عن البطلان وضمنا بتنفيذ العقد أو فوات المدة التى تُجيز له اقامة دعوى بُطلان.

 

     وقبل أن أتعرض إلى اتفاق بمها الميمون، يتعين أن أتعرض على ماهية القانون الجنائى.

 

     القانون الجنائى فى ايجاز تام هو حق المجتمع الإنسانى فى أى دولة من الدول المتمدنة فى أن يعيش مواطنوها فى مأمن من أى عدوان عليهم بأى نوع أو أى درجة من درحات العدوان.  وأى إنسان يُخل بهذا الحق - حق الافراد فى سلامتهم وفى أرواحهم أو ممتاكاتهم- يكون مُعرضا للعقوبة.

 

     فحق الانسان فى سلامته وسلامة ممتلكاته، وان كان حقا فرديا الا أن المجتمع ككل هو  الذى يقوم بكفالة وسلامة هذا الحق.  ويمثل المجتمع فى هذا الالتزام ، الحكومه بطبيعة الحال.  والحكومه تعين رجال القانون ورجال الامن الذين يتخذون الاجراءات اللازمة سواء البوليسية أو القانونية للقصاص من المعتدى أو المعتدين.  وذلك يتم عادة بواسطة البوليس والنيابة والقضاء.  والقاعدة أنه لا يجوز لأحد أن يقتص لنفسه.  وهذا تطبيقا للشرائع المتمدنة حتى لا تسود شريعة الغاب وتعم الفوضى.

 

     ومن ثم تقتص الدولة وليس الافراد من أى فعل إجرامى يرتكبه أحد الأفراد أو مجموعة من الأفراد.  ومن هنا تكون العقوبة مشددة على سبق الإصرار لأنها تنم عن طبيعة إجرامية كامنة فى الشخص.  كما أن الإتفاق الجنائى يكون له عقوبة اشد لخطر الإتفاقات الجنائية على المجتمع ككل، كما أن الإتفاقات الجنائية تشكل عملا إجراميا مكثفا فيكون أكثر خطورة من العمل الإجرامى الفردى. 

 

     القصاص إذن مكفول للمجتمع ممثلا فى النيابة والقضاء.  أما حق المجنى عليه فى اتخاذ إجراءات فيتمثل فى التعويض المادى فقط عن الضرر الذى أصابه من جراء الاعتداء.

 

     فالعقوبة الجنائية حق للمجتمع وليست للافراد حتى لا تسود شريعة الغاب.

 

     فى ظل هذه الأسس القانونية بل والتى تصل إلى حد البديهية يمكننا أن نقول أن إتفاق بمها كان باطلا بطلانا مطلق، ذلك أن المسيحيين قد تنازلوا عن حق لا يملكونه كافراد أو كمجنى عليهم.  فهذا الحق حق للمجتمع ككل ممثلا فى النيابه، والتنازل عنه (ان كان النتازل سليما علىنحو ما سيجئ) يكون باطلا بطلانا مطلقا.    

     الصلح والتنازل قد يخففان عقوبة الجانى، ولكن لا تلغيه اطلاقا.

 

     وهنا يحضرنى مثال عاصرته بنفسى فى (البانى) عاصمة نيويورك.  فقد اختلس شخص مبلغا من المال أؤتمن عليه.  اخطره القاضى إما أن يرد المبلغ المختلس ويقضى شهرين فى السجن المحلى فى المدينة، أو يقضى ثلاث سنوات فى السجن المركزى فى الصحراء فى حالة عدم الرد.  وقد اختار الجانى الوضع الاول فحكم عليه بشهرين فقط فى السجن المحلى بعد رد المبالغ المختلسة.

 

     أما كون القاضى يبرئه تحت أى ظرف من الظروف فهذا لا يملكه القاضى ولا يمكن أن يتحقق طالما أن ادانة الجانى ثابته.

 

     هنا... فى قرية بمها قام المجرمون مع سبق الاصرارفى اتفاق جنائى باعداد البنزين والوقود لاشعال النيران فى بيوت المسيحيين ونهب ممتلكاتهم.  أى انهم ارتكبوا جريمة حريق عمد مع سبق الاصرار، وذلك فى اتفاق جنائى.  وهذه الثلاثه مجتمعه عقوبتها االاعدام أو الاشغال الشاقه المؤبده اذا وجد سبب لتخفيف العقوبه.  ولا يجوز لكائن من كان أن يتنازل عن حق المجتمع فى عقوبة الجناه سواء كانوا من المجنى عليهم أو السلطه التنفيديه.  وهذا الحق من النظام العام الذى لا يمكن الاتفاق على خلافه.

 

     من هنا يكون الاتفاق على التنازل عن الشكوى عن الجرائم التى ارتكبت فى حق المجنى عليهم اتفاقا باطلا بطلانا مطلقا.

 

     أما التداعيات الإجتماعية الناشئة عن هذا الاتفاق فله مجال آخر.

 

     وقد تضمن الاتفاق العجيب أنه لا يجوز للأقباط بناء كنيسة أو قبة أو منارة أو رفع صليب أو جرس.

 

     هذا الاتفاق ان دل على شئ فهو يدل على منتهى الجبن.  فالشخص الجبان يستمد شجاعته من انتمائه إلى الكثرة العددية وليس من الحق.  وليثبت هذه الشجاعة الزائفة، يتطرف فى ابداء شجاعته المزعومة فيقوم بعمل ما كان ليقوم به لو كان بمفرده، أو كان يقوم بمثل هذا العمل وهو يعلم أن القانون سوف يُعاقبه عل تلك الجرائم.  وبارتكاب هذا العمل الإجرامى يستشعر فى نفسه القوة فيُغالى فى سلوكه الإجرامى حتى يتأكد من أن جبنه قد تحول إلى شجاعة. 

 

     هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الصليب رمز للمسيحية، وليست مسئولية المسيحيين أن هناك جهلة لا يعرفون أو مجرمون لا يعرفون أو يدركون معنى هذا الرمز السامى.  ان المسيحيين لا يمكن أن يكونوا مسئولين عن جهل التعصب والمتعصبين.

 

     ان حق بناء الكنائس والعباده حق دستورى والتعدى على حرية العباده بصورتها الكامله ليست الا تعد على الدستور.  نعم إن الدستور المصرى موضوع للديكور ليس إلا، ولكن الحق الانسانى والعرفى والاخلاقى يُلزم اصحاب المعتقدات كافة باحترام المعتقدات الاخرى.

 

     هناك نغمة جديدة قائلة بأن الصليب والأجراس يُثيران اشمئزاز المسلمين.  هذا هراء وقلة ادب.  متى كان ذلك؟  على مدى عقود وقرون كانت تُبنى الكنائس بالأجراس والصلبان وتتعانق مع المنائر والهلال.  ولم نسمعْ ولم نر أيا من هذه المقدسات تُثير أيا من المسلمين.

 

     هل لو سافرهؤلاء المسلمون إلى فرنسا أو انجلترا أو أمريكا سوف يستفزهم منظر الصليب؟  بالطبع لا.  ولكنه الجبن والنذالة فالجبان كما قلت يحب أن يشعر بقوته وسطوته لأنه ينتمى إلى الأكثرية العددية.  خاصة إذا كان يحميه نظام بلغ من الضعف والوهن حدا تداعت فيه كل القيم الأخلاقية.

 

     ولا يسعنى إلا أن أقول خسئ هؤلاء المجرمون وخسئ كل نظام يحميهم وخسئ كل اتفاق لا يُدين المجرمين، وخسئت أجهزة الدولة التى لا تحمى مواطنيها، وخسئت الدولة التى لا تحترم عقائد مواطنيها.     

 

     الخلاصة أن الاتفاق على جزئية عدم رفع الصليب والاجراس اتفاق باطل بطلانا مُطلق، لانه يتعارض تعارضا صارخا مع الدستور والنظام العام والأخلاق إذا كان للأخلاق ثمة أهمية.

 

     أما الدولة التى وصل بها الضعف والوهن والهوان بأن تعجز عجزا تاما وشائنا عن العمل على استتباب الأمن وضمان الحريات فقد فقدت بذلك  كرامتها وسلطانها وسلطتها بل وكيانها.

 

     ثم نأتى إلى النقطة التالية، وهى التنازل عن أى تعويض للمضرورين تحت شرط جزائى قدره 200000 جنيه مصرى.  بمعنى أن من يُطالب بتعويض يقع تحت طائلة هذا الشرط ويلتزم بسداد هذا المبلغ العجيب.

 

     وعلى مدى خمسين عاما من العمل القانونى الفرنسى والمصرى والانجلو ساكسونى، لم اشاهد ولم أسمع شرطا يطوى هذا القدر من الشر والعجرفة وقلة الأدب.

 

     مع ذلك فهذا الشرط باطل بطلانا مطلقا  من عدة نواح.  من ناحية محل الالتزام، وسبب الالتزام، والاكراه.

 

     تنص الماده 133فقرة أولى من القانون المدنى المصرى على أن يكون العقد باطلا إن لم يكن محل الالتزام معينا بذاته وبنوعه ومقداره.

 

     وتنص المادة 136 من القانون المدنى على أنه إذا لم يكن للالتزام سبب أو كان سببه مخالفا للنظام العام أو الآداب كان العقد باطلا. 

 

     وتنص الماده 137 فقرة "ا" يجوز ابطال العقد للاكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبه بعثها المتعاقد الآخر فى نفسه دون حق، وكانت قائمة على اساس.

     وتنص نفس المادة فقره "ب" وتكون الرهبة قائمة على اساس اذا كانت ظروف الحال تصور للطرف الذى يدعيها أن خطرا جسيما محدقا يهدده هو أو غيره فى النفس أو الجسم أو الشرف أو المال.

     وتنص الفقره "ج"  ويراعى فى تقدير الاكراه جنس من وقع عليه الاكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر فى جسامة الاكراه.

 

     وكما هو واضح أن محل الالتزام هنا هو وجود دار للعبادة بالنسبة للمسيحيين يُصلون فيها دون أى عدوان من بنى وطنهم وجيرانهم الذين عاشروهم عقودا وقرونا مضت فى نفس القرية.

 

     أما سبب الالتزام فهو رغبة المسيحيين فى أن يُمارسوا شعائرهم الدينية بالصورة والمظهر الذى تحدده تلك العقيدة.

 

     اما عن محل التعاقد كسبب من أسباب البطلان  فهو واضح وضوح الشمس.  ذلك أن محل التعاقد هنا هو ممارسة الشعائر الدينية المسيحية وهو حق دستورى وقانونى.  فإذا تنازل شخص عما أصابه من ضرر وعدوان فى سبيل ممارسة حق خوله له القانون والدستور، كان هذا التنازل باطلا لانه ورد على لا شئ،  فحق العبادة لا ينشئه التعاقد بل هو حق دستورى مخول للمسيحيين قبل التعاقد ولا يجوز للجانى أن يكتسب مغنما من ممارسة المجنى عليه حقا دستوريا مخوَل له قبل الاتفاق أو التعاقد.

 

     ومن هنا يتبين فى حقيقة الامر أن الاتفاق لم ينشئ حقا  أو مركزا قانونيا جديدا ومن ثم يكون الاتفاق قد ورد على لا شئ ويتعين ابطاله.

 

     أما سبب التعاقد فهو فى حقيقة الامر ممارسة المسيحيين لشعائرهم فى سلام دون عدوان .  وكأن الاصل أن يكون العدوان قائما والاستثناء أن يعيش المسيحيون فى سلام.  وهذا الهراء يبطل التعاقد لان سبب التعاقد فير مشروع ذلك أن سلامة الانسان فى ممارسة شعائره حق يكفله الدستور وليس الاتفاق.  فالعقد اذن باطل بدوره فى هذه الجزئيه. 

 

     ولا اخال أن كاتب هذه السطور فى حاجه الى مزيد من الشرح أو الاسهاب لتبيان الاكراه الاجرامى الدى وقع على المتعاقدين المسيحيين لابرام هذا العقد الشاذ.  فالاتفاق قد تم مباشره بعد الافعال الاجراميه التى تمت ضد المسيحيين وذلك دون أى حمايه.  فاذا حدث أى اتفاق عقب هذه الافعال لن يختلف اثنان على أنه فى حالة هذا الاتفاق لن يكون للمجنى عليه المسيحى أى بديل عن قبوله، ذلك أنه يعلم جيدا أن البديل سيكون مزيدا من الاعمال الاجراميه دون أية حمايه من السلطات المبجله.

 

     يتبين اذن أن عنصر الاكراه متوفر بكل عناصره ولسنا بحاجة الى مزيد من الايضاح.  ومن ثم يتعين ابطال هذا الاتفاق، والغاء هذا اللغو.  ومن ثم يكون للمجنى عليهم حق المطالبه بالتعويضات اللازمه وعلى الجناه أن يتحملوا وزر جرائمهم.

 

     كذلك قد خطر لى عامل آخر من عوامل البطلان.  وهو أن هذا العقد كان اشتراطا لمصلحة الغير.  وما هو الاشتراط لمصلحة الغير؟

 

     اذا اتفق شخص مع شركة تأمين على أن يؤمن على حياته بمبلغ من المال على أن يسدد هذا المبلغ فى حالة وفاته الى "أ" من الناس.  يكون ل"أ" حق المطالبه بمبلغ التعاقد فى حالة وفاة الشخص رغم ان "أ" لم يكن طرفا فى التعاقد.

 

     فى حالة اتفاق بمها الميمون تم الاتفاق بين الكاهن واحد الشيوخ وعضو مجلس الشعب، وربما أحد اعيان القريه المسيحيين وممثل الحكومة الموقر.

 

     الاتفاق الذى أبرموه لم يكن اشتراطا لمصلحة المضارين بل اشتراطا للضرر بهم.  ولم يعرف القانون ما يمكن أن يسمى "اشتراط ضد مصلحة الغير".  كما أنه لا يمكن أن يكون مُلزما لغير أطرافه لأنه لا يجوز الاتفاق على إلحاق ضرر لطرف ثالث.

 

     وانى اناشد الزملاء المحامين المسيحيين فى مصر أن يتخذوا من هذا البحث المتواضع تكئه للمبادره بابطال اتفاق بمها والمطالبه بالتعويضات اللازمه للمضارين مع اقامة كنيسه كدار للعباده لهم حسب نص الدستور وبالمواصفات الدينيه.

 

     وعلى الدوله أن تبين انها فعلا دولة مؤسسات وانها لا تحمى الجريمه والمجرمين وتقوم بحماية المواطنين المسيحيين فى كل المراحل.

 

     وان لم يجدوا فى انفسهم الكفاءه لحماية المواطنين عليهم ان يتركوا مقاعدهم لمن يجد فى نفسه الكفاءة للعمل على استتباب الأمن وكفالة الحريات.

 

 حنا حنا المحامى

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.