Print

الطب والإرهاب
ستتشكل في ذهن الإنسان الغربي صورة مؤداها أن الطبيب المسلم (لا يؤتمن)؛
 فقد يعمل على قتلك وأنت في مكان عام، فكيف إذا سلَّمت له نفسك؟

الجزيرة السعودية
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ


الطب مهنة تعنى بالحياة، ومنتهى غايتها أن تخلص الإنسان من معاناته؛ لذلك فالطبيب هو مصدر من مصادر الرحمة بين بني البشر. مهمة الطبيب الأولى هي درء الأخطار التي تهدد حياة الناس، والعمل على إطالة أمد حياة الإنسان قدر المستطاع، وإبعاد شبح (الموت) عنه. وعندما يصبح الطبيب عوناً للموت، وموظفاً لدى عزرائيل، فإن هذا الكائن البشري يتحول إلى (شيطان) رجيم.

 

 

هذا ما تبادر إلى ذهني وأنا أتابع قضية الأطباء الذين شاركوا في قضايا الإرهاب في لندن وغلاسغو، حيث إن سبعة من الثمانية المشتبه بضلوعهم في تفخيخ سيارتين في لندن هم أطباء أو أطباء تحت التمرين، والمرأة الوحيدة من بينهم هي باحثة مختبر طبي! كما أن ثلاثة أطباء تحت التدريب والذين تم إرسالهم إلى لندن للتحقيق معهم سبق لأحدهم زيارة مطار غلاسغو قبيل العملية الإرهابية الفاشلة. وهذا ما يجعلنا نؤكد أن (الأيديولوجيا) إذا تمكنت من فكر شخص، و(استعبدته)، وملكت كل مشاعره، وسيطرت على رؤاه، يتحول إلى (غول) ينشر الرعب والخوف أينما حل واتجه، حتى وإن تسربل بمعطف طبيب أبيض.

وعلاقة الطب بالإسلام الإرهابي ليست جديدة بالمناسبة. عرفناها منذ الطبيب أيمن الظواهري الذي ترك مهنته (الإنسانية) وتحول إلى وحش يختبئ في جحر في جبال أفغانستان، ينظر لذبح الناس واغتيالهم بدلاً من إنقاذهم. وعرفناها نحن السعوديين مع الطبيب سعد الفقيه القابع في لندن الذي يقدم كل إمكاناته (للإيجار) لكل من أراد زعزعة الأمن والاستقرار في بلاده، متخذاً من الدين جسراً ذرائعياً للوصول إلى أهداف سياسية لا تمت لمهنته الأساسية (الطب) بأية صلة.

قضية (أطباء الإرهاب) التي عرفتها بريطانيا مؤخراً ستلقي بظلالها على سمعة الإسلام، وصورة المسلمين في الغرب. وأول من سيتضرر منها بكل تأكيد هم (دارسو) الطب في المؤسسات العلمية والطبية في الغرب. طالب الطب، وبالذات الملتزم شكلاً بسنن الإسلام، سيكون بالتأكيد محل شك وريبة من قبل أساتذته وزملائه الأطباء، وكذلك المرضى الذين سيتعامل معهم أثناء فترة التعلم وكذلك التمرين والتخصص هناك. الثقة بين الطبيب والمريض هي أساس العلاقة بينهما. وعندما تختل هذه الثقة يجب أن يبحث المريض عن طبيب آخر يكون محلاً لثقته ليتبع إرشاداته، والإعلام في هذا العصر هو الذي يُشكل الصورة النمطية لدى المتلقي بعد حادثتي لندن وغلاسغو، وكون المشاركين فيها أطباء مسلمون (مؤدلجين) كما تقول وسائل الإعلام، ستتشكل في ذهن الإنسان الغربي صورة مؤداها أن الطبيب المسلم (لا يؤتمن)؛ فقد يعمل على قتلك وأنت في مكان عام، فكيف إذا سلَّمت له نفسك؟ هذا ما سيكون عليه حال كثير من الغربيين، والطبيب الذي لا يتعلم في المؤسسات الطبية الغربية، ولا يتدرب تحت إشرافها ولا يحمل إجازاتها العلمية والعملية، يبقى من حيث التصنيف العلمي والمهني العالمي لهذه المهنة تحديداً في درجة متواضعة. بمعنى أن التدريب، وكذلك التواصل مع الغرب، هما شرطا الضرورة لاكتمال التخصص في المجال الطبي، فضلاً عن التفوق فيه، وليس لدي أدنى شك أن حادثتي لندن وغلاسغو ستكونان عقبة كأداء في المستقبل سيُعاني منها الأطباء وكذلك دارسو الطب المسلمون كثيراً.

كنت أقول إن الصحوة، أو قل: (الأدلجة السياسية المتأسلمة)، كفيلة بالقضاء على كل القيم والأخلاق والمثل الإنسانية العليا، وتجذير ثقافة لا تقوم إلا على الذبح والقتل والتفجير، فضلاً عن البغضاء والعداء والكراهية لكل من هو خارج نطاق (الأنا) بمعناها الطائفي البحت. وعندما يُقدِم أطباء (صحويون) على هذه الفعلة الشنيعة التي لا تمت لأخلاق المسلم السوي، فضلاً عن الطبيب بصلة، فهذا يؤكد ما كنت أقوله وأكرره دائماً.