Print

 

الفساد احد مكونات أي منظومة عربية

محمد البدري نشرت في جريدة القاهرة  العدد 382 بتاريخ 7 أغسطس 2007 

حالة الاحتراب المسلح بين حماس والسلطة الفلسطينية ليست الاولي في تاريخ العرب والاسلام. فقد تكرر الموقف كثيرا تحت ظروف مختلفة. اسموها يوما باحداث الفتنة. وهو تعبير غامض خادع يخفي بتعمد اسباب الحدث. فما الذي تصارع داخل الكتلة الفلسطينية؟

 

انه الاسلام وفريق الخلافة من جانب والعروبة من جانب آخر. حجه الاول الفساد. باعتبارهم أصاحب توكيل الطهارة المقدسة والايادي المتوضئه وهي حجه عقيمة لان الفساد احد مكونات أي منظومة عربية اسلمت او لم تسلم اينما وجدت. لكننا نعلم ان الوضوء وطهارة اللحظة الاولي لم تمنع اغتيالا وانقلابا منذ عصر الخلافة حتي احداث غزة الاخيرة.  اما علي جانب العروبة فان التهمة هي الانقلاب علي الشرعية رغم ان شرعية العروبة غير شرعية اساسا. لتعدد مكونات أي مجتمع.  وللمنكرين لهذا التحليل ان ياتوا ببرهانهم من التاريخ ان كانوا صادقين؟  صراعهما إذن هو قنبلة تاريخية مزمنة. فالحقوق الفلسطينيية باتت اكثر ضياعا في صراعهما الذي  يتماهي حول مساله الشرعية الغير شرعية اساسا!!

 إسلام حماس جعل  قطاع غزة رهينة بحجة القول ان اليهود لا مكان لهم او علي الاقل عليهم الخضوع للمنظومة الاسلامية واحكامها الفقهية مثل اهل الذمة وما علي شاكلتها. اما العروبة فهي تقول بان الارض عربية ولا ينبغي سكناها من غير العرب. وهنا تتكامل المنظومتين في استبعاد اليهود وغير اليهود وكل من لا يقر بعروبته فان اختلفت ديانته فهو إذن من اهل الذمة!! فلم الخلاف بينهما إذن؟

 بهذا الترابط الفوضوي بين العروبة والاسلام نشات وتشكلت المنطقة لقرون عده، فتم تمرير العنف الملازم للسلطة عربيا و اسلاميا. لذا كان يطلب من الناس الخضوع للعنف العربي والاسلامي. أما ما يطلب بالاصطفاف ضده هو فقط الاستعمار الاوروبي الذي مر علي المنطقة كاستعمار تقليدي او كدولة حديثة كاسرائيل. فاصبح هناك عنف حلال وعنف حرام، عنف محلي يصلح لكل زمان ومكان وعنف وافد يطلب الجهاد ضده كفرض عين. 

كان عنف الدولة العربية الداخلي "الحلال" مزدوجا عبر عروبتها واسلامها. فحيازة السلطة لم تكن  بالجدال بالتي هي احسن انما بالسيف باعتبار ان الخوف كفيل لاخضاع من تسول له نفسه شيئا من الديموقراطية او الشك فيما هو عقائدي. وكتب التاريخ العربي والاسلامي تعجان بكل انواع العنف الثقافي والحضاري والفكري والبدني. لكن الفارق بينهما وبين باقي الانماط الحضارية، المختلفة عبر العالم، ان كل منظومة حضارية مارست العنف يوما تطلبتها حركة تطور الجتمعات وليس لتكرار ما صلح به اولها والذي لم يجدي في منع تجدد استخدام العنف. لهذا انتقلت المجتمعات الغير عربية وغير اسلامية الي حالة تختلف نوعيا عن سابقتها. لكن ان يستمر العنف مصاحبا للعروبة والاسلام بدون أي افق ظاهر لنهايته بتحول الي تحضر واضح وديموقراطية صريحه يحيلنا الي فوضي بلا نهاية. عنف الاسلام في التكفير وهو ما وقع فيه أمراء حماس بعد وصولهم بالانقلاب المسلح الي دار الخلافة في غزة. 

فنموذج باكستان وطالبان  يلوح في الافق المصري مع حماس. تتشابه الحالتين بحدود جغرافية مشتركة بسكان تختلط معهم علاقلات النسب والدين وخطرا علي كلا الجانبين. المشترك بينهما عبر الخط الحدودي الفاصل هو الاصولية والقبلية. تشابكهما عبر الحدود الدولية الفاصلة مثل خطرا علي الحكومة الباكستانية هناك ويهدد الامن المصري هنا. فالولايات المتحده هناك تدير الامور علي طريقتها بحثا عن القاعدة وهنا تراقب اسرائيل الامر بحثا عن مقاتلي حماس الذين اصبحوا مصنفين في خانة الارهابيين بعد احداث نيويورك  وتناثر الاخبار عن احتضانهم لاعضاء القاعدة وهروب احدهم الي غزة بعد ملاحقة الامن المصري له. فانقلاب حماس ليس فقط انشقاقا داخل قضية الفلسطينين بل بؤرة اصولية لجماعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حمساوية الطابع. غزه بهذا الشكل اصبحت ولاية وهابية وربما قاعدية علي الحدود المصرية. وهي تبدو كامارة اسلامية اصولية فلا نستبعد تنعمها بمباركة وهابية سعودية. فليس صحيحا ان العرب مستائين من الانشقاق الفلسطيني الحادث. فمنهم من يفضلها علي هذا الاساس. فابو مازن اتهم قطر ضمن بعض الاطراف وراء الانقلاب. وبعض العرب مرتاحون لتجديد المطالبة بالحقوق المشروعة الضائعة. وبعضهم مرتاح ان لم يكن ضالعا في انقلاب حماس لتمكين الاصولية من موطئ قدم بعد ان فقدوها في بلاد الافغان. متناسيين انهم يبددون حقوقا جديدة مستحقة في الداخل الفلسطيني مع تهديد لدول اخري طالما انها خارج جزيرة العرب. 

فلو ان حماس قالت بانها اكثر حداثة من ابو مازن وعلي استعداد لاثبات قدرتها علي ادارة دولة القانون شان كل الدول الحديثة واستعاده حقوق الفلسطينين في الداخل وفي الشتات لاختلف الامر. لكن ان تقيم دولة اصولية علي نهج طالبان بهدف استعاده حقوق الفلسطينين فهو مستحيل تصديقه ( آلاف العالقين علي الحدود نموذجا) لانه لا حقوق اساسا لكل سكان الشرق الاوسط تحت مظلة الاصولية الاسلامية.  كان ممكنا لو صدقت اقوال حماس عن الفساد بان تقوم باصلاح ديني بخروج اصحاب القضية من تهمة العنف الديني والعسف الاصولي الذي يحاربه العالم. كان ممكنا ان تبدي حماس استعدادها لتجاوز ما في العروبة من عورات او ما في الاصولية من تخلف. لكنها فضلت ان تكرر ذات المشهد القديم مرة أخري بملل لكيفية عمل العقل العربي المصاب بوسواس قهري لمشكلة السلطة عربيا او اسلاميا. فاصبحت غزة شرق الحدود المصرية تتطابق وطالبان غرب الحدود الباكستانية وتبقي باكستان ومصر مهددتين مع الفرق بان مصر لها رصيد من الاصلاح الديني بعكس باكستان بتكريسها الاصولية عبر المعاهد الدينية بها منذ حكم الجنرال العسكري ضياء الحق وقبلها بالانشقاق عقائديا عن دوله الهند الديموقراطية. 

فلم تعرف مصر اصلاحا دينيا بالعنف  بل بالتماس باوروبا. كما لو انها لم تكن مهمومة باصلاح او تجديد الدين في ذاته الا عبر نقل العلوم الي عقول مسلميها. وهو ما فتح باب الاستبصار  في مدي تناقض الدين والعلم. وقت ذاك لم يقل مشايخ مصر ان العلم المنقول في حاجة للاصلاح انما الاسلام هو الذي في حاجة اليه. فالعلم هو المعلوم من الكون بالضرورة والذي يستحيل انكاره والشك فيه. لهذا بدت المجتمعات الغير مسلمة اكثر اسلاما في نظر مشايخ مصر.  وعندها قالوا بان الاسلام في حاجة للاصلاح ليكون دين علم بدلا من دين حيض ونفاس وعنف، فسكتوا تادبا بان الدين هو المسؤول عن التخلف. وتم الاصلاح بالمقال وبالكتابة وعبر الخطب والمنابر أي بالطرق الديموقراطية الغربية. الاصلاح المصري جري زمن الليبرالية علي طريقة الجدال بالتي هي احسن والكتابة بالتي هي ابلغ والنقل بالتي هي انفع بعكس الاصلاح في بلاد العرب المختلفة عن الطبيعة المصرية كالسعودية ووسط آسيا.  فصورة اوروبا المتقدمة كانت عند المصريين ماثلة فيما شوهد هناك او ما اتت به الجاليات الاوروبية المنتشرة بطول مصر بعكس باكستان التي شجعت الاصولية عبر معاهدها الدينية رغم حيازتهم لقنبلة نووية لا يمكن صناعتها علي ارضية اصولية ومعها فقر اقتصادي واجتماعي شديد يسهل صناعته علي ارضية اصولية رغم ما لديها من بقايا الديموقراطية الهندية منذ الانفصال عن الوطن الام. 

فلنقارن إذن بين منجزات الاصلاح الوهابي وما اتي به في واقعهم ومعهم طالبان والمعاهد الدينية في باكستان وغزة مؤخرا وبين الاصلاح المصري الذي تمثل في الالتحاق باوروبا وليس بالانغلاق علي العروبة كافقر منظومة لا ينحبس فيها الا كل ذو حظ تعيس. فان تتوغل الوهابية مجددا في المجتمع المصري مرة أخري هي جريمة تقوض تراكم المصريين كما قوضها العرب عندما اتوها اول مرة مع ابن العاص، باعتبار ان عداء الحضارة من فرائض العرب. وانه لا ينفع مع هدم الحضارة الا عنف البداوة حسب اقوال ابن خلدون. فحماس علي الحدود المصرية إذن هي خميرة طالبانية كمقدمة لن تاتي الا بنفس نتائج ما يجري في بلاد الافغان. 

الان وبعد حادث 11 سبتمبر لم يعد ممكنا الاصلاح داخل العباءة الاصولية باعتبارها اصلاحا لانها هي ذاتها المنفذه لاكبر عمل ارهابي في تاريخ الانسانية. ويصعب ايضا استمرار مزاولة البكاء علي الحقوق المشروعة والضائعة  بعد ان تبنت حماس وجهه نظر طالبان من جهة وتبنت السلطة الفلسطينية الفساد من الجهة المقابلة. وهو ما يطرح سؤال موقع المصريين من هذه التحولات التعيسة عربيا واسلاميا وحاجتنا نحن الي اصلاح اسلام ما بعد النفط ليس لتبرير واقعة نيويورك كما تفعل الاصولية السعودية إنما بمزيد من التماس باوروبا بعد اصلاحها الديني الناجح وتنويرها الذي اضاء ظلام العالم الطويل. فمشايخنا المنشغلين حاليا بقضايا الرده ويتحصلون علي رواتب لاصلاح ما افسدوه هم فان اول ما ينبغي عليهم سماعة هو ذاته نص القرآن الذين يدعون انهم له حافظون والقائل من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. ولينتهوا من هذا اللغو. لان الحرية في اوروبا التي تقيم لهم الان امتحانات قبول وهيئة قبل ان يدخلوها بسلام آمنين لادارة شئون المسلمين هناك، هي ذاتها لا تعير امر الكفر والايمان شيئا. فالمسلمين هناك ليسوا في حاجة لجحيم فتواكم  فلا احد هناك يكفرهم كما تكفرونهم انتم هنا.