Print
مسيحيو المهجر ما لهم وما عليهم !!
القس رفعت فكري سعيد
 ما أن تحدث فتنة طائفية في مصرنا الحبيبة بسبب الاعتداء على كنيسة أو الهجوم
 على بيوت بعض المسيحيين في مكان ما، أو اختفاء بعض الفتيات المسيحيات، إلا ويتبارى بعض الصحفيين والكتّاب في الهجوم على مسيحيي المهجر معتبرين إياهم سبب كل بلاء وأنهم وراء إشعال كل فتنة. فهل مسيحيو المهجر جناة أم مجني عليهم؟! وهل هم متهمون أم أبرياء؟! وهل هم شياطين على طول الخط؟ وهل هم ملائكة على طول الخط؟ هذا ما سنناقشه في هذا المقال بكل حياد وموضوعية لنعرف ما لمسيحيي المهجر وما عليهم.

أولاً :- من الشائع أن الصحفيين وغيرهم يستخدمون عبارة أقباط المهجر بدلاً من مسيحيي المهجر وهو خطأ شائع أرجو تصحيحه حيث أن كلمة أقباط لا تعني مسيحيين فقط ولكنها تعني مصريين – مسلمين ومسيحيين – ومفرد أقباط (قبط) وهي فيما يقال تطوير متدرج عبر قرون للفظ مصري فرعوني هو (هاكا بتاح) وهو ماكانت تعرف به مصر قديماً. والكلمة مكونة من مقطعين تعني الأولى (المعبد) أو الأرض أو المكان ويعني المقطع الثاني (الروح) أو الإله (بتاح). وظل المصريون القدماء ينطقونها هكذا إلى أن جاء الإغريق بما يتناسب مع الحروف اليونانية ثم أضافوا إليها ما يناسب قواعد اللغة الجديدة فتحورت الكلمة وأصبحت مصر تعرف باللغة اليونانية بلفظ (أهيجتوس) وهي الكلمة التي اشتق منها لفظ (إيجبت)Egypt وهو اسم مصر في كل اللغات اللاتينية والأوربية ومع دخول اللغة العربية إلى مصر تحورت الجيم إلى قاف فأصبحت (ايقبط) ثم بسطت فصارت (قبط) ثم أدخلت تحت مطرقة القواعد اللغوية فجمعت (أقباط).

ومن هنا فكلمة أقباط هي كلمة شاملة تعني مصريين سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين ومن ثم لا يجوز إطلاقها على مسيحيي المهجر.

 

 ثانياً :- من غير المنطقي أن يضع البعض مسيحيي المهجر في سلة واحدة أو يصنفونهم تصنيفاً واحداً، فهم متباينون ومختلفون في مواقفهم تجاه القضايا والمواقف المختلفة، حتى أنهم متباينون في موقفهم من الكنيسة المصرية، فمنهم من يؤيد سياستها ومنهم من يعارضها ويهاجمها، لذا لا يجب أن نضع مسيحيي المهجر جميعهم في سلة واحدة. هذا فضلاً عن أنهم لا يعيشون جميعاً في الولايات المتحدة الأمريكية فمنهم من يعيش في أوروبا وكندا واستراليا وانجلترا وسويسرا وغيرها.

 

 ثالثاً :- يُحسب لمسيحيي المهجر أنهم يدافعون عن قضايا حيوية تتعلق بحقوق الإنسان وحقوق المسيحيين في مصر كحقهم في بناء دور العبادة وحقهم في حياة آمنة دون اعتداء عليهم من أحد وحقهم في تولي جميع المناصب في الدولة دون تمييز باعتبارهم مصريين، وحق الأطفال القصر في عدم إرغامهم على اعتناق الإسلام أو إجبارهم على امتحان الدين الإسلامي. وفي دفاع مسيحيي المهجر عن هذه القضايا وغيرها ليس من حق أحد أن يلومهم أو ينتقدهم أو يشن هجوماً عليهم إذ هم محقون ومنصفون وما أكثر المسلمين العقلاء الذين يدافعون عن حقوق المسيحيين بقوة وجسارة إيماناً منهم بأن هناك تمييزاً واضحاً ضد شركاء الوطن لا يمكن أن تخطئه العين.

 

 رابعاً :- من غير الموضوعية أن يلوم البعض مسيحيي المهجر لأنهم يدافعون عن حقوق مسيحيي مصر دون أن يلوموا المتعصبين والمتطرفين الحقيقيين الذين يشعلون الفتن من آن لآخر، فمن يريد أن يقول للباكي لا تبك، عليه أولاً أن يقول للضارب لا تضرب، وإلا سيكون متحيزاً وراضياً بانتهاك حقوق مسيحيي مصر. فمن يعتدي على الكنائس هم المتعصبون وليس مسيحيو المهجر، ومن يضطهد المسيحيين ويحرمهم من تولي بعض الوظائف المرموقة هم المتطرفون وليس مسيحيو المهجر، ومن يريد أن يجبر أطفالاً على اعتناق الإسلام هم أصحاب الفكر المتزمت وليس مسيحيو المهجر. فألم يحن الوقت لأن يكف المخادعون عن خداعهم وهواة لي الحقائق عن أكاذيبهم؟!!

 

 خامساً :- من الأمانة أن نقول إنه بالرغم من التطرف والتعصب الذي نلمسه من حولنا إلا أن عجلة المواطنة تسير للأمام حتى ولو كره الكارهون فلأول مرة في تاريخ مصر تضاف كلمة المواطنة وتوضع في المادة الأولى من دستور مصر، وقد يؤخذ على بعض مسيحيي المهجر أنهم واقفون عند النقطة التي غادروا فيها مصر، ومن ثم فإنهم لا يرون أي تقدم يحدث في مصر مع أن العكس هو الصحيح. ومن ثم فإن هؤلاء غير الموضوعيين يلزمهم وضع الأمور في نصابها الصحيح فمصر مع بدايات القرن الحادي والعشرين تختلف عن مصر السبعينيات ومصر مبارك تختلف عن مصر السادات.

 

سادساً :- قد يقع بعض مسيحيي المهجر في فخ التهويل كأن يحدث شجار عادي بين مسيحي ومسلم أو اختفاء فتاة مسيحية في ظروف غامضة فيضخم البعض مثل هذه الأحداث وكأن مصر تحولت إلى غابة، ولذا على من يمارسون التهويل أن يضعوا المشكلات في حجمها الطبيعي. وإن كانت تحدث مشاجرات عادية بين المسلمين والمسيحيين فأنا لا أنفي أن هناك متطرفين ومتعصبين يعتدون على إخوانهم شركاء الوطن. وإن كان هناك اختفاء لبعض الفتيات المسيحيات وزواجهن من مسلمين بمحض إرادتهن إلا أن هذا لا ينفي وقائع اختفاء فتيات مسيحيات بغية أسلمتهن رغماً عن إرادتهن. وفي كل هذا لا يجب التعميم ويجب وضع كل حالة في حجمها الطبيعي دون تهوين أو تهويل.

 

 سابعاً :- لا يمكن أن نقول أن جميع مسيحيي المهجر أصحاب قضية فهناك فئة قد تعمل لمصالحها الخاصة وتتاجر بالقضية بغية التربح ولكن ليس الجميع كذلك، فهناك الأمناء أصحاب القضية وهناك المدافعون بحق عن حقوق الإنسان أي إنسان أياً كان دينه أو لونه أو جنسه أو جنسيته، ونظراً لوجود الفريقين نشأ الصراع وطفا على السطح واستغل بعض الخبثاء هذا الصراع لإظهار مسيحيي المهجر في صورة المنقسمين على أنفسهم. وحتى لا تضيع القضية وحتى لا يلعب أحد على هذا الحبل لا بديل سوى الاتحاد والترابط ففي الاتحاد قوة وفي التفرقة ضعف.

 

 أخيراً بقي أن نقول لمن يهاجمون مسيحيي المهجر قولوا للضارب لا تضرب قبل أن تقولوا للباكي لا تبك. حاربوا التعصب وعاقبوا المتطرفين واضربوا بيد من حديد كل من تسول له نفسه أن يعتدي على كنيسة، ولا تسمحوا لأحد أن يجبر أحداً على اعتناق الاسلام أو الامتحان الإجباري في الدين الإسلامي، ودعوا كل واحد يغير دينه ويعتنق أي دين يشاء. احترموا حقوق الإنسان ودافعوا عنها كما يفعل العالم الراقي المتحضر، وحينئذ فقط سترتاحون من الإزعاج المستمر الذي يسببه لكم مسيحيو المهجر!!