Print

أقباط المهجر وإشكالية الانتماء

بقلم/ منير بشاى – لوس أنجلوس 

 نشرت جريدة "المصرى اليوم" بتاريخ 23 أكتوبر 2007 مقالاً لفت نظرى فيه الفقرة الأخيرة منه والمنسوبة إلى السيد/ جمال أسعد التى يقول فيها "أنه حذر أقباط المهجر من أن إعلانهم الاعتزاز والإنتماء للجنسية الأمريكية أكثر من إعتزازهم بمصريتهم يجعلهم جزءاً لا يتجزأ من المخطط السياسى الإستعمارى لاحتلال مصر".

 واعترف بداية أننى ترددت فى التعليق على هذا الكلام. فبعض الكلام من السخافة بحيث لا يستحق التعليق.. ولكن المشكلة أنه لتكرار مثل هذه الادعاءات وترديدها من أبواق متعددة رأينا أن بعض البسطاء فى مصر يصدقونها ويتعاملون معها على أنها حقائق ولذا لزم تصحيحها.

 وبداية أرجو من السيد/ جمال أسعد أن يراجع دروس الجغرافيا ليعرف أن العالم يتكون من دول كثيرة تزيد عن مجرد مصر وأمريكا. ولكن يبدو أن البعض لا يرون غير أمريكا فى خارطة العالم، ويخيَّل لهم أن أقباط المهجر لا يعيشوا إلا فى أمريكا. ونسوا أو تناسوا وجهلوا أو تجاهلوا أن أقباط المهجر يعيشون فى جميع قارات العالم الخمس،

فربما أكثر من سبعين فى المائة منهم يعيشون فى بلاد الله الواسعة خارج حدود أمريكا. فكيف يعلن هؤلاء إنتمائهم وإعتزازهم بالجنسية الأمريكية بينما هم قد يعيشون فى أفريقيا أو آسيا أو أوروبا أو أستراليا ولا تربطهم أى علاقة بأمريكا من قريب أو بعيد؟

والاقتباس المنسوب للسيد/ جمال أسعد يحتوى على تحريض واتهام. وهذا التحريض والاتهام ليس له أساس من المعقولية أو المنطق وإنما هو نتاج من الأوهام صادر من عقل تسيطر عليه نظرية المؤامرة ويستخدم أساليب القذف فى سمعة الشرفاء والتلويح بالتخوين بقصد إرهابهم فكرياً.

التحريض فى اقتباس السيد/ جمال أسعد نجده فى محاولته التفريق فى اعتزاز وانتماء أقباط المهجر بين وطنهم الأم وبين أوطانهم الجديدة. وهنا نجده يحاول أن يزرع بذور الفتنة فى عقولهم بتحريضهم على أن يعلنوا أن إعتزازهم وإنتمائهم لمصريتهم يجب أن يفوق إعتزازهم وإنتمائهم لأوطانهم الجديدة.

ولا أدرى لماذا يوضع أقباط المهجر فى الموقف الذى يتعين عليهم أن يفاضلوا بين حبهم لوطنهم الأم وحبهم لوطنهم الجديد. هذا مثل الأم التى تصر أن يحبها إبنها أكثر من حبه للمرأة الجديدة فى حياته وهى زوجته. مع أن هذا الابن فى مقدوره أن يستمر فى حب أمه بنفس القوة  وفى نفس الوقت يحب أيضاً زوجته. وفى القلب متسع لحب كليهما، كل بحسب مكانها الخاص فى قلبه ودورها المميز فى حياته.

إن أقباط المهجر يحبون مصر كوطنهم الأم ولا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع أن تنزع هذا الحب من قلوبهم. هذا مع أن الكثيرين منهم خرجوا منها بسبب ممارسات التحيز والتفرقة والظلم ضدهم. ولكن شعور اقباط المهجر بالنسبة لمصر هو ما عبَّر عنه الشاعر:

        بلادى وإن جارت علىَّ عزيزة                         وأهلى وإن ضنُّوا علىَّ كرام

فمصر بالنسبة لنا هى أكثر وأكبر من أى مشكلة واجهناها. مصر هى الناس، هى الأقارب والجيران والأصدقاء، مصر هى تاريخنا وتراثنا، هى التراب الذى ارتوى بدم شهدائنا، وهى حيث دُفن أبائنا وأجدادنا، هى النيل وهى الأهرامات، هى البحر والجبال ورمال الصحراء، والأرض الطيبة التى من نبتها عشنا ونمونا فى طفولتنا وشبابنا. مصر ستظل دائماً فى خواطرنا ودمائنا.

وأقباط المهجر لا يمكنهم إلا أن يكنُّوا الولاء لأوطانهم الجديدة. هذا هو ما أقسموا عليه عندما حصلوا على جنسيتها. ولا أظن أحداً يحق له أن يطالب أقباط المهجر أن يعيشوا فى أوطان لا يحملوا الولاء لها أو أن يصبحوا طابوراً خامساً بداخلها. لا يا سيدى هذه ليست من شيمتنا. نحن نكن الولاء لأوطاننا الجديدة لأن هذا هو مبدأ وشرف. وأيضاً لأن هذا هو صميم مصلحتنا. هذه الأوطان فتحت أحضانها لنا وأعطتنا كل فرصة للنجاح والتقدم، لم تفرق بيننا وبين أبنائها. إن رخاء هذا الوطن الجديد هو رخائنا وأمانه أماننا وازدهاره ازدهار لنا، وفشله – لا قدَّر الله – فشل لنا. والحب والاعتزاز والولاء للوطن الجديد لا يعنى خيانة أو كراهية الوطن الأم والذى يخون الواحد يمكن أن يخون الآخر.

وهنا نأتى إلى الاتهام المقنَّع فى كلام السيد/ جمال أسعد حيث يقول: "إن أقباط المهجر عندما يعلنوا إعتزازهم بالجنسية الأمريكية أكثر من إعتزازهم بمصريتهم فإن هذا يجعلهم جزءاً لا يتجزأ من المخطط السياسى الاستعمارى لاحتلال مصر". ولى بعض التساؤلات:

أولاً: من أين استنتج سيادته أن أقباط المهجر يعتزون بالجنسية الأمريكية أكثر من إعتزازهم بمصريتهم؟

ثانياً: ومتى كانت الشعوب طرفاً فى المؤامرات الحقيقية أو المزعومة التى تحيكها الدول ضد الدول الأخرى؟

ثالثاً: وكيف نما لعلم سيادته أن هناك مؤامرة من جانب أمريكا أو أى دولة أخرى لاحتلال مصر؟

رابعاً: ما هو الدور الذى تظن أن أقباط المهجر يلعبونه فى هذا المخطط المزعوم لاحتلال مصر؟ ولماذا يريدون أن يفعلوا هذا إن كانت فعلاً لهم هذه القوة والنفوذ للقيام بمثل هذا العمل؟ ولماذا يحاول أقباط المهجر أن يحتلوا مصر ما دامت هى بلدهم ويستطيعوا إذا أرادوا أن يعودوا إليها فى أى وقت؟

ولكن يبدو أنه "عفريت أمريكا" Demonizing America الذى يسيطر على الأذهان والعقول والذى يُنسب له كل المصائب التى تحل بمصر فى الحاضر بل والمصائب التى يتوقعون ان تحل بمصر فى المستقبل. مع أن أمريكا بلد صديق لمصر يقدم المليارات من الدولارات لمساعدة الشعب المصرى الذى يعانى الفقر والحاجة. وبدلاً من تقديم واجب الشكر والامتنان لا تلقى أمريكا سوى النكران والجحود.

أما أقباط المهجر فإنهم يكنون الوفاء لمصر، ولكنهم أيضاً  - وهذا واجبهم – يكنون الولاء لأوطانهم الجديدة.. ولا أظن أن هناك تناقضاً بين الاثنين.

هذا البريد محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته

 This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.