Print

الأغريق و التغريق

مهندس شادى أنسى عجوة

هناك الكثير من الشخصيات التاريخية التى نقرأ عنها  لعبت دورا كبيرا فى تغيير مجرى التاريخ و حياتنا بواقعها الان هى نتيجة من مجموعة نتائج  لأفعال هذة الشخصيات فهناك شخصيات غيرت مجرى التاريخ للأفضل و هناك من غيرته للأسوأ و هنا اذكر من شخصيات التاريخ التى لعبت دورا هاما فى تحويل و تغير الواقع المصرى و التى كان لها أسوأ اثر على الامة المصرية و قد يتعجب الكثيرين عندما يعلمون أنه من أسوأ الشخصيات التاريخية فى نظرى هى الأسكندر الاكبر الذى يعتبره الكثيرون محررا و فاتحا عظيما لكنى ارى أن الأسكندر الأكبر واحداً من أربع رجال غيروا مجرى التاريخ الطبيعى فى مصر و هم على التوالى الأسكندر المقدونى و عمرو بن العاص و صلاح الدين الأيوبى و جمال عبد الناصر و اترك لذكاء القارئ أن يدرك إلى أى مدى تغير مستقبل امتنا المصرية و واقعنا المعاش حاليا على يد هؤلاء الرجال.

فالاسكندر الأكبر كان هدفه دمج كل الحضارات الشرقية مع الثقافة اليونانية و تذويب الحضارات و الامم كلها فى أمة عالمية واحده يحكمها الأغريق و من أشهر ما كتب عنه أنه كان دائما ما يأمر بتزاوج جنودة من نساء البلاد التى يحتلها !

أستغل الاسكندر بذكائه قصة شهيرة عن المصريين الذين كانوا يعانون فى تلك الفترة من تضخم الشعور القومى و رغبتهم فى عودة المجد الفرعونى القديم و طموحهم و كفاحهم لطرد الفرس و القصة تحكى نسب الفرعون الذى يحكم مصر للأله أمونفلما دخل الأسكندر مصر غازيا باع كهنة أمون فى واحة سيوة شعبهم إلى الغازى الجديد الذى يبدو أنه أزجل العطاء لهم فأدعوا فى تمثيلية مقيته أن الأسكندر هو بن آمون و ليس ابن فيليب المقدونى !!

رحل الأسكندر شاباً دون أن يحقق حلمه فى جعل العالم قرية يونانية صغيرة و لعلها تكون اولى الخطوات نحو عولمة كوكب الأرض وترك الشاب المقدونى تركة واسعة لقواده فكانت مصر من نصيب  بطليموس.

وعندما جاء البطالمة الى حكم مصر لم ينظر لهم المصريون على أنهم حكاما وطنيين بل أحتلالاً و حكماً أجنبياً حتى مانيتون المؤرخ المصرى و الكاهن عندما ألف كتابه عن تاريخ مصر و العالم بامر من بطليموس قسم الفراعنة ل30 أسرة فقط أخرها نخت نبو الثانى و كل علماء المصريات من مانيتون حتى الأن يأخذون بتقسيمات مانيتون فلم يكن البطالمة أبدا فراعنة مصر و كان ميولهم تتماشى مع ميول الأسكندر الذى ورثوا تركته و ثقافته

 فأحتقروا المصريين و كانوا يعيشون بمعزل عنهم و سخروا من لغتهم وعاداتهم و عباداتهم و كانت هذة عادة يونانية ليس فقط إبان حكم البطالمة و لكن حتى أيام الفراعنة  أنفسهم .
وشدد البطالمة من أجراءاتهم التعسفية ضد المصريين فى تولى المناصب العليا التى حجزوها لليونانيين المقيمين بمصر كما فرضوا لغتهم اليونانية على المصريين بفرضها لغة مصر الرسمية و غيروا اسماء معظم المدن المصرية التاريخية و على رأسها إيتس / نو آمون التى دعوها طيبة و من نوفر التى دعوها ممفيس و سيوأوت التى دعوها ليكوبوليس فى محاولة مستمرة لتنفيذ المخطط القديم لأغراق مصر فى مستنقع الثقافة اليونانية و القضاء على الحس القومى المصرى الذى أجهد الفرس فقرروا أن يضربوا المصريين فى مقتل بالقضاء على تاريخهم العريق و حضارتهم المجيدة.

كان المصريين يكهرون البطالمة بشدة و الدليل على ذلك الثورات التى قام بها المصريين ضد البطالمة فى الدلتا و الصعيد و تشجيعهم للحكم الوطنى الذى أقامه الملك المصرى "حور ماخيت " الذى لا نعرف عنه سوى أنه حفيد نخت نبو الثانى أتى و حرر جنوب مصر ووصل الى مشارف الدلتا لكنه هزم فيما بعد.

و لما كانت أيتس / طيبة عاصمة العالم القديم و رمز الفخر الوطنى المصرى و أمل المصريين فى أستعادة مجد دولتهم المسلوب خرجت الثورات تباعا من المدينة العريقة فما كن من البطالمة ألا أن دمروا مدينة الأقصر نو آمون التى كانت عاصمة العالم القديم عاصمة الفن و الجمال و لم تقم لها قائمة بعد ذلك .

كان من أثار الغزو السكندرى لمصر و سقوط مصر فى يد اليونانيين الذين باعوها قبل ذلك التاريخ بعشر سنوات إلى الفرس أن سعى الأغريق إلى نهب و تدمير حضارة مصر و كانت النتيجة ان سقط المصريون فى مستنقع الأحتلال الأجنبى و أنطفأت لديهم شعلة الحركة الوطنية المصرية و أنتهى أنتمائهم إلى حضارتهم العريقة و ثقافتهم و دولتهم الوطنية و صارت بوابات مصر ترحب بكل غازى يأتيها فأتى الغزاة من كل بقاع الأرض يذيقون الامة المصرية الهوان و الذل ويعبثون بتاريخها و لغتها و حضارتها فكان لجنود الأسكندر الشرف الاكبر فى اسقاط أعظم حضارات العالم القديم و أول مدنيات البشرية فأنتهى معها حكم الملوك المصريين الوطنيين و تلاشى معهم حلم المصريين فى الاستقلال و حكم أنفسهم و أصبحت مصر جزء من ممتلكات الاخرين فتارة هى دولة هيلينية و تارة عزبة رومانية و أخرى ولاية عربية ...

أحتلال يأتى و أخر يذهب و قوميتنا المصرية مدفونة مع ملوك مصر فى الاهرامات ..