Print

     

لماذا لا يعودون من حيث جاءوا؟!

ليلى فريد

الإنجليز ووسائل إعلامهم يتساءلون: لماذا لا يعود المهاجرون الكارهون لبلدنا، الناقمون علينا، والرافضون لأسلوب حياتنا، إلى بلادهم؟!

ما كادوا يفرغون من حل مشكلة عامل السوبر ماركت الذي يرفض بيع مشروب كحولي، لأنه لا يتفق مع تعاليم دينه، فيضطر الزبون والطابور الواقف وراءه إلى الانتظار حتى يمكن استدعاء عامل آخر، يترك ما في يديه من عمل ويسرع ليتعامل مع الممنوع، حتى واجهتهم الشكوى من سائق التاكسي الذي لا يسمح بركوب شخص يحمل ضمن امتعته زجاجة خمر، حتى لا يدنس العربة. ثم خرج عليهم أحد الصيادلة المتمسكين بالفضيلة بقصة جديدة: فهو يمتنع عن بيع حبوب منع الحمل، وخاصة النوع الذي يؤخذ في الصباح التالي لممارسة الجنس، لأنه يعتبر بيعها مشاركة منه في الحرام.

أما القضية الأخيرة، والأشد خطورة، فهي البدعة التي تفتق عنها ذهن بعض طلبة الطب المسلمين في الجامعات البريطانية. هؤلاء يرفضون حضور محاضرات أو الإجابة على أسئلة امتحان في المواضيع التي لا يرضون عنها، مثل الأمراض الناتجة عن الاتصال الجنسي أو الإسراف في شرب الخمر. والبعض منهم يرفض فحص المريض لو كان ينتمي إلى جنس مخالف له، فالرجل لا يرى إلا رجلا، والمرأة لا تنكشف إلا على امرأة. (لم يصرحوا حتى الآن بموقفهم تجاه المثليين من الجنسين).

بمعنى آخر يبغي أطباء المستقبل هؤلاء أن يحظوا بمعاملة مخصوصة؛ فيعفوا من مذاكرة والامتحان في جزء غير بسيط من المنهج، ويختاروا هم من يفحصون ومن لا يفحصون أثناء الدراسة وفي الاختبارات العملية.

وعندما يحصلون على الشهادة بمشيئة الله، ويصبحون أطباء مؤهلين عليهم تعليم غيرهم، يجب أن يُعين لكل منهم مساعد يتولى تدريس "المحرمات"، وإلا سيتخرج الجيل التالي من تحت أيديهم بجزء منقوص من العلم..وهلم جرا.. حتى تنقرض المعرفة الطبية تدريجيا ونعود إلى العصور المظلمة.

وعندما يصيرون أطباء ممارسين،’يجلسون على بابهم، بدل الممرض أو الممرضة، فاحصا للضمائر ومخبرا سريا لاستجواب المريض، ونبش تاريخه، والتحري عن أخلاقه- قبل أن’يسمح له بالدخول على الطبيب- خشية أن يكون لمرضه علاقة من قريب أو بعيد بالموبقات.

الإنجليز ووسائل إعلامهم بدأوا يتحدثون بصراحة عن مواقف لايمكن أن يصفوها إلا بالرياء والنفاق، وجعلوا يرددون: هذا العامل في السوبر ماركت وذاك الصيدلي في الصيدلية، ألا يعلمان أن ما يتقاضيانه من راتب في آخر كل شهر قد جاء من المصادر الرافضين لبعض ممارساتها؟! كيف سيفرز الواحد منهم الجزء الحلال في راتبه من الجزء الحرام الناتج عن بيع زجاجة بيرة أو حبة منع حمل؟! الضمير لا يتجزأ، فلو كانا يستحرمان جزءا من ممارسات هذه المؤسسات، فعليهما أن يتركاها ويعطيا فرصة هذا العمل لآلاف الشباب الذي يعاني من البطالة، ومستعد للقيام بكل المهام المطلوبة في الوظيفة التي تعاقد على أدائها.

وإذا كان طلبة الطب هؤلاء لا يقبلون كل ما يدرس في جامعات الغرب، فيجب أن يذهبوا ويخلوا أماكنهم لشخص يشعر أن واجبه المقدس كطبيب هو أن يساعد أى مريض، لا أن ينصب نفسه حكما أخلاقيا ودينيا.

الغرب يتعجب: هؤلاء الأطباء الذين لا يريدون أن يعرفوا شيئا عن الأمراض الناتجة عن العلاقات الجنسية أوتعاطى المشروبات الكحولية، هل هم من الجهل والغفلة بحيث لا يدركون أن هذه الآفات متفشية في البلاد التي جاءوا منها؟! هل لو عادوا لأوطانهم سيستمرون في الإنكار ودفن رؤسهم في الرمال، ويتركون الأمراض تنتشر والمرضى يموتون؟!

هل هم من السذاجة والبراءة بحيث يتصورون أن ممارسة العلاقات المحرمة لا تجري على قدم وساق في المجتمعات التي نشأوا بين ظهرانيها، ولربما لو كانوا قادرين على وصف حبة، لأمكن تفادي مأساة خروج لقيط جديد إلى الحياة، يضاف إلى الألوف المؤلفة من القنابل الموقوتة للجريمة والإرهاب التي تذخر بها شوارعهم؟!

الغربيون يقولون: الموضوع بسيط؛ أنتم تكرهون الغرب، وهو يعاني منكم... أنتم تريدون تغييره ليوافق أمزجتكم، ولكنه لن يأخد بقوانينكم (رغم أنه يعترف بمنتهى الصراحة والشفافية بعيوبه ومشاكله ويسعى لحلها بطريقته)... أنتم تريدون إبداله ليصبح صورة مكررة من المجتمعات التي هربتم منها، ولكنه لن يخضع لرغباتكم (رغم المكاسب التي تحصدونها هنا وهناك). فلم لا تفعلون الشيء الوحيد السهل والمنطقي: لماذا لا تعودون إلى بلادكم، حيث لا تباع الخمور(في العلن)، ولا’تصرف الحبوب بطريقة مرخصة (فهناك وسائل أخرى للتخلص من الحمل الغيرمشروع)، وحيث تجدون آذانا صاغية تستمع لمطالبتكم بتفصيل التعليم الطبي حسب مقاسكم؟! وعندما تتخرجون كأطباء، تمارسون عملكم في مجتمعاتكم الملائكية، التي لا يمرض فيها الناس إلا من قلة النوم (لسهر الليل كله في التعبد)، ومن قلة الأكل (لكثرة الصيامات).

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.

كاتبة وطبيبة مصرية - بريطانيا