Print

al masri alyom 

 دافعوا عن دنياكم

 بقلم  د.سحر الموجى

لايصح أن تتحول كلمة قيلت عن الشادور الإيراني من قبل نجيب ساويرس إلي قضية قومية ينتفض لها عضو مجلس الشعب مصطفي بكري، ويسن آخرون أقلامهم استعدادا لذبح الرجل. وقصة تصريحات وزير الثقافة عن الحجاب ليست بعيدة عن الأذهان.

فما إن صرح فاروق حسني برأيه في هذا الموضوع حتي تباري أعضاء الحزب الوطني الكبار وارتفعت حناجرهم بنبرة أعلي من نبرة الإخوان المسلمين تباهيا بأن زوجاتهم وبناتهم محجبات. لايصح أن يتحول أي رأي حول ممارسة طقوس وشعائر دينية إلي قضية قومية في الوقت الذي تلح فيه القضايا المصيرية علينا ولا نتحرك من أماكننا.

مازلت غير قادرة إطلاقا علي تفسير سبب تلك الانتفاضات القوية حول مواضيع هي بالتأكيد أقل أهمية من رغيف العيش رخيص الثمن الذي يتراجع من الأسواق، وغياب ماء الشرب عن الكثير من المصريين وغرق قري بأكملها في المياه الجوفية، وتبرم العديد من فئات الشعب من أول عمال المصانع إلي القضاة وأساتذة الجامعات، من حقوق لا تأتي وعيش كريم يرفض أن يتوافر، وغياب حريات أساسية إلي الدرجة التي أصبح فيها المواطن يشعر أنه يعيش في بلد تحت الاحتلال مع كل حشود الأمن المركزي المتناثرة هنا وهناك بسبب ودون، وتحت وطأة قوانين استثنائية تنتهك حقوقنا الدستورية. ولو رغبت في الاستطراد لن تنتهي قائمة الأزمات الحقيقية التي نعيشها.

السجال، وجود الرأي والرأي الآخر، مهم و حيوي في مجتمع تكلس طويلا تحت وطأة غياب الحريات. وعندما تأتت لنا مساحة صغيرة من الحرية (حتي لو كانت كلاما) نستهلكها فيما هو أقل أهمية من المهم والمؤثر علي حياة كل مصري مهما كانت طبقته الاجتماعية أو تعليمه. لقد أصبحت السمة العامة المشتركة بين كل المصريين في الآونة الأخيرة هي الشكوي من شيء أو آخر ومن عدم توافر الحد الأدني من المعيشة الكريمة الآدمية وهو الشيء الذي نسيناه من كثرة البهدلة.

أعود بذاكرتي إلي الستينيات من القرن العشرين وأتذكر كيف كانت أمي و صاحباتها يلبسن. لم يكن الحجاب قد انتشر مثل اليوم ولم يعتبر أي مصري هؤلاء النساء منفلتات ولم يدر الحديث أصلا عن هذا الموضوع أو غيره من الأسئلة المتعلقة بالدين والتي تنحصر في الشكل وتتجاهل الجوهر تماما.

 إن التماس مع الجوهر في المسائل الدينية هو العلاج لداء السطحية والجعجعة ومحاولة كسب معارك الخاسر الأول والوحيد فيها هو حريات الفرد في اختيار شكل حياته وملبسه وممارسة عقائده في هدوء. وجوهر الأديان واحد مهما اختلفت التفاصيل. إنه المحبة والتسامح والعطف والرحمة والعمل وإعمال العقل في كل الأمور. أين نحن من هذا الجوهر عندما نترك أعمالنا ونعذب بعضنا البعض لأن موظفاً يؤدي الصلاة.

أين نحن من هذا الجوهر عندما نتحرش ببعضنا البعض قولا وفعلا في الشوارع وأماكن العمل. إن شكل الشارع المصري في السنوات الأخيرة فقد إنسانيته تماما. تحولنا دون أن ندري إلي حيوانات تتصادم في غابة أحراشها مرتفعة لا رادع فيها لمعتد ولا مكان فيها لطيبة أو سماحة. أي إسلام هذا الذي تدافعون عنه وقد أصبح حالنا عدائيا وقاسيا ومفتقدا الحد الأدني من الإنسانية!

من حق كل إنسان أن يدافع عن دينه ولكن المسألة ليست كلاما وصراخا. المسألة أن نتوجه إلي هذا الجوهر المفقود الذي يستشعره أي مصري ما إن تخط قدماه في بلد ينتمي إلي ما نسميه العالم المتحضر. في تلك البلاد التي لا تعرف الإسلام لا أحد يدفعك بعيدا كي يحتل مكانك في طابور. لا أحد ينظر إليك من فوق لتحت يقيمك كي يقرر منحك صكوك الغفران أو حجبها عنك. تسير في أي مكان فتشعر بأنك إنسان ولأنك إنسان فأنت كيان يستحق الاحترام.

هل دفعنا يأسنا من حدوث أي تغيير إلي التمسك بتوافه الأمور واستقاء قيمتنا من الدفاع عنها بينما كل الأمور الأكثر أهمية وتأثيرا علي دنيانا يتم تجاهلها كأنها ليست هناك. وحل المسألة لا يتركز فقط علي الدعاة (الذين -من باب الغرابة- لم يصل عددهم من قبل إلي مثل هذا الحجم) ولكنها مسؤولية كل أصحاب الرأي والساسة والمهتمين بالشأن العام. عندما تبدأ معارك بهذا القدر من التفاهة في الاشتعال، علينا أن ننحي جانبا رغبتنا في إثبات الذات ونمنح الأولوية للأهم ولما له علاقة بأزمات حياتنا.