Print


 

الحركات المتطرفة في مصر

جماعة التكفير والهجرة

 

التعريف

جماعة المسلمين كما سمت نفسها ، أو جماعة التكفير والهجرة كما أطلق عليها إعلامياً ، هي جماعة إسلامية غالية نهجت نهج الخوارج في التكفير بالمعصية ، نشأت داخل السجون المصرية في بادئ الأمر ، وبعد إطلاق سراح أفرادها ، تبلورت أفكارها ، وكثر أتباعها في صعيد مصر وبين طلبة الجامعات خاصة .

الأفكار والمعتقدات

أن التكفير عنصر أساسي في أفكار ومعتقدات هذه الجماعة .- فهم يكفرون كل من أرتكب كبيرة وأصر عليها ولم يتب منها ، وكذلك يكفرون الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله بإطلاق ودون تفصيل ، ويكفرون المحكومين لأنهم رضوا بذلك وتابعوهم أيضاً بإطلاق ودون تفصيل ، أما العلماء فيكفرونهم لأنهم لم يكفروا هؤلاء ولا أولئك ، كما يكفرون كل من عرضوا عليه فكرهم فلم يقبله أو قبله ولم ينضم إلى جماعتهم ويبايع إمامهم . أما من انضم إلى جماعتهم ثم تركها فهو مرتد حلال الدم ، وعلى ذلك فالجماعات الإسلامية إذا بلغتها دعوتهم ولم تبايع إمامهم فهي كافرة مارقة من الدين .

- وكل من أخذ بأقوال الأئمة بالإجماع حتى ولو كان إجماع الصحابة أو بالقياس أو بالمصلحة المرسلة أو بالاستحسان ونحوها فهو في نظرهم مشرك كافر .

وكل من أخذ بأقوال الأئمة بالإجماع حتى ولو كان إجماع الصحابة أو بالقياس أو بالمصلحة المرسلة أو بالاستحسان ونحوها فهو في نظرهم مشرك كافر . والعصور الإسلامية بعد القرن الرابع الهجري كلها عصور كفر وجاهلية لتقديسها لصنم التقليد المعبود من دون الله تعالى فعلى المسلم أن يعرف الأحكام بأدلتها ولا يجوز لديهم التقليد في أي أمر من أمور الدين . قول الصحابي وفعله ليس بحجة ولو كان من الخلفاء الراشدين .· والهجرة هي العنصر الثاني في فكر الجماعة ، ويقصد بها العزلة عن المجتمع الجاهلي ، وعندهم أن كل المجتمعات الحالية مجتمعات جاهلية والعزلة المعنية عندهم عزلة مكانية وعزلة شعورية ، بحيث تعيش الجماعة في بيئة تتحقق فيها الحياة الإسلامية الحقيقة - برأيهم - كما عاش الرسول صلى الله عليه (وآله) وسلم وصحابته الكرام في الفترة المكية .

- يجب على المسلمين في هذه المرحلة الحالية من عهد الاستضعاف الإسلامي أن يمارسوا المفاضلة الشعورية لتقوية ولائهم للإسلام من خلال جماعة المسلمين - التكفير والهجرة - وفي الوقت ذاته عليهم أن يكفوا عن الجهاد حتى تكتسب القوة الكافية .

لا قيمة أيضاَ لأقوال العلماء المحققين وأمهات كتب التفسير والعقائد لأن كبار علماء الأمة في القديم والحديث - بزعمهم - مرتدون عن الإسلام .· قالوا بحجية الكتاب والسنة فقط ولكن كغيرهم من أصحاب البدع الذي اعتقدوا رأياً ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه فما وافق أقوالهم من السنة قبلوه وما خالفها تحايلوا في رده أو رد دلالته .

دعوا إلى الأمية لتأويلهم الخاطئ لحديث (نحن أمة أمية …) فدعوا إلى ترك الكليات ومنع الانتساب للجامعات والمعاهد إسلامية أو غير إسلامية لأنها مؤسسات الطاغوت وتدخل ضمن مساجد الضرار .- أطلقوا أن الدعوة لمحو الأمية دعوة يهودية لشغل الناس بعلوم الكفر عن تعلم الإسلام ، فما العلم إلا ما يتلقونه في حلقاتهم الخاصة .

قالوا بترك صلاة الجمعة والجماعة بالمساجد لأن المساجد كلها ضرار وأئمتها كفار إلا أربعة مساجد : المسجد الحرام والمسجد النبوي وقباء والمسجد الأقصى ولا يصلون فيها أيضاً إلا إذا كان الإمام منهم .· يزعمون أن أميرهم شكري مصطفى هو مهدي هذه الأمة المنتظر وأن الله تعالى سيحقق على يد جماعته ما لم يحقق عل يد محمد صلى الله عليه (وآله) وسلم من ظهور الإسلام على جميع الأديان .

-وعليه فإن دور الجماعة يبدأ بعد تدمر الأرض بمن عليها بحرب كونية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي تنقرض بسببها الأسلحة الحديثة كالصواريخ والطائرات وغيرها ويعود القتال كما كان في السابق رجل لرجل بالسلاح القديم من سيوف ورماح وحراب . ..· ادعى زعماء الجماعة أنهم بلغوا درجة الإمامة ، والاجتهاد المطلق ، وأن لهم أن يخالفوا الأمة كلها وما أجمعت عليه سلفاً وخلفاً .

وأهم كتاب كشف عن أسرار دعوتهم وعقيدتهم هو (ذكريات مع جماعة المسلمين - التكفير والهجرة) لأحد أعضاء الجماعة عبد الرحمن أبو الخير الذي تركهم فيما بعد.إن قضية تكفير المسلم قديمة ، ولها جذورها في تاريخ الفكر الإسلامي منذ عهد الخوارج . وقد تركت آثاراً علمية لعدة أجيال . وقد استيقظت هذه الظاهرة لأسباب عدة ذكرها العلماء ويمكن إجمالها فيما يلي :  

انتشار الفساد والفسق والإلحاد في المجمعات الإسلامية دونما محاسبة من أحد لا من قبل الحكام ولا من المجتمعات الإسلامية المسحوقة تحت أقدام الطغاة والظالمين .- محاربة الحركات الإسلامية الإصلاحية من قبل حكام المسلمين ، وامتلاء السجون بدعاة الإسلام واستخدام أقسى أنواع التعذيب ، مع التلفظ بألفاظ الكفر من قبل المعذبين والسجانين .

ظهور وانتشار بعض الكتب الإسلامية التي ألفت في هذه الظروف القاسية وكانت تحمل بذور هذا الفكر ، واحتضان هذا الفكر من هذه الجماعة - التكفير والهجرة - وطبعه بطابع الغلو والعنف .- ويعد أساس جميع ما تقدم : ضعف البصيرة بحقيقية الدين والاتجاه الظاهري في فهم النصوص والإسراف في التحريم والتباس المفاهيم وتميع عقيدة ومنهج أهل السنة والجماعة لدى بعض قادة الحركة الإسلامية بالإضافة إلى إتباع المتشابهات وترك المحكمات وضعف المعرفة بالتاريخ والواقع وسنن الكون والحياة ومنهج أهل السنة والجماعة .

أبرز الشخصيات  

الشيخ علي إسماعيل :

 ان إمام هذه الفئة من الشباب داخل المعتقل ، وهو أحد خريجي الأزهر ، وشقيق الشيخ عبد الفتاح إسماعيل أحد الستة الذين تم إعدامهم مع الأستاذ سيد قطب ، وقد صاغ الشيخ علي مبادئ العزلة والتكفير لدى الجماعة ضمن أطر شرعية حتى تبدو وكأنها أمور شرعية لها أدلتها من الكتاب والسنة ومن حياة الرسول صلى الله عليه (وآله) وسلم في الفترتين : المكية والمدنية ، متأثراً في ذلك بأفكار الخوارج ، إلا أنه رجع إلى رشده وأعلن براءته من تلك الأفكار التي كان ينادي بها . 

 شكري أحمد مصطفى (أبو سعد) :  

من مواليد قرية الحوائكة بمحافظة أسيوط 1942م ، أحد شباب جماعة الأخوان المسلمين الذين اعتقلوا عام 1965م لانتسابهم لجماعة الأخوان المسلمين وكان عمره وقتئذ ثلاثة وعشرون عاماً .تولى قيادة الجماعة داخل السجن بعد أن تبرأ من أفكارها الشيخ علي عبده إسماعيل .  

في عام 1971م أفرج عنه بعد أن حصل على بكالوريوس الزراعة ومن ثم بدأ التحرك في مجال تكوين الهيكل التنظيمي لجماعته . ولذلك تمت مبايعته أميراً للمؤمنين وقائداً لجماعة المسلمين -على حد زعمهم- فعين أمراء للمحافظات والمناطق واستأجر العديد من الشقق كمقار سرية للجماعة بالقاهرة والإسكندرية والجيزة وبعض محافظات الوجه القبلي .§ في سبتمبر 1973م أمر بخروج أعضاء الجماعة إلى المناطق الجبلية واللجوء إلى المغارات الواقعة بدائرة أبي قاص بمحافظة المنيا بعد أن تصرفوا بالبيع في ممتلكاتهم وزودوا أنفسهم بالمؤن اللازمة والسلاح الأبيض ، تطبيقاً لمفاهيمهم الفكرية حول الهجرة .

في 26 أكتوبر 1973م اشتبه في أمرهم رجال الأمن المصري فتم إلقاء القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة في قضية رقم 618 لسنة 73 أمن دولة عليا .§ في 21 ابريل 1974م عقب حرب أكتوبر 1973م صدر قرار جمهوري بالعفو عن مصطفى شكري وجماعته ، إلا أنه عاود ممارسة نشاطه مرة أخرى ولكن هذه المرة بصورة مكثفة أكثر من ذي قبل ، حيث عمل على توسيع قاعدة الجماعة ، وإعادة تنظيم صفوفها ، وقد تمكن من ضم أعضاء جدد للجماعة من شتى محافظات مصر ، كما قام بتسفير مجموعات أخرى إلى خارج البلاد بغرض التمويل ، مما مكن لانتشار أفكارهم في أكثر من دولة .

هيأ شكري مصطفى لأتباعه بيئة متكاملة من النشاط وشغلهم بالدعوة والعمل والصلوات والدراسة وبذلك عزلهم عن المجتمع إذ أصبح العضو يعتمد على الجماعة في كل احتياجاته ، ومن ينحرف من الأعضاء يتعرض لعقاب بدني ، وإذا ترك العضو الجماعة اعتبر كافراً ، حيث اعتبر المجتمع خارج الجماعة كله كافرا . ومن ثم يتم تعقبه وتصفيته جسدياً .§ رغم أن شكري مصطفى كان مستبداً في قراراته ، إلا أن أتباعه كانوا يطيعونه طاعة عمياء بمقتضى عقد البيعة الذي أخذ عليهم في بداية انتسابهم للجماعة .

وكما هو معلوم وثابت أن هذه الجماعة جوبهت بقوة من قبل السلطات المصرية بخاصة بعد مقتل الشيخ حسين الذهبي وزير الأوقاف المصري السابق ، وبعد مواجهات شديدة بين أعضاء الجماعة والسلطات المصرية تم القبض على المئات من أفراد الجماعة وتقديمهم للمحاكمة في القضية رقم 6 لسنة 1977م التي حكمت بإعدام خمسة من قيادات الجماعة على رأسهم شكري مصطفى ، وماهر عبد العزيز بكري ، وأحكام بالسجن متفاوتة على باقي أفراد الجماعة .§ في 390 مارس صبيحة زيارة السادات للقدس تم تنفيذ حكم الإعدام في شكري مصطفى وإخوانه .§ بعد الضربات القاسية التي تلقتها الجماعة اتخذت طابع السرية في العمل ، الأمر الذي حافظت به الجماعة على وجودها حتى الآن ، ولكن وجود غير مؤثر ولا ملحوظ لشدة موجهة تيار الصحوة الإسلامية من أصحاب العقيدة والمنهج السلفي لهم بالحوار والمناظرات سواء كان داخل السجون والمعتقلات أم خارجه ، مما دفع الكثير منهم إلى العودة إلى رشده والتبرؤ من الجماعة .

ماهر عبد العزيز زناتي (أبو عبد الله) : § ابن شقيقة شكري مصطفى ونائبه في قيادة الجماعة بمصر وكان يشغل منصب المسئول الإعلامي للجماعة ، أعدم مع شكري في قضية محمد حسين الذهبي رقم 6 لسنة 1977م وله كتاب الهجرة .

انتشرت هذه الجماعة في معظم محافظات مصر وفي منطقة الصعيد على الخصوص ، ولها وجود في بعض الدول العربية مثل اليمن والأردن والجزائر … وغيرها .

الخلاصة

أن هذه الجماعة هي جماعة غالية أحيت فكر الخوارج بتكفير كل من ارتكب كبيرة وأصر عليها وتكفير الحكام بإطلاق ودون تفصيل لأنهم لا يحكمون بشرع الله وتكفير المحكومين لرضاهم بهم بدون تفصيل وتكفر العلماء لعدم تكفيرهم أولئك الحكام . كما أن الهجرة هي العنصر الثاني في تفكير هذه الجماعة ، ويقصد بها اعتزال المجتمع الجاهلي عزلة مكانية وعزلة شعورية ، وتتمثل في اعتزال معابد الجاهلية (ويقصد بها المساجد) ووجوب التوقف والتبيين بالنسبة لآحاد المسلمين بالإضافة إلى إشاعة مفهوم الحد الأدنى من الإسلام . ولا يخفى مدى مخالفة أفكار ومنهج هذه الجماعة لمنهج أهل السنة والجماعة في مصادر التلقي والاستدلال وقضايا الكفر والإيمان وغير ذلك مما سبق بيانه؛ كما أنها تستقي مفردات أفكارها الأولي من دعوة التكفير الوهابية ؛ وإن تفردت بعد ذلك بالمغالاة الشديدة في تكفير الجميع ؛ ومن أغرب فتاويهم تحريم الجهاد ضد الصهيونية والإمبريالية بزعم أن المجتمع كافر لا يجوز الحرب معه ضد الأعداء ؛ أليس ذلك له نظير في الفتوى الأخيرة لبن حبرين الذي أفتى بتحريم الدعاء لحزب الله بالنصر أو إمداده بالمساعدة المالية أو حتى بالدعاء له .

جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية

في أوائل السبعينيات غيّب الموت الرئيس جمال عبد الناصر وخلفه أنور السادات، وكانت ردة الفعل لنكسة يونيو/ حزيران 1967 لم تزل تحدث تطوراتها في المجتمع المصري بإحلال وتبديل للقناعات والأفكار والقيم التي كانت سائدة طوال عقدين سابقين أو يزيد قليلا، وكان السادات الذي اعتلى سدة الحكم فجأة دون أن يكون له تنظيم داخله قد أطلق الإخوان المسلمين من سجنهم وأطلق لهم العنان في التحرك العلني بحرية تامة، وكانت أهم التجمعات التي جرى خلالها وقائع التغيير وتقليص النفوذ المترامي لليسار المصري هي الجامعات المصرية. .

وفى الوجه القبلي تحديدا تجمع ثلة من قيادات العمل الطلابي فيه ، وكانت أهم الأسماء التي شاعت آنذاك : كرم زهدي وناجح إبراهيم وعاصم عبد الماجد وعصام درباله وفؤاد الدواليبي وطلعت فؤاد قاسم وحمدي عبد الرحمن وصلاح هاشم وأسامة حافظ، استطاعوا السيطرة على "الجماعة الدينية" التي كانت تعمل بوحي من أجهزة الدولة ورضائها وحولوها إلى "الجماعة الإسلامية" لتعمل على نشر الدين إرضاء لله بعيدا عن أهواء السلطة وألاعيب السياسة. .

وعملوا من خلال نشاطاتهم في الأجواء المسموحة على نشر الدعوة الإسلامية والقضاء على التيار الشيوعي رغبا ورهبا ، ومع تعاظم نفوذ "الجماعة الإسلامية الطلابية" تقدمت الخطى نحو السعي إلى تغيير المنكر في أروقة الجامعات والمدن الجامعية، وارتضى رؤساء الجامعات قرارات الجماعة الإسلامية فصل الطلبة عن الطالبات في المدرجات وقاعات المحاضرات وحظر اختلاطهم حتى في الأماكن العامة بالجامعات.وفى سبيل توسيع دائرة النفوذ أقيمت المعسكرات الإسلامية في العطلات والأجازات الموسمية التي يحاضر فيها نخبة من الدعاة والعلماء تفد من خارج الجامعة ، وأصبح شائعا ومسموحا حظر إقامة الحفلات الغنائية أو الموسيقية أو عرض الأفلام السينمائية داخل الحرم الجامعي في جميع جامعات الوجه القبلي تحديدا , وألهبت خطب كرم زهدي التي كان يلقيها في مساجد المنيا أو زوايا الكليات هناك حماسة الطلاب والتف من حوله قيادات الجماعة الإسلامية وتأثروا به تأثرا بالغا. .

وبينما تكشفت مساعي "الإخوان المسلمين" للسيطرة على زعماء الحركة الطلابية داخل الجماعة الإسلامية بجامعات مصر بادر زهدي إلى تكريس قيادته عليها في الوجه القبلي، مستعينا بجهاديين من الوجه البحري كان في صدارتهم المهندس محمد عبد السلام فرج صاحب كتاب "الفريضة الغائبة" والمقدم مخابرات عبود الزمر، وكانت أبرز ملامح اختلاف تيار "الجماعة الإسلامية" بالوجه القبلي عن تلك التي سيطر عليها الإخوان في الوجه البحري نوازع الثورية ومحاداة نظام الحكم في مصر واعتباره فاقدا للشرعية. .

ولم يجد زهدي صعوبة في الحصول على موافقة زملائه على تكوين التنظيم الجديد في الصعيد مستقلا عن تيار الإخوان المسلمين ، واستقى فكره من كتب كثيرة أهمها تفسير ابن كثير والعقيدة الطحاوية ومعارج القبول لحافظ بن الحكمي ونيل الأوطار للشوكاني ورياض الصالحين للنووي ، وخلطت مصادر فكره السلفي بأفكار سيد قطب التي تتمرد على النظام الحاكم في مصر وتصمه بالجاهلية ، بالإضافة إلى كتاب "الفريضة الغائبة" لعبد السلام فرج وهو الكتاب التكفيري الذي استند لفتاوى ابن تيميه وابن عبد الوهاب في تكفير المسلمين حكاما ومحكومين ؛ وكان المال يصلهم من شيوخ الوهابية في المملكة السعودية ؛ ويقول عادل حمودة في كتابه (صلاة الجواسيس) إن بعض أعضاء التنظيم التكفيري ذهبوا إلى المملكة السعودية وأخذوا الفتوى التي قتلوا بها أنور السادات ؛ وكتاب (الفريضة الغائبة) لا يتحدث عن الجهاد ضد الصهيونية لأنهم لا يعتبروها خطرا قريبا على الأمة ؛ وبالتالي لم يستفد من تلك الحركة سوى الصهيونية وتمرغ الوطن الإسلامي في الفتنة ؛ وعموما أفرزت تلك الخلطة أهم ملامح ذلك الفكر الذي قامت عليه "الجماعة الإسلامية" في صعيد مصر والتحامها بقيادات الجهاد، إذ قامت على تكفير أنور السادات معتبرة إياه "لا يحكم بما أنزل الله" باعتبار أنه مرتكب للكفر الأكبر وفق تمييزهم بين الكفر والظلم والفسق الأكبر الذي يخرج مقترفه من ملة الإسلام، في حين لا يصل لذلك الكفر والظلم والفسق الأصغر الذي يعني ارتكاب المعاصي والآثام بما لا يخرج صاحبه من الملة، كما اعتبرت دعوته فصل الدين عن السياسة تجريدا للإسلام من روحه ليحوله صورة باهتة بلا حياة. ولجأ التنظيم الجديد آنذاك لاستمرارية نشاطه إلى كسب الأعضاء الجدد، كما لجأ إلى طرق مختلفة أخرى للتمويل مثل إقامة أسواق خيرية لبيع السلع وبيع الكتب الدراسية والدينية والزي الإسلامي للطالبات, وتطورت الحاجة للتمويل، وبناء على فتاوى استحلال أموال النصارى المحاربين كانت أولى العمليات القتالية للتنظيم بالاستيلاء على المشغولات الذهبية ببعض محلات بيع الذهب التي يملكها نصارى بمدينة نجع جمادى في صعيد مصر والاستيلاء أيضا على إيراداتها المالية. .

وقاد تلك العملية علي الشريف حيث جرى اقتحام محلين للذهب ذات يوم جمعة من العام 1980، وبعد قتل من قتل ونجاة من نجا كانت أول غنيمة غنمتها الجماعة أربعة آلاف جنيه مصري وخمسة كيلوات ونصف من الذهب. وهديا على نجاحها قاد نبيل المغربي عملية مماثلة في اقتحام محل ذهب لمالك نصراني في منطقة شبرا الخيمة بالقليوبية. .

وفي ضوء تصاعد وتيرة الخلاف بين السادات والتيار الإسلامي في عمومه وإصداره قرارات التحفظ على العديد من قيادات وأعضاء هذا التنظيم جاءت عملية اغتيال السادات في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 1981 منطلقا من تلك القناعات أو المعتقدات السالف بيانها، ورغم أن خالد الإسلامبولي اتخذ قرار التخلص من السادات منفردا وعرض قراره على محمد عبد السلام فرج الذي دعا على الفور مجلس الشورى لبحث الأمر. .

وفي منزل "عبد الحميد عبد السلام" بضاحية عين شمس شرق القاهرة بسط الإسلامبولي خطته وطالبهم بتوفير الأفراد المعاونين له لإتمام خطته ، وتعهد فرج بتوفيرهم، كما طالب مجموعة قبلي بزعامة زهدي إمداده بقنابل أربع كانت في حوزتهم إلا أنهم لم يرسلوها إليه. .

وبعد نجاح خالد وإخوانه عبد الحميد عبد السلام وعطا طايل حميدة وحسين عباس ومن ورائهم عبد السلام فرج مخططا ومعاونا ومعدا في اغتيال السادات ، اجتمع على الفور في أحد أحياء أسيوط مجلس شورى الوجه القبلي بزعامة كرم زهدي ، حيث اتفقوا على مواصلة العمل الجهادي الرامي لقلب نظام الحكم باستهداف خمسة أهداف للأمن في أسيوط هي مديرية الأمن هناك وقسم ثان والدورية اللاسلكية ومباحث أمن الدولة والمباحث الجنائية ونقطة شرطة إبراهيم، ثم الزحف بعد ذلك لمحافظات الوجه البحري وتثوير الجماهير.

وكانت ساعة الصفر حيث قاد العملية علي الشريف وعاصم عبد الماجد ، وتم اقتحام مديرية الأمن وقتل فيها عدد كبير من الضباط والجنود وتم فتح النار أيضا على بعض سيارات الأمن المركزي التي كانت تحمل الجنود في الميادين والشوارع العامة بأسيوط ، كما تم اقتحام نقطة شرطة إبراهيم، لكن إصابات دربالة التي أدت لبتر يده اليمنى وعلي الشريف في بطنه إصابات شديدة أدت إلى فشل المخطط والقبض عليهم أحياء ومعهم كرم زهدي وترحيلهم في طائرة خاصة للقاهرة بصحبة وزير الداخلية آنذاك اللواء النبوي إسماعيل. . .

.

وإذا كان الانفصال بين الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد قد وقع داخل السجن في غضون العام 1983 فإنها استمرت في موقفها المتشدد من نظام الحكم في مصر، ففي رسالة نشرتها مجلة المرابطون الناطقة بلسان الجماعة عدد يوليو/ تموز 1990 للدكتور ناجح إبراهيم "طالب خلالها بضرورة كشف وتعرية النظام العلماني الحاكم وبيان عدائه للإسلام ومحاربته لأهله وتوضيح أن القنوات الدستورية والسبل القانونية التي تم العمل بها على بعض السذج ليست إلا سرابا ووهما وخداعا".

وختم رسالته بأنه لن يرتدع الطغاة عن فتنة المسلمين ولن تتم إزاحتهم عن كراسي الحكم إلا بالقتال ، "وبدا ذلك واضحا حتى العام 1993 عندما قبلت وساطة مجموعة العلماء لوقف العنف الدائر بينها وبين الحكومة المصرية، غير أن قرار الإطاحة بوزير الداخلية الأسبق عبد الحليم موسى أفشل تلك الجهود ، وكان اغتيال الدكتور علاء محيى الدين الناطق الرسمي للجماعة عام 1990 دافعا للجماعة في استمرار عمليات الثأر والانتقام ضد رموز النظام المصري ؛ فبادرت باغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب آنذاك ، وقال ممدوح علي يوسف أحد أبرز قيادات الجماعة والمتهم الأول في قضية اغتيال المحجوب في كلمة له بقاعة المحكمة في أولى جلساتها في يونيو/ حزيران 1991 "إن الممارسات الإرهابية لنظام الحكم لن تثني حملة لواء الدعوة الإسلامية عن المضي في طريقه".

".

ودخلت كوادر الجماعة المسلحة في الداخل وقياداتها في الخارج في مواجهة عنيفة بينها وبين الحكومة المصرية في الفترة من العام 1992 حتى العام 1997 حيث أعلن شيوخ الجماعة في الخامس من يوليو/ تموز 1997 مبادرتهم السلمية الأحادية وقف كل الأعمال المسلحة داخل مصر وخارجها.

وبقيت تلك المبادرة تجتاز العوائق والعقبات ، سواء من بعض الرافضين لها - وفي هذا السياق وقعت حادثة الأقصر في نوفمبر/ تشرين الثاني 1997- أو من دوائر السلطة التي استمرت في إجراءاتها وتدابيرها الأمنية والقضائية ضدها ، حتى قاد مكرم محمد أحمد حوارا موسعا مع قيادات الجماعة وكوادرها على مرأى ومسمع من الجميع ، في خطوة ذات مغزى خلص بعده إلى صدق هذه المراجعات ورغبة قيادات الجماعة في التصالح مع المجتمع، بما كشف عن تغير في الموقف الرسمي إيجابيا لصالح دعم المبادرة.