Print

إسنا .... فاصل ونواصل !!

بقلم كمال زاخر موسى

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.

لم يعد لحديث الشجب والتنديد والإستنكار موضعاً فى الخطاب العقلانى لأنه لم يصبح ذا جدوى ، بل هو فى حقيقته مسكناً لحظياً كل ما يفعله تفريغ شحنة غضب إنفعالية وقد يرجئ الإنفجار ، لذلك عاينا أن نبحث فى طرح حلول موضوعية فيما تشهده بلدنا بشكل متواتر من أحداث إجرامية توافق الإعلام والبيانات الرسمية على تسميتها أحداثاً طائفية فى إسهام يعزز تسطيح الأمور ولا يملك ثقافة الشفافية وقراءة الواقع .

لذلك اتوقف ملياً عند " اسنا " تلك المدينة المصرية العريقة والتى مازالت تحتفظ لنا بالأصالة المصرية القديمة عبر المعبد البطلمى الذى يؤكد قدرتها على تمصير كل من قصدها غازياً أو محتلاً ، لكنها اليوم ترسل لنا رسالة مناقضة ومفزعة ، فلا أحد يتصور أنها بكل تاريخها استطاعت أن تستبدل روابطها الوطنية التاريخية التراكمى بروابط طائفية يتم التعامل وفقها ، والأحداث الإجرامية التى وقعت فيها ليست وليدة لحظة غضب وليست زوبعة فى فنجان بل هى بحسب بعض من عايش الأحداث فعل مدبر تم الدفع اليه عبر الشحن الطائفى المنظم حتى وجد المبرر لإنطلاقه ، وهو ما نريد أن نعرف خيوطه والأيدى الخفية المدبرة والمحفزة والفاعلة ، لعل هذا يدفعنا لمطالبة الأجهزة الرسمية التنفيذية والشعبية بالتحرك فى اتجاه استجلاء الحقيقة عبر تحقيقات أمنية وقضائية وسياسية جادة وشفافة حتى نوقف هذا النزيف المتواتر ، والذى ينتقل فى خفة من محافظة إلى أخرى مرة كل أربعة شهور أو ستة ، ولعلنا نتذكر أن أحداثاً مثيلة وقعت فى غضون هذه الفترة الزمنية بالعياط ـ محافظة الجيزة ( مايو 2007 ) وانتهت بشكل مسرحى متكرر ، وفقاً لقاعدة الصلح خير وعفا الله عما سلف ، لكن الأيام تثبت أنه لم يكن خيراً بالمرة ، والمرء المخترق طائفياً لم يعفو لكنه يواصل تفعيل طائفيته فى فضاء الوطن الواسع .

ولعل المتابع يذكر أن التيار العلمانى الذى يضم بعض من رموز الأقباط النشطين فى العمل العام قد أصدر بياناً بشأن أحداث العياط آنذاك ضمنه نداءاً للسيد رئيس الجمهورية للتدخل كان نصه فيه  [ نحن لا نصدر بيانا للشجب أو التنديد أو الإستنكار لكننا نطالب السيد رئيس الجمهورية بما يملك من صلاحيات دستورية ان يضع حدا لهذا الخراب الذى يهدد الوطن بتشكيل لجنة رفيعة المستوى تضم رموزاً من عقلاء الأمة المصرية لفتح ملف العنف الطائفى الذى كلف الوطن خسائر فادحة على مدى اكثر من ربع قرن والذى تضخم بشكل ينذر بوقوع كارثة وطنية قد لا نملك مواجهتها ، ونطالب السيد الرئيس بدراسة هذا الملف بشفافية وحزم على غرار لجنة تقصى الحقائق التى تشكلت برئاسة الدكتور جمال العطيفى عقب احداث الخانكة 1971 ، على أن تعلن النتائج عبر كل وسائل الإعلام حتى نضع ايادينا على المسببات الحقيقية لهذا الطاعون . ] ، وعاد التيار ليصدر بياناً جديداً بشأن أحداث اسنا ضمنه نفس النداء بحروفه ونصه .

ورغم أننى لا أؤمن بنظرية المؤامرة ، ولا أراها مفسرة لكل الأحداث ، لكننى أميل إلى الإرتكان اليها فى هذه الأحداث ومثيلاتها ، فالوطن يسير فى خطوات حثيثة نحو الإستقرار المؤدى الى تفعيل التنمية لتعود مصر الى موقعها الطبيعى بين الأمم المتحضرة ، وهو ما يعز على الغرماء الذين يحلمون بوراثة موقعها والذين يخشون عودتها كدولة عظمى والذين يعيشون فى ظل ضعفها ، أضف إلى كل هؤلاء الحالمون بدولة الخلافة من أهل كهف ما قبل الدولة الحديثة وما قبل المدنية ، ولما كانت قوة مصر مستمدة ومرتكزة على شعبها الواحد المتكاتف ، كان من الضرورى لتفعيل أحلام كل هؤلاء ضرب هذا الشعب فى وحدته وتكاتفه ، لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد بل يتحمل تراخينا فى المواجهة ـ السياسية والمجتمعية ـ نصيباً مماثلاً من المسئولية ، إذ كيف يستساغ تعطيل القانون والركون إلى الحل العرفى ( فيما عرف بجلسات الصلح العرفية ) ؟! وهى واحدة من منتجات ثقافة بدوية وافدة هجرتها مصر منذ أن عرفت شكل الدولة الحديثة ، بل هى مؤشر لأحد أهم اسباب الفوضى التى تتغلغل بين ثنايا حياتنا ، أعنى الإتجاه الى الردة العرفية فى حل المشكلات الفردية والجماعية بدءاً من عدم احترام اشارة المرور وحتى تفعيل السوق الموازية ( السوداء ) التى تقف وراء ازمة الخبز والغاز والسكن وغيرها .

لذلك لابد من تبنى ثقافة جديدة وجادة تعيد للقانون هيبته وللقضاء موقعه وللإنضباط المحكوم بقواعد قانونية ودستورية مكانه فى الشارع المصرى ، وملاحقة ابواق الفتنة وتأليب المجتمع تحت غطاء فقهى وتقديمهم للمحاكمة مع الفاعلين المباشرين للإجرام ( الطائفى ) .

واستأذن القارئ فى أن افسح سطورى لجزء من بيان التيار العلمانى بشأن احداث اسنا لنطالعه معاً ونتدبر فى أطروحاته وكيفية تفعيلها :( نطالب بتقديم الفاعلين المباشرين للمحاكمة والبحث عن رؤوس التحريض ليقفوا معهم أمام القضاء وفقاً لأحكام الدستور والقانون وفى تفعيل حقيقى لمبدأ المواطنة الدستورى وفى حماية حقيقية لأمن الوطن وسلامته .ونرفض إحالة الأزمة إلى الكنيسة وصولاً إلى جلسات الحل العرفى المخالفه لقواعد وأسس دولة القانون ، فهى ليست مشكلة دينية والكنيسة ليست طرفاً فيها ولا يجب أن تكون .

كما نرفض إختزال الحل فى الشق الأمنى فقط ونرى أن يتواكب معه ويعقبه تشكيل لجنة برلمانية تضم فى عضويتها رموزاً من المفكرين والمتخصصين للوقوف على المسببات الحقيقية لوجود وتكرار هذه الأحداث الإجرامية وطرح الحلول العملية للقضاء عليها.

ومازلنا نرى أن الخطر يكمن فى الروح الطائفية التى تتلبس العديد من القنوات المشكلة لعقل ووجدان الشارع المصرى سواء فى آليات الإعلام أو التعليم أو الثقافة ، إضافة إلى تفشى ذات الروح فى العديد من دواويين الحكومة وإدارات الحكم المحلى والمدعومة من التنظيمات والجماعات المحظورة التى تعلن ذلك صراحة فى العديد من مواقفها وأدبياتها .

ومازلنا نرى أننا أمام كارثة تهدد الوطن بكل طوائفه ولا تحتمل التلاعب بمقدراته وأمنه وسلامه ، فلنتكاتف اذن لحماية وطننا الذى يحتوينا جميعا .  ولك السلامة يامصر.) انتهى البيان .

هل من يقرأ .. هل من يتفاعل ؟ ... هل من يتحرك فى ايجابية ؟! ، قبل أن تصبح إسنا فقرة فى برنامج الإرهاب يعلن المذيع بعدها مقولة " كنا مع اسنا .. عزيزى المؤمن .. فاصل ونواصل " !!.