Print

            

تغييب دولة القانون بفعل الأجهزة الأمنية أهدر حقوق الأقباط.. واستقواؤهم بدولة الفرمانات الانتقائية لن يعيدها


القاهرة ـ القدس العربي :
 

أرجع محمد فائق وزير الإعلام الأسبق ـ مدير المنظمة العربية لحقوق الإنسان ـ انحسار حقوق المسيحيين في مصر الي تغييب دولة القانون وحقوق الإنسان عموما وترسيخ سيطرة أجهزة الأمن علي الملف القبطي وتقويض مؤسسات المجتمع المدني عموما لدرجة باتت معها البلاد مهددة بانفجار شعبي مع تزايد المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وتفسخ العلاقة بين الدولة والمجتمع بفعل سياسات الحزب الوطني الذي يعيد إنتاج نفسه ليسيطر علي مجريات الأمور،

رابطا بين قدراته علي تسخير قوي التطرف والعنف في مواجهة الأقباط والتنكيل بها في الوقت ذاته داخل المعتقلات والسجون، وبين موالاة الكنيسة له لدرجة تفاوضها معه باسم المواطنين المسيحيين الذين لجأوا اليها في غياب الدولة.

وقال فائق في ندوة عقدها منتدي الشرق الأوسط للحريات مساء الأحد لبحث سبل وقف العنف ضد الأقباط، إن الاعتماد علي أمريكا دولة الفرمانات الانتقائية ذات التاريخ الاستعماري وسجون التعذيب لا يمثل ضمانة لحل مشكلات الأقباط ويضعهم في صورة الأجانب أصحاب الامتيازات في نظر الجماهير، مشددا علي ضرورة طرحها في إطار حقوقي استغلالا لعالمية المواثيق الدولية الموقعة عليها الحكومة المصرية. وأضاف فائق إن تقارير أمريكا حول الحريات والديمقراطية في العالم العربي والشرق الأوسط وراءها دوافع سياسية ترجح مصالحها علي حساب أي فئة مضطهدة من قبل حكوماتها، لافتا الي تقرير الخارجية الأمريكية الأخير حول الحريات الدينية والذي أبرز قضايا المسيحيين والبهائيين في مصر وأنصف دولة احترام القانون في الإمارات العربية بعد نجاح حكومة أبو ظبي وأجهزتها الإعلامية خاصة مركز شؤون الاعلام في إبراز قوة القانون وقدرة منفذيه علي احتواء مشكلات المسيحيين وحقهم في بناء دور العبادة، مقابل استمرار عرقلة قوانين مماثلة في مصر.

وربط فائق بين نمو قوة المحافظين الأمريكيين وتحالفها مع الصهيونية العالمية وتصاعد القوي الإسلامية ومنها المتطرفة كرد فعل علي التوحش الأمريكي بالمنطقة، مؤكدا غياب أي مسيحي عن العراق الجديد بفعل سياسات بوش الديمقراطية هناك، وأضاف ان علمانية عراق صدام حسين ربما صانت بلاده من الطائفية التي تبحث عنها إدارة بوش في كل بلد عربي ضمن مخططها لرسم خريطة الشرق الأوسط الكبير بما يبرهن علي صحة استقواء المسيحيين في مصر بالداخل عبر اندماجهم في العمل العام ودعم جهود المؤسسات المدنية للقضاء علي التمييز الديني والطبقي علي السواء.

ونوه مجدي خليل مدير المنتدي الي تغييب القانون في حوادث العنف بين المسلمين والمسيحيين منذ تولي الرئيس الراحل السادات الحكم وتصعيده للإسلاميين لمواجهة معارضيه والمنتمين للفكر الناصري حتي انتهي الأمر بمقتله علي أيديهم، وأشار خليل الي وقوع 240 حالة عنف ضد المسيحيين في الفترة 1972 ـ 2000 تدخلت فيها أجهزة الأمن بعنف لحساب الأغلبية المسلمة بشكل زاد الاحتقان بين الطرفين، مؤكدا سقوط 4 آلاف قبطي بين قتيل وجريح حتي العام 2003 دون محاكمة مسلم واحد، وحذر خليل من مشاهد جلسات الصلح العرفية والتي تخفي الأحضان المتبادلة خلالها كوارث عدة تهدد المجتمع ككل، ورفض مدير المنتدي اتهام الأقباط بالاستقواء بالخارج محملا المسؤولية الأخلاقية عن تغييب حقوقهم للأغلبية المسلمة الصامتة علي ضياعها علي أيدي أجهزة الأمن المسيطرة علي ملف الأقباط وكأنهم جماعة محظورة وليسوا مواطنين.

ووصف الدكتور منير مجاهد أحد مؤسسي حركة مصريون ضد التمييز الديني ، مصر بمجتمع الأزمات الشاملة بعد هزيمة حزيران (يونيو) 1967 وتبعاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مشيرا الي سقوط المواطنين في براثن التيارات السلفية التي عمقت أفكارها الطائفة والاستعلاء الديني بمساعدة وسائل الإعلام الحكومية الرجعية ومناهج التعليم الفاسدة وتراجع قيمة الشعور بالانتماء للوطن مع سواد الكذب والفردية الفظة كقيم مجتمع ما بعد الانفتاح وتسييس الدين وتديين السياسة وتعظيم مكانة دور العبادة في خدمة المواطنين وتفكك الدولة أمامها لتتمكن الكنيسة من التفاوض معها باسم الأقباط الذين حولتهم بمرور الوقت الي أقلية ذمية، داعيا الي محو كافة أشكال التمييز بين المصريين في القوانين والسلوكيات والاعتراف بكافة الأديان.

ورهن الكاتب الصحافي سعد هجرس: انهيار المشروع الامبراطوري الأمريكي علي المدي البعيد بتقليص ظاهرة التعصب الديني بدول المنطقة العربية مشيرا الي قدرة العولمة علي تفكيك الدول القومية كما الحال في يوغوسلافيا، وقال هجرس إن النعرة الطائفية في مصر ليست بعيدة عن الأحداث الإقليمية ليطابق مفكرون بين وجهي بوش وبن لادن مقابل سيادة مؤسسة الخرافة في المجتمع المصري الذي لم تحسم نخبته موقفها من تعديل المادة الثانية بالدستور ومعها الجماعة القبطية ذاتها والتي تظل تبتعد عن طرح قضيتها علي أرضية حقوقية ووطنية ضمانا لنجاحها، مع تخوفها من قوة جماعة الإخوان المسلمين التي أثبتت الانتخابات البرلمانية ضعف نسبة المؤيدين لمنهجها.

واستطرد هجرس مؤكدا سقوط الأقباط في الأوهام بتحالفهم مع الحزب الوطني ورهان الكنيسة عليه مقابل انسحاب الأقباط من الحياة السياسية لصالح النشاط الاقتصادي في ظل تنامي الأفكار السلفية والوهابية التي جلبها العائدون من دول الخليج البترولية، محذرا الحكومة من إهمال القوة البشرية للمصريين والتي تبقي لها بوصول عددهم الي 100 مليون نسمة بعد نحو 30 عاما يختفي خلالها ثلث الدلتا وتضيع معها استثمارات الساحل الشمالي مع انحسار الرقعة الزراعية وحصار المجتمع بمشكلات بيئية تضاف الي أزماته السياسية المتوالية دون حلول جادة لها