Print

 

حتى الزهور محاربة في السعودية

 

عبد الخالق حسين

 

في السعودية، كل شي معرض للمحاربة والاضطهاد. فالاضطهاد لا يلحق النساء وحدهن، كما حصل في الحادثة المأساوية التي أطلق عليها اسم (فتاة القطيف) والتي هي فقط الجزء المرئي من الجبل الجليدي لما يجري من اضطهاد في السعودية ضد المرأة.

وهذا لا يعني أن الرجال محصنون من الظلم في هذا المجتمع، كما ولم يقتصر الاضطهاد الديني والمذهبي على أصحاب الدينات غير الإسلامية مثل المسيحيين أو المسلمين من الشيعة فحسب، ولكن الغريب أن بلغت الملاحقة حتى الزهور والاحتفال بعيد الزهور وكلما ينتمي إلى الزهور أو أي شيء جميل.

 

لا شك أننا نعيش في زمن عاصف بالتحولات السريعة بسبب التطور المذهل في تكنولوجية الاتصال والمواصلات التي كانت العولمة من ثمارها، حيث الاختلاط والاحتكاك الواسعين بين الشعوب وتبادل المصالح والثقافات، من نتائجها أن حصلت تحولات اجتماعية سريعة وخاصة في المجتمعات العربية الإسلامية وما يترتب عليها من تناقضات واضحة بين مكونات المجتمع الواحد.

 

فالناس يتغيرون ولكن ليس بدرجة واحدة، خاصة إذا ما حصل التغيير بسرعة وبفترة زمنية قصيرة نسبياً، فمنهم من يتغيَّر كلياً، ومنهم بدرجة أقل، وهناك من لا يتغيَّر أبداً بل يقاوم هذا التغيير ويتمسك بالماضي السحيق وعاداته البالية بحجة الحفاظ على ديننا وعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة ورفض كل ما هو جديد بحجة أنها أفكار مستوردة...الخ. وعليه وفي هذه الحالة، ينشق المجتمع إلى قسمين متصارعين، قسم مع التغيير وآخر ضده، وهذا ما أسماه عالم الاجتماعي العراقي الراحل علي الوردي بـ (التناشز الاجتماعي). وقد ذكرنا هذا الموضوع في مناسبة سابقة وبشيء من التفصيل.

 

يبدو أن هذا التناشز بلغ أوجه الآن في السعودية حيث الصراع على أشده بين شريحة واسعة من أبناء الشعب الذين تغيّروا وقطعوا شوطاً كبيراً في التقدم الاجتماعي وتقليد الشعوب الغربية في كثير من عاداتها وأفكارها وأسلوب حياتها، وشريحة أخرى من الشعب الرافضة للتطور، متمسكة بالقديم المتخلف.

 

والقسم الأخير اتخذ من الدين درعاً له يتمترس به، وخاصة أتباع العقيدة الوهابية الرافضة لكل جديد وتجديد. والوهابية كما هو معروف عنها أنها نسخة متطرفة ومتشددة من الإسلام، يسعى دعاتها إلى إعادة المجتمع إلى ما قبل 1400 عام، وبذلك فهي ضد قوانين حركة التاريخ ومعادية للإنسانية والحضارة البشرية، حتى صارت الأيديولوجية المحركة لمنظمات الإرهاب الإسلامي مثل منظمة القاعدة الإرهابية بقيادة المواطن السعودي أسامة بن لادن. لذلك لن نستغرب إذا كان نصف الإرهابيين الأجانب في العراق هم من السعودية كما أكد ذلك المسؤولون فيه.

 

والمؤلم في المجتمع السعودي أن مصيره وأسلوب حياته صار رهينة بيد مؤسسة رسمية كبيرة وفي غاية التخلف، ألا وهي الشرطة الدينية التي تسمى بـ (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) والتي تتمتع بصلاحيات واسعة في التسلط على رقاب الناس، والتحكم بشؤونهم ومصائرهم، وظيفتها تنفيذ تعاليم رجال الدين الوهابيين بمنتهى القسوة والرعونة. والمعروف أن هناك تحالف تاريخي واستراتيجي بين المؤسسة الدينية (الوهابية) والسلطة السياسية المتمثلة بالعائلة المالكة السعودية. لذلك فمصير الناس في هذه المملكة هو بيد المؤسسة الدينية وذراعها الضارب (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

 

ومن غرائب الأمور في هذا المجتمع الذي التقت فيه مختلف الأزمان السحيقة والحديثة في آن واحد، إذ ترى فيه أناس كسبوا أعلى مستويات التطور في المجتمعات الغربية، يتمنون أن يعيشوا حياة طبيعية بدون منغصات، وآخرون في قعر التطور وهم الذين يحاربون الحياة وكل ما هو جميل في هذه الدنيا، ويمجدون الموت ويرفدون منظمات الإرهاب بالشباب لقتل أنفسهم وقتل الآخرين باسم الله والإسلام.

 

وآخر صرعة من صرعات هذه الهيئة، كما أفادت وكالات الأنباء، هي قيامهم بمنع بيع الورود وخاصة الحمراء منها في هذه الأيام التي تصادف في العالم عيد الحب (Valentine) حيث يقدم العشاق وروداً حمراء لعشيقاتهم، والمتزوجون لزوجاتهم، وهي مناسبة للتعبير عن المشاعر الإنسانية النبيلة إزاء الجنس الآخر.

 

ولكن في السعودية الحب محرَّم وهو على قائمة طويلة من الممنوعات والمحرمات، لأنه يعتبر من الأفكار والعادات المستوردة من بلاد الكفار. وليت الأمر توقف عند منع بيع الورود الحمراء فحسب، بل تعداه إلى حتى محاربة اللون الأحمر أيضاً. إذ نسبت صحيفة ("سعودي جازيت"  لعاملين بالمتاجر القول إن مسؤولين حذروهم من بيع أي شئ أحمر اللون بما في ذلك الزهور وأوراق تغليف الهدايا حمراء اللون.) فهل هناك سخف أكثر من هذا السخف والهراء؟

 

عندما أقرأ مثل هذه الأنباء المؤلمة كم أشعر بأني محظوظ لأني لم أعش في مجتمع كهذا، بل في مجتمع يجعلني أشعر بآدميتي، أمارس فيه حريتي وحقوقي الإنسانية. ولكن في نفس الوقت أشعر بالحزن والأسى على أبناء جنسي من البشر الذين يعيشون تحت وطأة هذه الأحكام المجحفة والقوانين القرقوشية المتخلفة، خاصة ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين، حيث صار البشر المتحضرون يتنافسون فيما بينهم على غزو الفضاء وإرسال السفن الفضائية إلى المريخ وإلى كواكب أخرى.

 

والجدير بالذكر أن ما حصل في السعودية هذه الأيام من إجراءات ضد الزهور ليس جديداً على هذا النظام، إذ أصدرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية في العام الماضي، فتوى ضد عيد الزهور، برقم 20034 بتاريخ 2007-05-03  جاء فيها: "لا يحوز إقامة عيد الزهور، لأنه في الأصل من أعمال غير المسلمين فهو تشبه بهم ، والواجب تركه واجتنابه طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما لا يجوز للمسلم المشاركة في هذا العيد أو غيره من الأعياد المحدثة في الإسلام ، لان ذلك من التعاون على الإثم والمعصية".

 

وقبل هذا التاريخ أصدرت هذه الهيئة فتوى غريبة وعجيبة أخرى تقضي بمنع تقديم الزهور كهدايا للمرضى الراقدين في المستشفيات عند زيارتهم من قبل الأهل والأصدقاء.

 

والمفارقة أننا عندما نشاهد لقاءات المسؤولين السعوديين لوفود الأجانب على شاشات التلفزة وصفحات الصحف، نرى باقات كبيرة من الزهور تزين أماكن هذه اللقاءات، وهذا يعني أن الشعب هو وحده الممنوع عليه التعامل مع الزهور، وهذا دليل آخر على ازدواجية هؤلاء الحكام، فهم يبيحون لأنفسهم كل شيء من البهرجة وملذات الحياة، ولكنهم يحرمونها على أبناء الشعب فقط باسم الدين .

 

بطبيعة الحال، هذه التصرفات الفضة من قبل المؤسسة الدينية الوهابية وشرطتها الرعناء، هي ليست تصرفات 

شخصية أو لا علاقة لها بالنظام السعودي كما يحاول البعض تزويق وجه هذا النظام المتخلف وتبرئته من هذه السياسات المعادية لأبسط حقوق الإنسان.

 

نؤكد لهؤلاء من أصحاب النوايا الحسنة أن هذه الأحكام الجائرة هي من صميم أيديولوجية وسياسات المملكة السعودية. فالمعروف أن هذا النظام هو نظام بوليسي قمعي متخلف، وأية معارضة لقرارات الملك يعتبر مخالفة للشرع وللدين باعتباره تمرد على ولي الأمر، ولذلك يعد كفر وإلحاد في نظر المؤسسة الدينية. وعليه، فإننا لم نظلم النظام السعودي إذا قلنا أن هذه القرارات المجحفة هي بأوامر من السلطة السياسية الحاكمة.

 

وأخيراً، بلغت هذه المظالم حداً أن انتبه العالم إليها خاصة في عصر الإعلام الواسع على مدار الساعة، إذ لا يمكن حجب الشمس بغربال، كما يقولون، فقد وقع مؤخراً أكثر من 40 منظمة كبرى وشخصيات أمريكية على رسالة موجهة إلى وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس، تطالب الإدارة الأمريكية بتبني سياسة جديدة تجاه الحكومة السعودية بخصوص حقوق المرأة. (الرابط أدناه).

 

ففي عصر العولمة لم يعد اضطهاد أي شعب من الشعوب مسألة داخلية لا يجوز التدخل فيها، إذ وكما قال مارتن لوثر كنغ: "المصيبة ليس في ظلم الأشرار، بل في صمت الأخيار"  وقال أيضاً: " الظلم في أي مكان هو ظلم في كل مكان". وعليه فالمجتمع الدولي مطالب بالتحرك السريع لإيقاف هذا الظلم، سواءً كان في السعودية أو أي مكان آخر. فالنظام  السعودي لم يسلم من ظلمه حتى الزهور