Print

البديل.. هو المطلوب الآن في مصر..     

 كتب د. عمرو إسماعيل

 مصر تشهد هذه الأيام مرحلة تحول ليس فقط في حياتها السياسية والاقتصادية.. بل أيضا في حياتها الثقافية والاجتماعية.. هذه المرحلة بدأت منذ سنوات قليلة مع بداية القرن الواحد والعشرين وأوشكت أن تصل إلي ذروتها.. بدأت هذه المرحلة كنوع من رد الفعل علي حالة الجمود والركود السياسي والاقتصادي التي عانت منها مصر في الربع الأخير من القرن العشرين..

 

وهذا الركود السياسي كان حالة شاذة في تاريخ مصر الحديث منذ انتهاء الاحتلال الفرنسي وبداية حكم محمد علي.. فقد شهدت مصر طوال هذه المدة الطويلة حراكا ثقافيا وسياسيا وثقافيا علي قدر عالي من الأهمية جعل مصر تتبوأ مركزا قياديا في هذه المنطقة من العالم كنموذج ينتشر الكثير مما يجري علي الساحة فيها إلي باقي دول المنطقة.. في مراحل متعددة..   

 مرحلة تبني الحداثة علي يد محمد علي و الخديوي اسماعيل.. ثم مرحلة التنوير والاصلاح الديني التي بدأت علي يد محمد عبده ومريديه.. ثم مرحلة الثورات علي يد سعد زغلول في ثورة 19 وما تبعها من مرحلة سياسية ليبرالية قادها الوفد بزعامة سعد زغلول ثم النحاس ياشا.. وهي أفضل مرحلة مرت بها مصر.. بدأت منذ دستور 23 وانتهت مع ثورة يوليو..

 ثم أتت مرحلة الاستقلال والتحرر من الاستعمار.. بدأت مع ثورة يوليو وعبد الناصر و انتهت فعليا مع هزيمة 67.. هذه المرحلة هي للأسف أكثر مرحلة أثرت في العالم العربي.. فقد تم استنساخ نظام الحكم في مصر في العديد من الدول العربية.. نظام الحزب الواحد والرئيس الواحد الملهم.. تم استنساخ نظام الحكم ولكن من دون عبد الناصر الذي مهما اتفقنا واختلفنا معه.. تبقي الحقيقة باقية.. وهو أنه أكثر شخصية أثرت في الوجدان المصري والعربي في النصف الثاني من القرن العشرين..

 وبالنسبة لمصر.. لا أعتقد.. في رأيي الشخصي أن هناك منافس في مدي التأثير إلا الشيخ الشعراوي رحمه الله.. رغم اختلاف مجال تأثير كل منهما.. ورأينا فيهما.. ثم أتي الرئيس السادات الذي أخذ علي عاتقه انهاء الصراع المصري الاسرائيلي أو علي الأقل إخراج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي والقضاء علي التوجهات الاشتراكية لثورة يوليو..

ومهما كان رأينا في السادات.. فقد نجح في تحقيق ما أراده ولم يهمله القدر إكمال عمله. .. ثم كانت حادثة المنصة وتداعياتها.. أتت هذه الحادثة بالرئيس مبارك الي الحكم في وقت عصيب.. وكانت تجربة الحادثة في حد ذاتها.. وتجربة الرئيس مبارك مع عبد الناصر ثم السادات من بعده.. وطبيعته الشخصية العسكرية المتأثرة بالعسكرية الاستاتيكية السوفيتية..

كل هذه العوامل أدت بالرئيس مبارك أن يفضل الاستقرار كاسلوب عمل.. ويحاول البعد عن القرارات السياسية الحادة والمواقف الراديكالية.. ولكن مع الوقت تحول الأمر الي حالة من الجمود السياسي والاقتصادي.. عن قصد أو بدونه.. لم يغير منه بعض الشيء الا ضغط صندوق النقد الدولي لتنفيذ اصلاحات اقتصادية ضلت طريقها عند التطبيق لنفس السبب. ..

ولعل أفضل تشبيه لهذه الحالة هو ما قرأته في مجلة أمريكية منذ عدة سنوات.. قد تكون النيوزويك.. شبهت مصر فيها بسيارة عندما ركب فيها عبد الناصر طلب من السائق الاتجاه يسارا... وعندما ركبها السادات طلب من السائق الاتجاه يمينا.. وعندما ركب مبارك السيارة طلب من السائق أن يتجه يمينا ثم يسارا ثم يمينا وعندما لم يصل الي المكان الذي يريده طلب منه العودة الي الجراج.. وبقت السيارة من وقتها في الجراج. ..

ولكن مع بروز جمال مبارك كشخصية مؤثرة في الحزب الوطني وظهور لجنة السياسات وتأثيرها في الحياة السياسية في مصر.. وبروز فكرة توريث الحكم الي ابن الرئيس وظهور حركات سياسية متعددة معارضة لفكرة التوريث مع حركة كفاية ودخول باقي الأحزاب المعارضة ومعهم جماعة الإخوان في الخط مع كفاية في معارضة التوريث.. بدأت مرحلة حراك سياسي لم تشهدها مصر طوال مدة حكم الرئيس مبارك.. استطاع فيها الشعب المصري ممثلا في الجماعات السياسية و منظمات المجتمع المدني و الأحزاب الرسمية والغير رسمية أن يعرف أنه من الممكن أن يكون له موقفا معلنا مخالف للحاكم وأن يخرج الي الشارع ووسائل الإعلام التي أصبح من الصعب التحكم فيها تماما في عصر السماء المفتوحة والانترنت.. ليقول رأيه معارضا لتوريث الحكم..

هذا الحراك السياسي مع بعض الضغوط الخارجية أجبر الرئيس مبارك والحزب الوطني علي الحديث عن الاصلاح السياسي والدستوري.. وتم تعديل المادة 76 من الدستور رغم مافي هذا التعديل من عيوب.. وتم إجراء انتخابات مجلس الشعب بطريقة نجح فيها عدد كبير من الإخوان..

وهناك إصلاحات دستورية تتطبخ في دهاليز الحزب الوطني.. ردا علي صوت الإخوان وأحزاب المعارضة الرئيسية العالي.. الحراك السياسي الذي بدأ مع معارضة التوريث نجح في تحريك المياه الراكدة في الحياة السياسية المصرية.. ولكنه لم يستطيع حتي هذه اللحظة أن ينتزع زمام المبادرة من الحزب الوطني ولجنة السياسات وجمال مبارك..

مازالت لجنة السياسات للأسف تتفوق علي جميع أحزاب المعارضة بما فيها الإخوان وحركة كفاية.. لأنها تطرح بدائل سياسية قد توصل الحكم في النهاية الي جمال مبارك أو علي الأقل تبقي سيطرة الحزب الوطني.. لماذا؟ لأن الجميع لم يطرحوا بديلا.. وقد يفاجئوا كما حدث بعد تعديل المادة 76 من الدستور أن عليهم دخول انتخابات رئاسية لم يستعدوا لها.. ليفوز بها مرشح الحزب الوطني بصرف النظر عن اسم هذا المرشح حتي جمال مبارك أو غيره..

وفي رأيي الشخصي أنه لن يكون جمال بل سيكون هناك محلل قبله.. ولن يكون منطقيا عندها ادعاء أن الأمر توريثا.. فالرجل سيقول ها أنا مستعد للمنافسة.. ولكن هل هناك من منافس ؟ .. إن نظام الحكم في مصر هو نظام رئاسي وسيظل كذلك لمدة طويله والنظام الرئاسي الديمقراطي هو فعلا الأفضل لمصر في المرحلة الحالية بعد تخليصه عبر إصلاحات دستورية حقيقية من حالة السمك لبن تمر هندي التي نتجت عن الخلط المتعمد بين النظام الفرنسي و نظام الحكم اليوغوسلافي في عهد تيتو ليضمن سيطرة شخص واحد وحزب واحد علي الحكم..

عندما تتم اصلاحات دستورية حقيقية تفصل بين السلطة التنفيذية ممثلة في الرئيس.. والسلطة التشريعية ممثلة في مجلس الشعب.. يتم فيها انتخاب كليهما علي حدة.. ويكون فيها الوزراء هم مجرد سكرتيرين للرئيس يتم الحصول علي موافقة مجلس الشعب قبل تعيينهم.. ولا يسمح لهم أن يكونوا أعضاء في هذا المجلس ليتم محاسبتهم أمامه.. ويكون الرئيس هو المسئول الحقيقي عن السلطة التنفيذية وعن نجاحها أو إخفاقها.. وليس عبر وضع رئيسا للوزراء ليس له صلاحيات حقيقية وكل فائدته أن يتحمل النقد بدلا من الرئيس.. عندما تتم هذه التعديلات.. سيكون النظام الرئاسي أفضل لمصر.. لأن النظام الديمقراطي البرلماني يحتاج وعيا ديمقراطيا علي مستوي عالي.. ووجود حزبين أو ثلاثة علي الأكثر تتبادل تشكيل الحكومة.. لأن الإئتلافات التي ستحدث نتيجة عدم حصول حزب علي الأغلبية الكافية ستنتج عنها حكومات عاجزة تسقط سريعا.. فمن الصعب أن تتفق الأحزاب عندنا علي برنامج واحد تتولي تنفيذه..

وهاهي أحزاب المعارضة لا تستطيع الاتفاق علي برنامج واحد للوقوف أمام الحزب الوطني أو علي حد أدني من الإصلاحات الدستورية المطلوبة.. نظام رئاسي واضح يقترب من النظام الفرنسي أو الأمريكي هو الأفضل لمصر في هذه المرحلة.. .. إن أحزاب المعارضة مطالبة اليوم أكثر من اي وقت مضي وعلي وجه السرعة أن تفرز مرشحين للرئاسة تعلن عنهم من الآن يكونوا قادرين علي مخاطبة الشعب المصري ببرنامج واضح وتحاول أن تكسب ثقة الشعب وحبه.. شخصيات لها كاريزما سياسية يتم تدريبها ويكون عندها التزام حزبي في نفس الوقت.. وأن يكون اختيار هذه الشخصيات عبر انتخابات داخل كل حزب لاختيار مرشحا للرئاسة (ليس بالضرورة أن يكون رئيسا للحزب ) بعد ان يخاطب كل مرشح كوادر حزبه ويعرض برنامجه الانتخابي وتنقل هذه الانتخابات بأكبر قدر ممكن عبر وسائل الإعلام وأنا متأكد أن الفضائيات التي تبحث وتجري وراء زيادة نسبة المشاهدين لن يكون عندها مانع من نقل مثل هذه الفعاليات..

إن إجراء انتخابات تمهيدية لاختيار مرشح للرئاسة داخل كل حزب أو تيار سياسي.. مشابهة للإنتخابات التمهيدية الأمريكية لاختيار مرشح ديمقراطي أو جمهوري.. سيكون لها تأثيرا بالغا علي الشعب المصري وستقنعه بالمشاركة الانتخابية في أي انتخابات قادمة رئاسية أو برلمانية.. فإن الأغلبية الصامته وهي في الغالب.. المثقفة والقادرة علي إحداث تغيير حقيقي نحو الأفضل.. هي عبر سلبيتها السياسية.. من تكرس الاستبداد والديكتاتورية.. ويجب أن تتعلم أحزاب المعارضة المدنية من جماعة الإخوان.. فقدرتهم علي حشد المؤيدين والدفع بهم الي صناديق الانتخابات جعلتهم قوة سياسية يحسب الجميع حسابها حتي الحزب الحاكم ورموزه.. وأجبرت الكثير من هذه الرموز علي الدخول في تحالفات انتخابية مع الإخوان جعلهم أسري لها..

من ليس له صوت انتخابي ضاغط ومهما صرخ مطالبا بحقوقه.. سواء كان حزبا مدنيا أو طائفة تعتقد أنها مهمشة... لا تستحق أن تلوم إلا نفسها لأنها مهما صرخت لن تستطيع الحصول علي حقوقها.. ينطبق هذا الكلام.. علي جماعات حقوق المرأة وعلي الأقباط وعلي الليبراليين واليسارين وجماعات حقوق الإنسان وكافة التيارات السياسية في مصر.. من يريد أن يحصل علي حقوقه يحب أن يستخرج بطاقة انتخاب منذ الآن وأن يذهب في أي انتخابات قادمة ليعطي صوته للمرشح الذي يعتقد أنه سيعطيه حقوقه.. لقد ضربت الإخوان مثلا لكل التيارات السياسية الأخري...

وحتي تشارك هذه التيارات السياسية بإيجابية في الحياة السياسية ترشيحا وانتخابا... فلا تلومن إلا نفسها.. وإن لم تطرح كل الأحزاب والتيارات السياسية الأخري ليبرالية كانت أو يسارية بديلا مناسبا يستطيع المنافسة ومخاطبة الشعب... فلا يجب أن تلوم إلا نفسها..

فالرئيس القادم سيكون مرشح الحزب الوطني وغالبا محلل لجمال مبارك.. أو في سيناريو آخر سيكون رئيسا إخوانيا غير معلن.. وسيعلن عن انتمائه الحقيي بعد النجاح.. فهل يبدأ الجميع في طرح البديل منذ الآن وقبل فوات الأوان.. وهو ما قد يحدث غدا.. أو بعد خمس سنين علي أكثر تقدير.. إن الوقت يدهم الجميع