الفاسدون يدافعون عن الحجاب 

    

كتب محمد الباز ، جريدة الفجر  

   الأحد, 03 ديسمبر 2006 

لم يكن السؤال يحمل اتهاماً بالفساد لوزير الإسكان المهندس أحمد المغربي السؤال حول واقعة رفض مسئول الوزارة عن مياه الشرب بالدقهلية شرب مياه من الحنفية امام الصحفيين في مؤتمر صحفي عقب كارثة اختلاط مياه الشرب بمياه المجاري وتسمم أكثر من 200 مواطن.

وزير الصحة امر المسئول بأن يشرب المياه امام الصحافة فتردد.. المغربي دافع عن مسئول وزارته بحجة دينية دامغة. قال الوزير امام الملايين في برنامج اتكلم للزميل عيسي الحديدي:ان القصة وقعت في شهر رمضان المعظم والرجل كان صائماً ولذلك لم يشرب حتي لا يفطر في الشهر الكريم! نسي الوزير ان الواقعة تمت بعد الافطار في شهر رمضان.

نسي المغربي ايضا انه بهذا التفسير قد ورط زميله وزير الصحة الذي أمر المسئول بأن يشرب مياهاً في شهر رمضان فهل كان وزير الصحة صائماً أم فاطراً؟ وكيف لوزير مسئول في الحكومة ان يأمر موظف بمخالفة شرع الله وافطار يوم رمضاني؟! لم يثر نواب الوطني والاخوان علي وزير الصحة الذي جاوز الحدود وكاد يضيع علي رجل مسلم صيام يوم. لا اتهم وزير الإسكان بالفساد ولم يكن الرجل متهما بالفساد، ولكنه رافضا للاعتراف بفساد ما في قطاعه ادي إلي اختلاط مياه الشرب بمياه المجاري. مواجهة الفساد صعبة ولذلك لجأ وزير الإسكان المغربي إلي الحل السهل، الحل الديني. فالرجل كان صائماً ولذلك لم يشرب المياه.

ارتدي «المغربي» عباءة التدين ووضع خصومه في خانة الضلال وكسب تعاطف ملايين المواطنين. فالوزير المؤمن يدافع عن احد اركان الإسلام.. صوم رمضان. وتحولنا -نحن المطالبين بالاطمئنان علي المياه التي نشربها- إلي مهدرين للركن الإسلامي.  بعيدا عن هذه القصة التي تصلح مدخلاً فان هناك ميلاً واضح لدي الفاسدين للدفاع عن الحجاب واخواته من رموز الدين. لا اقصد المعركة الاخيرة في مجلس الشعب.

لا اقصد الحجاب كمجرد غطاء رأس ورمز ديني فقط ولكنني اتناول الحجاب بالمفهوم الواسع كمظاهر التدين ولا يستطيع احد ان ينكر ان هناك من يدافع عن هذه المظاهر باقتناع ديني خالص لوجه الله. هذه الفئة لم تجدها في قصص الفاسدين التي سأرويها. هذه الفئة المتدينة بحق وحقيقي ليست محل جدل أو نقاش. عن فاسدين يتسترون وراء الدين وخلف الحجاب أحدثكم. عن فاسدين يبدون تشددا لا يباري في القضايا الدينية أروي لكم مشاهد من الحياة السياسية في مصر.  استطاعت الراقصة الشهيرة ان تصل بشكواها إلي رئيس مجلس الشعب.. لم يوافق صاحب المنصب البرلماني الرفيع ان يقابل الراقصة، ولكنه لم يمانع من ان تكتب شكواها مدعمة بالمستندات وأن تصل الشكوي إليه عبر وسيط. الراقصة كانت تشكو من نائب سابق بمجلس الشعب، ضحك عليها، واستولي علي اموالها في عملية نصب تجارية.

المستندات اكدت شكواها، وكانت تؤكد نصب النائب عليها. وخوفا من الفضيحة ورفع الحصانة اضطر النائب إلي رد أموال الراقصة وبقيت القصة خارج حدود النشر. ما لم يعلمه رئيس مجلس الشعب ان النائب السابق نصب علي مواطنين آخرين وحصل منهم علي مبالغ كبيرة. وهددهم بنفوذه وسلطانه لو تجرأوا علي فتح افواههم بالشكوي.

بعد هذه الحادثة باشهر قليلة اندلعت قضية رواية «وليمة اعشاب البحر» للروائي السوري حيدر حيدر. فوجئت بحماس هذا النائب في الدفاع عن دين الإسلام ورموز الدين التي يجب ألا تمس. المثير ان النائب ظل يطالب بمنتهي الحماس بعض الصحفيين بالانضمام له في مصادرة الرواية ومحاسبة المسئولين وراء هذه الفضيحة الدينية، وقتها قال لي هذا النائب «يا أستاذة إلا الدين والأخلاق.. ولو سمحنا للفاسدين دول ان يبثوا سمومهم البلد هتضرب».

لا اعتقد انه كان يمثل دور التقوي أمامي. لا اعتقد انه يتهاون في أداء مظاهر الدين الظاهرة للعيان. هو نائب سابق كان يمكن للحزب الوطني ان يعتمد عليه في قضية الحجاب، أو بالاحري في المشاركة في ذبح وزير الثقافة فاروق حسني.  لماذا رفض فاروق حسني انكار القصة باكملها؟ لماذا لم يستجب لنصيحة بعض القيادات والاصدقاء؟ لماذا لم يطبق النظرية الحكومية «كذبة تفوت ولاحد يموت»؟! قال لي نائب معارض إن فاروق لم يحترم مشاعر الشعبة.

سألت النائب عن مفهوم احترام الشعب: هل الوزير الذي يكذب علي الشعب وينكر اقواله هو وزير محترم ام ان احترام الشعب يقتضي الا يكذب الوزير». لم يفهم بعض الوزراء والقيادات الحزبية لماذا صعد فاروق حسني الازمة رغم ان الكذب لم يكن يكلفه شيئاً؟ فاروق حسني في هذه القضية خارج دوائر الفساد. «عينيه مش مكسورة»- بالتعبير البلدي.

 يسهل علي الفاسد التمثيل والكذب.. والاهم يحتاج الفاسد إلي غطاء ديني متشدد يستخدمه كأدلة علي خلوه من الفساد. لا يملك الفاسد رفاهية الدخول في معركة اخلاقية أو جدلا دينيا. في هذه المعركة لا يشعر فاروق حسني بأن لديه بطحة تجعله في حاجة لمظاهر تدين واضحة، لا يحتاج ان يطلق لحيته ويتزوج امرأة محجبة تنضم لزوجات نصف مجلس الوزراء المحجبات.  

لم اقابل فاروق حسني بعد الازمة، ولكنني اتصوره يبتسم بمرارة من التناقض في التعامل معه في هذه الازمة. وفي ازمة محرقة بني سويف. فاروق حسني نال ثقة ودعم وتصفيق النواب الذين يهاجمونه الآن. في المحرقة كان فاروق مسئولا سياسيا عن الذين ماتوا حرقا أو حتفاً. لم يطالب نواب الوطني باقالته أو اعدامه. الآن يقول لنا النواب ان فاروق جرح مشاعر المواطنات المحجبات، ولكنهم نسوا ان الموت اقوي من جرح المشاعر. نحن امام خلل خطير في اولوية واجندة الحزب الوطني ونواب المعارضة علي حد سواء، فزلة اللسان أو التصريح اعتبر اهانة لا تغفر للمشاعر الدينية.

ولكن المسئولية السياسة لوزير الثقافة عن ضحايا المحرقة يمكن التسامح فيها رغم ان الموت حرقا اهانة لا يمكن التراجع عنها أو تعويضها، هل يشعر فاروق حسني باننا مجتمع يغطي مفاسده وخطاياه بالدفاع الشرس عن المظاهر الدينية والتصعيد في قضية الحجاب؟ هل يشعر فاروق بأن عليه ان يضحي بحريته ليغفر له المجتمع والبرلمان ما تقدم وما تأخر من ذنبه؟  الحاج عبدالله كان الاسم الشائع للنائب السابق عبدالله طايل في دائرته.

الرجل اهتم بتعمير المساجد وتوزيع الصدقات واداء صلاة الجمعة، لم يدخل يوما في نقاش أو جدل حول مسألة دينية، كان يحتاج إلي البعد عن المشاكل والتسامح في المظاهر الدينية ليغطي فسادا ادانته المحكمة في اموال المودعين. والنائب السابق الذي اتهم بالمتاجرة في تأشيرات الحج واضطر للاستقالة كان يحرص علي تقديم طلبات احاطة لوزارة الاوقاف لتعمير وصيانة المساجد..

ونائبا الفيوم السابقان اللذان قضت المحكمة بسجنهما 15 عاماً للاستيلاء علي اراضي الدولة لم يبخلا يوما علي مساجد دائرتهما ولم يتركا مناسبة دينية إلا وتبرعا بالمال والعطايا لرسم صورة متدينة تغطي علي فساد مستتر وضخم. 

 يبدأ معظم مرشحي مجلس الشعب دعايتهم الانتخابية من المساجد. ترميمها وصيانتها وتوزيع الزكاة والصدقات، بعضهم يملكون ثروات مفاجئة لايمكن معرفة مصدرها. ثروات غامضة وحولهم قصص وحكايات عن الاتجار بالعملة والمخدرات. لا يتقدم معظمهم بعد النجاح باستجوابات أو اسئلة حول فساد بعض الوزراء والمسئولين. لا يعلو صوتهم ضد صفقات الفساد أو بيع مصر ولكن نسبة منهم تظهر نجوميتها لوقف عرض كليب ساخن أو مصادرة كتاب حرصاً علي الاخلاق وسمعة مصر.

لا يهتمون بنهب مصر وبالاحري لا يجرأون علي فتح ملفات الفساد الاقتصادي والسياسي خوفا من فتح ملفاتهم المغلقة.. ولكن لا يشعرون بنفس الخطر تجاه مهاجمة كليب أو الصدام مع فيلم. ولهذا يحدث في بعض الاحيان تلاقي أو توافق بين الاطراف علي نوع المعارضة البرلمانية للحكومة ولوزرائها.  لايمكن بالطبع استبعاد ضغوط الدوائر والناخبين في قضية حساسة مثل قضايا الحجاب أو غيرها من القضايا الدينية. لا يمكن بالطبع استبعاد الخوف من مناقشات وجدل في دولة ترتفع فيها نسبة الامية. ويلعب فيها الدين دوراً بارزاً في حياة الناس.

 ولذلك يمكن تفهم المأزق الذي ورط نائب الوطني السابق فيه نفسه. رسم في دائرته صورة النائب المؤمن، في الانتخابات الاخيرة وزع خصمه في الانتخابات صوره وهو يشرب الخمر. ضاعت فرصته في النجاح، صدم الناخبون في صورة النائب المؤمن، من المؤسف ان ناخبيه لم يهتموا بانه متهم وبالمستندات بالاستيلاء علي نحو 400 مليون جنيه من أموال الدولة غطت المظاهر الدينية البراقة علي فساده.  في النهاية لا اجد تناقضاً حتمياً بين التدين ومحاربة الفساد. بل إنني أؤمن بأن التدين الحقيقي يدعو إلي مواجهة الفاسدين. ولكن المشكلة الخطيرة أن بعض الفاسدين نجحوا في اخفاء فسادهم بمظاهر دينية وتحت عباءة التشدد الديني.  


2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com