Print
 المدخل لحل مشاكل الأقباط
مجدي خليل
magdi 

 


هناك أربعة خطابات فيما يتعلق بأوضاع الأقباط في مصر:
الأول خطاب رسمى كاذب
وهو خطاب يتكرر على مدي سنين زاعما بأنه لا توجد مشاكل للأقباط، وفي أكثر من حوار ذكر الرئيس مبارك صراحة بأنه لا توجد مشاكل للأقباط، وعندما يتعطف علينا يقول أن الجميع مصريون متساويون بدون أي فعل حقيقي لتطبيق هذه المقولات. ويتراوح هذا الخطاب بين الانكار الواضح لمشاكل الأقباط أو التجاهل التام وفي أحسن الأحوال ترديد مقولات عن المساواة بدون أي وجود للمساواة على أرض الواقع. وهو بهذا خطاب مشجع للآخر المسلم المتعصب إلى التمادي في ظلمه للقبطي، ولهذا كررنا أكثر من مرة أن أوضاع الأقباط في ظل حكم مبارك هي الأسوأ منذ إنشاء الدولة الحديثة على يد محمد على عام 1801، من حيث التراجع المنتظم فى مجمل أوضاعهم.
الثاني خطاب إسلاموي متطرف
وهو خطاب يجمع جل الإسلاميين من يدعي إنه معتدل أومن يصنف بانه متطرف، فكلاهما يدعيان أن الأقباط يحصلون على أكثر من حقوقهم، وأنهم مسيطرين على الاقتصاد ويسعون لمزيد من المزايا، وإنه لابد من العمل على تحجيمهم، وعليهم أن يحمدوا الله على من هم عليه الآن . وكان الشيخ الراحل محمد الغزالي يقول أن الأقباط " أسعد أقلية فى العالم" ويقول محمد سليم العوا " ياريت المساجد تتمتع بالحرية التي تتمتع بها الكنائس"، ويري محمد حبيب نائب مرشد الاخوان أن عدد الكنائس يزيد عن احتياج الأقباط ويستغرب مطالبة البعض نقل ملف الأقباط من مباحث أمن الدولة. وهو يؤيد استمرار وضع حوالى 12 مليون قبطي داخل مصر تحت قبضة جهاز مباحث أمن الدولة وحوالي 5ر1 قبطي في الخارج تحت قبضة ورقابة جهاز المخابرات العامة. وبالمناسبة هذا الفريق يجمع على أن تعداد الأقباط 6% فقط من تعداد مصر مزايدين بذلك على حكومتهم الكاذبة أصلا( فى لقاءات المسؤولين المصريين مع الأعلام الأجنبى يرددون أن تعداد الأقباط 10% من حجم السكان).
هذا الفريق يري أن وجود الأقباط هو منة منهم. وأن الإسلام منحهم حق البقاء، أي أن الغزاة الذين جاءوا إلى هذه الأرض تكرموا وأبقوا على أصحاب البلد الأصليين ممن صمدوا في مواجهة التحويل القسري إلى الإسلام. وكل فرق الإسلاميين يعتبرون ذلك منة يجب علينا أن نسبح بحمدهم وحمد الإسلام ليل نهار من أجل هذا البقاء!!.
واضح أن هذا الفريق يري أن المشاكل والاضطهادات التي يتعرض لها الأقباط لا تكفي، وهم يأسفون لأن عمرو بن العاص والمأمون والحاكم بأمر الله وغيرهم لم يخلصوا على الوجود المسيحي في مصر. وتعصبهم وحقدهم يجعلهم ينتظرون الفرصة المناسبة للانقضاض على هذه الاقلية المسالمة للتخلص منهم بالأبادة والتطهير العرقي أو التهجير، وهذا وهم طبعا مثل وهمهم بالسيطرة على العالم بالإرهاب.
أفضل وصف للمتطرفين الإسلاميين قرأته لشاعر عراقي أسمه على جمعه بقوله "صلاتهم فحيح وقبلتهم الخراب". الذين وصفوا الجزار الذي يسمي أبو مصعب الزرقاوي بشهيد الأمة لا نستبعد عليهم أي شيء ولا أمل مطلقا في دخولهم النادي البشري إذا ظلوا معتنقين هذه الأفكار.
الثالث خطاب مناور تمييعي
هذا الخطاب يعمل على تمييع وتتويه القضايا بقوله أن مصر كلها معرضة للمشاكل، وأن الأزمة يعاني منها الجميع، وأن المسلمين مضطهدون أيضا. هذا الخطاب يخلط بين نتائج الاستبداد التي تعاني منها مصر كلها، وبين اضطهادات ومشاكل فجة تقع على أقلية دون غيرها ليس لسبب سوي لكونهم أقلية دينية تختلف عن دين الأغلبية. هذا الخطاب يصب فى النهاية فى نكران حقوق الأقباط وخصوصية المشاكل والأضطهادات التى تقع عليهم ويخدم رؤية الدولة الناكرة لهذه المشاكل سواء عن قصد أو بدون قصد
الرابع خطاب حقيقي صادق
هذا الخطاب يعرف أصحابه ماذا يريدون، وهم يمثلون قلة من الأقباط وقلة قليلة جدا من المسلمين. وأقول قلة من الأقباط أيضا، لأن الكثير من الأقباط يعرفون المشكلة ولكنهم ليس لديهم رؤية واضحة لاولوياتهم، ويركزون على الأشياء الصغيرة والطلبات الصغيرة تاركين السبب الرئيسى لمشاكلهم وهو إستبعادهم من المشاركة الفعالة فى إدارة الدولة. وكذلك لان الكثير من الأقباط ليس لديهم استراتيجية واضحة للحلول طويلة المدى ولهذا يكتفون بالشكوى والصراخ،بلا شك أن الشكوى والصراخ حق للمضطهد ولكن يجب تجاوز ذلك إلى الخطوات الأهم كما حدث فى تاريخ نضال الأقليات والشعوب المضطهدة.
أصحاب الخطاب الحقيقى يرون الجسد المصري كما يرى الطبيب الأشعة ولهذا يعرفون بالضبط الأمراض الحقيقة في الجسد المصري وهم يرون مشكلة الأقباط على حقيقتها ويعرفون سبل العلاج ويلتمسونه سواء في الداخل أو الخارج ولا يقفون أمام هذه الحساسيات التافهة والتخويفية لمريض مستعصي علاجه في الداخل .

المدخل للحل
لن تحل مشاكل الأقباط إلا في إطار دولة ديموقراطية حرة، أي أن تحرير مصر هو شرط أساسي لتحرير الأقباط.
هذه مقولة لا يختلف عليها شخص عاقل، ولكن السؤال كيف تتحقق الديموقراطية؟ وكيف تتحقق حقوق الأقباط في ظل مجتمع ديموقراطي؟ وهل يلزم أن يتحمل الأقباط الاضطهادات حتى تأتي الديموقراطية؟.
في إطار التحول الديموقراطي السلمي هناك أربعة اتجاهات تتعلق بحل مشاكل الأقباط
أولا المدخل العام
بالنسبة لأصحاب هذا الاتجاه فهم يقولون أن مشاكل كل الأقباط سوف تحل إذا تم حل مشاكل مصر نفسها، وعلى الأقباط أن ينخرطوا بشكل نشط مع المجموع المصري في الإصلاح السياسي لأن النتائج ستكون فى صالح الجميع.
ثانيا المدخل الخاص
بالنسبة لأصحاب هذا الأتجاه فهو يقولون لابد أن يكون هناك نوع من النضال السياسي الخاص بالأقباط لكي يستطيعوا حل مشاكلهم ولا ينتظرون أن تحل هذه المشاكل من تلقاء نفسها. وأصحاب هذا الاتجاه يرون أيضا أن التغيير الديموقراطي السلمي يلزم أن تناضل جميع فئات المجتمع من آجل انتزاع حقوقها ومحصلة هذا النضال تؤدي إلى تحول تدرييجى سلمى. فطالما أن الديموقراطية ليست نتاج تغيير ثوري فجائي فهي تتطلب أن تعمل المكونات الأساسية لكل المجتمع من آجل توسيع دائرة الديموقراطية والحرية، ومحصلة ضغوط ونضال كافة فئات المجتمع هي التي سوف تؤدي إلى التحول الديموقراطي، فإذا انتزعت المرأة والأقباط والعمال حقوقهم الدستورية، وإذا ناضل أساتذة الجامعات من أجل استقلالها والقضاة من آجل فصل السلطات واحترامها، وإذا ناضل الصحفيون من آجل حرية النشر والتعبير فمحصلة كل هذا هو التحول الديموقراطي السلمي التدريجي.
وفي أمريكا لم يحصل السود على حقوقهم الإ من خلال التحول الديموقراطي والحفاظ على حقوق الأقليات التي أمن بها رجال بيض عظام من لنكولن إلى كيندي، ولكن أيضا نتيجة لنضال شخصيات الأقلية السوداء من أمثال مارتن لوثر كينج ومالكوم أكس وروزا بارك، وقد دفع الكثير من السود حياتهم في طريق هذا النضال.
فالنضال العام من آجل إرساء الديموقراطية للجميع، لابد وأن يسير بشكل متوازي مع نضال فئات المجتمع وشرائحه من آجل حقوقها.وعلى الأقباط أن يناضلوا من خلال مؤسساتهم وجمعياتهم وكنائسهم وبكافة الطرق السلمية والقانونية وإلا لن يحصلوا إلا على الفتات حتى في ظل دولة ديموقراطية. فالدولة الديموقراطية ليست دولة مثالية ولكنها تتطلب أن يكون الفرد حارسا يقظا يدافع بشراسة عن حقوقه ويناضل باستمرار حتى لا تنكمش هذه الحقوق .حتى في ظل النظم الديموقراطية فالنضال واليقظة واجبة. الفرق الوحيد هو أن تحقيق الحقوق في ظل دولة ديموقراطية يحكمها القانون أسهل بكثير من دولة مستبدة يتحكم فيها فرد أو شلة أو رجال دين متعصبون.
إذن فالنضال الخاص هو عمل الأقليات الواجب والمستمر سواء كان ذلك في ظل نظام ديموقراطي أو مستبد.
المدخل المحلي
أصحاب هذا الرأى يقولون ،أن حل مشاكل الأقباط يجب ولابد أن يكون داخل مصر بدون أي تدخل دولي من أي طرف خارجي، وأن أي تدخل خارجي علاوة على أنه غير مجد فهو يعقد الأمور إزاء الحساسيات الداخلية الموجودة.
المدخل الدولي
أصحاب هذا الرأى يؤمنون بأن حل مشاكل الأقباط لن يتم بدون ممارسة الضغوط على النظام المصري لكي يقوم بمسئوليتة تجاه شعبة ويعمل على تطبيق المعاهدات والمواثيق الدولية المتلزم بها أمام المجتمع الدولى. وأصحاب هذا الرأي يقولون كيف نستبعد تراث متراكم دولي عمره عدة قرون منذ قيام الدولة الحديثة، وكيف نستبعد مواثيق الأمم المتحدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والأقليات، كيف يستبعد هذا التراث الإنساني الضخم التي جاهدت البشرية من آجل صياغته ونقف عرايا أمام جبروت الدولة ولا نملك شيئا من أدوات الضغط في مواجهة الأغلبية والدولة التي تعمل من أجل مصالحها فقط. ولا ننسي أن حل أغلب المشاكل الدولية قد تمت بفعل الداخل والخارج معا، وبعضها كان التدخل الدولي أكبر من الفعل الداخلي والبعض الأخر كان النضال المحلي له الفضل الأكبر ولكن معظمها تم بتكاتف الدور الداخلي والخارجي معا.
على سبيل المثال مشكلة جنوب أفريقيا كانت بفعل الداخل والخارج معا وإن كان الدور الداخلي كان الأقوى. مشكلة الأكراد تم معالجتها بالتدخل الدولي والنضال الداخلي بعد عام 91. نفس الشيء تم في مشاكل جنوب السودان، ايرالندا الشمالية، الشيعة في العراق، تيمور الشرقية، دارفور بالسودان.
في كل هذه المشاكل لا يستطيع أحد أن ينكر الدور الهام للخارج والذي بدونه لم تكن لهذه المشاكل أن تحل.
بالنسبة للأقباط عليهم أن يعملوا على كافة المداخل الأربعة فكلها متكاملة ولا ينفي أحدها الآخر وإنما يكمله. وأنا شخصيا أعمل بكل ما أملك من طاقة على كافة الاتجاهات الأربعة السابقة، ولا أستبعد أي وسيلة إذا كانت ستصب في مصلحة الشعب القبطي.
لقد تحدثت عن المداخل الأربعة عام 1993 في جمعية النداء الجديد، وكتبت عنها عام 2001 في جريدة وطني، والآن أعود للتذكير بها مرة أخرى، لأن البعض يتصور أن اتجاه واحد هو الصحيح ويجرم الأخر، والبعض يحاول تقزيم القضية وتمييعها بالتركيز على اتجاه معين، وآخرون يحاولون أن يعزلوا الأقباط عن المجتمع العالمي سياسيا كما فعلوا مع كنيستهم عبر قرون طويلة مما أضعفها وجعلها تابعة سياسيا للنظام السياسي العروبى على مدى تاريخها، حتى أن الكثير من رجال الدين الأقباط لا يزورون إلا كنائسهم والسفارات المصرية في الخارج بدون أدني أحتكاك أو تفاعل مع المجتمع الدولي الرحب الواسع.
نظام يوليو يتفكك فى مصر والمنطقة باكملها تتعرض لتحولات قد تؤدى إلى تغيير وجه الحياة فى الشرق الأوسط، فى نفس الوقت هناك فراغ قبطى مخيف ومرعب، وإذا أستمر الأقباط فى هذا التوهان فإن العواقب لن تكون محمودة.
علينا كأقباط أن نتحرك وبسرعة ونستعمل كافة الوسائل السلمية المحلية والأقليمية والدولية الخاصة والعامة وأن نناضل بعزيمة وثبات وإيمان، فقد كتب علينا أن نعيش كاقلية دينية في دولة إسلامية، وهو وضع يجعل بقاءنا كل هذه القرون معجزة رغم كل الاضطهادات التي مورست علينا وسنبقي لأننا أصل مصر وروحها وقلبها النابض وصبرنا وصلابتنا نستمدها من تاريخنا وإيماننا القوي بمصريتنا.
This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.