خدعوك فقالو إن مصر بلداً تستوعب التنوع الديني و الثقافي
برامج التليفزيون المصري و مناهج التعليم التي يدرسها الطلبة تكذب ذلك
جريدة القاهرة
إقرأ الكاتب سامح فوزي ص9

ينزع الكتاب المدرسي الصراع العربي الإسرائيلي من كافة أبعاده الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ليحوله إلي صراع ديني بين المسلمين واليهود، لا مكان لغيرهم فيه. ويحول نصر أكتوبر 1973 إلي انتصار حققه المسلمون علي اليهود... أين دور الأقباط الشركاء في الوطن؟ ولماذا ُندين كل شيء... الواقع والمؤسسات حتي التاريخ نعيد قراءته من منظور ديني؟ ألم يكن انتصارا وطنيا يزهو به كل مصري؟


تربية دينية يدرسه الطلبة وبرنامج أذاعه التليفزيون المصري يقولون..
مصر ليست بلدا للتنوع الديني والثقافي وقيمتها الوحيدة في انتمائها الإسلامي!
> إذا كنا نرفض التدخل الأمريكي أو الأوروبي في العلاقات الإسلامية المسيحية في مصر فيجب أن نرفض بنفس القدر تدخل أي أطراف عربية وإسلامية في نفس العلاقة
> هل من المعقول أن يقول طالب أزهري من جزر القمر في برنامج للتليفزيون المصري إنه جاء ليواجه التبشير القبطي في مصر؟.. ومذيع ومعد البرنامج فخور بهذا الكلام المحرض علي الفتنة > كتاب التربية الدينية للصف الخامس الابتدائي يري في المسجد ساحة تجنيد وتعبئة للحرب.. ونصر أكتوبر نصراً لمسلمين علي اليهود ويتجاهل دور المسيحيين المصريين فيها
سامح فوزي
في لقاء علي احدي الفضائيات سألتني المذيعة: ما رأيك في لجنة الحريات الدينية التي تزور مصر بغرض التفتيش والمتابعة؟ قلت لها هذا السؤال يوجه لمن يمنحها تأشيرة الدخول للأراضي المصرية، فليس مقبولا أن تظهر الحكومة في ثوب الاستنارة والليبرالية والانفتاح علي العالم، ويظهر المثقفون في رداء الغضب والانغلاق والانسحاب. من الخطأ أن ننساق وراء هذا الاتجاه. الحكومة تفتح الأبواب والمثقفون يحتجون. من باب أولي أن تغلق الحكومة الباب، ولا تسمح لأي قادم أن يتدخل في الشأن الوطني الداخلي. هذه اللجنة تأتي بموافقة الحكومة، فلا تدخل المطار خلسة، ولا تجري مقابلات مع من تريد في السر، بل كل شيء يجري علي الملأ
. التدخل الغربي والعربي
المتابع يري أن أول من يسمح للآخرين بالتدخل في الشأن المصري الداخلي هي الحكومة، سواء بمعناها السيادي، أو الأفراد العاملين في أجهزة الدولة. وعندما أقول "الآخرين" أعني كل ما ليس مصرياً. نرفض تدخل الأمريكي أو الأوربي في العلاقات الإسلامية المسيحية في مصر، بنفس القدر الذي نرفض به تدخل أطراف عربية أو إسلامية. الأجنبي هو كل من لا يحمل الجنسية المصرية. نحن نعيش في دولة قومية، وليس في دولة دينية تمنح مواطنتها في دار الإسلام لكل مسلم من أي قطر أو ثقافة، في مواجهة دار الحرب التي تضم غير المسلمين حتي لو كانوا أبناء نفس الأوطان والمجتمعات، وتحملوا عبء تحريرها من الاستعمار الأجنبي، وضحوا في سبيل تحرير أراضيها. هذه هي المشكلة. يكفر السلفيون غير المسلمين، ونسمع من يقول إن المسلم في أفغانستان أو باكستان أقرب إلي المسلم المصري من جاره وشريكه في المواطنة القبطي. عبر المجتمع المصري عن صدمته عندما استمع إلي هذه الآراء الانعزالية، ولكن ماذا نقول إذا كانت هذه الآراء تذاع صراحة في التليفزيون المصري؟
في برنامج "روضة الإٍسلام" -يوم الأربعاء 22 نوفمبر الماضي- استضاف معد ومقدم البرنامج تهامي منتصر طالب من جزر القمر يدرس الإعلام بجامعة الأزهر. سأله عن أسباب مجيئه ودراسته بالأزهر.. قال: "لكي أواجه هؤلاء". تصورت أنه يتحدث عن الثلاثمائة مرتزق فرنسي الذين يتحكمون في مسار السياسة في بلاده، أو حتي الأمريكيين الذين يحتلون العراق، أو الإٍسرائيليين الذين ينكلون بالفلسطينيين ويحتلون أرضهم. المفاجأة أن هؤلاء هم "أقباط مصر"، الذين- كما يقول الطالب القمري- لديهم مخطط لتبشير المسلمين في مصر والبلاد العربية الأخري. بدا مقدم البرنامج فخورا سعيدا بما يسمع. فقد انتبه أهل جزر القمر إلي المؤامرة، لم ينتبهوا إلي الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي حولت موروني العاصمة إلي مدينة محاطة بالعشش وأحزمة البؤس والفقر، ولكن تنبهوا إلي أهمية نجدة المسلمين المصريين في صراعهم ضد مؤامرة المسيحيين المصريين. لم يتنبهوا إلي الآثار المترتبة علي علاقاتهم الوثيقة بإسرائيل ولكن تنبهوا إلي المؤامرة التي تجري فصولها علي أرض مصر.
الغريب أن يسمع مقدم البرنامج هذا السخف ويصمت. والأغرب أن لا تمتد أذرع الرقابة في التليفزيون لحذف هذا الحديث الذي يحض صراحة علي الفتنة. ُيبث علي القناة الثانية إلي جموع المشاهدين في كل مكان، الذين بات عليهم أن يعرفوا الآن أن هناك مؤامرة ضد الإسلام والمسلمين في مصر ليست من خطيب في مسجد، أو كادر إخواني، أو شريط كاسيت في ميكروباص ولكن من طالب من جزر القمر، يتحدث العربية بصعوبة، ويتلمس واقعه بأكثر صعوبة
. هل حرام علي الأمريكيين والأوربيين أن يتدخلوا في الشئون الداخلية وحلال للقمريين أن يفتوا فيها؟ التدخل الخارجي له شكل واحد لا يتغير. رفض الأمريكي أو الأوربي يجب أن يواكبه رفض للآخرين من أفغانستان وباكستان مرورا بدول الخليج وبالأخص السعودية وانتهاء بأهل جزر القمر الذين يحار كثيرون في معرفة موقع بلادهم علي الخريطة.
كارثة الكتب المدرسية
يبدو أن ما نشكو منه بات واقعا. مقدم البرنامج التليفزيوني يؤمن أن الإسلام "وطن"، بمعني أن كل مسلم أيا كانت جنسيته هو جزء من الأممية الإسلامية التي تتخطي الحدود الجغرافية، والسيادة الوطنية للدول... وكل مسيحي هو جزء من الأممية المسيحية التي تعبر بدورها الحدود والثقافات والأوطان. ليس غريبا- إذن- أن نستدعي طالبا من جزر القمر ليلقن المصريين- مسلمين ومسيحيين- درسا في التعامل مع بعضهم بعضا، وفي مواجهة المؤامرات ضد بعضهم بعضا. والمفاجأة أن الكتاب المدرسي يعلم الطالب أن الدين هو وطنه، مصر لا قيمة لها في ذاتها، ولكن قيمتها تنبع من انتمائها الديني في دار الإسلام. في نشيد بعنوان "بلادي" يدعو كتاب التربية الدينية الإسلامية للصف الخامس الابتدائي التلاميذ إلي المزج بين الدين والوطن، وكأن هذا البلد ليس مكانا للتنوع الديني والثقافي. تأملوا هذه الأبيات:
بلادي بلادي اسلمي وانعمي/ سأرويك حين الظما من دمي
ورب العقيدة لن تُهزمي/ ومن أكمل الدين للمسلم
بلادي بلادي اسلمي وانعمي
بلادي إذا ما رمتك الخطوب/ فإنا بأرواحنا والقلوب
سنحمي ثراك ونحمي الدروب / هتافاتنا النصر للمؤمنين
بلادي بلادي اسلمي وانعمي
وفي درس آخر يعدد المؤلف أسباب أهمية المسجد،من يطالعها يري كيف تحول المسجد في الكتاب المدرسي من دار للعبادة له كل الاحترام والتوقير إلي ساحة تجنيد وتعبئة وإعداد للحرب. المسجد هو " المدرسة التي يتعلم فيها المسلمون أمور دينهم ودنياهم، ....... الميدان الذي سوف تتجمع فيه جنود الله قبل القيام بأي عمل عظيم، وأخيرا هو العلامة التي تفرق بين المجتمع الإسلامي وغيره" (راجع كتاب التربية الدينية الإسلامية- الصف الثالث الابتدائي)، وينزع الكتاب المدرسي الصراع العربي الإسرائيلي من كافة أبعاده الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ليحوله إلي صراع ديني بين المسلمين واليهود، لا مكان لغيرهم فيه. ويحول نصر أكتوبر 1973 إلي انتصار حققه المسلمون علي اليهود... أين دور الأقباط الشركاء في الوطن؟ ولماذا ُندين كل شيء... الواقع والمؤسسات حتي التاريخ نعيد قراءته من منظور ديني؟ ألم يكن انتصارا وطنيا يزهو به كل مصري؟
يقول الكتاب المدرسي "....هذه تحصينات خط بارليف... ولقد نصرنا الله علي اليهود كما نصر الرسول صلي الله عليه وسلم عليهم في المدينة، ودمر تحصيناتهم علي رؤوسهم". الحرب إذن حرب دينية. هذا ما يرجو الكتاب الطفل أن يتعلمه- كما هو مدون علي هامش الدرس. الغرض هو "شرف الاستشهاد في سبيل الله"، والتحذير من "اليهود وغدرهم"، والمقارنة بين "مواقف اليهود قديما وحديثا" ( التربية الدينية الإٍسلامية- الصف الخامس الابتدائي). ويواصل الكتاب تديين الصراع العربي الإسرائيلي في الدرس التالي مباشرة والذي حمل اسم "الله ينصر المؤمنين"، وفيه يقول الأب تعليقا علي تدمير قرية ياميت "هذا ما يفعله اليهود في كل مكان يتركونه حتي لا يستفيد أهله به تماما كما فعلوا في بيوتهم التي تركها بنو النضير في المدينة". وحول تعمير سيناء يري واضع الدرس أن التلميذ يجب أن يتعلم "صفات المجتمع المسلم" حتي يسلك "سلوكا سليما في حياته". والقدس- في الكتاب المدرسي- إسلامية وليست عربية، والصراع حولها ديني بين المسلمين واليهود، لا مكان لغيرهم في المدينة المقدسة، ولا مكان لغيرهم في الصراع كذلك. يقول كتاب القراءة والنصوص في درس يا قدس - قصيدة هارون هاشم الرشيد- "القدس مدينة عريقة مقدسة مباركة، بارك الله حولها وأسري بنبيه محمد صلي الله عليه وسلم إليها، القدس جارة المسجد الأقصي أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين الذي تشد إليه الرحال" (لغتنا الجميلة، القراءة والنصوص- الصف الثالث الإعدادي".
لماذا يستبعد الكتاب الحضور المسيحي العربي في الصراع مع إسرائيل؟. هل يريد أن يقول للمسيحيين العرب ان هذا لم يعد وطنكم، وهذا التاريخ لم يعد تاريخكم، وهذا المستقبل ليس لكم. النتيجة الطبيعية التي تترتب علي ذلك هجرة المسيحيين العرب بكثافة إلي الدول الغربية، وبمرور الوقت تتخلص المنطقة العربية من تعددها الديني، وتختفي حالة التسامح فيها، وينجرف المسلمون من طوائف مختلفة إلي قتال بعضهم بعضا. أليس رفض الآخر مقدمة طبيعية لرفض الذات والانقسام عليها؟.
هذه الأمثلة توضح أن الإعلام والتعليم يحملان في باطنهما فكر تيارات الإسلام السياسي، ولا يعبران عن روح وطبيعة المجتمع المصري المتنوع التعددي... من هنا فإنني لا أعفي الحكومة من مسئولية استمرار هذا العبث، لأن مؤسساتها منتجة وموزعة ومستهلكة له


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com