Print

 

الأقباط.. والمادة الثانية

حسين عبدالرازق

 

احترمت شجاعة ووضوح موقف الانبا مرقص الذى دعا فى تصريح لصحيفة المصرى اليوم لتعديل المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع طبقا للتعديل الذى أدخله الرئيس الراحل السادات فى 22 مايو 1980،

وقال الأنبا مرقص إن الأقباط يريدون تغيير هذه المادة، وانتقد المناخ العام الذى أصبح يأخذ طابعا دينيا.
فمن المؤكد أن هناك مصريين مسلمين وأقباطا يدركون أن الدولة المصرية دولة شبه دينية، وأن هناك خروجا على حقوق المواطنة وتمييزا واقعيا ضد الأقباط فى تولى الوظائف العامة وفى بناء دور العبادة وفى برامج الإعلام، وأخطاء فاحشة يرتكبها بعض المتحدثين فى الإسلام وباسمه فى أجهزة الإعلام
وفوق منابر بعض المساجد.


يكفى أن الدستور القائم ينص على أن الإسلام دين الدولة... ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع. فاستنادا لهذا النص تستطيع المؤسسة الدينية الإسلامية سواء تمثلت فى دار الافتاء أو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ويستطيع من يطلق عليهم رجال الدين أو الذين أدمنوا الافتاء فى الفضائيات، أن يفرضوا وصاية على الفكر والرأى والقوانين وأن يصادروا الكتب ويخرجوا من يشاءون من حظيرة الإيمان. ومازالت الذاكرة تعى ما حدث عام 1992 عند مناقشة تعديل مشروع قانون العلاقة بين المالك والمستأجر فى الأرض بهدف إعطاء المالك الحق فى فسخ عقد الإيجار وطرد المستأجر من الأرض حتى ولو كان المستأجر ملتزما بجميع بنود العقد ويسدد الإيجار المنصوص عليه والزيادة المقررة دوريا فى مواعيدها. فقد لجأت الحكومة لتمرير تعديلها لطلب فتوى تجيز الفسخ والطرد، ووفر لها مفتى الديار المصرية هذه الفتوى. واعترض وقتها خالد محيى الدين على إقحام الدين فى قضية سياسية اجتماعية، وفرض رقابة ممن يسمونهم رجال الدين على حق مجلس الشعب فى التشريع، خاصة أن وهناك تفسيرات وتأويلات مختلفة للنصوص الدينية، وأحكام الشريعة قابلة للتطور والتغيير على ضوء الاجتهادات المختلفة وتطور الواقع والفكر الإنسانى

.
وبقاء المادة الثانية على ما هى عليه منذ عام 1980، سيكون متناقضا مع حقوق المواطنة والمادة 40 التى تنص على أن المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أوالدين أو العقيدة

.
فنص المادة 2 فى حد ذاته تمييز للمسلمين عن أتباع الديانات الأخرى أو اللادينيين. وسيكون حجة لتيارات سياسية لتفرض رؤيتها ومصالحها وتقيم دولة دينية يكون رأيها فى كل أمور الوطن هو رأى السماء الذى لا يقبل النقاش والقبول والرفض

.
من هنا اقترح تعديل المادة 2 من الدستور ليصبح نصها كالآتى:
ترعى الدولة القيم العليا للأديان والحضارات والثقافات الإنسانية، وتستلهم الشرائع السماوية كأحد مصادر التشريع. واللغة العربية لغتها الرسمية. فمثل هذا النص يؤكد حقوق المواطنة المنصوص عليها فى المادة 40، وينفى شبهة الدولة الدينية عن الدولة المصرية، ويكون سندا لكل الرافضين للتمييز ضد أقباط مصر أيا كان شكل هذا التمييز