Print
تحويل بريطانيا الى مجتمع متعدد الأديان
بريتش ايرواي" تعيد النظر في قرار حظر ارتداء الصليب
اقلاديوس ابراهيم - لندن

جدل كبير دار في الأوساط البريطانية خلال الشهور القليلة الماضية حول اتجاه الحكومة تبني سياسة تحويل بريطانيا الى مجتمع متعدد الأديان. ولقى هذا الاتجاه هجوماً من الكنيسة الانجليكانية التي خرجت عن نطاق ديبلوماسيتها المعهودة التي كانت تتعامل بها تجاه سياسات الحكومة، تمثل في صدور تقرير سري حصلت احدى صحف الأحد البريطانية "صانداي تليجراف" على نسخة منه، اشارت فيه الى أن سعي الحكومة الى اقصاء الكنيسة وتسمية بريطانيا مجتمعاً متعدد الأديان سيعمق من الانقسامات داخل المجتمع البريطاني.

والأمر المدهش حقاً هو سعي الحكومة لتحويل مجتمع تدين غالبية سكانه بالمسيحية الى مجتمع متعدد الاديان، في حين لا يشكل المسلمون، وهم أكثر الاقليات عدداً، سوى ثلاثة بالمائة من تعداد السكان. وتمنحهم الحكومة البريطانية افضلية أكثر بانفاق الأموال العامة لدعوة علماء المسلمين الى بريطانيا، وتشجيع السياسات المالية التي تتوافق مع المتطلبات الاسلامية، واعادة النظر في قوانين ضد الزواج الأجباري، حسب ما ورد في التقرير. الأمر الذي جعل النائبة المسيحية في البرلمان البريطاني "آن ويديكام" تعتبر أن المسيحيين يتعرضون للاضطهاد في ظل المناخ الحالي

.
وبالرغم من كل هذه الافضليات، يقول التقرير ان سعي الحكومة تبني هذا الاتجاه يولد الشعور لدى المسلمين بأنهم لم يحصلوا على حقوقهم كاملة، وليسوا على قدم المساواة مع الآخرين، مما يزيد من حدة الانقسام داخل المجتمع البريطاني

.
وبمتابعة الاحداث الجارية في المجتمع البريطاني والتي لها علاقة بالشأن الديني، لوحظ اتخاذ بعض الشركات البريطانية لقرارات تتسم بصفة العنصرية ضد المسيحيين ورموزهم الدينية. فشركة الخطوط الجوية البريطانية "بريتش ايرواي" على سبيل المثال، اتخذت قراراً باحالة الموظفة القبطية المصرية نادية عويضة التي تعمل لدى الشركة منذ سبع سنوات الى اجازة بدون مرتب بسبب رفضها التخلي عن ارتداء قلادة ذهبية بصليب حول عنقها أو اخفائها تحت ملابسها اثناء عملها، بحجة انها تخالف سياسة
الزي الموحد للشركة

.
كما صدر قراراً آخر من شركة طيران بريطانية اخرى هي "بريتش ميدلاند ايرواي" بمنع مضيفة جوية من حمل الانجيل معها اثناء عملها على الطائرة المتجة الى السعودية، بحجة ان تعليمات وزارة الخارجية البريطانية تعتبر حمل المسافرين لكتب ورموز دينية غير اسلامية، فيما عدا القرآن، أمر غير محبب في السعودية. والغريب أن الشركة تنصح موظفيها بحمل القرآن بدلاً من الانجيل!!.
وفي هيئة الاذاعة البريطانية دار نقاش عن "الحيادية والزي الديني" مع مذيعة نشرة الاخبار بتلفزيون BBC "فيونا بروس" حول ارتداءها قلادة ذهبية بصليب حول عنقها، مما أسفر عن تخلي المذيعة فيونا عن ارتدائها الصليب رغم اصرار الهيئة بعدم وجود حظر على ارتداء الرموز الدينية داخل المؤسسة

.
لقاء نادية عويضة بالجالية القبطية

:
كان الموضوع الابرز هو القرار العنصري الذي اتخذته شركة الخطوط الجوية البريطانية "بريتش ايرواي" بمنع الموظفة القبطية نادية عويضة من ارتداء الصليب. "وطني الدولي" التقت بها خلال لقاء دعت إليه الكنيسة القبطية في المملكة المتحدة، عقد بقاعة كنيسة مار مرقس بلندن بحضور نيافة الانبا انجيلوس الاسقف العام ومجموعة من كهنة الكنائس القبطية وعدد كبير من الاقباط، كما حضر اللقاء محاميها "بول دايموند" وممثل "هيئة التضامن المسيحي".
وقالت نادية عويضة ان "المشكلة بدأت عندما ارسلتني الشركة مع مجموعة من موظفي الشركة وادارييها للتدريب على كيفية التعامل واحترام عقائد وثقافة وديانات الاخرين، والتدريب على العمل كفريق واحد لتقديم خدمة جيدة للمسافرين على خطوط الطيران التابعة للشركة.. وفوجئت عندما حضرت للعمل في اليوم التالي برئيسة الوردية ، وهي مسيحية كاثوليكية، تطلب مني خلع السلسلة والصليب أو اخفائه تحت رباط الرقبة تمشياً مع سياسة الزي الموحد للشركة، فشرحت لها أنني مسيحية ولا أرتدي الصليب كحلية بل للتعبير عن ايماني وعقيدتي التي اتمسك بها ولن أتخلى عنها".
وعن قرار ايقافها عن العمل قالت ان الشركة ارسلت اليها رسالة رسمية تقول فيها: "نادية عويضة ترتدي سلسلة وصليب وعليها ان تخلعه او تخبئه خلف غطاء الرقبة، وما لم تفعل ذلك فعليها أن تغادر العمل بدون أجر". وتكمل حديثها فتقول "عندما رفضت خلع الصليب أو اخفائه صدر القرار بأرسالي للمنزل في اجازة بدون مرتب

".
قام محاميها "بول دايموند" برفض قرار الشركة في رسالة أوضح فيها أن القرار يتسم بالعنصرية، ففيما تمنع الشركة موكلته من ارتداء الصليب تسمح للمسلمات بارتداء الحجاب، وللسيخ بارتداء العمامة والاسورة، ولليهو
د بارتداء طاقية الرأس الصغيرة المستديرة.
ضغوط وتهديدات ثم تراجع

:
وجدت شركة الطيران البريطانية نفسها واقعة تحت ضغوط متزايدة وتهديدات بالامتناع عن السفر على متن طائراتها بسبب هذا القرار، وجاءت هذه الضغوط من أعلى المستويات السياسية والدينية في البلاد.
فرئيس الوزراء البريطاني توني بلير صرح بأن "بريتش ايرواي" كان يجب عليها تجنب اثارة مثل هذه المشاكل الصغيرة. أما وزير شئون مجلس العموم البريطاني "جاك سترو" فصرح بأنه "لا يرى تفسيراً للحظر على ارتداء الصليب". وانتقدت وزيرة الحكم المحلي "روث كيلي" و"بيتر هين" وزير شئون ايرلندا الشمالية قرار حظر ارتداء الصليب. كما قام أكثر من مائة عضو في البرلمان البريطاني بالتوقيع على رسالة الى رئيس شركة "بريتش ايرواي" يطالبونه فيها باعادة النظر في قرار الشركة. وهدد رئيس اساقفة كانتربري الدكتور روان وليم بسحب استثمارات الكنيسة البالغة اكثر من عشرة ملايين لدى الشركة ما لم تتراجع عن قرارها وتعيد النظر في سياستها. بالاضافة الى التهديدات التي وجهها اكثر من 15 اسقف بريطاني بدعوة رعيتهم بالتوقف عن استخدام خطوط الشركة في سفرياتهم للخارج.
وأمام هذه الضغوط المتزايدة، صرح المدير التنفيذي للشركة "ويلي وولش" إنه يتعين عليه تغيير سياسة الزي الموحد للشركة في ظل الجدل الدائر، وأن الشركة ستفكر في السماح بارتداء الرموز الدينية كشارة على الجاكيت

.
وبالفعل قامت "بريتش ايرواي" باجراء عدة لقاءات ومشاورات مع موظفيها، واخذت رأي الكنيسة الانجليكانية والكاثوليكية والمجلس الاسلامي البريطاني، مما ترتب عليه رجوعها عن قراراها وترك الحرية لموظفيها في ارتداء رموز دينية معلقة في قلادات اذا رغبوا في ذلك. وهو الامر الذي ترك أثراً حميداً في نفوس الكثيرين من رجال السياسة والدين والمواطنين البريطانيين وغيرهم. حيث اثنى الدكتور روان ويليامز رئيس اساقفة كانتربري على تراجع الشركة عن قرارها السابق، وقال اسقف يورك لدى سماعه الخبر "المجد لله" . وفي الوقت نفسه رحبت نادية عويضة بالقرار وقالت أنها ستعود الى العمل كما كانت من قبل حيث عادت اليها كرامتها.. فهي التي تمسكت بايمانها وعقيدتها المسيحية ولم ولن تتخلى عنها مهما حدث

.
ونحن بدورنا نسأل هل يأتي تحويل بريطانيا لمجتمع متعدد الاديان على حساب قرارات عنصرية ضد المسيحية والمسيحيين في بلد اغلبية سكانها من المسيحيين؟!!