تكفير مجلة‏..‏ وتكفير الدولة والمجتمع
 
بقلم: عبده مباشر

 Ahram

هل يعيش أهل المحروسة في دولة‏,‏ تنتشر في جنباتها هيئات ومؤسسات كافرة؟

ولماذا يكون من أهلها‏,‏ جماعات أو مجموعات‏,‏ تتصور أنها تملك حق التكفير‏,‏ وحق منح صكوك الرضا‏,‏ وكأنها هي التعبير عن الإسلام‏,‏ وصاحبة الولاية علي العباد؟‏!!

وهذه الحالة البعيدة عن المنطق والواقع‏,‏ بدأت مصر تعرفها منذ عصر محمد علي‏,‏ وتحديدا منذ عرفت التعليم المدني بجانب التعليم الأزهري‏,‏ الذي انفرد بالساحة طويلا‏,‏ أي منذ بداية الدولة الحديثة ومسيرة اللحاق بالعصر‏,‏ والانتقال من عصور التخلف التي طالت‏,‏ خاصة منذ الاحتلال العثماني الذي بدأ عام‏1517,‏ إلي عصر التنوير والاستنارة‏.‏

هذه النقلة النوعية والجذرية لم تكن ممكنة إلا في ظل دولة مدنية قوامها حق المواطنة‏,‏ وحرية الرأي والعقيدة‏,‏ ومؤسسات عصرية مماثلة لتلك الموجودة بالدول المتقدمة‏.‏

وربما لا يعرف من ورثوا عصور التخلف‏.‏ ويعملون من أجل الارتداد إليها‏,‏ الفرق بين الدولة الدينية والدولة المدنية‏,‏ وربما لا يريدون أن يروا هذه الفروق‏,‏ لأن مشروعهم لا يمكن أن يقوم في دولة مدنية أبدا‏,‏ لذا دأبوا علي هدم أركان الدولة المدنية بكل ما يملكونه من وسائل‏,‏ وآخر وأخطر محاولات الهدم ذلك البحث الذي تقدم به باحث بإحدي الكليات الأزهرية بالمنوفية لنيل درجة الدكتوراة‏,‏ وعنوانه مجلة روز اليوسف في ميزان الفكر الاسلامي‏.‏ وتحت هذا العنوان‏,‏ قال الكثير من الكفر والفجور والخروج عن الدين في حق المجلة ومن أنشأتها ومن عمل ويعمل بها‏.‏ ومما قاله إن المجلة هدامة ومعادية للإسلام‏,‏ وتسعي للإفساد‏,‏ وتتخذ مسلكا يضر بالعقيدة والمباديء الاسلامية‏,‏ وتنشر الصور الخليعة والروايات الفاجرة والفكر الهدام وأن هذا كان دأبها طوال تاريخها ومنذ انشأتها اللبنانية المهاجرة والممثلة النصرانية روزاليوسف‏.‏

والسؤال‏,‏ كيف قبل المسئولون بالكلية‏,‏ مثل هذا البحث؟ وكيف قبل الاستاذ المشرف المضي علي هذا الطريق الشائك‏,‏ وسمح للباحث أن يقول ما يقول؟ ثم كيف قبلت لجنة المناقشة من أساسه مناقشة مثل هذه الرسالة المفترض أنها علمية؟ ثم ألم يعلم كل هؤلاء الأساتذة أنهم شاركوا في تفجير قضية بالغة الخطورة علي مصر والمصريين‏,‏ وأنهم خاضوا في بحار من الدم بلا شطآن؟

وهل تبينوا أو أدركوا أنهم فتحوا أبواب التكفير علي مصراعيها‏,‏ وأنه أصبح كل من يضع عمامة علي رأسه‏,‏ أو من يحمل عضوية جماعة من جماعات الإسلام السياسي من الإخوان إلي الجماعة الإسلامية إلي الجهاد وغيرها أن يتهم من يشاء من السياسيين والمثقفين والمفكرين والكتاب والصحفيين ورجال الحكم والاقتصاد بالكفر والفجور؟

ثم هل يملكون إجابة لو سألناهم‏,‏ ماذا لو تقدم باحثون آخرون ببحوث تحمل عناوين مماثلة‏,‏ مثل الحكومات المصرية المعاصرة في ميزان الفكر الاسلامي أو الدستور المصري من وجهة النظر الاسلامية أو أجهزة الأمن المصري في المنظور الاسلامي أو الصحف والمجلات المصرية‏..‏ والشريعة الاسلامية؟

ماذا يحدث لو حدث ذلك؟
وببساطة يستطيع أي باحث من المنتمين إلي هذا التيار السياسي الاسلامي أو من هذه الزمرة المتشددة من خريجي الجامعات الأزهرية‏,‏ والذين يسعون لهدم أركان الدولة المدنية المصرية المعاصرة‏,‏ أن يخوض في هذه اللجة وأن يعلن كفر وفجور هذه المؤسسات والهيئات ومن يعملون بها‏,‏ وما أيسر التدليل علي كفر الدستور ومعظم القوانين المطبقة في مصر‏,‏ وما ذلك إلا لأننا نعيش في دولة مدنية ارتضاها المصريون في أغلبيتهم وترفضها أقلية متشددة تعلقت بأوهامها الخاصة‏.‏

فهل أراد من وافقوا علي مشروع البحث ومن ناقشوه‏.‏ ومن منحوا البحث درجة الدكتوراة‏,‏ أن يشجعوا آخرين علي تكفير الدولة بكل مؤسساتها وسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية‏,‏ وكل وسائل إعلامها؟

وهل ارادوا هدم مصر‏,‏ وإطلاق موجات جديدة من الإرهاب‏,‏ لكي تعصف بما لم تتمكن الموجات الإرهابية السابقة من العصف به؟ ألم يكفهم أن موجات الإرهاب التي رفعت رايات وشعارات إسلامية قد أدت إلي سقوط أكثر من‏1500‏ ضحية‏,‏ وخربت كثيرا من المواسم السياحية‏,‏ ودمرت الكثير من المنشآت‏,‏ وزعزعت الاستقرار‏,‏ وعرقلت خطط التنمية؟

وليس ببعيد هذا التيار‏,‏ الذي قال بكفر الدولة والمجتمع‏,‏ وحمل السلاح ضدهما‏,‏ وليس ببعيد تلك الأصوات التي ارتفعت وحكمت بتكفير نجيب محفوظ وفرج فودة وآخرين‏,‏ وكانت الطريق لاغتيال فرج فودة ومحاولة قتل نجيب محفوظ ولماذا نسوا‏,‏ أن الإرهاب تمكن من قتل أنور السادات رئيس مصر وصاحب انتصار أكتوبر‏1973,‏ وصاحب مسيرة السلام التي أعادت لمصر سيادتها علي كل أرضها المحتلة في سيناء‏,‏ ومن اغتيال رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الأسبق؟

ولماذا يتجاهلون‏,‏ أن هذا الإرهاب حاول اغتيال كل من الرئيس مبارك‏,‏ والدكتور عاطف صدقي رئيس مجلس الوزراء الأسبق‏,‏ وعدد من الوزراء منهم حسن ابوباشا والنبوي اسماعيل وحسن الألفي وصفوت الشريف؟

إن مصر بمثل هذه البحوث‏,‏ وهذا المنهج في التكفير‏,‏ تتجه بسرعة إلي طريق الكارثة‏.‏

ولقد مهدت الطريق تلك الكلية الأزهرية بالمنوفية‏,‏ وأقول الكلية لا الباحث وحده ولا غيره من الأساتذة‏.‏ لأنه يمكن تصور جموح فرد واتجاه أفكاره نحو التشدد‏,‏ ولكن لا يمكن القبول بتشدد مؤسسة علمية‏.‏

لقد نظر أجدادنا‏,‏ وتوارث الآباء والأحفاد النظر إلي الأزهر كمنارة للاسلام وكمؤسسة دينية شديدة الاعتدال في معظم فترات تاريخها‏,‏ والآن هل سيقبل رجاله التحول إلي هذه الوجهة التي يدفعهم البعض إليها‏.‏؟

إننا مازلنا نتطلع إلي الأزهر والأزهريين كقوة من قوي الاعتدال الاسلامي‏,‏ وبعدما جري‏,‏ فإننا نتطلع إلي شيخ الأزهر ورئيس جامعته ووزير الأوقاف وغيرهم من الأساتذة لوقف هذا الانجراف إلي الهاوية‏,‏ وتصحيح المسار‏.‏

ومن المهم الاشارة الي ان الاعتدال هو طابع التيار الرئيس في الشارع الاسلامي‏,‏ وان القوي المتشددة بالرغم من كل الجلبة التي تثيرها ليست سوي جماعات انفصلت عن التيار الرئيسي‏.


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com