Print
http://www.diwanalarab.com/spip.php?article714
 حسب ادعاء السيد قنديل بالطبع المصريين ليسوا ساميين !!!
العالم وقف مع موسى ضد فرعون فدخلنا ظلمات العصر الوسيط

أنا رافض للعروبة، ورافض للعبرانية

بقلم أشرف شهاب

.

انتشرت فى مصر فى الفترة الأخيرة الدعوة للقومية المصرية، حتى أن هناك حزب جديد تحت التأسيس يقوم على هذه الفكرة. وفى هذا الحوار تلتقى "ديوان العرب" مع الباحث اللغوى بيومى قنديل الذى يعتبره البعض فيلسوف والعقل المفكر للحزب الجديد. مراسلنا أشرف محمود قابل بيومى قنديل فى القاهرة ودار بينهما الحوار التالى:

 

ديوان العرب: أنت واحد من أشهر الدعاة لفكرة القومية المصرية. وهى فكرة أخذت فى الانتشار بشكل كبير فى الفترة الأخيرة. فكيف بدأتم اعتناق هذه الفكرة؟

بيومي قنديل

بيومى قنديل: مررت فى حياتى بمحطات كثيرة. أهمها المحطة التى ذهبت خلالها لإحدى الدول الخليجية للعمل هناك كمدرس للغة الإنجليزية لمدة سنة، ثم العمل كمترجم. وتكمن أهميه هذه المحطة فى أنها كشفت لى أن هناك فارقا بين الثقافة المصرية والثقافة العربية. وحتى بالنسبة للإسلام نفسه. ما نعرفه عن الإسلام فى مصر أنه دين رحمة. وكنا فى الريف عندما ننهر أحدهم عن فعل معين نقول له: "خلى عندك إسلام"، يعنى خلى عندك رحمة. ولكن فى تلك الدولة لم أعرف عن الإسلام سوى القسوة. وكانوا أثناء تنفيذهم للحدود، يعتبرون أنهم كلما عذبوا الشخص الذى تقع عليه العقوبة، كلما جلب لهم ذلك الكثير من الحسنات. وكان من السائد فى ثقافة تلك الدولة ضرب السيدات فى الشوارع. هذه الظواهر، وغيرها جعلتنى أقف وأفكر.. هل نحن المصريين عرب؟. وبدأت أبحث فى هذا. ووجدت أننا بالفعل لسنا عربا.

ديوان العرب: فى أى فترة بدأت تلك المراجعات الفكرية؟

بيومى قنديل: فى منتصف السبعينيات. كنت وقتها ما زلت مدرسا ولم أعمل بعد فى مجال الصحافة. وبدأت أبحث فى موضوع هل المصريين عرب؟. ووجدت أننا نحن المصريين لم نكن نتسمى بكلمة عرب إلا بعد الحرب العالمية الثانية، أى سنة 1945. وهو تاريخ إنشاء جامعة الدول العربية برعاية بريطانيا العظمى التى كانت متحكمة فى المنطقة. والحقائق تقول أن مكتب المخابرات البريطانى فى القاهرة كان يدفع رشاوى لشخصيات لكى يروجوا لفكرة القومية العربية فى مصر. ونحن كنا حتى وقت قصير قبل الحرب العالمية الثانية يطلق علينا لفظ "الشرق"، وحتى أحمد شوقى كان يقول: "كلنا فى الهم شرق"، ولم يقل: "كلنا فى الهم عرب".

ديوان العرب: وما هو الفارق بين أن نقول نحن مصريون أو نحن عرب؟

بيومى قنديل: الفارق أننا عندما نقول نحن مصريون فإننا ننتمى للأرض، كما ينتسب الأمريكان لأمريكا والفرنسيون لفرنسا وكل شعوب العالم. ولكن عندما نقول نحن عرب فهنا نحن ننتمى إلى العرق، وإلى الشخص. فالدول العربية تنسب الأرض للشخص فيقولون مثلا بلاد العرب، أو وادى الدواسر. وعند العبرانيين الذين هم أشقاء فعليين للعرب يقولون كفر عازار أى ينسبون الكفر لعازار. ولكننا كمصريين ننسب الشخص والعرق للأرض، نقول الطنطاوى نسبة إلى طنطا والمنياوى نسبة إلى المنيا والشرقاوى نسبة إلى محافظة الشرقية.

ديوان العرب: تتكلم عن ثقافيتين مختلفتين الأولى تنسب الأرض للشخص والثانية تنسب الشخص للأرض. ولكن.. هل هناك فارق كبير عمليا بين هذا وذاك؟ وهل هذا الفارق بالحجم الذى يدفعك للعودة لأفكار القومية المصرية؟

بيومى قنديل: نعم هذه نقطة هامة. لأن هاتين مرحلتان مهمتان للغاية من مراحل التطور التاريخى كما يقول العالم العظيم هنرى مورجان: إن هناك نسقين أحدهما ينسب الإنسان لوطن، والثانى ينسب الإنسان لعرق أو قبيلة أو عشيرة. هذان النسقان مختلفان، فالنسق الذى ينسب الإنسان للأرض هو النسق الأعلى تطورا، والأكثر تحضرا. والشىء الغريب أن المصريين القدام الذين هم ليسوا ساميين كانوا يسمون بلادهم "كيميت" مثلا، أو "إدبوى" أى الضفتين، أو "تاوى" أى الأرضين، أو "تا ميرى" أى الأرض الحبيبة، وينسبون أنفسهم بالتالى لهذه الأرض فمصرى هى "رم إن كيميت" أو الراجل بتاع مصر أو المصرى. ونجد أن القرآن الكريم ذكر مصر خمس مرات بالاسم صراحة. فى حين لم يذكر العرب ولا العبرانيين إلا بصفتهم أقوام عرب أو أعراب أو بنى إسرائيل.

ديوان العرب: هل يعنى ذلك أننا كمصريين منفصلين عن العرب؟

بيومى قنديل: لا. فإرادة التقدم والإزدهار فى المنطقة جعلت العرب يتبنون اللغة المصرية الحديثة. وهذه اللغة أصبحت هى اللغة المنتشرة فى التفاهم بين العرب من المحيط للخليج. كل واحد له لهجته التونسية أو المغربية أو السورية. ولكن عندما يريدون أن يتفاهموا مع بعضهم يتفاهموا باللغة المصرى. اللغة المصرية ليست حكرا على المصريين لأنها أصبحت اللغة المشتركة لأهل المنطقة. فنحن لو اتحدنا فى المنطقة العربية سنتحدث اللغة المصرية.

ديوان العرب: فكرة القومية المصرية تبدو لى فكرة انعزالية فى المقام الأول. لجأ إليها أصحابها للبحث عن هوية، وعن الجذور. وهى فكرة للانسحاب من الإطار العربى لأن هذا الربط مع العرب فى نظر البعض تسبب فى ضعف و انهيار مصر. هى فكرة انكفاء على الذات، وبحث عن الخصوصية. فكيف تعود وتقول لو اتحدنا فى المنطقة العربية؟

بيومى قنديل: بالنسبة لى هناك فارق بين العروبة والعرب. العروبة من وقت دخولها لمصر أحدثت تخلفا لمصر التى كانت قد قطعت أشواطا واسعة فى الحضارة. ونحن المصريين والساميين معا نقف فى حالة صراع ضد السامية، ضد العروبة والعبرانية.

ديوان العرب: تتكلم على أساس أن المصريين ليسوا ساميين.

بيومى قنديل: بالطبع المصريين ليسوا ساميين. المصريين حاميين. وهذه بديهية عند علماء الأجناس. ولكن الحاصل أن علينا أن نقاوم العروبة مع العرب. بمعنى أن العرب أنفسهم يحاولون التخلص من العروبة. فالمصريين هم الذين كانوا يرفضون فكرة أن تتحجب المرأة، وتخفى وجهها إلا عينيها. وها هم العرب يحاولون اليوم التخلص من هذه الفكرة العربية. ولكن ما الذى سيحدث عندما ينتصر العرب على عروبتهم، هل سيخرجوا من أنفسهم، ويتخلصوا من عروبتهم؟ الإجابة لا. فهم سينتقلون من عروبتهم إلى عروبتهم. بمعنى أنهم سيخرجوا من شكل عربى إلى شكل آخر لقوميتهم. وهو نفس ما فعله العبرانيين. ففى كل الكتب العبرانية السماوية وشبه السماوية التوراة والتلمود يدينون الزراعة. و يهوه أى الرب عندهم يقبل قربان الراعى ويرفض قربان المزارع، علما بأن الزراعة أرقى من الرعى لأنها ذات مردود أعلى، وهى قائمة على النظام والتنسيق والعلم. أما الرعاة فلا حياة لهم بدون كلأ، وحياتهم غير منظمة. أما اليوم فالعبرانيون فى إسرائيل يهتمون بالزراعة، ويبتكرون حلولا لقلة المياه، ويزرعون القطن. ومعروف أنه فى أوائل التسعينيات خرجت مصر من اتحاد مصدرى القطن، ودخلت مكانها إسرائيل. أى أن العبرانيون يتمصرون. أى أنهم خرجوا من عبرانيتهم إلى عبرانية أخرى. ومكتوب علينا نحن كمصريين نظرا لحضارتنا أن نكون قاطرة التطور فى المنطقة. والتاريخ الحديث والوسيط والقديم يؤكد هذه الحقيقة. فقضية الشرق الأوسط ليست إلا القضية المصرية. فكلما كانت مصر قوية ومستقلة فالمنطقة كلها قوية ومستقلة. وعندما تنهار مصر تنهار المنطقة. فالتدهور الحاصل للمنطقة المحيطة راجع إلى تدهور وتردى الدور المصرى الذى هو دور متقدم.

ديوان العرب: أنت تتكلم عن مصر الجغرافيا المنفصلة عن الإطار العربى، وفى نفس الوقت تقول إنها قاطرة التطور فى المنطقة. فكيف ترفض أن تكون مصر عربية، وتريدها أن تقود العرب؟

بيومى قنديل: أنا رافض للعروبة، ورافض للعبرانية انطلاقا من أن المصريين أكثر تحضرا من الساميين. والإشعاعات التى خرجت من مصر وصلت حتى بابل. وبابل كانت ذات علاقات قوية بمصر القديمة من أول المملكة القديمة لأن المصريين كانوا يستوردون خشب الأرز منهم. وكان البابليون يكتبون بالعلامات الهيروغليفية، مما يدل على مدى تغلغل الثقافة المصرية إلى هناك.

ديوان العرب: ألا يمكن أن تكون بابل قد تحضرت لأنها تتمتع بظروف جغرافية مشابهة لمصر من حيث وفرة المياه والأرض الزراعية؟

بيومى قنديل: كل هذه العوامل عوامل مساعدة، ومن الملاحظ أن سكان تلك المنطقة بينهم وبيننا كمصريين علاقات قوية وروابط نفسية حتى هذه اللحظة. وللأسف أن التاريخ تعرض للتشويه بشدة. فشعوب العالم القديم وقفت مع موسى ضد فرعون، مما تسبب فى دخول العالم القديم فى ظلمات العصر الوسيط. هذه الظلمات لم يكن لها أى مبرر تاريخى إلا الرغبة فى هزيمة الفراعنة أمام موسى العبرانى. موسى لم يكن عبرانيا فقط، بل هو رمز للساميين جميعا عرب وعبرانيين. وفى الكتب المقدسة نجد أن فرعون مدان ويتعرض للإهانة دون أى سبب. حتى نحن المصريين نتناقض مع جذورنا ونسب فرعون، ونتعاطف مع موسى. وهذا شرخ فى وجدان المصريين.

ديوان العرب: ومن المسئول عن هذا الشرخ الذى أدى إلى أن يقوم المصريين حاليا بالتعاطف مع موسى ضد فرعون ابن أرضه.

بيومى قنديل: المسئول هو الإرادة الأجنبية التى تفرض فى مصر نمطا معينا من التعليم معاد لتاريخ المصريين بهدف قطعهم عن جذورهم. فقتل الشعوب يتم عن طريق قطع جذورها.

ديوان العرب: ومن هم أصحاب المصلحة على وجه التحديد؟

بيومى قنديل: أصحاب المصلحة هم بريطانيا العظمى سابقا، ووريثتها الحالية الولايات المتحدة الأمريكية ذات المصلحة الأكيدة فى قطع المصريين عن جذورهم. فبهذه الطريقة نجحوا فى خلق دولة عظمى إقليمية هى إسرائيل. فلو كانت مصر قوية، ولو لم تقم ثورة لكنا أفضل حالا. فمصر قبل 23 يوليه كان لديها صناعة وعندها زراعة قوية.

ديوان العرب: هل تعنى أن ثورة 23 يوليه أيضا كانت خطأ؟

بيومى قنديل: طبعا. والخطأ الأكبر لها والذى لا يغتفر هو أنها ألغت اسم مصر، وسمتنا الجمهورية العربية المتحدة. حتى سنة 1961 كانت صادرات مصر من القطن وحده تمثل 80% من إجمالى صادراتنا. وكانت مصر قوية. و يتضح هذا على كافة المستويات. كان الطبيب المصرى الحاصل على البكالوريوس يذهب للعمل فى بريطانيا مباشرة، ويقوم مباشرة بتحضير الدراسات العليا. أما حاليا فالطبيب المصرى يذهب لبريطانيا لعمل شهادة معادلة. وفى بعض الأحيان يتقدم 130 طبيب مصرى ولا ينجح منهم أحد. مصر كانت قوية على كل المستويات. ولن أكرر القصة المعروفة أن 67.5 قرش من الجنيه المصرى كانت تساوى جنيها إسترلينيا. و بريطانيا العظمى كانت مدينة لمصر ب 500 مليون جنيه. ولو كانت مصر استمرت على قوتها لما كانت لدينا إسرائيل كقوة إقليمية.

ديوان العرب: حضرتك أشرت إلى سعى بريطانيا وأمريكا لزراعة والترويج لفكرة عروبة مصر وانتماءها الإسلامى. وهو ما يعنى ضمنا أن هذان المفهومان ضد مصلحة مصر.

بيومى قنديل: نعم، بل وضد مصلحة العرب أيضا. مصر كانت قبلة المضطهدين العرب. وكانت قوية حتى تحت ظل الحكم الألبانى، حكم محمد على وأبناؤه الذين يتعرضون للشتم يوميا فى مناهج التعليم. كانت المنطقة كلها قوية بقوة مصر.

ديوان العرب: ألاحظ أن هناك فهما عاما سلبيا لمفهوم القومية المصرية. البعض يعتبر أن الدعوة للعودة للجذور المصرية تتناقض مع الإسلام.

بيومى قنديل: قلت فى كتابى "حاضر الثقافة فى مصر" أن غزو العرب الذى يسميه البعض فتحهم أو دخولهم لمصر لم يأت على مصر إلا بالخراب. كان الدعاة الأصوليون الإسلاميون يقولون إن العرب لم يأتوا لمصر سوى لتحريرها من الاضطهاد الرومانى. حسنا، والسؤال البسيط الذى أطرحه هو: لماذا لم ينسحب العرب من مصر بعد أن حرروها من الرومان؟. مع الأسف الشديد لا يوجد جواب إلا أن العرب دخلوا مصر لكى يفعلوا فيها نفس ما فعله الرومان. العرب فرضوا على المصريين الجزية.

ديوان العرب: والدين أيضا؟ الديانة الإسلامية التى سميتها فى كتاب حاضر الثقافة فى مصر بالديانة المحمدية؟

بيومى قنديل: كلمة الديانة المحمدية ليست عيبا. نحن نسمى الديانة المسيحية نسبة إلى المسيح، والموسوية نسبة إلى موسى، وبالتالى المحمدية نسبة إلى محمد. وعلماء الأزهر أنفسهم كانوا لا يجدون حرجا فى استخدام هذا اللفظ. الولاة العرب على مصر كتبوا ذات يوم للخليفة أن الإسلام يضر بالجزية لأن الناس كانت تدخل الإسلام هربا من الجزية التى كانت شديدة الوطأة على الناس لدرجة أنهم كانوا يبيعون أولادهم لدفع الجزية. الجزية لم تكن كما يروج الدعاة ضريبة الدفاع. وعندما وجد الولاة أن ميزانية الخلافة ستقل، استمروا فى فرض الجزية على المسلمين الذين يدخلون للإسلام، ولهذا توقف كثير من المصريين الأقباط عن الدخول فى الإسلام لأنهم اكتشفوا فيما بعد أنه لا فارق بين الدخول فى الإسلام أو البقاء على دينهم. واستمر العرب فى فرض كافة أشكال العبودية والاستبداد على المصريين. والثورات التى قام بها المصريين، والتى للأسف لا تذكرها الكتب المدرسية المصرية قمعها الولاة والخلفاء عبر جرائم الإبادة البشرية. حتى أن السيد الأستاذ المأمون رضى الله عنه جاء إلى مصر 49 يوما و أباد البشموريين وهم سكان بشمور شمال الدلتا. وأخذ الباقين كأسرى حفاة عراة إلى بغداد ليستعرض بهم. فهل هذا من الإسلام؟ هذا ليس من الإسلام. ونحن المصريين نعرف الإسلام لأنه لا بلد فى العالم كله يعرف الإسلام أكثر من مصر.

ديوان العرب: كتبت أيضا عن ثراء سيدنا عمرو بن العاص أثناء توليه خلافة مصر.

بيومى قنديل: مراجعى ليست من عندى. أنا أرجع إلى كتب التاريخ، وإلى المؤرخين العرب بالذات مثل بن عبد الحكم الذى هو أول مؤرخ كتب عن الفتح العربى. وهو كتب وقائع يندى لها الجبين وليست من الإسلام فى شىء. هذه من أفعال العرب وليست من أفعال المسلمين. ورغم أن مصر دخلت الإسلام إلا أن العرب فضلوا أن يجلبوا المماليك أى العبيد لحكم مصر ولا يعطوا الحكم لأى مصرى طوال فترة تاريخهم.

ديوان العرب: هل يعنى ذلك أن الفهم المصرى للإسلام له خصوصية معينة؟ كما قلت فى كتابك، ولماذا تخلى المصريون عن لغتهم أيضا؟

بيومى قنديل: بالنسبة للإسلام أقول لك إن المصريين فعلوا ذلك بالفعل، ولهذا تجد أن معظم مصر تلتزم بالمذهب الشافعى لأنه الأكثر قدرة على تسامح، والتفاعل مع متطلبات الحياة المتغيرة دون تشدد. ورغم أن المذهب الدينى للدولة العثمانية كان الحنفية إلا أن قلة قليلة من المصريين هم من يتبعون المذهب الحنفى. المصريون أحبوا الشافعى، وأقاموا له ضريحا، وسموه قاضى الشريعة. والسبب أنه قرأ الإسلام قراءة مصرية تقوم على الرحمة والتسامح، والتوافق مع مقتضيات الحال. وأنا كنت أتمنى من الأزهر أن يتبنى الصيغة الشافعية كما فعلت مدرسة "قم" التى حرصت على أن تنطق باسم "الشيعة الإثنا عشرية". أما بالنسبة للغة المصرية. فاللغة ألفاظ وتراكيب. فمثلا المصريين يضعون أداة الاستفهام فى آخر الجملة مثل: الساعة كام؟ رايح فين؟ ، بينما العربية تضع أداة الاستفهام أولا مثل: كم الساعة؟ أو إلى أين أنت ذاهب؟. هذه البنية اللغوية هى البنية اللغوية المصرية القديمة. وهذا لا يعيب اللغة العربية ولا يعيب اللغة المصرية. ولكننا نقول: نحن مختلفون عن العرب. وهذا ليس معناه أننا أحسن منهم أو أننا منفصلون عنهم. وحتى العرب أصبحوا يستخدمون التراكيب المصرية.

ديوان العرب: حضرتك قلت أن اللغة المصرية فيها اختلاف فى التراكيب وفى الألفاظ أيضا. ولكن اللغة المصرية الحالية هى خليط من عدة لغات من العربية والفرعونية واليونانية.

بيومى قنديل: أنت تسمى اللغة المصرية خليط من الألفاظ. ولكن أنا أعتبر أن البنية الأساسية للغة هى بنية مصرية، ولكن الألفاظ تأتى من عدة لغات. وبلا شك أن أهم شىء فى اللغة هو البنية. ومع ذلك فإن هذه الألفاظ التى نأخذها عن اللغات الأخرى نقوم كمصريين بإدخال عدة تعديلات عليها لتتواءم معنا. فمثلا كلمة "دراع" التى نستخدمها تبدو للوهلة الأولى كلمة عربية. ولكن هذه الكلمة هى فى الحقيقة دخلت عليها 3 تغييرات مصرية صميمة. هذه التغييرات هى أولا استبدال حرف الذال بحرف الدال فبدلا من "ذراع" أصبحت "دراع". ثانيا بدلا من أن الكلمة فى الأصل مؤنثة أصبحت مذكرا فنقول: دراعى طويل وليس "ذراعى طويلة". والتغيير الثالث وهو الأهم أننا وضعنا على نهاية الكلمة علامة السكون، وثبتنا شكل الكلمة، فلم نعد فى اللغة المصرية نقول ذراعا، وذراع بالكسر ولا ذراع بالضم. أصبح عندنا كلمة دراع فقط. وهذا لأن البنية اللغوية المصرية لا تحتاج لكل تلك الأشكال الصرفية، ولا تحتاج للنهايات التى توضح لنا الفاعل من المفعول. البنية المصرية استغنت عن هذا لأنها ترتب الكلام بقواعد محددة كقاعدة الفاعل قبل الفعل. فمثلا عندنا فى مصر نقول "محمد ضرب على". وهنا من الواضح أن محمد هو الفاعل. ولو قلنا "على ضرب محمد" يتغير المعنى تماما. أما فى العربية فلو قلنا "ضرب محمد عليا"، ولو قلنا "محمد ضرب عليا" فلدينا نفس المعنى.

ديوان العرب: فكرة الدعوة للقومية المصرية انتشرت بشكل واسع حتى أنها تبلورت فى حركة منظمة وأصبح هناك حزب حاليا تحت التأسيس هو حزب "مصر الأم".

بيومى قنديل: الحزب قدم أوراقه للجنة شئون الأحزاب فى مجلس الشورى فى انتظار الموافقة على إنشائه. وزملائى فى الحزب يصفوننى بأننى فيلسوف حزب مصر الأم. والحقيقة أن الأفكار الأساسية لهذا الحزب قائمة على الأفكار الأساسية التى بدأت أدعو لها منذ 1990 عندما أصدرت الطبعة الأولى من كتابى "حاضر الثقافة فى مصر". هذه الأفكار تقول أننا مصريين مستقلين عن العرب، ولكن يجمعنا معهم أن عدونا واحد، وذلك بحكم أننا جيران، و بسبب أنهم دخلوا بلادنا، ولن أقول قاموا بغزونا. هناك صلات قوية. ولكن هذه الصلات لا تؤدى إطلاقا إلى القول أن المصريين عرب. لأن التاريخ يقول أن المصريين أقدم من العرب. فإذا كانت هناك ضرورة للربط بيننا وبين العرب، أو للبحث عن وحدة قسرية تجمعنا بالعرب فعلينا فى هذه الحالة أن نلحق العرب بالمصريين ونقول أنهم مصريين. لأنه لا يصح تاريخيا أن يكون العرب جدودا لنا نحن المصريين. وكما قلت لك لنا عدو واحد هو الولايات المتحدة الأمريكية التى تريد أن تدمر كل المنطقة من أجل البترول. نحن مصريون غير معادين للعرب ولا للديانة الإسلامية التى أصبحت جزءا مكونا من مكونات الشخصية المصرية. نحن مصريين ولا نعادى إلا من يعادى مصريتنا. وأظن أن تمسكنا بمصريتنا ليس موضع عداء من العرب