Print

مصر : تشريح آخر للإصلاحات الدستورية.

عادل درويشadel darwish

Al-Shark Alawsat

 

أثارت مناقشات تعديلات الدستور في مصر اشكالية «المادة الثانية» التي تنص على ان الإسلام «الدين الرسمي للدولة»، وأنه «المصدر الرئيسي للتشريع».

 

ويرى المصريون ان الصيغة الحالية مصدر فرقة بين ابناء الامة المنسجمة لسبعة آلاف عام، فعارضها الملايين (خاصة النساء)، مثلما عارضها ليبراليون وعلمانيون، وقوميون مصريون، ومسيحيون أقباط .

(المصريون كلهم اقباط فقبطي تعني مصري) لما فيها من تجاهل للمعتقدات الأخرى ولتكريسها اسس الدولة الدينية.

ويرى المحامي سامي حرك، من مؤسسي «حزب مصر الأم»، امكانية كون الشخص مسلما او هندوسيا، لكن ان يكون «للدولة»، ككيان اعتباري ، دين ، فبلية تدعو للضحك، لتناقضها مع المنطق واستخفافها بالمعاني الروحية للعقيدة كايمان في قلب الفرد.

فلا توجد شركة ـ أو حتى صالون حلاقة ـ إسلامية، او مسيحية، في قول المفكر الليبرالي الدكتور فؤاد زكريا، الذي يرى نص المادة الثانية «لغما دستوريا» ينبغي إزالته.

ظل البرلمان المصري متغافلا عن التعديلات الدستورية، كمهمة برلمانية، ليتذكرها عندما اقترحها الرئيس حسني مبارك.

«مجلس الشعب» هو الاسم الحالي للبرلمان بعد «مجلس الأمة»؛ فعدم الاستمرارية في بلد يعتبر الاستقرار، لآلاف السنين، ملمحا قوميا، يدفع الناس لفقدان الثقة بالبرلمان ولاستهتارهم بالدولة؛ فقد غير العسكر، دون مبرر، اسم «البرلمان» بعد اطاحة انقلابهم العسكري عام 1952 بالسلطة الشرعية، ثم تغير الأسم مرة اخرى في السبعينات.

احسنت وزارة الثقافة (والتي انقلب نواب الوطني الحاكم ضد وزيرها المستنير يوم نشب دعاة التخلف والشعوذة أنيابهم فيه) بعقد ندوة مناقشة المواد الدستورية محل الجدل بمشاركة المثقفين الذي دعوا إلى التركيز على مفهوم الدولة المدنية، مذكرين أن المادة الثانية لم تكن موجودة قبل عام 1971 وقبلها لم تعرف مصر نزاعات بين الطوائف او تعرف الحجاب والنقاب والإرهاب؛ وركز العقلاء على مدنية الدولة والمساوة في المواطنة، وترك مسألة الإيمان والعقيدة للأفراد، كشعار الوحدة الوطنية في ثورة 1919 «الدين لله والوطن للجميع» بنجاح باهر، دفع الزعيم الهندي العظيم الماهتما غاندي الى طلب مشورة زعيم الأمة سعد زغلول باشا لمعرفة وصفته السحرية في توحيد جميع عناصر الأمة.

ويجادل المصريون اليوم بأن بلادهم كانت دولة قومية لها حدودها المعروفة قبل نزول الأديان السماوية بآلاف السنين؛ واعتنق المصري الدين تلو الآخر لأسباب متعددة، دون ان تتغير حدود او طبيعة الدولة القومية المصرية لسبعة آلاف عام ، فالمصري متدين روحانيا وليس مظهريا.

لكن ندوات وزارة الثقافة وحدها لا تكفي، إذ ينصح العقلاء بالتأني ودراسة المحامين الدستوريين للتعديلات من كافة الوجوه القانونية في حوار قومي، ضمن مؤسسات المجتمع المدني، (والتي بدأت معاودة النشاط في الجمهورية الثالثة منذ عطلتها جماعة الضباط الأحرار، وصادرتها الدولة البوليسية في الخمسينات والستينات).

ومن الحكمة الاهتداء بنموذج ندوات حوار مسيرة الإصلاح التي قادها استاذ الجيل احمد لطفي السيد بشعار «الحق فوق القوة... والأمة فوق الحكومة»، فأثمرت ثورة 1919 ودستور 1923 العظيم ـ واسماه العامة «الدستور باشا» (وليعود المصريون اليه ويريحون انفسهم)؛ بدلا من تعطيل ديناصورات الأمن اليوم للحوارات العلنية (ضغطت على النادي السويسري لإلغاء ندوة مناقشة الدستور في القاهرة).

وضروري ان يكون الحوار على المستوى القومي ولا يقتصر على مجلس الشعب المصاب بعقم سياسي ودستوري لا تصلحه اطنان المنشطات بسبب سيطرة الحزب الوطني عليه.

فالوطني، بالتعريف العلمي، ليس حزبا سياسيا. إذ لم ينبثق عن حاجة تاريخية كممثل لمصالح طبقة بعينها نتيجة متغيرات اقتصادية أدت لتصادم مصالح الطبقات الاجتماعية (العاملة، والمستثمرة، والملاك)، كالثورة الصناعية مثلا؛ او عن حركة سياسة تقود عموم ابناء الأمة، بكافة طوائفهم، كالحزب الوطني (الأصلي وليس التقليد المزيف) بزعامة مصطفى كامل باشا بنهجه الواضح لاستقلال امة وادي النيل (كانت مصر والسودان امة واحدة قبل ان يمزقها عسكر 52) واجلاء الإنجليز عن مصر؛ او كحزب الوفد المصري بزعامة سعد باشا بتفويض يحمل ملايين التوقيعات ليفاوض الإنجليز على الجلاء عن مصر ـ مما منحه شرعية لا مثيل لها في تاريخ مصر الحديث.

الحزب الوطني الحالي فَقَدَ احترام الناس لطبيعته الانتهازية كنتاج لنبتة شيطانية طفيلية. ففي بحث العسكر عن «قشة» شرعية يتعلقون بها في الخمسينات، اخترعوا «هيئة التحرير» التي جمعت «مغني الزفة وراقصيها» في جمعية المنتفعين بالوضع الجديد، ثم تغيرت الى «الاتحاد القومي» بجماعة المنتفعين نفسها. وعندما تحول النظام الناصري الى الدولة البوليسة توسع «الاتحاد القومي» الى الحزب الواحد، «الاتحاد الاشتراكي» الذي دخله المنتفعون افواجا لتحسين اوضاعهم المهنية وتقوية نفوذهم الأجتماعي. وقسم الاتحاد الاشتراكي إلى نصف من «العمال والفلاحين» ونصف «فئات اخرى» لتشمل بدعة التقسيمة مجلس الأمة. وكطبيعتهم لآلاف السنين، اصدر المصريون حكمهم في نكتة تقول ان نائبا برلمانيا اقترح وحدة بين مصر واليمن وكوبا، فقاطعه الرئيس الراحل الكولونيل جمال عبد الناصر غاضبا «بتقول ايه ... انت حمار؟» فرد النائب: «لا ياريس ... أنا فئات!».

وعندما أعاد الرئيس أنور السادات اسم مصر (استبدل الكولونيل ناصر عام 1958 كلمة مصر بـ«الجمهورية العربية المتحدة» دون الرجوع للمصريين) أعاد التعددية الحزبية بتقسيم الاتحاد الاشتراكي.

(وكان يجب ان يلقى مصير حزب بعث صدام) الى يسار، ويمين، ووسط ، ثم اسس «حزب مصر»، فهرعت افواج المنتفعين أنفسهم تتدفق على الحزب الجديد (وجاء حكم المصريين في أغنية ساخرة لفنان الشعب الراحل الشيخ إمام «زغرودة للحزب الجديد... حيحقق المعجزات، بيقرب المستبعدين... ويبعد المستقربات»). وفور تأسيس السادات للحزب الوطني، هرول المنتفعون أنفسهم الى الحزب «الجديد» تاركين ثلاثة فقط في حزب مصر: نائب رئيسه، والسكرتيرة، والبواب الممسك بمفاتيح المقر!!

وربما لا يطرح نواب 2007 مشاريع كـ«مصر ـ يمن ـ كوبا» (باستثناء الاخوانجية، فيشغلون المجلس بنسخة معدلة من «مصر ـ يمن ـ كوبا» بمشاريع تحجيب النساء ومصادرة الموسيقي وعزل المطربات وراء الحدود)، لكن تقسيمة «الفئات، والعمال والفلاحين» لا تزال تكبل المجلس، ولا يزال جيل مؤسسي الوطني قافلة مسافرة ابديا من هيئة التحرير الى حزب مصر مرورا بالاتحادين.

الرئيس مبارك بتاريخه الوطني المشرف كقائد للطيران في آخر حروب مصر، يلقى تأييد الناخبين، حسب قولهم، كرجل سلام لم تخض الأمة حربا واحدة طوال رئاسته، فلا حاجة له ليتسربل بالعباءة الدينية كما يفعل الانتهازيون المتطرفون بحثا عن الشرعية بعد قولهم «طز في مصر».

وكأول رئيس دولة مصري ينتخب في سبعة آلاف عام، يستمد مبارك شرعيته الدستورية من تفويض مباشر من الأمة المصرية ولذا فهو مطالب «بفك الارتباط» مع الحزب الوطني والتركة الاوتوقراطية الأيدلوجية وشعاراتها المضحكة، كتقسيمة «العمال، والفلاحين، والفئات» ليستبدل الارتباط بتعاقد دستوري مع دافعي الضرائب بدلا من قافلة المنتفعين المسافرة من هيئة الى اتحاد الى حزب.