Print

 

هل التخابر جديد على الإخوان؟ (1&2)

خالد منتصر 

خالد منتصر 

القارئ لتاريخ الإخوان والمطلع على أدبياتهم لن يندهش من قضية التخابر التى أحالها النائب العام للمحكمة والمتهم فيها أهم قيادات الإخوان وعلى رأسهم مندوبهم فى الرئاسة د. محمد مرسى فى سابقة لم تحدث فى مصر منذ عصر مينا موحد القطرين حين ولدت خريطة وطن واحد اسمه مصر لم تتغير حدوده ولم يخن قادته ولم يتجسس عليه من ائتمن على حدوده وأراضيه وأقسم يمين الولاء لشعبه ودستوره، يطل علينا التاريخ من عليائه الآن مبتسماً على سذاجتنا المفرطة غامساً ريشته فى حبر الخيانة الإخوانى مقدماً لنا وثائق أفرج عنها الإنجليز ودرسها مؤرخون كبار منهم د. رؤوف عباس وعبدالعظيم رمضان، ولأصحاب ذاكرة السمك نقدم إليهم قراءة فى فن التخابر الإخوانى المزروع على جيناتهم وحمضهم النووى.

الوفد أم القصر؟ سؤال طرح نفسه على جماعة الإخوان التى خدعت الجميع بأنها جماعة دعوية تهدف كما ادعت إلى «تربية الأمة وتزكية النفوس وتطهير الأرواح»، لم تستغرق الإجابة وقتاً طويلاً، وسرعان ما حسمت الجماعة أمرها وانحازت للقصر بل تمرغت فى بلاطه واستمتعت بنعمه وعطاياه، ولذلك نزلت ميدان السياسة بقوة فى زمن وزارة القصر محمد محمود باشا، ثم زادت حمى الإيقاع السياسى الإخوانى فى زمن وزارة على ماهر والتى ضمت ثلاثة أصدقاء لحسن البنا وهم محمد صالح حرب وزير الدفاع، وعبدالرحمن عزام وزير الأوقاف ومن بعدها الشئون الاجتماعية، وعزيز المصرى رئيس الأركان، بالطبع انتهز البنا الفرصة فتضخمت الشُّعب وتسرطنت الجوالة ولتذهب الديمقراطية والاختيار الديمقراطى الذى كان يمثله الوفد إلى الجحيم، وبالبراجماتية الانتهازية المعروفة عن الإخوان ضبط البنا بوصلته على اتجاه قبلة القصر واختار الانحياز للمحور وتناسى البنكنوت الذى كانت شركة قناة السويس قد دشنت به الجماعة فى الإسماعيلية! تنبّه الإنجليز وأجبروا الحكومة على نقل البنا لمحافظة قنا، ثم أعاده ضغط القصر إلى مكانه فلم يجد الإنجليز إلا أن يطلبوا من الحكومة القبض على البنا وعلى رفيقه السكرى ولكن سرعان ما ضغط القصر فتم الإفراج عنهما بعد 26 يوماً فقط، شعرة معاوية تلك وصراع توم وجيرى المستتر بين القصر والإنجليز على كسب وتجنيد حسن البنا جعلا الإنجليز الذين يعرفون جيداً أن تخدير المصريين بالشعارات الدينية من خلال تجار الدين هو السبيل الوحيد لاحتلال وتغييب وتحييد واغتيال هذا الوطن، جعلهم يعقدون الصفقة الشيطانية مع الإخوان، ولكن ما تلك الصفقة؟ وما تفاصيلها وخطواتها؟ سنعرفها غداً بإذن الله.

(2)

وجد الإنجليز ضالتهم فى حسن البنا والإخوان، وضبط «البنا» بوصلته الانتهازية على اتجاه قبلة الأسد البريطانى، وكعادة المصريين فى تدليل وتدليع الأسماء أطلق الإخوان على جنين التخابر اسم الدلع «تعاون»، ففى كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية فى مصر الحديثة»، المطبوع سنة 1950، كتب مؤلفه هيوارث دان، الوثيق الصلة بالبنا، أن صديقه المرشد طلب من بعض المصريين الوثيقى الصلة بالسفارة البريطانية نقل استعداده للتعاون، وأن «السكرى» طلب أموالاً وسيارة فى مقابل هذا التعاون، وهناك رواية أخرى على لسان د.إبراهيم حسن، وكيل جماعة الإخوان المفصول، كتبها فى «الجماهير» عدد 19 أكتوبر 1947، كتب أن «البنا» و«السكرى» كانا على اتصال بمستر كلايتون، سكرتير السفارة البريطانية، لدراسة المصالح المشتركة بينهم وبين الإنجليز!!، يعنى التخابر مرة اسمه تعاون ومرة أخرى مصالح مشتركة.

إذا اختلفت الروايات فيجب البحث عن الأفعال التى تمت على الأرض والتى تثبت انصياع الإخوان للإنجليز، ووجود خط ساخن بين «البنا» والسفارة، ويدلل المؤرخ د.رؤوف عباس، على ذلك بامتناع الإخوان عن المشاركة فى مظاهرات القاهرة والإسكندرية 1942 التى نادت «إلى الأمام يا روميل»، والتى اقتصرت على «مصر الفتاة»، كما أن الإخوان تعاونوا مع وزارة الوفد، حكومة 4 فبراير، ليس حباً فى الوفد عدوهم الأصيل، لكن لأن هذه الحكومة استثناء كانت مؤيدة من الإنجليز!، أما العمل السرى فقد مارسوا كعادتهم التقية الانتهازية ورفض «البنا» الاشتراك مع أحمد حسين، رئيس مصر الفتاة، فى أى مقاومة ضد الإنجليز قائلاً، كما ذكر عبدالعظيم رمضان فى كتابه «الإخوان المسلمون والتنظيم السرى» ص40 «إننا لا نبحث عن مغامرة قد تخيب وتفشل، وإنما نعد أنفسنا لعمل قوى ناجح، فالفشل سيكون كارثة ليس على حركتنا فحسب بل على العالم الإسلامى كله».

المدهش والغريب أن «البنا» يتعلل لأحمد حسين ويتهرب فى نفس الوقت الذى يبنى فيه ويؤسس قواعد التنظيم السرى الذى سيقتل ويخرب ويدمر باسم النضال، ولكن النضال والكفاح والرصاص الإخوانى كالعادة، وحتى هذه اللحظة، مصوب ناحية صدور المصريين وليس الإنجليز أو الاستعمار، بدليل أنه بعد إلغاء معاهدة 1936 فى أكتوبر 1951، وإعلان الكفاح المسلح فى منطقة القناة، وبرغم أن التنظيم السرى الإخوانى الذى صار عمره عشر سنوات كانت قد قويت شوكته فإن «الهضيبى»، الزعيم الجديد، بخل بقوته على هذا الكفاح الشعبى قائلاً لجريدة «الجمهور المصرى» 15 أكتوبر 1951: «أعمال العنف لا تخرج الإنجليز من البلاد».. ملاحظة عابرة: هل أعمال العنف حلال على المصريين حرام على الإنجليز؟!، واستكمل «الهضيبى» تصريحه قائلاً: «واجب الحكومة أن تفعل ما يفعله الإخوان المسلمون من تربية الشعب وإعداده فهذا هو الطريق لإخراج الإنجليز»، وحسناً فعل جمال عبدالناصر ولم ينفذ نصيحة المرشد الجديد ولم ينتظر حصاد التربية الإخوانية!، بعدها خطب «الهضيبى» فى عشرة آلاف شاب إخوانى شارحاً نظريته فى الكفاح ضد الإنجليز قائلاً: «اذهبوا واعكفوا على تلاوة القرآن»، وقد رد عليه المفكر الإسلامى الجرىء خالد محمد خالد فى روز اليوسف بمقال عنوانه «أبشر بطول سلامة يا جورج»، متسائلاً أين فريضة الجهاد التى صدعنا بها الإخوان؟!

هل كان «الهضيبى» يخاطب شبابه فقط بعيداً عن الملك فاروق؟، وما هى حدود العلاقة ما بين «الهضيبى» وفاروق؟، غداً نواصل.