Print

  

دلالات التصويت على دستور 2013



تعكس نسبة التصويت بنعم ،المرتفعة جدا وغير المسبوقة فى تاريخ الدساتير المصرية، على الأستفتاء على دستور 2013 عددا من الدلالات الهامة والتى يجب اخذها فى الأعتبار فى المرحلة القادمة،خاصة وأننا مقبلون على أنتخابات رئاسية ثم برلمانية ثم على أنتخابات المحليات وبعد ذلك على النقابات لتخليصها من سطوة التيار الإسلامى،ومن هذه الدلالات ما يلى:-

اولا: هذا التصويت بالتأكيد هو على ثورة 30 يونيه وأهدافها وخريطة طريقها لرسم مستقبل مصر فى المرحلة القادمة،هو أيضا تصويت على دور الجيش الوطنى فى حفظ الأمن والاستقرار وحماية الدولة من الفوضى والأنهيار،ويجب على القائمين على الأمور عدم فهم حركة الشعب خطأ،فهذا التصويت ليس على الحكم العسكرى،فمعظم المصريين ينفرون منه وقد جربوه من قبل،ولكن تصويت على حكم وطنى يحمى فيه الجيش أنتقال مصر إلى مرحلة أكثر ديموقراطية وأكثر حداثة وأكثر استقلالا فى صنع القرار،وهى مهمة ليست سهلة،فالحكم العسكرى سهل ولكن حماية المسار الصحيح للدولة المصرية ووضعها على طريق أكثر تقدما وحداثة فى ظل ضبط الأمن والأستقرار بالتأكيد مهمة ليست سهلة.

ثانيا: هو تصويت كذلك على لفظ مشروع الإسلام السياسى برمته وليس الاخوان فقط،وعلى رفض الدولة الدينية كذلك. ويخطئ من يظن أن هناك فرقا بين تيار إسلامى وآخر،فمصر لا تحتاج إلى إسلام سياسى اساسا، حيث أن الأغلبية بها تنتمى إلى الإسلام السنى الحنفى،ولا فضل لحنفى على آخر إلا بالتقوى أمام الله وبالوطنية أمام الدولة وباحترام القانون أمام القضاء.

ثالثا:هو بالتأكيد تصويت لصالح الفريق السيسى،حيث أنه المتصدر للمشهد منذ 30 يونيه وحامى ثورة الشعب ومخلصهم من الاخوان ونجم المرحلة الماضية والقادمة،ويخطئ من يظن أن الشعب يطالب السيسى بأن يكمل جميله بحكم مصر،فحكم مصر ليس جميل يسديه السيسى للمصريين وأنما شرف لمن يقوم به،وأنما المقصود هو كمل وعودك فى أستكمال الثورة وفى إخراج مصر من النفق الذى وضع الاخوان فيه البلد،وكذلك وعودك فى أخذ مصر ووضعها على طريق التقدم،فالفريق السيسى هو الذى قال عبارته المشهورة " مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا"، والشعب ينتظر تحقيق هذا الوعد على يد السيسى،والتأييد الكاسح له يعكس الرغبة فى طى صفحة الماضى وعودة الأمن والاستقرار لمصر من ناحية وتنفيذ وعوده بجعل مصر قد الدنيا من ناحية أخرى.

رابعا:جاء التصويت كذلك ترجمة لأحلام الملايين التى خرجت للشوارع فى 30 يونيه و3 يوليه وتحويلها إلى أصوات أنتخابية تؤسس لشرعية جديدة للمرحلة القادمة وتسقط آخر أوراق الشرعية عن حقبة الاخوان الكئيبة، فمرسى وجماعته الذى طالما تغزل فى الشرعية وخصص أخر خطاباته لها غير معترفا بالشرعية الثورية، أسقطت الجماهير فى الأستفتاء ورقة التوت الأخيرة التى يستر بها عورته وعورات جماعته.

خامسا:جاء التصويت المرتفع جدا للمرأة والأقباط  كدلالة واضحة على نفورهم بشكل كبير من الدولة الدينية،فالدولة الدينية كانت المقبرة تاريخيا لحقوق وحريات المرأة المصرية والأقباط،ولم تتحرر المرأة المصرية من القيود والاغلال الدينية إلا مع حركة النهضة الحديثة القادمة من الغرب، ومع مجئ عصر الصحوة الإسلامية ثم الحكم الإسلامى تقهقرت حقوق المرأة  سريعا ومورس عليها بأسم الدين الكثير جدا من القيود فى الملبس والحركة والعمل والحقوق والحريات الشخصية،ولقد أثبتت المرأة المصرية بحق أنها أيقونة الثورة وأنها أكثر عصرية وحداثة ورغبة فى التغيير من الرجال المصريين.

سادسا:على العكس كان التصويت منخفضا جدا عند الشباب والسلفيين والتيارات الإسلامية عموما،فقد صرح نائب وزير الشباب باسل عادل أن تصويت الشباب والسلفيين كان ضعيفا جدا،فى حين قال المستشار أحمد الزند أنه لم يرى السلفيين فى الطوابير،وصرح الخبير الأمنى العقيد خالد عكاشة بأن القلة من السلفيين التى ذهبت للأستفتاء صوتت بلا. وقد علق على ذلك الخبير الحقوقى دكتور محمد نور فرحات بقوله " السلفيون يقاطعون السلام الوطنى،ولهذا قاطعوا الأستفتاء،كل ما هو وطنى عندهم حرام"، وقد سبق وكتبت أن السلفيين يعادون الدستور الجديد ومعهم كافة أطياف الإسلام السياسى كمصر القوية وحزب الوسط والاخوان والجماعات الإسلامية بمختلف مشاربها،وتوقعت لهم هذا السلوك،أما تصريحات قياداتهم الداعمة للدستور فهى من قبيل البحث عن المنافع السياسية وعملا بفقه الضرورة وليس ايمانا بالمرحلة القادمة. أما مقاطعة الشباب فلها مبرراتها الوجيهة وهى الخوف من إعادة أنتاج نظام مبارك أو إعادة أنتاج حكم العسكر، والخوف من عودة القمع والدولة الأمنية البوليسية،وهى مخاوف مشروعة عند شريحة كبيرة من المصريين وليس الشباب فقط ، ولكن حماس ومثالية الشباب جعله يحجم عن المشاركة.

سابعا:جاءت نتائج التصويت كذلك عاكسة لرغبة شعبية كبيرة فى الأنتقال من المرحلة الأنتقالية سريعا بعد أكثر من ثلاث سنوات من الفوضى والمعانأة الأقتصادية وتراجع مصر فى كافة المناحى،فالناس تريد أن تتخلص بسرعة من هذا الكابوس الجاسم على صدورهم، وتأمل مع نظام جديد مدعم بشرعية شعبية واسعة أن يتحرك بسرعة لإنتشال مصر من هذه الحالة.

ثامنا:جاءت نتائج الأستفتاء لتعكس سقوط جدار الخوف عند المصريين فى الارياف والصعيد والعشوئيات،فهذه المناطق كانت حكرا على الاخوان وحلفاءهم بالتخويف والابتزاز الخدمى،ووصل الأمر لمنع الناس بالقوة من التصويت لغير مرشحى الإسلام السياسى،وها هو الريف يعبر عن رفضه لهذا النهج الإرهابى ويخرج الكثيرون منه ويقولون نعم للدستور.

تاسعا: جاء التصويت كذلك عاكسا للإنقسام والاستقطاب الواضح فى الحالة المصرية،فهو ليس خلافا فى وجهات النظر وأنما خلافا على مستقبل مصر كله يصل لحالة العداء،فالاخوان ومصر القوية وحزب الوسط والجماعة الإسلامية وجماعات الجهاد والإرهاب ومعهم كافة اطياف الإسلام السياسى فى حالة عداء واضح لثورة 30 يونيه ولخارطة الطريق وللدستور الجديد،ولهذا جاء امتناعهم عن التصويت أو التصويت بلا عاكسا لهذه الحالة الخلافية العدائية،عكس تصويتهم بكثافة وحضورهم القوى فى دستور 2012. فمصر فعلا منقسمة حتى هذه اللحظة، وهذا يشكل مصدر خطر كبير على استقرارها ومستقبلها.

واخيرا: جاء التناول السلبى من قبل الإعلام الغربى لنتائج الأستفتاء انعكاسا لرؤيتهم لثورة 30 يونيه ذاتها وما بعدها،فلم يحدث فى الأستفتاء مخالفات تبرر هذا الهجوم الواسع والتشكيك فى النتائج،فقد راقب الأستفتاء 30 الف مراقب محلى وحوالى 600 مراقب عربى ودولى وجاءت تقاريرهم عن المخالفات محدودة جدا. ولهذا اتمنى على المصريين أن يتجاهلوا ما يقوله هذا الإعلام وما تردده الحكومات الغربية ويسيروا بثبات لتحقيق خارطة الطريق،فهذا الإعلام ليس محايدا تجاه ما يحدث فى مصر بل منحازا بقوة ضد هذه المرحلة.