Print

 

 سأحكى لأحفادى عن هذا اليوم

حـسن زايد

christian-dogma.com

لا أكتب اليوم لمن شاهد الحدث، فالصورة كما يقال بألف كلمة، ولن نستطيع أن نسبر أغوار ما كان يجرى فى أذهان الحضور، وما جاشت به صدورهم، إلا من قبيل التكهنات والتخرسات.

ولذا فإننى لا أكتب لهؤلاء، وإنما أكتب لأحفادى الذين ما زالوا فى ظهر الغيب، عن الحدث الذى عاشه جدهم، عاشه بكيانه ووجدانه، لأنه حدث غير مسبوق فى التاريخ المصرى فيما أعلم، والأمر لا يتعلق بتأييد الرئيس السيسى أو معارضته، ولا يتعلق بحبه أو كراهيته، وإنما الأمر يتعلق بمصر. والأحداث المرصودة وإن كانت صغيرة، إلا أنها ذات أبعاد ودلالات. والأحداث بعضها كان يغلب عليه الطابع الشكلى الصرف، إلا أننى أعتبر أن الشكل هو وعاء المضمون، وبقدر جودة الشكل وسلامته تكون جودة المضمون والمعنى.

ومن هنا فإننى سأحكى لأحفادى عن الرئيس السابق المستشار عدلى محمود منصور. ذلك الرجل النبيل الذى قَبِل رئاسة مصر فى وقت عصيب، تحفها فيه المخاطر داخلياً وخارجياً، وليست المخاطر مخاطر اعتيادية، وإنما مخاطر تتهدد الوجود. حيث وجدت مصر نفسها ـ وهى فى أضعف حالاتها، وهى حالة المخاض الثورى ـ فى مواجهة مؤامرة دولية، تمثل فيها جماعة الإخوان مخلب القط، وتمثل أمريكا الظهير الدولى لها. ولم تبعد تلك المخاطر عن شخص الرئيس ذاته، أو أفراد أسرته. 

هذا الرجل أعاد لمنصب الرئيس هيبته ووقاره باعتباره أعلى منصب تنفيذى فى الدولة المصرية، وأنه يمثل رمزًا لهذه الدولة وممثلاً لها أمام الدول والمحافل الإقليمية والدولية. وأعاد للخطاب الرئاسى اتزانه وحكمته. وسأحكى لهم عن عدلى منصور الرئيس الإنسان، الذى غلبته عبراته حين تحدث عن الشهداء، بمنتهى الرقة والعذوبة والحنو ورهافة الحس، فى خطاب يمثل قطعة أدبية رائعة، وخطة طريق نحو المستقبل، وآخر وصايا رئيس يودع سدة الحكم عن رضا وطيب خاطر، خطاب بكى له الشعب، وبكى منه، وأبْكَى أبناء الخليج كما صرح صحفى خليجى فى مداخلة هاتفية متلفزة، الرئيس الذى شكره الشعب، وطالب بتكريمه. سأحكى لهم عن أول رئيس لمصر يصوت فى الانتخابات لرئيس آخر. سأحكى لهم كذلك عن الرئيس السيسى، الرجل الصارم ـ بحكم نشأته العسكرية ـ مع نفسه فى احترام القوانين والقواعد. الرجل العسكرى المثقف الذى يحمل بين جوانحه خطة عمل متكاملة للنهوض بمصر، والخروج بها من الدائرة المعتادة إلى الآفاق الأرحب للدولة المدنية الحديثة.

سأحكى لهم عن أول انتخابات رئاسية حقيقية تخضع لمتابعة محلية وإقليمية ودولية، وتحت إشراف قضائى كامل، بغض النظر عما شابها من ارتباك إدارى طبيعى. 

سأحكى لهم عن الدعوة غير المسبوقة لدول العالم لحضور حفل تنصيب الرئيس، وكذا استجابة الدول لهذه الدعوة، بما تنطوى عليه الدعوة والاستجابة من دلالات، فهى تعنى الاعتراف الدولى بثورة يونيو، وتوقيع على إقرار بشرعية الرئيس المنتخب أمام المجتمع الدولى، وتوقيع شهادة وفاة دولية لجماعة الإخوان، بعد أن أصدرها الشعب المصرى رسمياً فى ثورة يونيو.

سأحكى لهم عن أول رئيس مصرى يسلم رئاسة مصر طواعية وبرضا كامل وعن طيب خاطر لرئيس آخر، بالتوقيع فى سجل تسليم وتسلم للقيادة. فالزعيم الراحل جمال عبد الناصر ترك الرئاسة بعد وفاته وبسببها، وتولى بعده نائبه الأول فى مراسم محدودة تناسب الموقف.

والرئيس السادات رحمه الله غادر السلطة بوفاته وبسببها، وتولى بعده الرئيس الأسبق حسنى مبارك رئاسة الجمهورية، ولم يغادر منصبه إلا بالثورة عليه، ووضعه فى السجن. أما الرئيس الإخوانى محمد مرسى فهو يمثل غلطة مطبعية فى تاريخ مصر ـ كما قال أحدهم ـ واجبة التصحيح حتى لا يطلع عليها الأحفاد. وسأذكر لهم أن الدولة المصرية قد انطلقت منذ ها التاريخ، وأصبحت على نحو ما يرون الآن.