لا يا هويدي  عقدنا لم ينفرط بسبب الحديث عن التعديلات الدستورية
ولكنه ينفرط بسبب التعصب الأعمى ورفض الآخر !!

القس رفعت فكريالقس / رفعت فكري سعيد *

تحت عنوان عقدنا الذي انفرط كتب الأستاذ فهمي هويدي مقالا ًبجريدة الأهرام يوم الثلاثاء 3/4/2007 قال في المقدمة ما نصه (لو أننا قمنا بجرد حصاد السجال الذي شهدته مصر بمناسبة التعديلات الدستورية‏, ‏ فسنجد في خانة الخسائر أن العلاقات الإسلامية المسيحية أصابها شرخ يقتضي انتباهاً واحتواء دون إبطاء )‏.

وفي الفقرة (3) من مقاله قال ما نصه ( في حدود علمي‏,‏ فان هذه هي المرة الأولى في التاريخ المصري المعاصر‏,‏ التي ترتفع فيها بعض الأصوات القبطية مطالبة باستبعاد نص الدستور على أن الإسلام دين الدولة وأن الشريعة المصدر الأساسي للقوانين‏

,‏ وأغلب الظن أن هذه الدعوة شجعت بعض رجال الدين الإنجيليين ‏(‏ البروتستانت‏)‏ للانضمام إلى الحملة‏,‏ على الأقل فهذا ما عبرت عنه ورقة قدمها القس محسن منير من الكنيسة الإنجيلية بأسيوط‏,‏ إلى مؤتمر حوارات المواطنة الذي انعقد في شرم الشيخ قبل ثلاثة أسابيع (من 3‏ إلى‏7/9)‏ وفيها اعتبر المادة الثانية من الدستور بوابة ملكية لإقامة الدولة الدينية‏ ,‏ مدعياً بأنها تضرب مبدأ المساواة من الجذور أكرر أن هذه المناقشة لم يعد لها محل الآن‏,‏ وإنما الذي يعنيني هو مغزاها والأصداء التي خلفتها‏,‏ والتأثيرات التي أحدثتها في نسيج العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر‏) .وختم هويدي هذه الفقرة بقوله (‏لست أشك في أن ذلك التصعيد في الدعاوي ‏,‏ الذي لامس الخطوط الحمراء الضامنة لاستقرار المجتمع وتماسكه‏,‏ تأثر بدرجة أو أخرى‏,‏ بذلك النزق والتطاول الذي مارسه نفر من المثقفين خلال مناقشة التعديلات الدستورية‏,‏ وبمقتضاه تورط البعض في الاشتباك مع الإسلام‏,‏ حتى دعوا إلى إضعاف دوره والتهوين من شأنه)‏.‏

وتعليقاً على هذا الخلط المتعمد في الأوراق لنا بعض الملاحظات والتي أرجو أن يتسع صدر الأستاذ هويدي لها :-
أولاً:- الكنيسة الإنجيلية المصرية هي كنيسة وطنية وشعبها في كل أنحاء مصر وطنيون ورجال الدين الإنجيليين ( البروتستانت ) هم مصريون ووطنيون حتى النخاع ودستور مصر يخصهم شأنهم شأن جميع المصريين.

ثانياً:- عندما تحدث نيافة الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة أو جناب القس محسن منير الراعي الشريك بالكنيسة الإنجيلية الأولى بأسيوط أو كاتب هذه السطور أو غيرهم عن تعديل المادة الثانية من الدستور المصري لم يتطرقوا في أحاديثهم مطلقاً عن الشريعة الإسلامية حيث أن أمر الحديث عن الشريعة الإسلامية هو أمر يخص المسلمين وحدهم, ومبادئ الشريعة الإسلامية يتعين على المسلمين وحدهم تحديدها, أما من تحدثوا عن تعديل المادة الثانية فهم تحدثوا عن دستور مصر الذي يخص جميع المصريين, وهنا لابد أن نفرق بين الشريعة الإسلامية والدستور المصري, فالشريعة الإسلامية أمر يخص المسلمين وحدهم أما الدستور المصري فهو أمر يخص جميع المصريين مسلمين ومسيحيين وبهائيين ولا دينيين وغيرهم, ومن هنا لا يجوز خلط الأوراق والزعم بأن من طالبوا بتعديل المادة الثانية اشتبكوا مع الإسلام وكانوا ضد الشريعة الإسلامية، هذا فضلاً عن أن مواد الدستور المصري ليست وحياً منزلاً وليست خطوطاً حمراء لا يجوز الحديث عنها.

ثالثاً:- ليس المسيحيون وحدهم هم الذين طالبوا بتعديل المادة الثانية ولكن كبار مفكري مصر ومثقفيها وعلمائها وقانونييها الذين يدينون بالإسلام طالبوا أيضا بالتعديل وأعتقد إنه لا يستطيع أحد أن يزايد على إسلام هؤلاء فهم مسلمون حتى النخاع وهم خاضعون للشريعة الإسلامية ولكنهم في ذات الوقت أيضاً مع تعديل المادة الثانية من الدستور.

رابعاً:- جميع من طالبوا بتعديل المادة الثانية لم يطالبوا بإلغاء الشريعة الإسلامية من الدستور ولكنهم طالبوا بإضافة الشريعة المسيحية ومواثيق حقوق الإنسان فهل هذه الإضافة تضايق الأستاذ فهمي هويدي وهل عقد الأمة ينفرط بسبب هذه الإضافة الموضوعية؟ أليس هناك مسيحيون موجودون على أرض مصر ولهم كتابهم المقدس؟ وألم يقل القرآن الكريم في هذا الصدد (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) سورة المائدة 47؟ وأليس هناك مواثيق دولية لاحترام حقوق الإنسان وهذه المواثيق وقعت عليها مصر؟ فلماذا إذا الخوف من تعديل المادة الثانية والزعم بأن الحديث عن تعديلها يجعل عقدنا ينفرط  ووحدتنا تتفكك؟!!!

خامساً:- هناك بلدان إسلامية كثيرة مثل تركيا وماليزيا وغيرهما ودساتيرها لا تنص على أن الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع. ومع ذلك فعدم وجود هذه المادة لا ينتقص ولا يقلل من هوية الدولة فليست المادة الثانية من الدستور هي التي تحدد هوية الدولة. ثم أن هذه المادة لم تكن موجودة قبل دستور 1923 فهل كانت هوية مصر قبل هذا التاريخ  غير إسلامية؟!!

سادساً:- بقي أن نقول للأستاذ هويدي أن عقدنا لم ينفرط بسبب الحديث عن التعديلات الدستورية ولكنه ينفرط بسبب التعصب الأعمى ورفض الآخر الديني المغاير والتحريض على قتله. ألم يقرأ الأستاذ هويدي كتاب فتنة التكفير بين الشيعة والوهابية والصوفية الذي أصدرته وزارة الأوقاف في ديسمبر الماضي  للدكتور محمد عمارة وفيه استحلال لدماء المسيحيين وغيرهم من غير المسلمين واعتبارهم كفاراً.

مثل هذا الكتاب ياأستاذ هويدي هو الذي يجعل عقدنا ينفرط ووحدتنا الوطنية تتفكك .

كذلك عقدنا ينفرط ياأستاذ هويدي عندما يمنع بنك فيصل الإسلامي شراء أسهمه والمضاربة على أمواله من خلال مستثمرين مسيحيين الأمر الذي يعد تصنيفاً طائفياً للمصريين ويقوض جهود تحقيق الوحدة الوطنية ويخالف الدستور فيما يتعلق بقواعد المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المصريين.

إن عقدنا ينفرط ياأستاذ هويدي بسبب مايكتبه الدكتور زغلول النجار من مقالات يسئ فيها إلى المسيحية وإلى كتابها المقدس متهماً إياه بالتحريف والتبديل. عقدنا ينفرط ياأستاذ هويدي عندما يصرح أحد كبار المستشارين بأنه لا يجوز أن يتولى مسيحي القضاء.

إن عقدنا لاينفرط بسبب الحديث عن تعديل بعض مواد الدستور المصري الذي يخص جميع المصريين ولكنه ينفرط ياأستاذ هويدي بسبب التمييز السلبي ضد شركاء الوطن والإساءة إليهم وإلى معتقداتهم في مناهج التعليم المتعددة وفي وسائل الإعلام المختلفة  وفي محاولة تهميشهم واعتبارهم رعايا لا مواطنون, ذميون لا مصريون, فهذه هي الخطوط الحمراء يا أستاذ هويدي التي لا يجوز لأحد أن يمسها أو يلامسها  !!! ومع ذلك فهي تمس يومياً وعلناً جهاراً نهاراً !!!

وختاماً:- إذا كان الأستاذ فهمي هويدي حريصاً بهذا الشكل على وحدة الوطن ويتباكى على انفراط عقده، فلماذا لم يستنكر ما كتبه الدكتور محمد عمارة في حق شركاء الوطن؟ ولماذا لم ينتقد ما يكتبه الدكتور زغلول النجار في حق المسيحيين؟ لماذا لم يكتب هويدي مقالاً يرد فيه على سيادة المستشار الجارحي السكرتير العام المساعد لنادي قضاة مجلس الدولة ويقول له إن المسيحيين شركاء الوطن ومن حقهم تولي مناصب القضاء؟! 

يا أستاذ هويدي إن الحديث عن التعديلات الدستورية لا يجعل عقدنا ينفرط ولكن ازدراء المسيحية وخلط الأوراق بهذا الشكل ومحاولة إبعاد النظر عن المشاكل الحقيقية التي تعتبر موطن الداء وأم القيح هو الذي يفكك وحدتنا الوطنية ولا يمكن لنا أن نخرج من المأزق دون أن نعترف بكل شجاعة بالأخطاء الحقيقية, إن وحدتنا تتهدم وترابطنا يتفكك إن لم نكف عن الازدراء بالمسيحية في وسائل الإعلام المختلفة , وفي النهاية يا أستاذ هويدي ليس لي إلا أن أقتبس المثل المصري الشائع الذي استشهدت به في خاتمة مقالك المذكور من استحضر العفريت عليه أن يصرفه !! فعلى من يزدرون المسيحية ويسيئون إلى شركاء الوطن عليهم أن يكفوا ويمتنعوا قبل أن تتفكك وحدتنا وينفرط عقدنا !!! 

=====

*  راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا مصر
This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.  


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com