Print

   

تخدعنى مرتين؟!

بقلم منير بشاى

      اقترب موعد فتح باب الترشح للانتخابات البرلمانية.  والسؤال المهم هو كيف نضمن عدم دخول وسيطرة الاسلاميين فيه؟  كيف نستبعد من لا ولاء لهم لمصر او احترام لعلمها ونشيدها القومى؟  كيف بعد ان خدعونا فى مجلس الشعب الماضى نتأكد اننا لن نخدع منهم للمرة الثانية؟

        من مأثور الكلام فى اللغة الانجليزية القول "تخدعنى مرة عيب عليك، تخدعنى مرتين عيب علي انا".  وفى اللغة العربية هناك القول المشهور "المؤمن لا يلدغ من نفس الجحر مرتين".  ولكن تعاملنا مع التيار الاسلامى اثبت اننا قابلون للخداع منهم ليس مرة او اثنين ولكن مرات عديدة.  وفى كل مرة نقول دعنا نجربهم مرة اخرى لعلهم تغيروا.  وتثبت الايام اننا كنا مخطئون ولم نتعلم من اخطائنا حينما صدقناهم واستمرينا فى تصديقهم.  فسلوكياتهم تبنى على عقيدة دينية والانسان لا يغير عقيدته بسهولة.  هذه سذاجة تصل الى حد الجنون حسب تعريف عالم الفيزياء الشهير البرت اينشتاين "الجنون هو أن تكرر نفس الفعل مرة تلو المرة.. منتظرا أن تصل الى نتيجة مختلفة فى كل مرة".

   تاريخ التيار الاسلامى، سواء كان جماعة الاخوان او من خرجوا من عباءتهم، لا يخفى على احد.  بداية بمولدهم فى عام 1928 ومرورا باغتيالهم لكل من وقف فى طريقهم أمثال النقراشى وأحمد ماهر والخازندار والسادات ومحاولتهم اغتيال عبد الناصر. وفى تسعينات القرن الماضى عندما افتى لهم زعيمهم الروحى عمر عبد الرحمن بجواز الاعتداء على الصياغ الاقباط ونهب ذهبهم وأموالهم لتمويل عملياتهم الارهابية.  وانتهاء بما حدث بعد قيام ثورة 25 يناير 2011 حيث تمكّنوا من القفز على الثورة وحققوا حلم الوصول لحكم مصر.  ومرت مصر بعدها بعام كان أسوأ تاريخها الطويل.

      وعندما اكتشف الشعب انهم خدعوا اضطروا الى القيام بثورة تصحيح فى 30 يونية 2013 مطالبين الاخوان بالرحيل، ولولا تأييد الجيش لكان الاخوان ما يزالوا يجثمون على انفاسنا الى اليوم.

      بعد ذلك جاءت محاولاتهم لتأليب الشعب ضد بعضه.  ونحن لا ننسى يوم فض اعتصام رابعة حيث خرجوا كالثيران المجنونة يدمّرون كل ما ينتمى للاقباط فحرقوا نحو 100 كنيسة وايضا المدارس ومبانى الخدمات والصيدليات والبيوت والمتاجر المملوكة لهم.  كان ظنهم ان الاقباط سيثوروا وينتقموا من شركاء الوطن وبذلك تحدث ما يتمنوه من فتنة يستطيعوا منها ان ينفذوا لحكم مصر.  ولكن الأقباط فوّتوا عليهم هذا المخطط.  ولعل ما حدث فى جبل الطير فى الاسابع الماضية واثناء زيارة الرئيس السيسى لإلقاء خطابه فى الامم المتحدة انما كان محاولة لإثارة فتنة جديدة من نفس النوع.

      واليوم يقف الشعب المصرى على اعتاب مرحلة حاسمة فى خارطة الطريق ونقطة فارقة من تاريخ مصر وهى انتخاب البرلمان الجديد.  هذا البرلمان له اهمية خاصة لأنه اعطى سلطات تفوق اى برلمان سابق ومنها انه يستطيع سحب الثقة برئيس الجمهورية واقالته من منصبه.  كما انه تقع عليه اعباء سن القوانين لتفعيل بنود الدستور الجديد وكذلك اقرار القوانين التى صدرت فى الفترة التى كانت السلطة التشريعية فى حوزة رئيس الجمهورية.

      وليس غريبا ان يأتينا التيار الاسلامى اليوم فى صورة السلفيين الذين يظنونهم اكثر قبولا لمغازلة النظام بهدف الدخول مرة اخرى تحت قبة البرلمان.  من هذه المغازلات البيان الذى اصدره حزب الوطن السلفى فى 29 يونيو الماضى وهنأ فيه الشعب المصرى بانتخابه للرئيس السيسى وتمنى بناء مصر من جديد على اسس جديدة وصنع مؤسسات تحترم القانون والدستور.  كما اكد الحزب فى بيانه ان هدفه الوحيد هو بناء وطن حر يحترم فيه حقوق المواطنين وفقا لقواعد واسس لا تميز بين الشعب ولا تفرق بين ابنائه.  فهل يظن حزب الوطن السلفى اننا نسينا انه كان احد احزاب ما يسمى "تحالف دعم الشرعية" المؤيد للرئيس الاخوانى المعزول محمد مرسى؟

      وبالاضافة لذلك ففى خلال الايام الماضية قام حزب النور السلفى وجماعته السلفية بمجهودات مكثفة من خلال استراتيجيات واضحة منها التظاهر ببعدهم عن الاخوان حيث اصدروا فيلما وثائقيا يهاجم جماعة الاخوان فى محاولة لإيهام الناس ان السلفيين فصيل مختلف.  ورأينا ايضا مساعى حزب النور للتحالف مع "قبائل الصعيد" مثل الأشراف والعرب والهوارة وايضا محاولة ضم بعض يهوذات الاقباط وعدد من الاطراف السياسية فى المحافظات لخوض المعركة السياسية على قوائمهم.

      هذه التحركات دعت الرئيس السيسى الى القول ان الشعب المصرى سيسقط البرلمان الجديد لو تمكّن الأخوان من دخوله بطرق ملتوية.  ولكن الانتظار حتى يحدث المحظور بسيطرة الاسلاميين على البرلمان ثم محاولة ازاحتهم بثورة اخرى ليس سهلا.  وهو سيوقعنا فى مشكلات مع العالم الخارجى الذى سيتهمنا اننا ننقلب على الصندوق فى كل مرة لا تعجبنا نتائجه.  وسيكون من الصعب هذه المرة ان نجادل بانها كانت ثورة شعبية ولم تكن انقلابا.  ثم ان الشعب المصرى لا يستطيع ان يعيش طول حياته على الثورات خاصة بعد ان قام بثورتين خلال مجرد ثلاث سنوات.

      ثم لماذا نريد اعادة نفس التجربة مرارا- كما قال اينشتاين-  متوقعين ان تأتى بنتائج مختلفة بينما التجربة واضحة النتائج قبل ان نبدأها؟  فالسلفيون لا يختلفون عن غيرهم بل قد يكونوا اكثر عنفا منهم جميعا.  هل نسىينا ان السلفيين هم من اقاموا حد قطع الاذن على قبطى لاتهامه ظلما انه كان على علاقة اثمة مع امرأة مسلمة تجاوزت الستين وكانت تستخدم شقة اجرتها منه لأغراضها غير الشريفة؟ هل نسينا ادعائهم بهتك الاقباط لعرض فتاة فى الزاوية الحمراء رغم ان الطب الشرعى اثبت سلامتها؟ الم يزعموا كذبا فى امبابة احتجاز الاقباط لفتاة قالوا انها اسلمت ثم قاموا بحرق الكنيسة؟  اليسوا هم من هدموا كنيسة اطفيح وحاولوا اجبار الاقباط على اعادة بنائها فى منطقة اخرى لولا مظاهرات الاقباط فى مسبيرو وموافقة الشيخ حسان؟  اليسوا هم من قطعوا الطريق عن تنصيب محافظ قنا القبطى؟ وهم من اعتدوا على الاديرة القبطية والرهبان العزل فى وادى النطرون والبحر الأحمر؟  وان نسينا لن ننسى انهم من حاصروا المقر البابوى والكاتدرائية المرقسية فى سابقة كانت الاولى من نوعها منذ دخول الاسلام لمصر.

      أما ايديولوجيتهم المتطرفة والتى تغذى افعالهم الارهابية فحدّث ولا حرج.  فهم يحرمون بناء الكنائس، ويؤمنون بفرض الجزية، ويحرمون القاء التحية على المسيحيين، وعدم تهنئتهم باعيادهم، وينادون بعدم القصاص فى جرائم المسلمين ضد المسيحيين، ويحرمون الوظائف الهامة على المسيحيين، وينادون بعدم جواز مودة المسيحيين، وعدم جواز مشاركتهم افراحهم أو حتى فى تشييع جنائزهم، وينادون بمقاطعة المحلات التجارية المملوكة للمسيحيين.  وهذه مجرد عينة من قائمة طويلة.

      السلفيون والأخوان وجهان لعملة واحدة، العنف هو نفس العنف، وكذا العقيدة المتطرفة.  الطريق الوحيد نحو مستقبل آمن لمصر، فى هذه المرحلة الحرجة، هو حظر جميع الأحزاب ذات المرجعية الدينية.  أما الأفراد فيجب تشكيل لجنة تفحص خلفية كل مرشح وتستبعد من تثبت صلته بجماعات الاسلام السياسى.  أبسط ما يعمله العقلاء هو التعلم من أخطاء الماضي.  وقبل ان نقرر اعطاء الاسلاميين فرصة ثانية، هل نسينا اننا مازلنا ندفع فاتورة حساب المرة الاولى؟

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.