Print

هل المفروض ان نعيش بدون مرض؟

بقلم منير بشاى

      هل المستوى العادى الذى يريده الله لنا كمسيحيين هو حياة خالية تماما من المرض؟  وهل تعرضنا  للامراض معناه ان هناك خلل فى علاقتنا بالله؟  وهل علاج المرض هو مراجعة علاقتنا بالله بحثا عن خطأ قد نكون ارتكبناه بدلا من زيارة الطبيب واجراء التحاليل الطبية وتناول الأدوية والعقاقير واذا لزم الأمر وضع اجسادنا تحت مشرط الجراح؟

      سمعت مؤخرا أحد المتكلمين فى فضائية مسيحية يقول ما معناه انه فى الإمكان ان نعيش حياتنا بلا مرض اذا توفر لدينا الايمان.  ولو كان الرجل أمامى لسألته، بما أنه يعرف سبب المرض وسر الصحة، فهل حياته خالية من المرض؟ وهل لم يمر فى حياته ولو بدور انفلونزا بسيط؟  واذا لا قدر الله أن اصيب احد ابنائه بمرض خطير، فهل مع الايمان يلجأ ايضا للطب ؟ أم يقتصر على الايمان فقط؟  وهل هو لا يرى اى حاجة للاطباء والطب والابحاث الطبية التى تحاول ان تجد علاجا علميا لما يعانيه الانسان من امراض؟

نحن نعرف ان السيد المسيح قال "لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى" متى 9: 12  وفى هذا اعتراف من السيد المسيح بالاحتياج للطبيب.  وضمن رسل المسيح السبعين كان لوقا الذى يسجل الكتاب المقدس عنه انه كان طبيبا، ولم يطالبه احد بترك مهنته، بل اطلق عليه الرسول بولس اسم "لوقا الطبيب الحبيب" كولوسى 4: 14.  وكذلك نعرف ان عددا من القديسين المعاصرين يعيشون مع المرض وبعضهم انتقل من الحياة بعد معاناة مع المرض.

      نعم، المرض لم يكن مخطط الله للانسان منذ البداية.  الله صالح وكل عطاياه صالحة "كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هى من فوق نازلة من عند ابى الانوار الذى ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" يعقوب 1: 17.  فعندما خلق الله الانسان صنعه كاملا، جسدا ونفسا وروحا، وكان من الممكن ان يعيش الانسان الى الابد فى هذه الحالة.  ولكن حالة الكمال هذه كانت مرتبطة بطاعة الانسان لله.

      كانت تعليمات الله واضحة لآدم حين وضعه فى الجنة  "من جميع شجر الجنة تأكل اكلا واما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتا تموت" تكوين2: 16 و 17.  كانت الوصية اختبار لطاعة آدم لله والثقة فى كلامه.  وعصى آدم وصية الله وسقط فى الخطية ومعها صار عليه حكم الموت، وبدخول الموت حدث  انفصال روحى بين الانسان والله، واصبحت النفس معرضة للاضطرابات، ودخل فى الجسد الفساد فى صورة تقبله للمرض الذى هو الموت البطىء.  يقول الرسول بولس "من اجل ذلك كأنما بانسان واحد دخلت الخطية الى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت الى جميع الناس اذ اخطأ الجميع" رومية 5: 12

      و جاء السيد المسيح الى العالم ليعالج مشكلة الخطية ويعمل تكفيرا لخطايانا على الصليب ويعطى الحياة الأبدية لكل من يؤمن به (يوحنا 3: 16) ولكن رغم اننا اخذنا وعد الحياة الأبدية فاننا ما نزال نسكن هذا الجسد، بكل عيوبه ومحدوديته، الى ان تنتهى رحلة حياتنا على الأرض، وبعدها سنعطى جسدا ممجدا "سيغير (المسيح) شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته ان يخضع لنفسه كل شىء" فيلبى 3: 21.  ويصف الرسول بولس هذا الحدث العظيم فيقول " هوذا سر أقوله لكم.  لا نرقد كلنا ولكننا نتغير فى لحظة فى طرفة عين عند البوق الأخير.  فانه سيبوق فيقام الأموات عديمى فساد ونحن نتغير.  لأن هذا الفاسد لابد ان يلبس عدم فساد وهذا المائت يلبس عدم موت.  ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد ولبس هذا المائت عدم موت فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة ابتلع الموت الى غلبة" 1 كورنثوس 15: 51- 55

      ولكن ما دمنا نعيش داخل هذا الجسد الفاسد فنحن معرّضون للمرض وايضا للموت.  وهناك امور كثيرة فى الحياة تساعد على انتشار المرض، سواء اردنا او لم نرد، ومنها:

-        تكويننا الطبيعى: مثل الامراض التى تتعلق بالطفولة والامراض التى ترتبط بالشيخوخة.

-        العوامل الوراثية: فبعضنا ورث الاستعداد لضغط الدم او السكر أو الكلسترول او غيره.

-        العدوى: هناك امراض معدية تتناقل بالاختلاط الفردى وهناك اوبئة  تهدد دولا بأكملها.

-        التلوث البيئى: مثل تلوث المياه وتلوث الاطعمة وتلوث الهواء.

-        تدنى مستوى المعيشة: من ضعف التغذية وقلة النظافة وعدم توفر التطعيمات الواقية.

-        .الكوارث: مثل الزلازل والفيضانات والحروب وما يصاحبها من اصابات وأمراض.

-         

      نتيجة لذلك من الطبيعى ان لا يتحقق فى هذه الحياة امكانية تخلص جميع الناس من كل الامراض وفى كل الاوقات.  ومع ذلك فهناك حالات مايزال الله يجرى فيها معجزات للشفاء فى يومنا هذا دون طبيب او دواء.  يقول الرسول "امريض أحد بينكم فليدع شيوخ الكنيسة فيصلوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب وصلاة الايمان تشفى المريض والرب يقيمه وان كان قد فعل خطية تغفر له" يعقوب 5: 14 و 15

      وفى ظروف خاصة واوقات معينة يسمح الله بظهورات سمائية تصحبها معجزات على نطاق واسع منها معجزات الشفاء.  هذه قد تحدث لتثبيت المؤمنين وتشجيعهم فى الضيقات والاضطهادات او لإعلان الله عن نفسه لغير المؤمنين لجذبهم للإيمان. وهذا ما حدث  فى زمن الكنيسة الأولى ويحدث فى فترات خاصة على مر العصور ومنها ما عاصرناه فى ايامنا.

      ومع ذلك لا يجب ان نصر على ان الله يتعامل معنا دائما من خلال المعجزات.  فالبعض يفهم الايمان على انه المقدرة على صنع المعجزات، ولكن الايمان القوى هو الذى يثق فى الله رغم عدم رؤيته للمعجزات "لأنك رأيتنى يا توما آمنت.  طوبى للذين آمنوا ولم يروا" يوحنا 20:29

      الخلاصة انه فى تعاملنا مع المرض نتعلم  دروسا ثمينة من الرسول بولس.  فالرسول بولس تعامل مع الثلاث الحالات التى يمكن ان يمر بها المريض.

فأولا: اختبر الرسول بولس امكانية الشفاء بمعجزة وقد استخدمه الله فى اجراء معجزات شفاء لكثيرين.

وثانيا:  عرف الرسول بولس كيف ان ارادة الله يمكن ان يعيشالانسان  مع المرض فقد تضرع لله ثلاث مرات ان يفارقه المرض ولكن الله قال له "تكفيك نعمتى" 2كو 12: 9.  وايضا لم تكن ارادة الله الشفاء العاجل المعجزى لشريكه المقرب "ابفرودتس" الذى مرض قريبا من الموت" ولكن الله رحمه ورحم بولس ايضا من الحزن الذى كان سيسببه موته (فيلبى 2: 25- 27).

وثالثا: كان الرسول بولس يقدر قيمة العلاج بالدواء فنصح تلميذه تيموثاوس باستخدام الدواء المعروف فى ذلك الوقت لعلاج مرضه "لا تكن فيما بعد شراب ماء بل استخدم خمرا قليلا من اجل معدتك وأسقامك الكثيرة" 1تى 5: 23.  وفى جميع هذه الحالات الأمر كله يرجع الى الله.  فالشفاء باى طريقة هو شفاء الهى، وعندما لا يتم الشفاء فهى ارادة الله.

     وفى النهاية مغبوط  من يستطيع قبول ارادة الله، سواء فى اوقات الصحة او عندما يدهمنا المرض.  المرض صعب ولكننا نثق انه فى نعمة الله كفايتنا، وفى قوته تكميل لضعفنا.

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.