قبطى يكتشف أمريكا..

بقلم منير بشاى

  

 

      أمريكا تم اكتشافها مرات عديدة على مر العصور.  فمنذ زمن بعيد اكتشفها سكانها الأصليون الذين يطلق عليهم اسم "الهنود الحمر".  وفى سنة 1492 أعاد "خريستوفر كولمبوس" اكتشافها.  وبعدها اصبحت امريكا الملاذ لكل مضطهد والملجأ لكل راغب فى الحرية.  وفى الاسابيع الماضية عاد شاب قبطى اسمه جون ميلاد ليكتشف أمريكا من جديد.

     كان جون قد سمع عن امريكا وقرأ عنها الشىء الكثير.  وغالبا شاهد جون بعض برامج التوك شو العربية وهى تمارس هوايتها المفضلة فى سب امريكا ليلا ونهارا.  ومن الطبيعى ان يتسبب هذا فى تكوين فكرة عند جون عن امريكا اقل ما يقال عنها انها لم تكن ايجابية.  ربما كان آخر شىء يريده جون هو رؤية امريكا.  ولكن ظروفا لم يتوقعها دفعت جون لزيارة نفس البلد الذى لم يكن يحمل له اى نوع من التقدير.  وفى زيارته لأمريكا اكتشف جون جانبا من أمريكا لم يكن يعرفه او قد سمع عنه من قبل.

 

 

      جون ميلاد شاب قبطى من مدينة الفيوم تخرج من كلية الفنون التطبيقية قسم الاعلام.  لم نسمع عن جون من قبل، ولم نعرف شيئا عن مشروعه الذى يعمله لبلده مصر وهو اخراج مسرحيات تعالج مشاكل المجتمع المصرى.  ولكن فجأة سمعنا ان هذا الشاب القبطى اصبح محط انظار العالم وانه دعى من امريكا لحضور احتفالية لتكريمه وان من قام بتكريمه ليس رئيس مؤسسة حقوقية او عمدة مدينة او حتى حاكم ولاية بل الرئيس الأمريكى باراك اوباما بذاته.

      على مدى سنوات ظل جون يعمل بعيدا عن الأضواء.  كان يتنقل مع فريقه من بلد الى بلد يقابل الناس البسطاء من الفلاحين والفقراء وغير المتعلمين ويعرض لهم حلولا لمشاكل المجتمع التى يعرفونها ولكن لم تكن لهم المقدرة على تجسيدها او الجرأة على مناقشتها.  كان جون يعالج مشاكل المجتمع بالتمثيل المسرحى "الميلودراما" وكان يعمل ورش عمل فى مجال العلاج بالتمثيل وخاصة ما يخص الاطفال والنساء وضحايا العنف الاسرى والتحرش الجنسى بالطفل.

 

      سار جون فى طريق الأشواك، وسبح ضد التيار، كان جون مثل نبى بلا كرامة فى وطنه.  ونسى له الحاقدون أعماله العظيمة وكان رد الفعل عندهم هو الغيرة والحسد.  وابتدأوا يفكرون كيف يمكن ان يعرقلوا مسيرته.  وكالعادة لم يكن هذا صعبا ولم تكن هناك وسيلة فى يدهم اسهل وأكثر فاعلية من التلويح بالاتهام التقليدى وهو ازدراء الدين.  وهو اتهام أصبح لا يحتاج الى مجهود كبير.  فاى كلمة ينطق بها الانسان يمكن ان تؤخذ من سياقها وتفسر بعكس المعنى تماما.  ولا اعلم ان كان جون قد تغلب على هذه المشكلة ام ما تزال عالقة.

 

      ولكن فى المقابل كانت هناك منظمة أمريكية أنشأها الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون وتهدف الى تشجيع العمل الايجابى لخير الانسانية.  وكانت المنظمة تتّتبع اعمال جون فى قرى مصر وترصد نجاحاته.  وعرض اسمه على لجنة الاختيار التى وجدت فيه النمط الذى يستحق التشجيع.  واختير جون المصرى الوحيد ضمن 120 شخصية ابداعية فى العالم لتكريمه على مجهوداته.  كان هذا اول اكتشاف لجون عن امريكا كالبلد الذى يشجع العمل الانسانى بغض النظر عن من يقوم به أو لصالح من من البشر.

 

      كان يحضر الاحتفال الذى اقيم لتكريم هؤلاء نحو 1200 من كبار الشخصيات فى كافة المجالات وكان التكريم يشمل ايضا 150 من رؤساء الدول الحاليين والسابقين و 18 من الحاصلين على جائزة نوبل. وكان جون نجما لامعا يتألق بين كل هؤلاء العظماء.

 

      وفى كلمته عن جون قال الرئيس الأمريكى "جون من مصر، وهو يعمل على تعليم المصريين كيف يقبلون بعضهم بعضا.  جون هو المستقبل، وهو يساعد الناس على اكتشاف مصدر القوة فيهم، ويساعد الاطفال والفتيات ضد العنف الجنسى"  أما جون فخلفيته التى ذهب محملا بها الى امريكا جعلته يقاوم هذا الاطراء بل ويرد عليه بشىء من الجفاء.

 

      فى لقاء جمعه بالرئيس اوباما ودام حوالى 15 دقيقة صرّح جون للرئيس اوباما بكل ما فى قلبه من مشاعر.  قال جون للرئيس الأمريكى "الشعب المصرى لما بيسمع صوتك دلوقتى بيشعر بعداوة تجاهك.  فى الفترة الماضية كانت الادارة الامريكية واقفة مع الحكومات وليس مع الشعب المصرى"  ويقول جون عن هذا اللقاء "كنت مبسوط اقول الكلام ده لمسئول اكبر دولة فى العالم" ويضيف "وأطلعت اوباما على صور لى اثناء ثورة 2011 رافعا لافتة تحمل شعار يقول: امريكا مقبرة الحريات" ولكن مفاجأة جون اكتشاف انه فى أمريكا يستطيع الانسان مخاطبة رئيس الجمهورية ويبوح له بكل ما فى قلبه، بل وينتقده وينتقد البلد الذى استضافه، دون خوف ان يأتى البوليس السرى ويقبض عليه ويلقيه الى ما وراء الشمس.

 

      وكان رد اوباما لانتقادات جون اكتشافا جديدأ فى امريكا لم يكن يتوقعه.  قال له اوباما "الماضى حمل اخطاء كثيرة" وهو اعتراف بالخطأ لم يتعود جون سماعه من المسئولين فى مصر.  فمتى اعترف احد المسئولين فى مصر ولو كان مجرد عمدة القرية انه ارتكب اخطاء؟  كنا دائما نعامل رؤسائنا فى مصر على انهم اشباه الآلهة، وربما كان هذا تقليدا قديما اخذناه من الفراعنة.  فرؤساء مصر لا يخطئون وان اخطأوا لا يعترفون بالخطأ وبالتالى لا يحتاجون للاعتذار.

 

      ولكن اهم ما اكتشفه جون هو امريكا ذاتها، فأمريكا اكبر من ساستها.  امريكا ليست اوباما او هيلارى.  وهى ليست السياسة الرعناء المتخبطة للادارة الحالية التى تظن ان مصلحتها فى التقرب للجماعات التكفيرية الارهابية وعندما يكتشفون حقيقتهم يذهبوا لكى يحاربوهم بعد حدوث المحظور.  امريكا التى اعرفها على مدى خمسة واربعون عاما تهمها مصالحها ولكن ليست مبادئها الاساءة لأحد.  أمريكا هى الشعب الطيب المعطاء الذى يساعد المحتاج فى كل مكان.  امريكا هى ام الديمقراطية وحامية الحريات وراعية حقوق الانسان. أمريكا بلد العلم والتكنولوجيا ومشجعة الابتكار والابداع.  ولذلك حققت امريكا تقدما كبيرا خلال قرنين من الزمان.  وتقدم امريكا انعكس على العالم كله واعطاه دفعة قوية للامام.  وأعتقد ان جون استطاع فى زيارته لأمريكا ان يرى هذا كله.

 

      فى اعتقادى ان جون ميلاد قد اكتشف امريكا من جديد.  وان اكتشافه هذا سيغير مشاعره السلبية تجاه أمريكا.  أظن ان جون سيصبح لأمريكا الصديق الجديد بدلا من العدو الذى كان.  واجزم ان زيارته لأمريكا، التى لم تكن فى الحسبان، لن تكون الأخيرة.  وشخصيا اؤمن ان من يزور امريكا مرة لابد ان يعود لها مرة أخرى.  ومع انى لا ادعى النبوة ولكننى اتوقع ان يصبح جون ميلاد مواطنا امريكيا فى يوم من الأيام.  هذا ما فعله مليون قبطى من قبله.

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.

 


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com