Print

 بوابة الحركات الإسلامية

 

أنبا ميخائيل "أسد الصعيد" وتكوين الجماعة الإسلامية في أسيوط مدينة النار

 أنبا ميخائيل أسد

عن عمر يناهز 93 عاما رحل الأنبا ميخائيل- شيخ مطارنة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمصر- الذي عاصر منذ مولده سبعة بطاركة جلسوا على الكرسي المرقسي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية وهم: البابا كيرلس الخامس البطريرك 112 والبابا يوأنس التاسع عشر البطريرك 113، والبابا مكاريوس الثالث البطريرك 114، والبابا يوساب الثاني البطريرك 115، والبابا كيرلس السادس البطريرك 116، والبابا شنودة الثالث البطريرك 117، ‮والبابا تواضروس الثاني البطريرك 811، والذى ترأس الصلاة على جسده.

الشخصية القوية:

ولد في 7 أبريل بقرية الرحمانية- نجع حمادي قنا، وترهبن في دير أبو مقار- تحت اسم متياس المقاري في عام 1939 ويتميز دير أبو مقار بالثراء الفكري كمدرسة خاصة في العبادة والروحانية المسيحية- وكان عمره نحو 25 عندما تمت رسامته مطرانا على أسيوط بيد البطريرك يوساب الثاني في 25 أغسطس عام 1946. وطوال هذه السنوات حافظ على التقليد الكنسي وابتعد عن المظاهر البراقة ومن أهم أعماله بناء دير العذراء مريم بجبل أسيوط الغربي- قرية درنكة- والذي أصبح محط أنظار السياحة الدينية من كل أنحاء العالم، ونال أنبا ميخائيل إعجاب الجميع بتقواه وسلوكه وقوة شخصيته، وكان واعظا رائعا دقيقا في اللغة العربية ولا يقع في أي خطأ نحوي أثناء حديثه أبدا.

تكوين الجماعات الإسلامية:

مرت أسيوط بسنوات، توصف بأنها سنوات النار، أخطرها على الإطلاق، عندما أسند السادات لمحافظ أسيوط محمد عثمان مهمة تأسيس الجماعة الإسلامية في أسيوط، وكذلك تجنيد وتمويل الإخوان بالجامعات.. ونجح محمد عثمان في المهمة وكافأه السادات بتعيينه محافظا لأسيوط، ومن هنا بدأ وضع بذرة التطرف والفتنة الطائفية حتى جاء يوم 6 أكتوبر 1981 ووضع خالد الإسلامبولي نهاية السادات، وكان بالمقابل مبارك يستعد لوضع نهاية محمد عثمان فأبعده عن كل المناصب وسحب منه كل المزايا.

وتعد من أصعب الفترات التي مرت بها أسيوط، منذ عام 1972، وهي السنة التي تأسست فيها الجماعات الإسلامية المتطرفة منها والإرهابية على يد محمد عثمان إسماعيل محافظ أسيوط الأسبق وصديق السادات عقب تشاور رباعي بين السادات وعثمان أحمد عثمان ويوسف مكاوي ومحمد عثمان إسماعيل .

ويقول اللواء فؤاد علام في كتابه "الإخوان.. وأنا"، حذرنا السادات من أن محمد عثمان إسماعيل كان من الإخوان وله صلات وطيدة بقياداتها مثل المرحوم محمد عبد العظيم لقمة وعمر التلمساني ومصطفى مشهور وغيرهم، فقد كان محمد عثمان إسماعيل عضوا قياديا نشطا في شعبة الإخوان في أسيوط.

ولكن السادات تجاهل كل ذلك وعينه محافظا لأسيوط، وجدد له لثلاثة فترات متتالية، وعينه برتبة وزير، رغم أن المحافظين وقتها كانوا برتبة نائب وزير، وقبل ذلك كان قد عينه أمين التنظيم بالاتحاد الاشتراكي في 1/7/1972.

ويواصل فؤاد علام "حدث اجتماع في مقر الاتحاد الاشتراكي حضره السيد محمد إبراهيم دكروري ومحمد عثمان إسماعيل، واتخذ القرار السياسي بدعم نشاط الجماعات الدينية ماديا ومعنويا..". واستخدمت أموال الاتحاد الاشتراكي في طبع المنشورات وتأجير السيارات وعقد المؤتمرات وأيضا شراء المطاوي والجنازير .

وتؤكد مجلة النيوزويك كلام فؤاد علام في عددها بتاريخ 26 أكتوبر 1981 حيث ذكرت "أن محافظ أسيوط محمد عثمان إسماعيل كان يوزع الأسلحة على جماعة الإخوان المسلمين".

ويقول اللواء فؤاد علام: "كنا نعرض التجاوزات التي تحدث أولا بأول على الرئيس السادات، ومنها شكاوى الإخوة المسيحيين في أسيوط من تصرفات الجماعات الدينية والإخوان المسلمين، وحذرنا من تنامي بذور الفتنة الطائفية والتي بدأت باعتداءات فردية على الكنائس ووصلت ذروتها بحوادث الزاوية الحمراء".

فى حين اعترف محمد عثمان إسماعيل، صراحة في مجلة روز اليوسف في رده على فؤاد علام قائلا: "فبادئ ذي بدء إنني شكلت الجماعات الإسلامية في الجامعات باتفاق مع المرحوم الرئيس السادات".

ومارست هذه الجماعات كل أنواع البلطجة على شعب أسيوط، وتوحشت هذه الجماعات بعد ذلك وكونت تنظيمات إرهابية دولية بدأت من أسيوط وانتهت بأكبر عملية إرهابية في التاريخ الحديث وهي تدمير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وجزء من وزارة الدفاع في واشنطن. وليس غريبا بعد ذلك خروج رءوس التنظيمات الإرهابية من جامعة أسيوط والمتهمون بقتل السادات ذاته ثم بعد ذلك العديد من الأعمال الإرهابية مثل عصام دربالة، ناجح إبراهيم، كرم محمد زهدي، عاصم عبد الماجد، فؤاد محمود حفني، ومحمد ياسين همام، حمدي عبد الرحمن، أسامة إبراهيم إبراهيم وأحمد حسن دياب... إلخ، بالإضافة إلى أصدقائهم الآخرين من الجماعات الإرهابية في القاهرة عبود الزمر ومحمد عبد السلام فرج وانتهاء بأيمن الظواهري العقل المدبر لتنظيم القاعدة.

في حين يكشف الطالب الجامعي معتز سالم عن فترة عمره التي قضاها في أسيوط ما بين عامي 1961- 1990، جزءاً من شخصية وطباع، محمد عثمان إسماعيل .

حيث كان معتز سالم طالباً في مدرسة ناصر الثانوية التي تقع مباشرة على الترعة الإبراهيمية أشهر فروع النيل في الصعيد، وكانت المدرسة وقتها مدرسة ثانوية تخضع للقواعد العسكرية، حيث يرتدي فيها الطلبة الزي العسكري.

وفي أحد الأيام لا يتذكر إن كان عام 1974 أو 1975 قرر ناظر المدرسة جمع الطلبة في طابور خاص؛ لأن محافظ أسيوط قرر أن يزور المدرسة، وكان الجو هادئاً وجميلاً، وفجأة عندما حضر المحافظ الجديد محمد عثمان إسماعيل، انقلبت الأجواء وحدثت عواصف شديدة عصفت بالميكروفون وكل شيء .

ورغم ذلك طالب السادة صف الضباط والضباط المسئولون عن الانضباط في الطابور أن يظل الطلبة واقفين في الطابور، رغم أن العاصفة كادت تقلعهم من مكانهم.. وصمم المحافظ الجديد أن يلقي كلمته في هذا الجو العاصف والتراب يخترق العيون.

وبعد أن أنهى كلمته شكر الطلبة على أنهم تحملوا هذه العاصفة من أجل سماع كلماته، وهو لا يعلم أنهم استمعوا له مرغمون وليسوا مغرمون .

ويقول معتز: "إنه رغم أنني أحكي هذه الحادثة الصغيرة في مقدمة المذكرات التي احتفظت بها، فهي تعبر فعلا عن تاريخ هذا الرجل الذي كان يعتقد أن الناس تحبه وهو يجبرهم ويكرههم على أموره، وكان عصره فعلا كالعاصفة، كله مشاكل وصدامات وعنف، وكان ثقيل الظل والدم على شعب أسيوط".

كما شهد عهده وقوع أحداث العنف في أسيوط، صباح يوم 8/ 10/ 1981، وعقب اغتيال السادات بيومين، والتي راح ضحيتها 118 شخصاً من جنود وضباط الشرطة بأسيوط وعدد آخر من المواطنين، وأصيب العشرات- إن لم يكن المئات- وفي الوقت الذي يذكر فيه بعض الأقباط مواقف بطولية تنتمي إلى عالم المعجزات- تبرز قوة شخصية الأنبا ميخائيل؛ حيث حصل في هذه الفترة الصعبة على لقب (أسد الصعيد)؛ لأنه كان يشجع الأقباط الأثرياء على البقاء في أسيوط وعدم تركها وعدم الخوف من الجماعات الإسلامية وبطشها، وعدم الموافقة على دفع الأتاوات التي كانت تطلبها هذه الجماعات تحت مسمى الجزية، خاصة من الأطباء الأقباط، ويقولون إنه كان يخرج أثناء مظاهرات الجماعات الإسلامية وتهديداتهم لهم ويقف بمفرده متحديا إياهم على سور المطرانية، مسنودا بقوة القديسين الإعجازية!! 

فإننا نجد في مذكرات محمد إسماعيل التي نشرها كحلقات في جريدة القاهرة التي تصدرها وزارة الثقافة- ولم تصدر بعد في كتاب- سطورا تؤكد على قوة شخصية أنبا ميخائيل وعدم خوفه من الجماعات الإسلامية أثناء إلقائهم الطوب والحجارة التي كسرت زجاج شبابيك الكاتدرائية. 

(ولم يستطع أي من هذه الجماعات الهجوم على الأقباط داخل كنائس أسيوط كما حدث في كنائس أخرى بالصعيد) وكان بالفعل رجلا لا يخشى الموت، ولم يترك المطرانية بأسيوط في أحرج الأوقات التي كانت تشتد فيها ضربات الجماعات المتطرفة، بل كان يشجع أبناءه الأقباط على التواجد وأخذ حقوقهم والمطالبة بها..