د. سمير غطاس يكتب: القاعدة هناك.. القاعدة هنا(2-3-4)

 

يبقى لمصر دائما موقعها الفريد بحكم موضعها الجغرافى المتميز على خريطة الإقليم والعالم، لكن هذه الميزة تترتب عليها بالمقابل أعباء عدة ومخاطر جمة، وهو أمر معروف جيدا فى تاريخ العديد من دول العالم الأخرى، ربما كانت بروسيا هى النموذج الأكثر تعبيرا عن هذه الحالة، فقد كانت بسبب وضعها الجغرافى السياسى محاطة دائما بالأخطار من كل جهة،

أما مصر فتبدو مستهدفة دائما من جهة بواباتها الحدودية، فمصر تواجه خطر تهريب السلاح وأشياء أخرى عبر بوابتها الحدودية السائبة مع السودان فى أقصى الجنوب،

كما تواجه الآن خطر تسرب داء الطاعون إذا ما نجح- لا سمح الله- فى اختراق بوابات الحدود مع ليبيا، كما تواجه بمخاطر تهميش هويتها الوطنية عبر اختراق بوابات سماواتها المفتوحة على العولمة، وهى تواجه من جهة الشرق خطر التهديدات الإسرائيلية، والتهديدات التى تمثلها التنظيمات الفلسطينية المرتبطة بالقاعدة فى غزة.

ومن دون أى استهانة بالمخاطر الإسرائيلية المتعددة والمستدامة، فإن هناك الكثير مما يؤكد تزايد التهديدات التى تتعرض لها مصر من التنظيمات الفلسطينية المرتبطة بالقاعدة فى غزة خاصة بعد تورط عدد منها بالفعل فى تنفيذ عملياتها داخل مصر، والتى كان آخرها فقط، وليس أولاها، تورط جماعة جيش الإسلام المرتبطة بالقاعدة فى غزة فى تنفيذ العملية الإرهابية التى جرت فى القاهرة ومنطقة الحسين فى 22/2/2009.

وهناك ما يؤكد على نحو قاطع لا يقبل الشك أو التأويل أن جماعات فلسطينية أخرى كانت ضالعة عمليا فى تنفيذ العمليات الإرهابية الكبرى التى شهدتها سيناء فى سنوات 2004، 2005، 2006 على التوالى، وقد تأكد كذلك إقامة علاقات تنظيمية بين الجماعات الفلسطينية المرتبطة بالقاعدة فى غزة وبين جماعات مماثلة لها فى مصر، وأن غزة تستخدم الآن كميدان لتدريب الكوادر على تصنيع وتركيب المتفجرات والتفخيخ والتفجير عن بعد وباستعمال أجهزة الهاتف المحمول،

كما توفر هذه الجماعات فى غزة التمويل المالى والإشراف على عمليات تهريب الأسلحة والأفراد بين مصر وغزة، وتوفر ملاذات آمنة للقيادات المطلوبة من الجماعات الإرهابية فى مصر.

وقبل أن نتعرف عن قرب على طبيعة الجماعات الفلسطينية المرتبطة بالقاعدة فى غزة، يجدر بنا أولًا أن نحاول الإجابة عن العديد من الأسئلة المعلقة، التى لا يجرى أبدا طرحها فى مصر، مثل: متى ظهرت جماعات القاعدة فى غزة؟ ولماذا فى غزة وحدها وليس فى الضفة الغربية المحاذية لإسرائيل بل المتداخلة معها؟ ومن الذى يمول هذه الجماعات ويحميها ويحركها... إلى آخر الأسئلة المسكوت عنها؟

ويبدو أن تعطيل طرح مثل هذه الأسئلة هو نتاج الخلط، الذى أكثره عفوى وبعضه متعمد، بين تأييد المصريين للشعب الفلسطينى ولقضيته العادلة، وبين تعصب البعض لفصيل بعينه والسكوت عما يمكن أن ترتكبه جماعات فلسطينية بحق المصريين.

وهنا يتساوى الصمت مع التواطؤ على الخطأ والجريمة، وبنفس القدر الذى يجب أن نرفض فيه بشدة أى إسقاط أو تعميم يطال الفلسطينيين كشعب، فإنه لا حصانة من أى نوع أو شكل للجماعات الفلسطينية المسيئة حتى لو حاول البعض إرهابنا بقميص الدين أو عباءة الجهاد المقدس أو عمامة الإمامة وولاية الفقيه.

والحقيقة أنه لم تكن هناك أى جماعات فلسطينية مرتبطة بالقاعدة منذ إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1996 وحتى 2004، ربما باستثناء تنظيم واحد مشبوه كان جهاز الشاباك الإسرائيلى قد حاول إقامته فى غزة نهاية عام 2002 واكتشفته أجهزة أمن السلطة وقامت بتفكيكه واعترف قادته بعدم انتمائهم للقاعدة وأنهم ادعوا ذلك بتكليف من الشاباك الإسرائيلى، وهذا لا يعنى إعفاء السلطة فى هذه الفترة من المسؤولية عن ظهور الجماعات المرتبطة بالقاعدة بعد ذلك،

لأن بعض هذه الجماعات كان بدأ كردة فعل من بعض الضباط فى الأجهزة الأمنية على تفشى ظاهرة الفساد التى نخرت عظام السلطة قبل أن تستغل بعض أجهزة الاستخبارات الإقليمية وشبكات الإرهاب الدولى هذه الحالة وتقوم بتجنيد بعضها لتنظيم القاعدة وتشغيل البعض الآخر منها من الباطن لحساب الغير. وكان الإعلان عن الجماعات المرتبطة بالقاعدة فى غزة تزامن مع فوز حركة حماس الكبير بالانتخابات الفلسطينية وتشكيل حكومتها الأولى فى 29/3/2005،

وتثير هذه المسألة الكثير من الجدل وعلامات الاستفهام، لأنه ليس من منطق الأمور أن تقبل حماس بوجود جماعات فلسطينية مرتبطة بالقاعدة فى غزة فى الوقت الذى يتوجب فيه أن تنفى عن نفسها تهمة الإرهاب التى تلاحقها من جهات غربية ودولية عديدة. ولم يكن من المنطقى أيضا أن تسمح حماس بوجود جماعات للقاعدة فى غزة فى الوقت الذى لا تكف فيه هذه الجماعات عن التهجم على إيران حليفة حماس، وتضعها فى سلة واحدة مع أعداء الأمة من «الصليبيين واليهود»

فضلًا عن إصدار هذه الجماعات العديد من البيانات التى تهاجم حماس نفسها وتصفها بـ«تنظيم الخوارج» وبـ«منظمة الإيرانيين الشيعة»، وبـ«أنصار الروافض»، لكن الواقع العملى يناقض هذا المنطق ويؤكد أن حماس تسمح مع كل ذلك بوجود جماعات القاعدة هذه فى كنف حكومتها فى غزة، فهل تغض حماس وإيران النظر عن هذه المواقف العدائية للجماعات المرتبطة بالقاعدة فى غزة لتحقق من ورائها أهدافا أكبر وأهم؟

هذا السلوك ليس جديدا ولا غريبا على إيران التى تلعب مع تنظيم القاعدة لعبة ثنائية مزدوجة، ربما انطلاقا من تأويلها الانتهازى لفقه المنفعة أو المصلحة، فهى تبدى استعدادها الرسمى العلنى للتعاون إلى أبعد مدى مع الولايات المتحدة الأمريكية فى الحرب التى تشنها على طالبان والقاعدة فى باكستان وأفغانستان،

وهى فى الوقت ذاته تدعم تنظيم القاعدة فى العراق وتحتضن قيادته فى طهران مثلما فعلت فى السابق مع الزرقاوى، الذى تلقى علاجا من إصابته فى أفغانستان فى طهران، وكانت إيران احتضنت أيضا قيادات أخرى من القاعدة من أبرزها كل من: سيف العدل المصرى، وسعد نجل أسامة بن لادن السعودى، وسليمان أبوغيث الكويتى، وعبدالله الكراكى زعيم تنظيم القاعدة فى الخليج العربى الذى يدير مجموعاته من قلب طهران تحت إشراف فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى.

ويبدو أن حماس ربما تكون مضطرة إلى اتباع نفس هذا النهج الإيرانى بالنسبة للجماعات الفلسطينية المرتبطة بالقاعدة فى غزة، بالتنسيق مع فيلق القدس ولتسديد أقساط فاتورة الدعم الذى لا تتلقاه مجانا لوجه الله من إيران..

إذ لا يمكن لأحد أن يصدق أن حماس غير قادرة على تصفية واجتثاث ظاهرة الجماعات المرتبطة بالقاعدة فى غزة على الأقل مثلما فعلت مع حركة فتح عندما اتخذت قرارها بما تسميه الحسم العسكرى يوم 14/6/2007 فأجهزت على الوجود المسلح لفتح وفككت كل الأجهزة الأمنية للسلطة وهى لا تزال للآن تحرّم وتجرّم أى وجود مسلح لحركة فتح فى غزة،

ولم يقتصر هذا الأمر على حركة فتح وحدها، فقد قررت حماس بعد حرب غزة الأخيرة منع كل فصائل المقاومة الفلسطينية بلا استثناء من القيام بأى عمليات أو إطلاق صواريخ من غزة على البلدات الإسرائيلية،

ويسرى قرار حماس هذا بالقوة على الجميع بما فيه سرايا القدس التابعة لحركة الجهاد، وكتائب الأقصى التابعة لحركة فتح، وكتائب أبوعلى مصطفى التابعة للجبهة الشعبية وكتائب صلاح الدين التابعة للجان المقاومة، ولهذا استحقت حماس إشادة كل من الجنرال جابى أشكنازى رئيس الأركان فى الجيش الإسرائيلى، والجنرال يوفال ديسكن رئيس جهاز الشاباك.

ويبرهن كل ذلك على أنه لا توجد لحماس أدنى مشكلة عملياتية إذا ما اتخذت قرارا بتصفية الجماعات المرتبطة بالقاعدة فى غزة، لكن هذا القرار لم يصدر بعد، وهذا لا ينفى وجود توتر فى العلاقة بين حماس وجماعات القاعدة ويصل هذا التوتر فى بعض الأحيان إلى حد التصادم، ومع ذلك لم يصل هذا التوتر فى العلاقة بينهما إلى مستوى الحسم،

وكل هذا يضع الكثير من علامات الاستفهام على علاقة حماس بالقاعدة فى غزة وعلاقة الطرفين بالضلع الإيرانى الضامن فى هذا المثلث غير المتساوى الأضلاع، ولما كانت هذه العلاقة فى أساسها وجوهرها علاقة أمنية تحكمها الأجهزة الاستخباراتية فإنه ليس بوسعنا إلا أن نطرح قائمة من الافتراضات التى قد تساعد على تفسير علاقة حماس وإيران بجماعات القاعدة فى غزة وفقا لما يلى:

1- قد تكون حماس تستبقى الجماعات المرتبطة بالقاعدة فى غزة لتوظيفها بالقيام بما يسمى العمليات الأمنية القذرة (اغتيالات، اختطاف، تفجيرات، ترويع، إلخ) لتورط حماس نفسها فى تحمل وزر هذه العمليات، خاصة فى مجتمع مثل غزة مغلق وعشائرى وتحكمه العادات التقليدية والقيم الموروثة للثأر وشرف العائلة، ويعرف كل الناس هناك جيدا بعضهم البعض،

وكانت بعض الجماعات المرتبطة بالقاعدة قد نفذت بالأصالة والوكالة عددا من هذه العمليات القذرة مثل: عملية اغتيال اللواء موسى عرفات فى منزله فى 7/9/2005 واختطاف ابنه،

وكان الناطق باسم اللجان الشعبية أعلن مسؤولية تنظيمه عن العملية والتحقيق مع المختطف وقال «إنه سيطبق عليه حكم الشرع وإذا اقتضى الأمر قتله فليقتل»، كما جرت محاولة لاغتيال اللواء طارق أبورجب مدير المخابرات الفلسطينية فى 20/5/2006 ولم تعلن أى جهة مسؤوليتها، واقترفت هذه الجماعات جريمة بشعة باغتيال الأطفال الثلاثة أبناء أحد ضباط السلطة أثناء ذهابهم للمدرسة يوم 11/12/2006،

وتعرض العديد من الأجانب فى غزة للاختطاف (اختطاف بريطانى وسويسرى من العاملين فى الأمم المتحدة فى 6/9/2005، اختطاف عائلة بريطانية تعمل الأم مع إحدى الجمعيات الأهلية الغزية واختطاف الصحفى البريطانى ألان جونس.. وغيرهم) كما نفذت هذه الجماعات جريمة أخرى يوم 1/2/2007 على النمط الذى شهده العراق، بإعدام 20 متدربا فى معسكر إعداد تابع للحرس الرئاسى وإصابة 80 آخرين بجراح.. وهناك سجل حافل بهذه العمليات القذرة. والغريب أن حكومة حماس لم تطبق القانون أبدا على أى من الفاعلين المتورطين فى هذه العمليات رغم جهر بعضهم بمسؤوليته عنها.

2- أن تكون حماس تبقى على الجماعات المرتبطة بالقاعدة فى غزة للتهديد بتحويل غزة إلى مركز أو محمية للإرهاب الدولى، وكانت تصريحات غير موثقة نسبت لأحمد الجعبرى قائد كتائب القسام تهديده بتحويل الكتائب للقاعدة إذا استمر الضغط على حماس، لكن حماس لم تلوح أبدا بمثل هذا التهديد علنا أو رسميا، لأنه قد يرتد عليها سلبا ولذا تعمد بواسطة الجماعات المرتبطة بالقاعدة فى غزة إلى تطيير رسائل ضمنية بهذا المعنى.

3- أن حماس قد تبقى على جماعات القاعدة فى غزة للمساومة عليها إذا لزم الأمر، ولا يستبعد أحد هذه الفرضية على ضوء السوابق التى ارتكبها النظام الإيرانى حليف حماس، الذى كان قد سلم لمصر مصطفى حمزة قائد الجماعة الإسلامية المتورطة فى محاولة اغتيال الرئيس مبارك والذى كان قد التجأ إلى إيران قبل أن تسلمه،

كما قامت إيران بتسليم السعودى خالد الحربى المكنى بأبوسليمان المكى فى 13/7/2004 إلى السعودية، والذى كشف فى التحقيق معه عن قائمة طويلة من أسماء قيادات ممن يعرفون بالعرب الأفغان من تنظيم القاعدة الذين التجأوا إلى إيران، والتى لم تتورع عن تسليم بعضهم فى صفقات أمنية مثلما حدث عندما سلمت إيران للكويت مواطنها سليمان أبوغيث الناطق السابق باسم بن لادن.

4-أن تبقى حماس على جماعات القاعدة فى غزة لاستخدامها من قبل أجهزة المخابرات الإيرانية، وربما أجهزة أخرى أيضا كأدوات للتخريب والإرهاب والعبث بالأمن القومى الداخلى للدول العربية وخاصة مصر، وقد استخدمت جماعات القاعدة فى غزة بالفعل كأدوات لتنفيذ المهام الاستخباراتية التالية:

أ- الاتصال بالجماعات المتطرفة المماثلة لها فى مصر والتنسيق والتعاون المشترك بينهما.

ب- تدريب كوادر مصرية على عمليات التفجير والتفخيخ كما هو ثابت بالأسماء فى العمليات الإرهابية التى شهدتها سيناء فى الأعوام الثلاثة من 2004- 2006.

ج- توفير ملجأ للعناصر المصرية التى هربت إلى غزة (خالد محمود مصطفى، وأحمد محمد صديق) فضلا عن المجموعة الأخرى المتورطة فى تنظيم حزب الله التى هربت إلى داخل غزة وتؤويها الجماعات المرتبطة بالقاعدة هناك بالأصالة والإنابة.

د- توفير الدعم المالى واللوجيستى وتهريب وسائل تقنية للتفجير(صواعق كهربائية وإلكترونية، مؤقتات.. إلخ).

ومنعا لأى التباس فإنه توجد الآن فى قطاع غزة بعلم ومعرفة حركة حماس على الأقل أربع جماعات تجاهر علنًا وأمام عدسات وكالات الأنباء العالمية وعلى شبكة اليو تيوب بارتباطها بتنظيم القاعدة وهذه الجماعات هى:

■ اللجان الشعبية للمقاومة- كتائب صلاح الدين أو جماعة «أبوعطايا.. زرقاوى فلسطين».

■ جماعة جيش الإسلام- كتائب التوحيد والجهاد التى يتزعمها الشيخ ممتاز دغمش.

■ جماعة جيش الأمة- أهل السنة والجماعة التى يتزعمها أبوحفص المقدسى.

■ جماعة جندالله التى يتزعمها أبوعبدالله السورى.. عدا الأخوات الصغريات لهذه الجماعات فى شجرة عائلة تنظيم القاعدة مثل: جماعة «فتح الإسلام»، «جلجلت»، «سيوف الحق- جيش القاعدة» وغيرها من الجماعات التى تتناسل فى غزة من عباءة القاعدة.

وتشكل هذه الجماعات الاحتياطى الذى تعتمد عليه أجهزة الاستخبارات فى تنفيذ مخططاتها.

والمثير حقا للدهشة أن تلتقى الأطراف الثلاثة: إسرائيل وحماس وإيران على ترتيب علاقة مع تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به فى غزة، وأن يتجنب تنظيم القاعدة بدوره استهداف هذه الأطراف الثلاثة أو المس بها، ويبدو هذا الأمر فى ظاهره ملتبسا ومعقدا لكنه فى حقيقته يبدو جليا وواضحا لمن يريد الفهم. القاعدة خلف بوابة مصر الشرقية، القاعدة هناك تعنى القاعدة هنا.

أيضًا إلى الخلف قليلاً من مدينة رفح على البوابة الحدودية الشرقية لمصر يوجد داخل غزة الآن أربع جماعات فلسطينية مسلحة، على الأقل، تعلن ارتباطها بتنظيم القاعدة، وحتى لو لم تورط هذه الجماعات فى العمل ضد مصر فإنها تبقى مصدر خطر وتهديد للمصريين، وتتفاقم هذه المخاطر بعد تورط بعض هذه الجماعات فعلاً فى التحول للعمل ضد مصر بدلاً من الجهاد ضد الاحتلال الإسرائيلى، ولم يكن تورط ما يسمى جماعة جيش الإسلام فى غزة فى التفجيرات التى حصلت يوم 22 فبراير الماضى هو فقط العملية الأولى، وقد لا تكون بالطبع هى العملية الأخيرة طالما استمر السكوت عليها بدعوى تجنب الإساءة إلى الفلسطينيين وقضيتهم.

ولم نسمع أحدًا من الإخوان «المعتدلين» يحذر «الإخوان» الفلسطينيين فى غزة من مغبة إيواء وحماية هذه الجماعات كونها تشكل خطرًا وتهديدًا على الفلسطينيين أنفسهم كما على المصريين هنا، لكن كما سكت هؤلاء على بن لادن، وبعضهم حتى أيده وأعجب به، فإنه يجرى الآن التواطؤ، بالسكوت والتمويه، على الجماعات المرتبطة بالقاعدة التى باتت هنا فى غزة ورفح وخان يونس وليس على بعد آلاف الكيلومترات فى قندهار أو فى جبال تورا بورا، وهذه الجماعات التى تمولها وتديرها وتوجهها أجهزة الاستخبارات الإقليمية قامت بالمشاركة الفعلية فى العمليات الإرهابية التى شهدتها مصر فى الأعوام 2004، 2005، 2006، 2009 وفى تمويل وتدريب جماعات مماثلة لها فى مصر، وفى إيواء الهاربين منهم إلى غزة (خالد مصطفى وأحمد صديق وأعضاء من شبكة حزب الله وغيرهم).

 كنا فى مقال سابق تابعنا بالتحليل العلاقة المريبة بين إسرائيل والقاعدة، وتجنب هذا التنظيم القيام بأى عمليات فيها أو ضدها، وخصص المقال التالى لمحاولة فهم العلاقة الملتبسة بين إيران وحماس بجماعات القاعدة فى غزة، فيما يخصص هذا المقال لعرض تحليلى لأبرز الجماعات المرتبطة بالقاعدة فى غزة، لأنها عندما تكون هناك فإنها تكون أيضًا هنا.

وقد يكون من الضرورى قبل عرض وتحليل قائمة الجماعات الموالية للقاعدة فى غزة، التقدم لهذا العرض بمجموعة من الملاحظات والتى من أهمها ما يلى:
1- أنه يستحيل عملياً على أى قوى محلية إنشاء وتشغيل أى تنظيم
فلسطينى، حتى لو كان محدوداً، من دون الاعتماد بشكل شبه كلى على الدعم المالى واللوجيستى الخارجى (سعر طلقة الكلاشنكوف تصل إلى حوالى 10 جنيهات ويمكن القياس بعدها على ذلك)، ولهذا يتم النظر بخطورة بالغة إلى مصادر تمويل الجماعات المرتبطة بالقاعدة فى غزة، وما إذا كان مصدرها بن لادن أو إيران أو حماس أو أى جهة أخرى، ويستحق هذا الأمر عن جدارة تخصيص دراسة أخرى مستقلة معمقة عما يمكن أن نسميه «بيزنس» أو اقتصاديات المقاومة الفلسطينية.
2- أن الطابع العام فى قطاع
غزة من الجهة الطبوغرافية والتكوين الديموغرافى والسوسيولوجى، يحد كثيرا من أحكام العمل السرى، ولذا تنكشف أمنياً، إلى حد بعيد، أغلب التفاصيل الداخلية الدقيقة لكل الفصائل والجماعات، فضلاً عن اختراق هذه السرية بسبب النزعة الاستعراضية العالية ومتطلبات المنافسة والاختراقات الأمنية من الجهات الخارجية. (كانت حماس مثلا نشرت على موقعها أسماء وصور قادتها العسكريين).

3- إن خطورة استنبات تنظيمات فلسطينية موالية للقاعدة تكمن فى تبنيها مفاهيم وأفكاراً تستند فى الأساس إلى نفس مرجعيات حركات التكفير المعروفة فى مصر: «الفتاوى» لابن تيمية، وأفكار ابن القيم، ومحمد بن عبدالوهاب وغيرها، كما اتضح بالبحث تأثر هذة الجماعات بالمؤلفات الأولى لأبى محمد المقدسى، المرشد الروحى لأبى مصعب الزرقاوى، ويبدو ذلك واضحًا من انتحال كنيته لعدد من قادة جماعات القاعدة الفلسطينية مثل: أحمد مظلوم المكنى بخطاب المقدسى والذى يعد المرجع الفقهى لتنظيم جيش الإسلام، وأبوحفص المقدسى، زعيم جيش الأمة، وأبوصهيب المقدسى، زعيم كتائب سيوف الحق- جيش القاعدة، وكانت لجان المقاومة أطلقت على زعيمها جمال أبوسمهدانة لقب «زرقاوى فلسطين».

4- إننا نميل أكثر للاعتقاد بأن تنظيم القاعدة لم يكن هو الذى بادر لإقامة فروع محلية له فى غزة، وأن المبادرة إلى ذلك جاءت من بعض القيادات التى انشقت على تنظيماتها الأساسية عن فتح وعن لجان المقاومة لأسباب متعددة، ومن ثم عرضت هى نفسها للانطواء تحت راية القاعدة، وتكشف التقارير المتداولة السهولة النسبية لإجراء الاتصال غير المباشر والمباشر بين الجماعات المحلية والمراكز العصبية فى تنظيم القاعدة ومن ثم يجرى تطوير هذه العلاقة بينهما.

بنات القاعدة فى غزة:

1- لجان المقاومة الشعبية - جماعة زرقاوى فلسطين - لا توجد أى أسباب منطقية وراء تجاهل أغلب الباحثين لإلقاء الضوء على الدور الخطير الذى لعبته، ولاتزال، لجان المقاومة الشعبية باعتبارها التنظيم الأساسى الذى انتمى أولاً لتنظيم القاعدة فى غزة، ومن ثم خرجت عنه لاحقاً التنظيمات الأخرى مثل: جيش الإسلام، وجيش الأمة وجند الله وغيرها.
كان جمال أبوسمهدانة، الذى ينحدر من عائلة
فلسطينية وطنية معروفة فى محافظة رفح جنوبى قطاع غزة، هو المؤسس الحقيقى لهذا التنظيم، رغم انتمائه وعائلته بالكامل تقريبًا لحركة فتح، كان جمال نفسه ضابطاً سابقاً فى حركة فتح ومنتسباً لأحد أجهزتها الأمنية، والتى كان جزء من عملها يتركز فى العراق قبل أن يعود بعدها إلى داخل غزة عام 1994، وينتسب هناك إلى قوات ال17 أو الحرس الرئاسى لعرفات، حتى انطلاقة الانتفاضة الثانية فى 2001.

وكان جمال انتخب أميناً لسر حركة فتح فى رفح، لكنه كان على خلاف دائم مع قيادة جهاز الأمن الوقائى فى غزة بقيادة محمد دحلان، ولذا جرى عزله بتعسف من موقعه التنظيمى رغم اتساع شعبيته فى منطقة رفح، فضلاً عن خبراته المميزة التى كان اكتسبها فى الخارج. وأظهر جمال ميولاً دينية متزايدة وبات محوراً لحركة تمرد من الضباط والكوادر الذين عانوا من غبن وعدم تقدير لهم بالمقارنة مع الآخرين المحسوبين على دحلان فى جهاز الأمن الوقائى وفى تنظيم فتح.

وفى مقابل الموقف السلبى لأجهزة أمن السلطة من هذه الظاهرة، بادرت حركة حماس بمد يد العون المادى والتسليحى لهذا التنظيم الجديد، ومن ثم بادر أبوسمهدانة للاتصال بتنظيم القاعدة فى الخارج، خاصة فى العراق التى كان عمل وعاش فيها فى فترة سابقة، وقد تزامنت هذة المرحلة مع سطوع نجم أبومصعب الزرقاوى هناك، الذى سنلحظ تأثيره على تنظيم اللجان فى المراحل اللاحقة، وقد اتسع نفوذ تنظيم اللجان الشعبية بسرعة، خاصة فى أوساط صغار الضباط وكوادر تنظيمية من حركة فتح بعد أن رفعت اللجان شعارات مقاومة الاحتلال ومقاومة الفساد والمفسدين فى السلطة.

ومع نمو هذا التنظيم واتساع قاعدته بدأ فى الدخول فى مواجهات حادة مع بعض قيادات أجهزة الأمن فى السلطة. وأعلن يوم 7/9/2005 مسؤوليته عن اغتيال اللواء موسى عرفات، رئيس الاستخبارات العسكرية فى منزله، ومعروف أن جهات عديدة كانت تتهمه بالفساد، لكنه كان فى الوقت نفسه يقود أكبر قوة مسلحة فى السلطة قادرة على مواجهة خصومها من التنظيمات الأخرى.

وتشير كل التقديرات إلى تواطؤ بعض أجهزة أمن السلطة الفلسطينية نفسها مع هذه العملية للتخلص من اللواء عرفات . ولم تبادر رئاسة السلطة لاتخاذ أى إجراء عملى بحق لجان المقاومة رغم معرفتها الكاملة بمسؤوليتها عن عملية الاغتيال، وإعلان الناطق باسمها عن مسؤوليتها عن اختطاف نجله «منهل» والإعلان بأنه يخضع للتحقيق و«سيطبق عليه الشرع وإذا اقتضى الأمر قتله فليقتل».
ومعروف فى
غزة أيضًا أن وكيل رئيس جهاز المخابرات المصرية كان قد توسط فى حينه لإطلاق سراح ابن عرفات حياً من قبضة تنظيم اللجان الشعبية التى اختطفته بعد عملية الاغتيال، وهكذا كان الجميع يعرف أن اللجان هى من نفذ عملية الاغتيال والاختطاف وأخذ القانون بيدها، لكن أحداً - لامن فتح ولا من حماس - قرر توقيف أو تتبع أو ملاحقة هذه الجماعة!

 ومن جهتها كانت إسرائيل نجحت، بعد عدة عمليات فاشلة، فى اغتيال جمال أبوسمهدانة مؤسس وزعيم تنظيم لجان المقاومة، وكان تنظيم اللجان يلقب زعيمه «بالشيخ جمال - «أبوعطايا »، و«بفارس فتح خيبر»، و«بالقائد الربانى» وعلقت فى سرادق العزاء لجمال لوحة كبيرة تجمع صورة أبومصعب الزرقاوى إلى جانب صورة الشهيد جمال التى كتبت تحتها عبارة: «أبوعطايا زرقاوى فلسطين»، وكان الناطق باسم اللجان يعتمر نفس غطاء الرأس الأسود تشبهاً بالزرقاوى . (يمكن مشاهدة هذه الصور وغيرها على ال You Tube).

وكان ممتاز دغمش، زعيم جيش الإسلام، المتهم فى تفجيرات الحسين بمصر أحد القيادات البارزة فى تنظيم لجان المقاومة قبل أن يختلف معهم و ينشق عنهم ويشكل تنظيم «جيش الإسلام» الذى أعلن على الفور تماثله مع تنظيم القاعدة.

كما تشير بعض المعلومات إلى أن أبوحفص المقدسى زعيم جيش الأمة كان بدوره منتمياً إلى تنظيم لجان المقاومة قبل أن يخرج عليه ليتزعم تنظيمه الجديد.
وتعتبر لجان المقاومة هى الحليف الأقوى والأقرب لحركة حماس، ويتم تقاسم الأدوار وظيفياً بينهما، وعلى خلاف الوضع مع الجماعات الأخرى الموالية للقاعدة، فإن العلاقة بين حماس واللجان يسودها التنسيق الوطيد والتعاون المشترك، وقد وردت مؤخراً من
غزة معلومات تفيد بأن حماس اعتقلت الناطق باسم لجان المقاومة بعد أن اتهمته بالعمالة لإسرائيل، ويبقى السؤال مطروحا: هل هو حقا وحده العميل لإسرائيل؟

جيش الإسلام - كتائب التوحيد والجهاد:
كان البيان التأسيسى لهذا التنظيم صدر فى 8/5/2006، وأعلن منذ البداية موالاته لتنظيم القاعدة، ويتزعم هذا التنظيم ممتاز دغمش الذى كان أحد قادة تنظيم لجان المقاومة، كان ممتاز التقى شاباً يدعى أحمد مظلوم ويكنى بخطاب المقدسى الذى كان درس العلوم الشرعية فى
باكستان، وتنتشر أقاويل فى غزة عن العلاقة التى ربطت المقدسى هذا بزعيم القاعدة بن لادن، وقد تأثر ممتاز دغمش إلى حد بعيد بأفكار المقدسى إبان خلافه مع تنظيمه السابق وساعده ذلك على حسم أمره واتخاذ قراره بتشكيل جماعة جيش الإسلام.
وتعود أهمية هذا التنظيم إلى خلفيته العائلية حيث ينتسب ممتاز إلى عائلة دغمش الكبيرة والتى يتوزع ولاؤها فى
غزة على ثلاثة أقسام: الأول منها كان يوالى حركة فتح ويتزعمه أحمد دغمش، أمين سر حركة فتح فى منطقة الصبرة منطقة نفوذ العائلة، والثانى يمثله أبوالقاسم دغمش الذى كان قيادياً بارزاً فى تنظيم لجان المقاومة قبل أن يتحول إلى حركة حماس ويصبح أحد قادة القوة التنفيذية للحركة وهو مقرب من الدكتور الزهار.
فيما تزعم ممتاز دغمش قسماً كبيراً من العائلة بعد الإعلان عن تشكيل جيش الإسلام . ويعتقد أن جماعة جيش الإسلام شاركت فى العديد من عمليات التصفية الداخلية التى طالت ضباطاً وكوادر من أجهزة الأمن بالسلطة وأنها المسؤولة عن خطف عدد من الصحفيين الأجانب، قبل أن يسلط عليها المزيد من الأضواء الإعلامية فى أعقاب مشاركتها فى عملية الوهم المتبدد فى25/6/2006 والتى اعترفت فيها

حماس لأول مرة بتعاونها مع جماعة جيش الإسلام التى ترتبط بتنظيم القاعدة فى غزة.
وعاد جيش الإسلام للاستحواذ على اهتمامات الإعلام العالمى فى أعقاب اختطافه الصحفى البريطانى آلان جونستون فى7/3/2007 مطالباً بإطلاق سراح أبوقتادة الذى كان قيد التوقيف فى العاصمة البريطانية
لندن، وإطلاق سراح ساجدة العراقية التى اعتقلتها السلطات الأردنية بسبب ضلوعها فى عمليات تفجير فنادق فى العاصمة الأردنية وأعلن الزرقاوى فى حينها مسؤوليته عنها، وقد لوحظ أن مطالب جيش الإسلام خلت تماما من المطالبة بتحرير أى من الأسرى الفلسطينيين فى سجون الاحتلال أو أى مطالب أخرى من الجانب الإسرائيلى.

كانت العلاقة بين حماس وجيش الإسلام شابتها أجواء مشحونة بالاحتقان والتوتر وتخللتها عمليات تصفية دموية محدودة (اغتيال أحمد السيد دغمش فى يوليو 2007).
 ولكن التصعيد وصل ذروته فى شهر ديسمبر 2008 عندما قررت حماس كسر شوكة عائلة دغمش بعد أن كانت أخضعت عائلة حلس قبلها، وشنت هجوماً واسع النطاق على منطقة الصبرة وقتلت 11 شخصاً من عائلة دغمش واعتقلت عدداً منهم، ورغم أنه لم تجر مواجهات واسعة تستهدف جيش الإسلام فإن رسالة حماس كانت وصلت مع هذا إلى هذا التنظيم الذى آثر ألا يجازف بتحدى سلطة حماس، لكنه مع ذلك لم ينف ما سماه خلافاته الشرعية مع حماس والتى يتهمها بأنها لا تحكم بالشريعة، وتحارب السلفية وتتوافق مع العلمانيين، وبالمقابل كان القيادى فى حماس مروان أبوراس اتهم جيش الإسلام بأنه «ملوث فكريا» ولم ينكر الزهار علاقة حماس بجيش الإسلام لكنه ادعى أنها «من أخطاء الماضى»، وكان جيش الإسلام أصدر بيانا بشأن ما سماه «زيارة الكافر كارتر ولقاؤه بمشعل وما أعقبه من تنازلات من حماس» ويصدر جيش الإسلام بياناته من خلال الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية.

 وكان بيان مصرى رسمى اتهم جيش الإسلام بالتورط فى عملية التفجير التى جرت فى الحديقة المواجهة لمسجد الحسين فى 22 فبراير الماضى، وكان البيان بمثابة إعلان متأخر جدا عن تورط جماعات فلسطينية مرتبطة بالقاعدة فى غزة فى تسهيل وتنفيذ عمليات تفجيرية سابقة أخرى مثل تلك التى جرت خاصة فى سيناء، وكانت الجهات الرسمية المصرية نفت فى البداية وجود علاقة بين تفجيرات سيناء فى عام 2004 وتنظيم القاعدة ويعتقد أن هذا النفى جاء لرد أى مطالبات دولية أو إسرائيلية بالتعاون الأمنى مع مصر لمجابهة القاعدة .
 لكن التحقيقات اللاحقة والاعترافات والتفجيرات التى جرت تباعا فى عامى 2005 و2006 أكدت ضلوع جماعات
فلسطينية مرتبطة بالقاعدة فى غزة بهذه التفجيرات وقد تكون حركتها أجهزة استخبارات إقليمية، وكانت ثلاث جماعات فلسطينية كلها معروفة بارتباطها بالقاعدة أعلنت مسؤوليتها عن التفجيرات، وسنعرض بالتفصيل وبالأسماء فى مقال قادم تفاصيل تورط هذه المجموعات الفلسطينية فى غزة بعمليات التفجير فى سيناء.

 لكن ما يستحق التوقف هو الإعلان عن مسؤولية ما يسمى تنظيم «التوحيد والجهاد» عن هذه العمليات وهو نفس الاسم الذى تطلقه جماعة جيش الإسلام على ذراعها العسكرية فى غزة، فهل هى مجرد مصادفة فقط أو تشابه فى الأسماء أم أن المسألة اكبر من ذلك وأخطر بكثير؟، بقى هنا أن نشير إلى أن جيش الإسلام لايؤمن بأى علاقة تجمع بين من يحمل راية الجهاد والتوحيد ومن يحمل راية الديمقراطية وليس من عقيدتهم التقارب أو حوار الأديان لأنها باطلة شرعا.
لكن السؤال يبقى قائما: من الذى يقف حقا وراء هذه الجماعة ومن يمولها ويحميها ويحركها من
غزة، وإذا كان من المؤكد أنها ليست جيشا فأى إسلام هذا الذى تتبع له وتنتحل اسمه ولا تجد من يردها أو يردعها إكرامًا للإسلام نفسه ورحمة للمسلمين.

كنا بدأنا هذه السلسلة بمقال أول لتتبع وتحليل العلاقات المريبة بين إسرائيل والقاعدة، وفى المقال التالى سلطنا المزيد من الضوء على علاقات إيران وحماس بجماعات القاعدة فى غزة، وخصصنا المقال الثالث للحديث عن أبرز جماعات القاعدة فى غزة، خاصة جماعة جيش الإسلام المتورطة فى عمليات إرهابية فى مصر، ونختم هذه السلسلة بمقال من قسمين: نستكمل فى القسم الأول عرض باقى جماعات القاعدة من أخوات جيش الإسلام فى غزة، ثم نعيد فتح ملف تورط هذه الجماعات فى التفجيرات التى شهدتها سيناء من 2004 - 2006.
- جيش الأمة: أهل السنة والجماعة

جرى الاعتقاد أولا بأن جيش الأمة ليس تنظيماً قائماً بذاته وأنه من الأسماء التى يستخدمها جيش الإسلام لدواع مختلفة، لكن وكالة رويترز كانت دعيت لحضور وتصوير عرض لتدريب كوادر ومقاتلين تابعين لجيش الأمة فى 1/9/2008، وقد ظهرت بوضوح عبارة القاعدة على الجدار، وأعلن زعيم التنظيم أبوحفص المقدسى: «أن جيش الأمة ليس جزءاً من القاعدة، لكن نحن نرتبط مع إخوتنا فى تنظيم القاعدة بارتباط عقائدى».

ولم يكن بث هذا الفيلم هو الأول من نوعه، حيث كانت القناة الثانية فى التليفزيون الإسرائيلي بثت فيلما وثائقيا قصيرا فى الأسبوع الأول من شهر أغسطس 2007، وقالت فى تقريرها إنه صور خلال تدريبات عناصر تنظيم القاعدة فى قطاع غزة، ومن جهته كان المكتب الإعلامى لتنظيم جيش الأمة قد أعلن فى 14/8/2007 عن وصول أسود القاعدة إلى فلسطين، وأن جيش الأمة يمثل القاعدة فى ولاية فلسطين.
 وقد أثار بث فيلم رويترز عن تدريبات جيش الأمة حفيظة حركة حماس التى بادرت إلى اعتقال زعيم التنظيم أبو حفص المقدسى و32 من أعضاء الجماعة، وأصدر جيش الأمة عدداً من البيانات التى حذر فيها حماس من المس بزعيمه، وقال البيان الذى صدر فى 17/9/2008: «إن عهد السلطة البائدة والأمن الوقائى لم يكن أسوأ من عهد حماس فى سفك الدماء وانتهاك حرمة الأرواح المؤمنة فلم نسمع يوماً أن أجهزة
عرفات وعباس حاصرت مناطق سكنية وقتلت العشرات كما فعلت حماس مراراً وتكراراً».
ولوحظ أن بيان جيش الأمة وجه نداء عاجلاً إلى جميع الجماعات السلفية الأخرى «للتوحد فى صد الهجمة التى دبرت بليل من الصليبيين واليهود وأنصار الروافض»، ودعا البيان أبناء حماس إلى ضرورة البراء إلى الله من هذه الأعمال. وختم البيان بالقول: «هذا وقد أعذر من أنذر»، وكانت حماس قد أخلت سبيل زعيم جيش الأمة وكوادره بعد احتجاز لمدة ثلاثة أسابيع ثم عاد التوتر بينهما مؤخرا وفى 23مايو الماضى اعتقلت حماس أمير جيش الأمة مع مجموعة من قياداته، ولكن دون اتخاذ أى قرار بشأن وضع ومصير جيش الأمة نفسه.
–جماعة جند الله:

كانت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية أول من أشار فى تقرير نشرته فى 20/5/2005 إلى وجود تنظيم باسم «جند الله» مرتبط بالقاعدة ينشط فى غزة، وأوردت تصريحات لزعيم هذه الجماعة الذى يكنى ب«أبو عبدالله السورى». وكانت جماعة جند الله هذه عادت للظهور عندما وجهت فى 14/7/2008 انتقادت حادة إلى حركة حماس بسبب ترحيبها بزيارة تونى بلير ممثل اللجنة الرباعية إلى غزة، وقال البيان: «إن المجرمين من أمثال بلير غير مرحب بهم فى غزة هاشم، رباط المجاهدين».

 وقد أعلنت المتحدثة باسم بلير وينتر شتاين أنه «مع الأسف اضطررنا لإلغاء الزيارة بسبب تهديدات أمنية محددة»، وفى 8 يونيو الماضى حاولت جماعة جند الله تنفيذ هجوم على موقع إسرائيلى شرق غزة، وقالت المصادر الإسرائيلية إن 21 شاركوا فى هذه المحاولة على ظهور الخيل، وأن 12 منهم يمنيون ومصريون، وتشهد غزة المزيد من الدعم للتيار السلفى كردة فعل على ما يعتبرونه تحالفا بين حماس وإيران الشيعية، وتعددت أسماء هذه الجماعات، وكان تقرير إسرائيلى أشار إلى منظمة أخرى عرفت نفسها باسم: «الجبهة الإسلامية لتحرير فلسطين»، وأنها تتعامل مع القاعدة وهددت بأعمال عنف ضد ما سمته «منظمة الإيرانيين الشيعة» أى حركة حماس، فضلا عن جماعة تسمى نفسها «سيوف الحق – جيش القاعدة».

وكانت وكالات أنباء فلسطينية محلية «وكالة معا وفلسطين برس» قد نشرت بياناً يصدر لأول مرة فى غزة عن «فتح الإسلام»، وأعلنت فيه مسؤوليتها عن إطلاق صاروخ على بلدة سيدروت فى إسرائيل. وكانت تقارير تحدثت عن إعادة ترميم وإطلاق تنظيم «فتح الإسلام» المرتبط بالقاعدة فى غزة بعدما تعرض للاقتلاع من مخيم نهر البارد فى شمال لبنان.
كما وزع فى
غزة فى 10/9/2008 بيان بتوقيع «أحرار كتائب القسام» يعلن مسؤولية هذه الجماعة عن تفجيرات استهدفت مواقع تسيطر عليها حكومة حماس فى غزة، وأعلن فى 21يونيو الماضى عن مقتل عنصر من جماعة «جلجلت» المنشقة عن حماس والمتهم بوضع عبوة ناسفة لموكب الرئيس كارتر أثناء زيارته الأخيرة لغزة،.
 وكانت الوكالات المحلية فى
فلسطين قد تلقت بياناً آخر يوم 9/9/2007 صادر عن «أبناء أهل السنة والجماعة» السلفيين، ووصف البيان ميليشيات حماس «بالجناة الخوارج»، وهكذا تحولت غزة لمرتع ومحمية لجماعات القاعدة ومخزن لأدوات تستخدمها المخابرات الإقليمية، كانت صحيفة إسرائيلية (معاريف 12/6/2009) كتبت «كانت حماس ساعدت فى إقامة تنظيمات متماهية مع القاعدة فى غزة والآن فقدت سيطرتها على التيار السلفى الطالبانى».

– تورط الجماعات الفلسطينية المتطرفة المباشر فى العمليات الإرهابية التى وقعت فى مصر.
شهدت مصر، خاصة
سيناء، على مدار السنوات الثلاث: 2004، 2005، 2006، سلسلة من العمليات الإرهابية الخطيرة التى تزامن توقيتها مع احتفالات مصرية بمناسبات وطنية وقومية.
وكان أخطر ما فى هذه العمليات الإرهابية هو ضلوع وتورط جماعات
فلسطينية أصولية متطرفة من غزة فى تنفيذ هذه العمليات الإرهابية.
ولا تكمن خطورة هذه المسألة فقط فى كشف تورط هذه الجماعات، وإنما تكمن أيضا فى اتساع مدى البيئة الحاضنة لها فى
غزة، ودخول شبكات الإرهاب الدولى وأجهزة المخابرات الإقليمية لاستغلال هذه الأوضاع، ومن ثم تعاظم احتمالات استهداف مصر ودول جوار فلسطين بعمليات إرهابية جديدة لخدمة أجندات خارجية وإقليمية وللابتزاز السياسى.
أولاً – تورط الجماعات
الفلسطينية فى العمليات الإرهابية فى طابا:
فى توقيت له دلالاته الخطيرة، أقدمت مجموعات إرهابية على تنفيذ ثلاث عمليات هجومية متزامنة استهدفت فندق هيلتون طابا، ومخيم أرض القمر السياحى بجزيرة رأس شيطان الواقع بين طابا ونويبع على مسافة 45 كيلو مترا من الموقع الأول، واستهدف الهجوم الثالث تفجير مخيم الطرابين السياحى.
وكان بيان وزارة الداخلية المصرية قد أعلن فى 2/11/ 2004 أن أجهزة الأمن توصلت إلى أن القائم على التخطيط والتنفيذ لهذه العمليات هو
الفلسطينى إياد سعيد صالح وبعض العناصر المرتبطة به، ويمكن ملاحظة ما يلى:

1- أن تنفيذ هذه العمليات استلزم فترة طويلة من الإعداد المسبق (التجنيد/ التدريب / التجهيز / الإعداد والتحضير.. إلخ) وهو ما يعنى وجود بنية تحتية جاهزة لتأمين هذه المهام تعمل منذ فترة زمنية طويلة نسبياً سابقة على ما أسماه البيان بردة الفعل.

2- أن اختيار التوقيت كانت له دلالاته السياسية التى تخص الشأن المصرى الداخلى أساسا ولا تستهدف فقط الإسرائيليين كما ورد فى البيان.

3- أن كل ما يتعلق بالعملية، من الفكرة وإلى التنفيذ، ينم عن درجة عالية من الاحترافية التى تفوق فى كل مستوياتها قدرات وإمكانات العناصر المحلية البدوية التى شاركت فى التنفيذ.

4- أنه لم يكشف النقاب عن حقيقة العلاقة بين المتهم الأول «إياد صالح» وبين الجماعات الفلسطينية المرتبطة بالقاعدة داخل غزة والضالعة فى تنفيذ هذه العمليات الإرهابية.

5- أن الأجهزة الأمنية كشفت عن اسم المتهم محمد جايز صباح حسين من مدينة نخل، باعتباره المسؤول عن تفخيخ السيارات الثلاث التى استخدمت فى العمليات، وأنه أعد ثلاث دوائر كهربائية اثنتان منها تعملان بمؤقت آلى والثالثة تعمل باستخدام الهاتف المحمول، وهو ما يؤكد أن تنفيذ هذه العمليات سبقته فترة طويلة من الإعداد والتدريب وأن هذه الأساليب التقنية سبق أن استخدمت فى غزة وفى جنوب لبنان.

ثانياً – العمليات الإرهابية فى شرم الشيخ 23/7/2005:
فى توقيت يتزامن مع الاحتفالات المصرية بأعياد يوليو، شنت جماعة إرهابية هجماتها على منتجع شرم الشيخ السياحى، ونفذت هذه العمليات فى توقيت متعاقب، الهجوم على فندق غزالة، ومنطقة السوق، وموقف السيارات، وكانت الأهرام نشرت يوم 3/9/2005 معلومات نسبتها لأجهزة الأمن المصرية أفادت بالتعرف على هوية الإرهابيين الثلاثة الذين نفذوا الهجمات الإرهابية، وأنهم من السكان المحليين فى
سيناء.

 وأضافت المعلومات «أن أجهزة الأمن عثرت على أسلحة وذخائر وقنبلتين صناعة إسرائيلية وأوراق مطبوعة من مواقع على الإنترنت مكتوب فيها أفكار جهادية وشرائح تركب على أجهزة اتصالات بعضها مرتبط بالأقمار الصناعية»، والمثير حقا للدهشة القول بعد كل ذلك إن «أجهزة الأمن تأكدت من أن الخلية الإرهابية ليست لها أى ارتباطات بتنظيمات فى الخارج».
ثالثاً –العمليات الإرهابية التى استهدفت منطقتى دهب والجورة 24/4/2006:
كشف بيان وزارة الداخلية المصرية عن تنظيم أصولى يدعى «التوحيد والجهاد» مسؤول عن تنفيذ العمليات الإرهابية التى استهدفت مواقع سياحية فى دهب باستخدام عبوات متفجرة تتراوح زنتها ما بين 2و4 كجم ونفذت هذه العملية الانتحارية يوم 24/4/2006، وفى يوم 26/4/2006 وقعت عمليتان جديدتان، بأسلوب العمليات الانتحارية، حيث فجر الانتحارى الأول نفسه فى سيارة خاصة بالقوات متعددة الجنسيات بالقرب من مطار الجورة بالشيخ زويد شمال
سيناء.
 وعلى بعد 2 كيلو متر من مكان هذه العملية قام انتحارى آخر بتفجير نفسه فى سيارة خاصة بالشرطة المصرية، وكشف النقاب لأول مرة عن عملية إرهابية أخرى جرت فى 15/8/2005 استهدفت أحد الأتوبيسات التى كانت تقل مجموعة من العاملين بالقوات متعددة الجنسيات فى منطقة الجورة بأسلوب العبوات المتفجرة المفخخة، ووفقا للبيان الرسمى الصادر عن وزارة الداخلية المصرية يمكن ملاحظة التالى:

1 – اتهم البيان المدعو نصر خميس الملاحى بإعادة إحياء تنظيم «التوحيد والجهاد» ويلاحظ أن جماعة جيش الإسلام فى غزة تطلق على ذراعها العسكرية نفس الاسم «كتائب التوحيد والجهاد».

2 – كشف البيان أن الملاحى تولى قيادة هذا التنظيم عقب مصرع قائده الفلسطينى «خالد مساعد» ولم يوضح البيان علاقة الفلسطينى خالد مساعد هذا بالفلسطينى إياد صالح قائد العملية الإرهابية التى وقعت فى 2004، وعلاقتهما بالجماعات المرتبطة بالقاعدة فى غزة.

3 – وقال البيان إن التنظيم فتح قنوات اتصال مع جماعة أصولية فلسطينية فى قطاع غزة، ولم يحددها، رغم أنها شاركت فى تمويل التنظيم وفى تدريب عناصر مصرية دخلت غزة على تصنيع وتفخيخ المتفجرات.

4 – أكد البيان أن الانتحاريين الثلاثة منفذى تفجيرات دهب دخلوا إلى غزة لتلقى التدريبات على المتفجرات.

5– وقال البيان إن عناصر من الجماعات الأصولية الفلسطينية ترددت على منطقة العريش وأن شخصاً فلسطينياًيدعى أبوسليمان مول الارهابيين مالياً، وأمدهم بهاتف محمول مزود بشريحة مربوطة على شبكة الاتصالات الإسرائيلية، وتداولت المعلومات ايضاً اسمى الفلسطينيين «ماجد الديرى»، و«تامر النصيرات»، كما كشفت التحقيقات أن الفلسطينيين هنأوا قيادة المجموعة الإرهابية عقب تفجيرات دهب.

6 – كان القيادى بحماس يوسف فرحات صرح يوم 18/10/2008 بأن حماس لن تعيد التفاوض بواسطة مصر على تبادل الجندى الأسير جلعاد شاليط ما لم تفرج أولا عن أيمن نوفل المعتقل فى مصر، والذى كان قائداً للواء القسام التابع لحماس فى محافظة الوسطى وهى نفس المنطقة التى ينتمى لها النصيرات والديرى، وليس معروفاً ما إذا كانت هناك علاقة بين اعتقاله فى مصر والدور الذى لعبه هؤلاء فى تنفيذ تفجيرات دهب.

ويورد زكى شهاب فى كتابه «داخل حماس القصة التى لم ترد عن الناشطين والشهداء والجواسيس» (صدر الكتاب باللغة الإنجليزية عن وارن آى بى تورس) معلومات موثقة عن صلات بين ناشطين من حماس وآخرين من تنظيم القاعدة فى مصر يعملون تحت اسم «التوحيد والجهاد» وسبق أن أعلنوا مسؤوليتهم عن التفجيرات التى هزت منتجعات مصرية فى سيناء.
وأعلن فى مصر فى 14/7/2007، أن «خالد مصطفى» المتهم بتزعم تنظيم مصرى مرتبط بالقاعدة تمكن من الفرار إلى قطاع
غزة بمساعدة أصوليين فلسطينيين هناك، وأن من بين المتهمين فى هذا التنظيم فلسطينياً يدعى «محمد السيد إبراهيم» كان يقيم فى بنى سويف وهو ضابط الاتصال مع القاعدة، وأن هذا التنظيم تولى تجنيد وتسفير عدد من عناصره إلى فلسطين للتدريب هناك ثم العودة إلى مصر، كما جرى

تهريب عدد من المصريين والعرب المتهمين فى شبكة حزب الله إلى داخل غزة.
ويبدو أن وجود الجماعات
الفلسطينية الموالية للقاعدة والمرتبطة بها فى غزة سيبقى قائما على حاله فى المدى المنظور، لأن العوامل التى أنشأت هذه الحالة وحافظت للآن على استمرارها ونموها لاتزال قائمة، وهو ما يعنى بكل وضوح أن الخطر والتهديد سيبقى قائما على المصريين لأن القاعدة هناك تعنى أن القاعدة.. هنا.





© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com