Print

من هو ابن تيمية ؟

الشيخ الدكتور مصطفى راشد

عالم ازهري مصري

ورد إلى موقعنا على الإنترنت سؤال من الأستاذ أحمد على يقول فيه: «انتشرت هذه الأيام المناقشات عبر الفضائيات بخصوص كلام وآراء وفتاوى الفقيه ابن تيمية، فمنهم من يرفعه إلى مصاف المقدس، ومنهم من يقول إنه سبب خراب الأمة وظهور داعش والقاعدة والإخوان والسلفيين وبوكو حرام وأنصار بيت المقدس وغيرها من هذه الجماعات الدموية، ونحن فى حيرة، فأى منها على حق؟».. انتهى سؤال السائل، وللإجابة عن هذا السؤال

بداية بتوفيق من الله وإرشاده وسعيا للحق ورضوانه وطلبا للدعم من رسله وأحبائه، نصلى ونسلم على كليم الله موسى عليه السلام، وكل المحبة لكلمة الله المسيح له المجد فى الأعالى، وكل السلام والتسليم على نبى الإسلام محمد بن عبد الله، أيضا نصلى ونسلم على سائر أنبياء الله لا نفرق بين أحد منهم.. أما بعد.. فابن تيمية هو تقى الدين أحمد ابن تيمية، رجل دين إسلامى أطلق عليه البعض لقب (شيخ الإسلام) ولد يوم الاثنين 10 ربيع الأول 661 هـ، الموافق 22 يناير 1263م، وهو أحد علماء المذهب الحنبلي.

وقد تحدث وكتب فى مجالات عدّة أهمها: الفقه والحديث والعقيدة وأصول الفقه والفلسفة والمنطق والفلك، وقد وردت إلينا فى 37 مجلدا، وهو مجهود كبير بلا شك، وقد ولد فى حران، وحران تقع حاليا فى الأقاليم السورية الشمالية داخل الحدود التركية على مقربة من الحدود السورية.

وحين استولى المغول على بلاد حران وجاروا على أهلها، انتقل مع والده وأهله إلى دمشق سنة 667 هـ فنشأ فيها، وتلقى على يد أبيه وعلماء عصره العلوم المعروفة فى تلك الأيام. وكانت جدته لوالده تسمى تيميَّة وعرف بها، وقد طعن البعض فى نسبه، وعدم صحة ما ورد من تسلسل نسبه، قائلين إن جدته كانت من أصحاب الرايات، لذلك نسب اسمه إليها، وقد قرأ الحديث والتفسير واللغة وشرع فى التأليف وتفسير القرآن وكان فى سن الثانية والعشرين، ووصفه البعض بالمفكر والناقد الشجاع النادر، وقد أصدر عديدا من فتاوى التكفير، وأيضا كفّره كثير من العلماء.

وكان متحمسا للجهاد المسلح والحكم الشرعى حسب تفسيره، وقد كان أيضا شخصا مؤثرا فى نمو حركة الإسلام السياسى، ومن تلاميذه شمس الدين ابن قيم الجوزية، وهو من أشهر تلاميذه ولازمه 16 عاما وسجن أيضا فى القلعة منفردا عن شيخه ابن تيمية، وخرج منها بعد وفاة ابن تيمية، وقد كثر ناقدو فكره ومخالفوه من علماء عصره، ومن جاء بعدهم، منهم ابن حجر الهيتمى الذى ذكر أيضا تقى الدين السبكى، وتاج الدين السبكى، وبدر الدين بن جماعة، وأيضا الشيخ أبو حيان، والشيخ الألبانى، والشيخ زين الدين بن رجب الحنبلى، والشيخ أبو عبد الله علاء الدين البخارى العجمى الحنفى، والحافظ بن حجر العسقلانى، وغيرهم من الشافعية والمالكية والأحناف، وأنكروا عليه أمورا يعتقدون أنه قد خرج بها عن صحيح الدين، ومنها: القول بقدم العالم بالنوع، والنهى عن زيارة قبور الأنبياء، وشد الرحال لزيارة القبور والتوسل بأصحابها، ومسألة فى الطلاق بالثلاثة هل يقع ثلاثة فى مرة واحدة.

حتى اشتكوا منه فى مصر فطُلِبَ هناك، وعُقِدَ مجلس لمناظرته ومحاكمته حضره القضاة وأكابر رجال الدولة والعلماء، فحكموا عليه وحبسوه فى قلعة الجبل سنة ونصفا مع أخويه، ثم عاد إلى دمشق ثم أعُيد إلى مصر وحُبس فى برج الإسكندرية ثمانية أشهر، وأُخرج بعدها واجتمع بالسلطان فى مجلس حافل بالقضاة والأعيان والأمراء وتقررت براءته وأقام فى القاهرة مدة، ثم عاد إلى دمشق وعاد فقهاء دمشق إلى مناظرته فى ما يخالفهم فيه وتقرر حبسه فى قلعة دمشق، وتوفى فى سجن قلعة دمشق عن 67 عاما، وقد عاش ابن تيمية كل عمره ولم يتزوج ولم يحج بيت الله! كما قال الشيخ السقاف فى تعليقه على كتاب «بينى وبين الشيخ بكر»، وقد قال العلامة علاء الدين البخارى: «إن ابن تيمية كافر، وإن الإمام السبكى معذور بتكفير ابن تيمية لأنّه كفّر الأمة الإسلامية». راجع كتاب «فضل الذاكرين والردّ على المنكرين» لعبد الغنى حمادة ص (23).

وقد وردت فى فتاوى ابن تيمية كلمة «كافر مرتد» (29 مرة) و«كافر» (917 مرة)، وحلال الدم (19 مرة)، و«فإن تاب وإلا قُتل» (97 مرة)، و«يُقتل» (849 مرة)، و«تضرب عنقه» (39 مرة) ومن مجموع الفتاوى 37 مجلدا قد تكررت فيها لفظة «الجهاد» أكثر من (600 مرة)..

. ومن فتاوى ابن تيمية المستنكَرة، أنه يقول إن «المؤمن تجب موالاته، وإن ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك» (كتاب مجموع الفتاوى، ج 28، ص 118). والسؤال المطروح: هل هذا يقبله العقل والمنطق؟ أليس هذا دعوة إلى الكراهية والبغض ضد المسيحيين واليهود وغير المسلمين قاطبة؟

أيضا يرى ابن تيمية أن الكفار ليست لهم الشرعية فى التصرف فى أموالهم، أما المسلمون فلهم الحق فى ذلك، وإن استولوا عليها غصبًا، لأنها تعتبر من الغنائم، مما يعطيهم حق الشرعية وحق التصرف فيها.

كما يقول ابن تيمية عن الشيعة فى مجموع الفتاوى، المجلد 28، صفحة 479: (وَقَدْ أَشْبَهُوا الْيَهُودَ فِى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ لَا سِيَّمَا السَّامِرَةُ مِنْ الْيَهُودِ، فَإِنَّهُمْ أَشْبَهُ بِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْأَصْنَافِ: يُشَبِّهُونَهُمْ فِى دَعْوَى الْإِمَامَةِ فِى شَخْصٍ أَوْ بَطْنٍ بِعَيْنِهِ، وَالتَّكْذِيبِ لِكُلِّ مَنْ جَاءَ بِحَقِّ غَيْرِهِ يَدْعُونَهُ، وَفِى اتِّبَاعِ الْأَهْوَاءِ أَوْ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَتَأْخِيرِ الْفِطْرِ وَصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَتَحْرِيمِ ذَبَائِحِ غَيْرِهِمْ)، وهو ما يثير الطائفية بين السنة والشيعة.

أيضا قول ابن تيمية فى مجموع الفتاوى (28/ 108): «ومن لم يندفع فساده فى الأرض إلا بالقتل قُتِل، مثل المفرِّق لجماعة المسلمين والداعى إلى البدع فى الدين». أيضا يقول ابن تيمية فى مجلد الفتاوى الكبرى (2 /98): «الجهر بلفظ النية ليس مشروعًا.. ويجب تعريف الفاعل بالشريعة واستتابته من هذا القول فإن أصرّ على ذلك قُتِل». وكما أفتى ابن تيمية بقتل العلويين، أفتى بقتل كل من ينتسب إلى الطائفة الدرزية حتى صُلحائهم.

ونحن نتعجب من موقف الجماعات الإسلامية المتطرفة، مثل «داعش» و«الإخوان» و«القاعدة» و«بوكو حرام» والسلفيين و«أنصار بيت المقدس» و«أنصار الشريعة» و«شباب المجاهدين» فى الصومال و«جبهة النصرة» وغيرها، وبعض من يعتبرون أنفسهم علماء، من تقبُّلهم فتاوى ابن تيمية الإجرامية، رغم أن أكثر شيوخ ‏عصره ‏ كانوا على تكفيره والحُكم عليه بالبدعة، حتى ابن خلدون لم يذكره فى المقدمة، بعد أن عدَّد فيه كبار العلماء، رغم أن ابن خلدون جاء بعد ابن تيمية ‏بعشرات ‏الأعوام. ‏

فمنذ عصر ابن تيمية فى القرن السابع الهجرى حتى زمن ابن عبد الوهاب فى القرن ‏الثانى ‏عشر الهجرى، كان أغلب شيوخ المسلمين يحكمون على ابن تيمية بالكفر والبدعة ‏والشذوذ، ‏ولولا إحياء الوهابية لتراثه لأصبح ابن تيمية وكتبه فى طى النسيان.‏ فالدعوة السلفية الوهّابية هى التى اتخذت من المذهب الحنبلى مرجعية فقهية، فقد قاموا ‏بنسخ ‏وطباعة كتبه ونشرها وتوزيعها فى مواسم الحج وكل البلاد الإسلامية بعد طبع أكثر من 840 مليون كتاب تروج لفكر ابن تيمية، دون أن يتصدى أحد لذلك الهدم والتجريف والتخريف لعقلية المسلم، إلا من بعض الأسماء القليلة التى بدورهم حاصروها وكفّروها وطمسوها مع إهدار دمهم، وقد ساعدهم على ذلك، أن البلاد الإسلامية دون كل دول العالم، لا تعاقب على إهدار الدم، وساعدهم فى ذلك أموال البترول التى لولاها ‏ما ‏كانت للسلفية قدرة على هذا الانتشار ونشر المكتبات المتخصصة فى نشر هذا الفكر المنحرف دون محاسب، وأيضا إهداؤهم مئات الكتب إلى كل المساجد حول العالم.‏

كما أن ابن تيمية هو من وضع الأساس لفقه الجريمة فى الإسلام، ثم ناقش فروعه بتوسع ‏وأَصَّلَ ‏لهذه المسائل بفتاوى ومناظرات عقلية وشرعية، حتى باتت دعواته محل قبول ‏لذوى ‏الرغبات والنزعات الدموية العنيفة المتسترة بغطاء العلم والدين... وهذا ضلال وانحراف، لأن الأصل هو فقه التعايش والسلام والتسامح والعدل والمساواة، لا الحرب والاعتداء.

وقد قام بعض الأطباء النفسيين بتحليل شخصية ابن تيمية من خلال كتاباته، وقالوا عنه إنه شخص مريض نفسى لديه نزعة وسمات إجرامية. لذا نحن نُفتى بفسادِ فكره، وأن تأييد أفكاره على العموم أو الأخذ بها يكون من جاهل أو ضالّ أو مضلل. هذا وعلى الله قصدُ السبيل وابتغاءِ رِضَاه.

الشيخ د.مصطفى راشد عالم أزهري مصري