Print

الرئيس التقليدى والرئيس البطل!

بقلم منير بشاى

       لم ينتخب الشعب المصرى الرئيس السيسىليكون، مثل من سبقوه، رئيسا تقليديا لمصر.  انتخبه الشعب لأنه كان بطلا، ودوره البطولى لم ينته بعد طرده للاخوان من الحكم.  هناك قضايا مصيرية تنتظر تدخله وتحتاج الى حسم وحزم الابطال.  هناك حاجة لفرض هيبة الدولة على البلطجية فى قرى الصعيد، وتجديد الخطاب الدينى، وارساء قواعد العدل للجميع دون تمييز.  ولكن دعنى اكون صريحا فان الامور لا تطمئن فى بعض هذه الاماكن.  وهذا ليس فقط نتيجةاعتداءات البلطجية فهذا متوقع.  ولكن الخطير فى الأمر ان هناك تجاوزات من عناصر الامن المحلى الذى كان يجب ان يحمى فاذ به هو الذى يهدد.

       فى 25 يناير 2011 ثار الشعب المصرى واسقط الديكتاتورية السياسية.  وعندما ركب الاخوان الثورة الوليدة، وحكموا مصر عاما هو الاسوأ والأسود فى تاريخ مصر، تمرد الشعب على ديكتاتورية الدين الذى كان يهدد بحكم مصر خلال ال 500 سنة القادمة.  وفى 30 يونيو 2013 خرج اكثر من 30 مليون مصرى يمثلون اطياف الشعب الى شوارع مصر وميادينها مطالبين الاخوان ان يرحلوا.

       ولكن جيش مصر الباسل كان هو من حقق مطالب الشعب، وكان البطل عبد الفتاح السيسى هو من ازاح هذا الكابوس، وحرر مصر من نير حكم الاخوان.  وعندما طلب الشعب من البطل ان يكمل جميله ويرشح نفسه لحكم مصر لبى النداء.  وخرج الشعب فى تأييد منقطع النظير ليختاروه بنسبة تزيد عن 97% فى انتخابات حرة ونزيهة لم تعرفها مصر منذ امد بعيد.

       الثقة فى شخص الرئيس السيسى لم تتغير.  وليس الهدف هنا التشكيك فيها ولكن التحذير من وجود محاولات لاجهاض مجهوداته من نفس الفصيل الذى ازاحه عن الحكم.  ومن ثم مطالبته باستمرار العمل البطولى الذى بدأه لمواجهتهم بنفس القوة ونفس التصميم.

       وفيما يلى مجرد أمثلة قليلة لما يجرى فى مصر اليوم ويستهدف المواطنين الأقباط بالذات:

       فى بعض قرى مصر ما يزال يتحكم النظام القبلى فبدلا من سيادة القانون يطبق نظام الجلسات العرفية لتفصل بين الناس.  وبذلك اصبح المواطن هناك يعيش فى دولة داخل الدولة.  ناهيك عن ما يتضمنه هذا من ظلم وتحيز عندما تكون غالبية اعضاء هذه المجالس تدين بدين يخالف دين الاقلية.  وقد رايناهم يتجرأون بمحاولة بوقف قرار رئيس الجمهورية ببناء كنيسة لتخليد شهداء الوطن من الاقباط، ثم السماح بالبناء ولكن بشروطهم المجحفة بالغاء القبة والمنارة وازالة الصليب.  وكذلك رأيناهم يصدرون احكاما تقضى بتهجير اسرا مسيحية باكملها نتيجة شائعات كاذبة مغرضة.  وكان قبول السلطات وتبريرها لهذه الاحكام انها الطريقة التى يمكن بها اعادة السلام فى المنطقة.  والسؤال هل اصبحت الدولة عاجزة عن فرض السلام فى قرية مع فرض العدالة للجميع؟

       فى محافظات الصعيد وخاصة بنى سويف والمنيا يعيش المسيحيون فى رعب نتيجة اعمال البلطجة الموجهة ضدهم والبلطجة تستهدف غالبا القادرين على الدفع من الاقباط بحيث يتم خطف ابنائهم وطلب الفدية التى قد تصل ملايين الجنيهات والا يكون مصير المخطوف القتل.  ايضا هناك استهداف واضح للفتيات القبطيات وبعضهن من القاصرات بهدف تحويلهن قصرا الى الدين الاسلامى.  كذلك هناك محاولات للاستلاء على الاراضى والعقارات من ملاكها من المسيحيين.  يحدث هذا بينما قوات الامن لا تتدخل لأنها اما راضية او متواطئة او عاجزة.  هل تعلم الدولة بما يجرى من ممارسات الحكومات المحلية ضد المسيحيين فى قرى الصعيد؟  هل توجد طريقة لمساءلة هؤلاء عن ادائهم والتحقيق معهم على تقصيرهم؟

       المظالم كثيرة ويصعب تغطيتها كلها فى مقال.  ولكن لا يمكن ان انهى المقال دون ذكر شىء عن الظلم الصريح الذى يعانيه الاقباط فى بعض احكام القضاء وخاصة فيما يتعلق بقضايا الازدراء الدينى.  بات واضحا ان قضايا الازدراء تسير فى اتجاه واحد وهو ازدراء الدين الاسلامى.  قضايا ازدراء الدين المسيحى غالبا لا ينظر فيها او تنتهى بدون احكام او احكام مخففة.  اما قضايا ازدراء الدين الاسلامى فقد وصلت الى درجة من التعنت بحيث اصبحت مهزلة.  وفيما يلى بعض الأمثلة.

       دميانة مدرسة الاقصر البريئة بشهادة ناظر المدرسة ومدير المنطقة التعليمية يحكم عليها بغرامة قدرها 100 الف جنيه بدلا من الغرامة المعتادة وقدرها الف جنيه اذا كانت مذنبة.  كيرلس يحكم عليه بالسجن المشدد لمدة 6 سنوات لمجرد انه ضغط على زرار (لايك) فى الفيسبوك لمقال ينتقد الاسلام والمعروف ان الناس يضغطون على (لايك) دون تفكير.  مايكل منير الذى ارسل لأصدقائه فى الفيسبوك تسجيلا لحلقة تلفزيونية لمناظرة فى الدين الاسلامى يحكم عليه بالسجن سنة بتهمة ترويج فكر متطرف مع ان الحلقة اذيعت على العالم وشاهدها ملايين الناس ولم يحكم على القناة التى بثت البرنامج بشىء.  الطفلين نبيل (10 سنوات) ومينا (9سنوات) يقبض عليهما بتهمة ازدراء القرآن ويودعان السجن ويحقق معهما مع انهما طفلين قرويين لايجيدا القراءة والكتابة.  سبعة من اقباط المهجر من ضمنهم احد الكهنة يحكم عليهم بالاعدام بتهمة انتاج فيلم يسىء للرسول مع ان هذا الفيلم كان مجرد فكرة من شخص آخر ولم تخرج الى الوجود.  وجميع المحكوم عليهم لا صلة لهم بالفيلم المزعوم من قريب او بعيد.  هذا مع ان العقوبة القانونية لمن تثبت ضده تهمة ازدراء الدين هى السجن 3 سنوات.

       من المؤسف ان بعض هذه المظالم مستمر فى عصر السيسى الذى كنا نتوسم فيه انه سينهى كل مظالم الاقباط.  لقد قام الاقباط فى الداخل او الخارج بدورهم الوطنى بالاشتراك فى الثورة وانتخاب السيسى وتأييده فى المحافل الدولية.  ورغم الاعتداءات المتكررة على ارواحهم وكنائسهم ومساكنهم ومتاجرهم لم يرفع الاقباط صوتهم بالشكوى لأنهم يعلمون ان هذا سوف يصب فى صالح اعداء مصر.  والاقباط يفضلوا ان يتالموا فى صمت عن ان يسيئوا لمصر.  ولكن للصبر حدود.

       لقد كان رد فعل تقدير الرئيس السيسى للاقباط  ومجاملاته المتكررة لهم اكبر الاثر فى محبتهم الكبيرة للرجل.  ولكن ظلم الاقباط، وخاصة فى الصعيد، قد فاق المدى.  واخشى ان يتسلل اليأس الى البعض فيعتقدون ان مصر لم يتغير فيها شىء، وان الدور البطولى الذى قام به الرئيس السيسى قد اصابه الوهن، وان الظلم قد عاد يسرى فى البلاد، تماما كما كان قبلا، وربما قد زاد.

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.