Print

 

هل تراجع امريكا سياستها تجاه الحكام الديكتاتوريين فى العالم؟

بقلم منير بشاى

      من المأثور عن الرئيس الامريكى الاسبق جيمى كارتر قوله "امريكا لم تخترع حقوق الانسان، العكس هو الصحيح، حقوق الانسان هى التى اخترعت امريكا".  وعندما تذكر عبارة حقوق الانسان  يتطرق للذهن قائمة طويلة على راسها حق الانسان فى الحكم الديمقراطى، او حكم الشعب بالشعب.

      على المدى الطويل ظل المجتمع الامريكى يعامل الديمقراطية مثل المقدسات ويعزى اليها التقدم الحضارى والاقتصادى الذى يتمتع به.  فنتيجة الديمقراطية والبعد عن القمع وترسيخ قيمة الانسان واحترام آدميته، استطعنا ان نرى اناسا اتوا من مجتمعات كثيرة بعضهم عانى الاضطهاد فى بلاده ولكنهم عندما استقروا فى امريكا ساعدهم مناخ الديمقراطية على عودة كرامتهم المهدرة وفجّر طاقات الابداع عندهم ليعود بالازدهار على انفسهم اولا وبالتالى على المجتمع الامريكى كله.

     

ولذلك كانت الديمقراطية بالنسبة لقادة امريكا هى الدين الذى يعبدون فى محرابه وينادون بتطبيقه فى كل مكان بعد ان رأوا نتائجه تتحقق امام عيونهم فى تجربتهم الامريكية.  ولكن خبرة امريكا الاخيرة مع الشرق الاوسط جعلتهم يعيدوا النظر فى جدوى تصدير الديمقراطية الامريكية للخارج، وقد تدفعهم الى الاعتقاد ان ما يصلح فى امريكا ربما لا يصلح خارجها.

      ثورات الربيع العربى بالنسبة للغرب عامة وامريكا خاصة فتحت عيون الامريكيين ليروا ما كان خافيا.  فعندما هبت رياح التغيير لتطيح بالديكتاتوريين العرب، ظن الامريكيون ان حلمهم يتحقق فى تحويل المنطقة فى اتجاه الديمقراطية وكان من المنطقى ان يلقى هذا منهم التأييد والتشجيع.

      ونجح الربيع العربى فى التخلص من بعض الديكتاتوريين العرب ولكن من كانوا فى الانتظار ليحلوا محلهم لم يكونوا افضل منهم.  كانت هناك جماعات الاسلام السياسى مثل الاخوان متربصة لتنقض على السلطة فى مصر.  والفراغ الذى حدث فى العراق بسبب التخلص من صدام حسين ساعد على ظهور منظمة داعش وامتدادها فى العراق وسوريا وليبيا واصبح لها وجود يهدد أمن مصر فى شبه جزيرة سيناء.  والمقارنة بين الاوضاع الآن وما كانت عليه ايام القذافى ومبارك وصدام والاسد وغيرهم تثير التساؤل اذا ما كان قد اصبح الشرق الاوسط افضل حالا بعد ازاحة هؤلاء الديكتاتوريين عن الحكم؟ وهل اتى هذا بنتائج طيبة لشعوب بلادهم وللولايات المتحدة نفسها؟

      فى الاثنين 2 نوفمبر 2015 نشرت جريدة لوس انجلوس تايمز تقريرا عن رأى المرشحين الجمهوريين للرئاسة فى الموضوع ولأول مرة نشاهد معظمهم يقولون ان الولايات المتحدة كانت مخطئة فى التخلص من هؤلاء الديكتاتوريين.  يقول التقرير ان العديد منهم يفضلون التأييد او على الاقل التعامل مع الديكتاتوريين وهو العكس تماما عن ما كانت عليه سياسة الولايات المتحدة منذ مجرد عقد من الزمان فى عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش.

      فمثلا دونالد ترمب وبن كارسون وتيد كروز وبول راند اعلنوا ان الولايات المتحدة كانت احسن حالا لو ترك هؤلاء الديكتاتوريين فى مكانهم لحفظ بلادهم من الفوضى.  وان هذا افضل من الاطاحة بهم بهدف تحويل تلك البلاد فى اتجاه ديمقراطية على الطراز الامريكى.

      . هذه الاراء ادت الى قيام حوار ساخن فى الحزب الجمهورى بين من ينادون بقبول الديكتاتوريين ومن يتمسكون بمبادىء الحزب التقليدية التى ترى التخلص من الديكتاتوريين والتى تبناها جورج دبليو بوش ويؤيدها الآن اخيه الاصغر جيب بوش المرشح للرئاسة.

      وما يبرز التناقض فى المواقف ان كل الادارات الامريكية السابقة بما فيها ادارة جورج دبليو بوش كانوا يتعاونون مع حكومة قمعية وهى حكومة المملكة العربية السعودية فى الوقت الذى كانوا يعملون على اسقاط الديكتاتوريين فى بلاد اخرى.  كما انادارة الرئيس اوباما التى ساعدت الثوار على ازاحة قذافى ، هو ايضا كان يتعاون مع حكام السعودية رغم سجلهم المشين فى مجال حقوق الانسان.

      يقول دونالد ترمب وهو على رأس من يؤيد التغيير الجديد فى السياسة الامريكية ان العالم سيكون افضل مائة فى المئة لو ان القذافى وصدام كانوا ما يزالوا فى الحكم.  وان العراق تحت حكم صدام لم يكن فيها ارهابيين والآن هى معقل الارهابيين.  ويضيف ان هذا ليس معناه ان صدام كان رجلا طيبا ولكنه افضل ممن جاءوا بعده.

      وهذا ما يقوله ايضا بن كارسون الذى صرّح بأنه لو كان مكان بوش ما كان قد قام بغذو العراق لأن صدام لم يكن يشكل اى تهديد للولايات المتحدة فى ذلك الوقت.

      هذا وبعض الامريكيين المسيحيين من الطوائف الانجيلية قد اظهروا تأييدهم لابقاء ديكتاتور آخر وهو بشار الاسد فى الحكم لان وجوده يساعد على حماية الأقلية المسيحية هناك.

      وبعد- من الواضح ان المناخ السياسى الحالى والمنافسة بين المرشحين فى سباق الرئاسة الامريكية يساعد على ظهور مثل هذه الافكار الجديدة.  هذه البضاعة هى ما تطلبه السوق اليوم.  فهل هذه الافكار ستصمد وتقوى وتتحول من مجرد افكار انتخابية الى سياسة أمريكية مقررة؟  هذا ما ستظهره الشهور القادمة.  ولكن رهانى ان امريكا – سواء ارادت او لم ترد-  ستتضطر الى تغيير سياساتها تحت ضغوط واقع الحياة،  وبعيدا عن المثالية التى لا وجود لها فى عالمنا.

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.