Print

الإرهاب والهباب!

بقلم منير بشاى

      اعتقد ان معظمنا قد شاهد فيلم او مسرحية "الإرهاب والكباب" للممثل الكوميدى القدير عادل إمام.  عنوان هذا المقال يسير على نفس الايقاع، وان كان المقال جادا، لا مجال فيه للضحك.  والمقال يربط بين الارهاب وبين "الهباب" الاسود اى البترول، والعلاقة بين الاثنين لا يمكن انكارها.

      اليوم، فى مدينة لوس انجلوس، ملأنا مستودع سيارتنا بالبنزين، وكانت التكلفة اقل من 35 دولارا.  وللتوضيح فان ثمن نفس هذه الكمية من البنزين كانت تكلفنا حوالى 65 دولارا منذ ثلاث سنوات، وكان المتوقع ان ترتفع التكلفة اليوم الى اكثر من 90 دولارا.  اى ان السعر الحالى يوازى تقريبا ثلث القيمة فى الظروف العادية.  كانت هذه واحدة من المرات القليلة فى حياتنا التى راينا سلعة يتناقص ثمنها بهذا القدر بدلا من ان يرتفع.

      طبعا لا احد يضايقه انخفاض الاسعار، فهو معناه دخل اضافى فى جيوبنا كمستهلكين.  وهذا يخفض ليس فقط تكاليف استعمال السيارات الخاصة ولكن تكاليف المعيشة بصفة عامة، لان انخفاض سعر البترول معناه انخفاض سعر تذاكر الطيران وانخفاض سعر شحن البضائع، مما يؤدى الى انخفاض سعر البضائع.  هذا التخفيض فى الاسعار محبب للناس، ولكن المشكلة انه تخفيض غير طبيعى، وصلته بالارهاب يجعلنا ننزعج منه بدلا من ان نفرح من اجله.

      وراء ظاهرة انخفاض سعر البترول عملية سرقة لبترول دول بواسطة منظمات ارهابية وبعد ذلك يتم بيعه بأسعار رخيصة ويستخدم العائد فى تمويل الارهاب.  لقد اصبح سعر البرميل من البترول الخام اليوم 35 دولارا بعد ان كان قد وصل 105 دولارا منذ بضع سنوات.

      المنتفع من هذا حاليا هو تنظيم داعش الذى اصبح اغنى المنظمات الارهابية حيث يقدّر دخله من البترول وحده حوالى 3 ملايين دولار يوميا يسرقه من المناطق التى يحتلها فى العراق وسوريا.  وكانت داعش قد وضعت يدها على حوالى 60% من بترول سوريا وحدها.

      اول مشترى لهذا البترول هم سكان المناطق التى تحت سيطرة داعش وعددهم يبلغ حوالى 8 مليون نسمة.  وللتغلب على اشكالية تكرير البترول فانه يتم تبادله ببترول قد تم تكريره عبر الحدود مع تركيا.  وهذا يحدث تحت سمع وبصر الحكومة التركية.  ومع ان الحكومة التركية تدعى انها تعمل كل جهدها لمراقبة الحدود التى تبلغ نحو 746 ميلا ولكن الدلائل تشير الى انها ضليعة فيما يحدث.

      ايراد البترول الذى تنعم به داعش هو الذى يجعلها تنمو وتجند كوادر جديدة.  فمثلا تقول التقارير انه حتى شهر يونيو 2015 كان عدد من انضموا لداعش من دول العالم حوالى 10 آلاف فرد.  وفى ديسمبر من نفس العام وصل العدد الى 31 الف، 10% من هؤلاء اتوا من دول غربية وسيصبحوا خلايا نائمة تهدد امن بلادهم عندما يعودوا اليها.

      بعد محاولات غير ناجحة لوقف امتداد داعش اخيرا راينا العالم يفيق من غفوته ليواجه هذا الاخطبوط الذى اصبح يهدد الانسانية كلها.  وقد اكتشف العالم ان الضربات العسكرية ضد قوات داعش لن تستطيع وحدها ان تهزم داعش.  الى جانب الضربات العسكرية لابد من عمل خطة لفصل داعش عن البترول وهو شريان الحياة الذى يمدها بالمال اللازم لاستمرار عملياتها.  ولذلك يجب  توجيه الضربات الى ابار البترول التى تحت سيطرتها وكذلك تحطيم معامل التكرير وقصف ناقلات البترول.  وطبعا  يجب تتبع التحويلات المالية فى البنوك لمعرفة من يدفع ومن يستلم.

      هذا واى محاولة ناجحة للقضاء على الارهاب يجب ان تلقى بنظرة على الصورة الكاملة.  فقبل اكتشاف البترول فى دول الخليج كانت المنطقة هادئة نسبيا.  وعندما انهارت الامبراطورية العثمانية فى اواخر القرن التاسع عشر كانت دول المنطقة فى منتهى الضعف وكانت اوروبا تملى عليهم ما تريد.  هذا تغير بعد تدفق البترول فى ثلاثينات القرن الماضى من تحت ارض تلك المنطقة وبالتالى خرجت شياطين الارهاب من تحت الارض مستخدمة الذهب الاسود لتصدير الارهاب الى كل مكان.

      فى نفس الوقت اصبحت حكومات دول الخليج ينعمون بالثراء الفاحش.  وفى عملية التسابق على نشر النفوذ الاسلامى المتطرف وجدنا اموال البترول تنفق على بناء المساجد التى تنشر الفكر الوهابى المتطرف وتكفر المجتمعات الغربية.  كما ان شعوب منطقة الخليج تنفق الاموال الطائلة على المنظمات الارهابية مثل القاعدة وداعش بينما الحكومات تنظر الى الناحية الاخرى كانها لا ترى شيئا.

      الحل لهذه المشكلة ياتى عن طريق اكتفاء العالم ذاتيا عن بترول الشرق الاوسط.  وهذا ليس صعبا ويتحقق عن طريق  استخراج البترول من بطون ارضهم بالاضافة الى استعمال بدائل للبترول.  من هذه البدائل خلط البترول بمواد مثل الإثانول Ethanol  و الميثانول Methanol .  وهذه المواد يمكن استخراجها من النباتات مثل الذرة، وكلما احتجنا الى اكثر زرعنا اكثر.  ويمكن عمل تغيير بسيط  فى اجهزة السيارات لتقبل نوع الوقود الجديد.

      الخلاصة ان أهم جذور الارهاب هو بترول الشرق الاوسط.  وهى حقيقة يعرفها الجميع ومع ذلك يتجاهلونها.  وستستمر المشكلة طالما بترول الشرق الاوسط يمد الارهاب بالموارد اللازمة لاستمراره.  والحل النهائى هو الاستغناء عن بترول الشرق الاوسط.  وهناك عدة طرق تم تبنى بعضها ولكن تحتاج الى تطوير لتحسين أدائها وهناك طرق اخرى ما تزال قيد الدراسة.  وعندما يتحقق الهدف نكون قد قطعنا شوطا كبيرا نحو الاستقلال والحرية والأمان.  ويكون امام دول الخليج المصدرة للارهاب خيارا واحدا بالنسبة لما لديهم من بترول وهو ان يشربوه.

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.