Print

يا ريس.. مصر بتصبح علينا بحبس أبناءنا

صموئيل تاوضروس 

تلقينا بكل الاشمئزاز والانزعاج حكم القضاء المصري في القضية رقم  350 لسنة 2015 الصادر بتاريخ 25 فبراير 2016، بالحبس خمس سنوات (وهو الحد الأقصى للعقوبة) لثلاثة طلاب أقباط من قرية الناصرية بمركز بني مزار محافظة المنيا هم مولر عاطف داود وألبير أشرف وباسم أمجد، وإيداع المتهم الرابع كلينتون مجدي مؤسسة عقابية بزعم ازدراء الأديان على خلفية تمثيل مشهد ارتجالي ساخر ينتقد تنظيم داعش الارهابى.

المتابع المنصف لهذه الواقعة يؤكد أن الجريمة ليست في مقطع الفيديو فالذين قاموا بالتصوير هم صبية قاموا بعمل ارتجالي ساخر ولا يوجد فيه أي قصد جنائي بل قاموا بتمثيل لجرائم داعش المنتشرة بالفيديو ليس أكثر. ولم يقوموا حتى بنشره بعد تصويره بل انتشر بعد عام من تصويره عندما عثر شخص ما على شريحة الموبايل التي تحمل هذا الفيديو.

المشكلة لم تكن في الفيديو الساخر الارتجالي الذي لا تصل مدته لنصف دقيقة، بل الجرائم الحقيقية كانت في إعتداءات المسلمين التي إستمرت لأيام متتالية على الأقباط في القرية بعد إنتشار مقطع الفيديو.  فقد قام المسلمون بالاعتداء على ممتلكات الأقباط وعلى منازل ومحال المسيحيين في القرية وحاولوا إقتحام كنيسة القرية في إبريل 2015. لقد نظم المسلمون وقتها مسيرات تجوب طرقات القرية وترفع شعارات سب في المسيحية وإزدراء بها، كما رددوا هتافات سب وقذف على المسيحية والمسيحيين، ورشقوا منازل الأقباط بالطوب بالرغم من وجود قوات الأمن على مقربة من مكان اﻻعتداءات.   

وكالمعتاد في مثل هذه الجرائم (عندما يكون الضحايا أقباط) لا يوجد قضاء ولا عدالة في مصر بل تم عمل جلسة عرفية يوم الجمعة 17 إبريل 2015 بمنزل عمدة القرية وإنتهت الجلسة العرفية بتقديم اعتذار من مسيحيي القرية عن الواقعة. ووقف القس عازر كاهن كنيسة السيدة العذراء معتذراً لمسلمي القرية، وتم تهجير أسرة المدرس القبطي.

ورغم الجلسة العرفية والاعتذار و التهجير وجرائم الاعتداء على الأقباط نجد أن المحاكم المصرية تصر على التنكيل بالأقباط بالحكم على هؤلاء الصبية بالحد الأقصى للعقوبة.

عموماً ليس أطفال الأقباط فقط هم ضحايا التطبيق الظالم للمادة 98 (و) من قانون العقوبات الخاصة بازدراء الأديان بل تم تطبيقها بحق اعلاميين ومفكرين مثل إسلام بحيري وفاطمة ناعوت. ومن قبل وجهت نفس التهمة للمفكر الإسلامي نصر حامد أبو زيد والكاتبة نوال السعدواي والمخرجة إيناس الدغيدي والكاتب سيد القمني وغيرهم.

ومع إزدياد صدور الأحكام الخاصة بازدراء الأديان والتي تطبق من جانب واحد فقط ضد الأقباط والمفكرين والكتاب الذين يقدمون أعمال أدبية وفكرية وتصدر ضدهم أقصى العقوبات من القضاء المصري. وفي نفس الوقت هناك ملايين من حالات ازدراء الدين المسيحي من مكبرات الصوت في المساجد ومن منابر اعلامية وكتب ولم تصدر ضدهم أي أحكام على الاطلاق نجد أنه من المناسب أن نوجه كلمة للرئيس وللبرلمان وللقضاء لعل هذه المؤسسات تنتصر للحق وللحرية من أجل النهوض بمصر.

كلمة لرئيس الجمهورية
إننا نطالب رئيس الجمهورية بإصدار عفو رئاسي عن هؤلاء الطلاب الأقباط وعن الأدباء والمفكرين الذين حكمت عليهم المحاكم بالمادة 98 (و) من قانون العقوبات.

يا سيادة رئيس الجمهورية كيف تطلب من المصريين أن "نصبح على مصر" بالتبرعات وفي ذات الوقت نجد أن مصر بتصبح علينا بحبس أبناءنا بدون جريمة ارتكبوها؟

يا رئيس مصر إن مصر بتصبح علينا بالاعتداءات على ممتلكاتنا وبالهجوم على كنائسنا وبازدراء عقيدتنا علنا من ميكرفونات المساجد ومن المنابر الاعلامية ولا توجد أحكام ضدهم . لا يوجد عاقل يقبل أن يتبرع لمصر في الوقت الذي تقوم فيه مصر بقتل الحريات والاعتداء على الحقوق الدستورية.

نصيحة مخلصة نقدمها لكم ونقول إن تعزيز الحقوق واحترام حرية التعبير وإعمال مبدأ المواطنة اهم من البنية الأساسية للمجتمع. يا سيادة الرئيس إن زيارتكم للكاتدرائية في عيد الميلاد ستصبح غير ذات قيمة ولا معنى لها إن لم يتم احترام الحقوق والحريات.

كلمة لمجلس الشعب:
إننا نضم صوتنا لصوت النائبة نادية هنرى، نائب رئيس الكتلة البرلمانية عن حزب المصريين الأحرار، في دعوتها لنواب الشعب لدراسة هذا الحكم وتبعياته في الشارع المصري واتخاذ الإجراءات الكفيلة لإطلاق سراح هؤلاء الأطفال والكتاب والمفكرين. لأن مثل هذه الأحكام هي عقبات أمام إقامة دولة مدنية حديثة وهو حكم مخالف للدستور ومخالف للمواثيق الدولية التى تحمى الطفولة، وأن المواثيق الدولية التى وقعت عليها مصر أصبحت بمثابة قانون محلي واجب النفاذ.

يجب على مجلس الشعب احتواء الموقف بتشكيل لجنة برلمانيين لدراسة الموقف واتخاذ التدابير المناسبة التى تخفف من حالة الاحتقان.

كلمة للقضاء المصري:
إن هذا الحكم هو إنتكاسة جديدة للحريات والحقوق في مصر تضاف إلى سجل حافل من الانتكاسات والانتهاكات. وهو حكم يؤدي الى مزيد من تشويه لصورة مصر في الخارج. فلو عرف القضاة في مصر ما الذي تتناوله الصحف في دول العالم عن مثل هذه الأحكام لفكروا الف مرة قبل إصدار مثل هذه الأحكام سيئة السمعة.

لقد كان الأولى بالقضاء المصري الحكم على المذنبين الذين قاموا بالاعتداء على أقباط قرية الناصرية في أبريل 2015. أما تبرئة المذنبين وفي نفس الوقت الحكم على الأطفال الأبرياء بدون جريمة فهذه هي جريمة الجرائم، وهذا ظلم مكروه أمام الرب. وبالتأكيد فإن القضاء المصري سيدفع ثمن هذا الظلم البين.

صموئيل تاوضروس