ريجينى والأمر الخطير 
 
 

مطاردة المجرم حتى لا يهرب بجريمته مبدأ قانونى وأمنى مهم يستجيب لغريزة الإنسان وفطرته وجدية الدولة فى تنفيذه ضرورة لعدم انزلاق أى مجتمع للبدائية والوحشية. لهذا فإن أى حديث عن جريمة قتل الطالب الايطالى ريجينى هى قضية مهمة. ولقد تتابعت الأحداث منذ مقتل الطالب الايطالى حتى عودة الوفد المصرى من روما فى دراما إنسانية وسياسية تلفها الألغاز والإثارة المأساوية صاحبها تصاعد فيض شعبى هائل من المشاعر فى مصر ذاتها تتعاطف مع الأم الإيطالية المكلومة ومع مصر ذاتها التى استشعر شعبها أجواء صلف الاستعمار. 

بمجرد إعلان موت ريجينى والتعرف على جثته تداخلت الجريمة مع عوالم السياسة. ريجينى طالب للدكتوراه فى جامعة كمبرديج يعد بحثا عن الطبقة العاملة وما يطلق عليه النقابات المستقلة. الشاب ذو الثمانى والعشرين عاما كان دائم التردد على القاهرة، لكنه لا يتحدث العربية إلا قليلا. فلقد عاش فى مصر لفترة قصيرة، رغم زياراته المتعددة. 

أن يحضر للقاهرة طالب يسعى لجمع المعلومات فى دراسة سياسية أو تاريخية أمر ليس بالغريب. فهناك مثلا قسم كامل للتاريخ فى الجامعة الأمريكية يعتبر محطا للطلاب الأجانب من جامعات العالم. يأتى أولئك الطلاب ويقلبون فى جوانب المجتمع المصري، رجاله ونسائه وطبقاته الخ.. فتقاليد البحث العلمى الاجتماعى فى شمال العالم تستدعى دراسات ميدانية، فأجواء الشرق الأوسط من قتل وخراب ودماء تستدعى أى متتبع منصف للتشكيك؟ فهل الزائر أو الطالب جاسوس يسعى لاستكشاف شروخ المجتمعات الشرقية؟ فالفوضى الخلاقة والسعى لتفجيرها ليست توهما أو خيالا بل هى سعى حثيث منظم سبق أن انتهك مجتمعات كاملة فى العراق وليبيا وسوريا. 

تم العثور على جثمان الطالب الايطالى يوم الثالث من فبراير بعد اختفائه يوم 25 يناير. أثار اختفاؤه القلق حتى عثر على جثمانه. فتحولت الجريمة إلى جريمة سياسية على الفور، وتبنتها رموزسياسية مصرية تتقاطع مع الإخوان وإن كانت ذات مبادئ ليبرالية. نشرت الصحافة البريطانية الخبر بعد يوم واحد من اكتشاف جثمانه، أى يوم 4 فبراير وتواكب النشر مع خطاب مفتوح دعت فيه اثنتان من الأكاديميين فى كامبردج، هما آن الكسندر ومها عبدالرحمن، وآخرون للتوقيع احتجاجا على إدانة الحكومة المصرية فى اتهام مبطن أنها قتلته ثم وصل عدد الموقعين على ذاك الخطاب إلى 5000 توقيع فى يوم 8 فبراير. 

صارت مصر هدفا لحملة إدانة بدأت ليل 4 من فبراير، ثم تصاعدت العبارات من حماية الباحثين الغربيين العاملين فى مصر لعبارات نارية مثل ( من قتل ريجينى هو من يقتل المصريين ) وتضاعفت الحملة عبر صفحات التواصل الاجتماعى مثل ( لن نتقدم دون احترام الحياة) أو(أليس من الشرف الاعتراف بان مصر قتلته؟) 

الحملة أخذت منحى أكثر حدة، كأن قارعى الطبول ضد مصر شهود عيان لكيف تم تعذيب الفتى المسكين ودخل المعركة من يذرفون دموع التماسيح من مصريين ينتشرون بين لندن وغيرها فذهبوا إلى الأم المسكينة وقالوا اهذا يحصل على طول فى مصر«، وهو ما رددته الأم المكلومة فى كلمتها الحزينة، وأضافت ا أن ابنها عذب كما يعذب المصريون». 

هل من الممكن إذا افترضنا جدلا أن ريجينى كان جاسوسا وتمت تصفيته أن يترك جسده ؟ أليس أول قواعد الجريمة التخلص من الأداة ؟ كما أنه فى حدود المعروف فإنه لم تحدث اغتيالات أو تصفيات لجواسيس على أرض مصر لما ينجم عن هذا من تداعيات خطيرة فى مواجهة قوى عاتية وراء الحدود ترعى وتتبع سلامة رجالها. وإذا بلغ بنا الخيال أن قرارا كهذا حصل فما هى أهمية ريجينى حتى تقدم أجهزة الأمن على خرق خطير كهذا. ثم يمتد مسلسل التساؤلات ليتسع ويصل إلى بقية العالم ذاته فهل نعرف مثلا من قتل أشرف مروان فى لندن ؟ هل نعرف كيف ماتت سعاد حسنى ؟ وغيرهما من الأسماء من مختلف الأجناس فى عواصم العالم؟ إسقاط الدولة المصرية يستلزم آلية ووقودا. أما الآلية فهى جوقة الإنشاد الليبرالية اليوم والإسلامية بالأمس أما الوقود فهو نقائص وأخطاء وجرائم تحدث فى مصر، نقف ضدها ونحاصرها ونطالب علانية بألا يهرب أى مجرم بجرمه مدى الحياة. لكن هناك فرقا بين الدعوة لمحاصرة الأخطاء ومطاردة المجرمين وبين موقف آخر. موقف هو فى حقيقته رقص على أنغام و موسيقى من يخططون لدمار الشرق . 

أسمعهم يقولون أنتم أصحاب نظرية المؤامرة، إذا كنتم من يتهمون الآخرين بذلك فأحيلكم إلى مؤامرة عظمي، انها مؤامرة إطلاق غاز الساريين على الأطفال السوريين لدفع أوباما دفعا لقصف سوريا. ترى من ضلله ؟ مصفوفات وأشباح لا تتورع عن ارتكاب أى جريمة لتحقيق أهدافها مهما يكن اسم الإدارة الحاكمة، مصرية أو أمريكية.مصر البلد العظيم تحيا وسط تيارات العالم وهى ليست جزيرة صغيرة معزولة بل هى فى الحقيقة قلب الشرق وأهم دولة فى أفريقيا. 

الحقيقة أن تهميش مصر بإدارة معارك سياسية وإشعال حروب نفسية للإيحاء بأنها دولة خارجة على القانون والأعراف الدولية هو تصور شرير وجاهل بقدر مصر وقيمتها. فلقد تهتز الدولة المصرية فتتسع دوائر الخروج على القانون، لكن هناك دوما فى ضمير المصريين إصرارا يزدرى العنف ويعلى قيم العدل. اغتيال ريجينى إن كان جاسوسا لم يكن فى صالح سادته أو حتى فى صالح خصومه. فهل هناك طرف ثالث ارتكب الجريمة؟ طرف تردد اسمه تحديدا (الطرف الثالث) المجرم الأعظم فى سنوات الفوضى المصرية الخمس ؟ 

للحفاظ على هيبتنا كشعب متحضر يجب تعقب الخروج على القانون وإعادة هيبته وهو أمر فائق الأهمية مهما تكن المبررات وإلا فإن أى قادم يسعى للمعرفة عن شروخ مصر يتوخى بالغ الحذر، فهناك طرف ثالث نشط مجهول الخلفية، خارج عن السيطرة وهذا أمر جد خطير. 

 
 
 

2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com