Print

ليس بالحنية وحدها يحيا الإنسان!

بقلم منير بشاى

      لا ادرى من اين جاء الرئيس السيسى بالاعتقاد أن ما يحتاجه الشعب المصرى فى هذه الايام هو المزيد من الحنان.  قال الرئيس السيسى "إن حديثى برفق وحنية مع المصريين ناجم عن إدراكى لمعاناة الشعب كثيرا خلال السنوات الماضية".  نعم لقد عانى الشعب المصرى كثيرا فى الماضى وما زال يعانى، فهل خففت كلمات الحنية من معاناته؟ هل ساعدته على حل ولو جزء صغير من مشكلاته؟

      الرئيس السيسى –على حد علمى- هو اول رئيس دولة يخاطب شعبه مستخدما تعبيرات تشبه الغزل مثل "انتم نور عنيا"، وقد عاصرت فى حياتى العديد من الرؤساء فى مصر وخارجها وقرأت عن رؤساء آخرين كثيرين.  وكان بعض هؤلاء قد واجهوا تحديات خطيرة خلال حكمهم ووجهوا لشعوبهم كلمات ساعدت على تخطى الازمات والرجوع مرة اخرى الى المسار الصحيح.  من هؤلاء الرئيس الامريكى فرانكلين روزفلت الذى واجه الانهيار الاقتصادى المريع الذى عم امريكا والعالم كله فى ثلاثينات القرن الماضى.  ولم يكن خطاب روزفلت للشعب الامريكى يتضمن عبارات الحنية.  قال روزفلت للشعب الأمريكى قولته الشهيرة "الشىء الوحيد الذى نخافه هو الخوف نفسه".  بهذه الكلمات عادت ثقة الشعب بنفسه ومع المصارحة الكاملة والتخطيط السليم وتطبيق برنامج اصلاحى دقيق وخطة عمل شاقة امكن تخطى المشكلة ورجعت امريكا لتصبح اقوى مما كانت.

      كلمات الحنية هى تمنيات طيبة نسمعها عادة من المحب العاجز، وهى لن تفيد بشىء سوى ربما تطييب الخواطر.  ولكن الدولة يجب ان يكون لها دورا مختلفا، يتخطى العواطف الحلوة ويقدم الحلول المرة.  فاذا لم تنجح الدولة فى هذا فكل كلمات الحنية التى يتضمنها القاموس لن تفيد لأنها لا تستطيع ان تطعم جائعا او تكسى عريانا او تشفى مريضا او تأوى مشردا او توفّر العمل لعاطل.

      وبالنسبة للاقباط فبعد ثورتين ووصول الرئيس السيسى للحكم استبشر الاقباط خيرا.  انتظرنا تفعيل قوانين المواطنة ولكن بدلا منها اعطانا الرئيس مزيدا من الحنية.  زار الرئيس الكاتدرائية مرة بعد الاخرى للتهنئة بعيد الميلاد، وبادله الاقباط الحنية بمثلها وهتفوا له "بنحبك يا ريس" ورد عليهم الرئيس "واحنا كمان بنحبكم".  ولكن بعد اكثر من سنتين على حكم السيسى لم نحصل على غير الكلام.

      بدلا من الحنية، التى لا تسمن ولا تغنى من جوع، كيف يحيا المواطن المصرى فى بلده بطريقة توفّر له الحد الادنى من الحياة الكريمة؟

يحيا الانسان بالاحساس بالمساواة

      المساواة تحدث عندما تعامل الدولة جميع المواطنين على ان لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات.  هذا خاصة ان جميع المواطنين يخضعون لنفس ما تفرضه الدولة عليهم من التزامات.  ولكن الاقباط الذين هم اصل مصر يعانون من تمييز ممنهج.  وهو يبدأ باعتبار تعدادهم سرا امنيا خوفا من المطالبة بالتمثيل المتكافىء.  وفى مجال التعليم يحرم الاقباط من الالتحاق بنظام تعليم موازى وهو الازهر الذى يموّل من ضرائب جميع المواطنين ومع ذلك لا يقبل غير المسلمين.  كما يحرم القبطى من الالتحاق باقسام خاصة فى بعض الكليات، ويخضع قبولهم لنسبة ضئيلة فى كليات أخرى.  ناهيك عن التمييز فى بناء دور العبادة وفى الترقى للوظائف العليا وحظر تعيينهم فى وظائف كثيرة مثل الامن القومى بل وحتى استبعادهم من اللعب فى النوادى الكبرى وتمثيل مصر فى المسابقات الدولية.

يحيا الانسان بالاحساس بالأمان

      تجتاح منطقتنا العربية تيارات من الارهاب باسم الدين.  ومصر لم تنجو من هذه التيارات التى تحاول اسقاط النظام كخطوة نحو تأسيس دولة الخلافة.  والاقباط كمسيحيين نالهم النصيب الأكبر من العنف ومع ذلك فنحن نتعاطف مع الدولة فى هذا لأن عدونا مشترك.  ولكن ما يزعجنا ان الدولة تبدو غير جادة فى حماية الاقباط خاصة فى قرى الصعيد.  الحوادث الارهابية ضد الاقباط وصلت رقما قياسيا غير مسبوق فى تاريخ مصر الحديث.  هذا بينما السلطات المحلية لا تهتم بما يحدث اما عن رضى او عجز.  اما السلطة المركزية فتتظاهر بانها لا تسمع ولا ترى.  وعندما تتكلم تعطينا كلمات الحنية التى لا تفيد.  لقد حان الوقت للدولة ان تواجه الامر بقوة وحزم قبل ان يحدث الانفجار.

يحيا الانسان بالاحساس بالازدهار

      احوال البلاد المعيشية اصبحت لا تطاق.  تناقص القوة الشرائية للجنيه المصرى دفعت بالاسعار الى درجة الجنون.  اكثر من نصف الشعب المصرى يعيشون تحت خط الفقر ومن كانوا فوق هذا الخط اصبحوا يتأرجحون حوله.  ان لم تتحسن الاحوال فهناك خطر وصول بعض الفقراء الى درجة المجاعة.  معظم الشباب من خريجى الجامعات الذين يمثلون ثروة مصر البشرية يعانون البطالة.  ولا توجد برامج فعالة لاعادة تاهيلهم لسد احتياجات سوق العمالة.  بل ان مجالات العمالة الموجودة قد انكمشت بعد اغلاق الكثير من المصانع بسبب اساءة ادارتها بعد تأميمها.  ونتيجة لذلك اصبحنا نستورد حتى الملابس الداخلية بالعملة الصعبة والتى كانت مصر دائما متفوقة فيها.  على الدولة ان تعيد عجلة التصنيع من جديد حتى تلبى احتياجات المواطن وتخلق فرص العمل للعاطلين وتنمّى الدخل القومى.

      الحنية الخادعة هى المسكنات الوقتية التى يقدمها الطبيب غير الأمين للمريض للتخفيف من حدة الالم بينماالمرض ينخر فى جسده.  أما الحنية الحقيقية فهى ان يصارح الطبيب المريض بحقيقة حالته وان كانت صعبة ويقدم له خطة العلاج وان كانت قاسية.  الكلام المعسول لن يفيد على المدى الطويل بل يؤدى الى تفاقم الحالة ويجعل علاجها صعبا ان لم يكن مستحيلا.

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.