«الأهـــرام» فى قرى الفتنة بالمنيا
المتشددون يصنعون الفتنة والفقراء يدفعون الثمن

تحقيق ــ حــنان حجــاج
ابراهيم ايوب.. واخر ما تبقى من نار الفتنة

 

ذهب «الأهرام» إلى قرى العنف الطائفى الأخير فى المنيا من أجل استجلاء الحقيقة وليس بحثا عن قصة مثيرة للنشر. فتكرار الحوادث الطائفية خاصة الأخيرة منها والتى دارت فصولها حول شائعات بناء مسيحيين لدور عبادة، أو حتى لمجرد المطالبة فى السابق بحق بناء كنيسة

يدق جرس انذار طويل للدولة يخبرها «أن تسكين المشكلات والحلول الودية هو أشد خطرا على تماسك المجتمع» من ذى قبل حيث تتجمع عوامل كثيرة فى غير صالح المجتمع، وأن هناك جهدا حقيقيا يجب أن يبذل فى مواجهة أفكار خارجة عن روح الدين وعن ميراث التعايش وأن افكارا لم يعد استمرارها مقبولا فى العصور الحديثة لو أردنا أن نصل إلى دولة مدنية حقيقية.. هذا التحقيق من المنيا لن يجامل ولن يضع مساحيق من أجل أن تخرج الصورة جميلة ولكنه يقول لكم «إحترسوا.. الفتنة راقدة هناك عند الباب!»

منذ يناير 2011 وحتى يوليو 2016 تم رصد سبع وسبعين حالة توتر وعنف طائفى بمحافظة المنيا منها عشر حالات فى الأشهر الستة الأولى من عام 2016 .. المنيا حالة خاصة جدا من العنف الطائفى ,, حالة خاصة جدا من الفقر المؤلم ,, حالة خاصة جدا من حياة قاسية يعيشها بسطاء محصورون بين النهر والجبل بين المسجد والكنيسة بين الجلابيب البيضاء و الذقون وبين الصلبان المدقوقة على أجساد تعلن هويتها الدينية وكأنها آخر ما تبقى لها من ملاذ ,, وأخيرا المنيا حالة كاشفة لملف مزعج وغامض اسمه مجازا ( الفتنة الطائفية).

 تبدأ الأزمة بشائعة أن الأقباط يبنون كنيسة أو أن هناك علاقة بين قبطى ومسلمة أو العكس , تتصاعد الأحداث من مجرد همهمات لكبار لا يريدون تغيير الوضع المتعارف عليه منذ الثمانينيات, وغضب من شباب يتعامل اغلبه مع الدين باعتباره هويته الوطنية الوحيدة ليصل لذروته فى عمليات حرق وقتل من طرف يرى نفسه الأغلبية يتحول أحيانا لعنف متبادل تتحول فيه (الأقلية) لمدافع لا يقل عنفا عن (الأغلبية).

تبدأ القصة بشائعة وتنتهى بجلسة عرفية تحضر فيها( الأغلبية )لتضع قوانينها الخاصة، شيوخ بعضهم طيبون وآخرون عرفتهم ساحات الجهاد والجماعات الدينية منذ سنوات ,قساوسة رسميون ورجال شرطة لا يفكرون سوى فى الاستقرار المنشود وفى المقابل عائلات تخشى التهجير أو إغضاب الدولة والكنيسة والجيران ,وتنتهى المصافحات الودية وتبقى القلوب بما فيها من غضب فى انتظار الانفجار القادم.

رحلة خاصة قامت بها( الاهرام )فى قرى المنيا التى شهدت حوادث التطرف الأخيرة, رصدنا بالعين والعقل والشهادات والصور لعلنا نجد الإجابة لماذا المنيا ؟والى متى سيستمر الوضع الملتهب؟

محافظة المنيا التى تبلغ مساحتها 32279 كيلو مترا مربعا ويقترب عدد سكانها من خمسة ملايين ونصف المليون نسمة هى نفسها المحافظة التى تضم 356 من عدد القرى الأكثر فقرا فى مصر محتلة المركز الأول فى قرى الفقر التى تضم 1150 قرية ( حسب تقرير التنمية البشرية) .

ويقترب عدد الفقراء بها من مليون وربع مليون فقير , تشير الإحصاءات الغير رسمية أن ربع هؤلاء السكان بما فيهم الفقراء هم من الأقباط ..تضمهم مع مسلمى المنيا نسبة الأمية التى تصل إلى 38% من عدد السكان يسيرون معا على ارض قرى المنيا المتربة وبيوتها الطينية والحجرية التى تخرج من حوائطها سخونة خانقة ليست فقط هى سخونة صيف أغسطس بل ايضا هذا اللهيب الذى أنتجته سنوات التشدد الطويلة ونمو جماعات التطرف على مدى أكثر من ثلاثين عاما .

 فى قرية( كوم اللوفى) احدى قرى مركز سمالوط ما زالت النيران حتى كتابة هذا التحقيق مشتعلة القرية الصغيرة التى لا يزيد عدد سكانها على 12 ألف مواطن ويعمل اغلب سكانها فى فلاحة الأرض, يقف على باب مدخلها الرئيسى مسجد متوسط المساحة بينما تتلاصق بيوت الطين والحجارة معا, قبل وصولنا للقرية بحوالى أربعة أسابيع وبالتحديد يوم 29 يونيه وعقب صلاة التراويح توجه عشرات من الغاضبين من أبناء القرية لمنزل أبناء أيوب خلف فهمى وهو منزل تحت الإنشاء قرر الغاضبون انه كنيسة ولن يقبلوا أن تكون فى قريتهم كنيسة تم هدم ما تم بناؤه من البيت واشعال النيران فى الأخشاب التى كانت تستخدم فى الصبات الخرسانية .. فى بيت الشيخ احمد محمد على وهو مقرئ القرية جلسنا كان الشيخ احمد يدخن الشيشة ومعه الشيخ عبد الجواد إمام المسجد الذى قال لنا انه موظف بوزارة الأوقاف .سألتهما عما حدث وهل يوجد بالقرية متشددون دينيا كما يقال؟

ورد الشيخ احمد :» بلدنا ليست فيها جماعة إسلامية ولا إخوان ولا سلفيون فيها ناس متدينون بالفطرة ,ولا توجد أية مشاكل من ناحيتنا تجاه الإخوة الأقباط ويعيشون معنا فى سلام , ما حدث أن احد الأقباط كان يبنى بيتا وانطلقت شائعة انه كنيسة وتحفز الشباب تجاه الأمر فحدثت المشكلة لأنهم يرفضون موضوع بناء الكنيسة هذا».

وبادرته هل يوجد فى البلدة كنيسة؟

وأجاب «البلد حوالى عشرين ألفا الأقباط حوالى 7.3% فقط من عدد السكان وهو عدد قليل بالنسبة للسكان فهم لا يزيدون على 500 فرد ,وعددهم لا يسمح ببناء كنيسة فكما عرفت لابد أن يشكلوا على الأقل 15% من السكان لكى تسمح لهم ببناء كنيسة».

من أين أتيت بهذه النسبة ؟

أجاب مسرعا:«هم من قالوا هذا الأمن اخذوا معلومات عن الناس كلها وقدروا النسبة».

هذه النسبة القليلة موجودة فى مكان محدد أم أنهم موزعون فى كل القرية؟

وأجاب :«موزعون فى القرية لو كان لهم تكتل عمرانى ويبنوا لن يمنعهم احد وهم اعتادوا يوم الجمعة صباحا أن يتجمعوا معا ويذهبوا لعزبة (رفلة) لان فيها كنيسة يصلون فيها أو فى قرية ( الحتاحتة) وكلنا كنا نعيش فى سلام حتى حدثت قصة بناء الكنيسة تلك وما جري أن الناس تشاجرت مع المقاول لأنهم يعرفون انه لا توجد تصاريح كنائس أصلا ومع حماس الشباب وحضور الأمن حدثت المشكلة وكسروا عربية الأمن»!!!

قاطعنا الشيخ عبد الجواد سامى إمام المسجد مكملا قصة الكنيسة المفترضة قائلا: «ما يوحى أنها كنيسة أن المواد المستخدمة لا تبنى بها البيوت, لأننا عندما نبنى بيتا يكون مقياس الحديد 4 ملى واكتشفنا أن الحديد الذى يستخدمونه 5 ملى والعامود به 12 سيخا بدلا من 8 أسياخ والشباب لا تخفى عليهم تلك الأمور كما أن خلاط الاسمنت الذى حضر للقرية سألوا الناس أين الكنيسة التى تبنى هنا والشباب بحميتهم انفعلوا تماما لأنه (مينفعش) كنيسة تبنى فى بلد لجماعة يمثلون قلة ,ومزارعهم وبيوتهم وسط بيوت المسلمين وتجدين واحدا عنده نصف فدان وسط أربعين فدان لواحد مسلم ولم يشتكوا قبل ذلك أننا اعتدينا عليهم رغم أن بيوتهم ربما بيت وسط مائة بيت للمسلمين ولم يحرق بيت واحد مسيحي, والبلد فيها عشرة أئمة و فيها 9 مساجد وكلهم يدعون للوسطية والاعتدال ومن خريجى الأزهر وقلة من الجماعة الإسلامية والخطبة موحدة».

ما حدث كما قرأنا أن أهل القرية هاجموا المبنى سواء كان بيتا أم كنيسة وأشعلوا فيه النيران وفى عدد أخر من بيوت الأقباط بالقرية وقاموا ايضا بنهبها فكيف حدث هذا ؟

ورد سريعا :«الأولاد تهجموا على المبنى وهدموا الحوائط التى كانت قد بنيت وحضرت الشرطة ولكنها تضامنت مع الأقباط ضد الشباب وقبضوا على المتجمهرين ولم تكن هناك أى حرائق ولم يحرق بيت كلها ادعاءات كاذبة وافتراء والأقباط هم من حرقوا البيت بأيديهم لكى يأتى الناس ويصوروا».

وهل ترى أن 500 شخص ليس من حقهم دار صلاة ؟

هذه ليست معادلة نحن دولة مسلمة لو كانت الكنيسة مقامة بالفعل نحن لا نمنع الصلاة فيها ثم لماذا أثير بناء الكنيسة الآن نحن فى حاجة للم الشمل وعدم وقوع الفتنة هذه فتنة وسببها الإعلام !!!!! ونحن لدينا عشرة مساجد فى القرية من يذهب إليها ؟ المساجد لا تمتلئ أبدا وكبار السن لا يأتون للمساجد نحن لا نمانع ولكن هم ليس لديهم إمكانات لكى يبنوا كنيسة. هناك عناصر من الخارج هى التى تبنى لهم نحن نحكم العقل هم قلة وهذه ليست اهانة الواقع يقول إن الإنسان أفضل له أن يعيش فى مكان أمان ومطمئن على ماله وأرضه (ولا تجيب حاجة تنغص عليك عيشتك؟)».

فى رأيك وأنت شيخ للجامع الرئيسى للقرية ما الذى سينغص على الأكثرية المسلمة عندما تبنى كنيسة والقرية بها عشر مساجد كما تقول ؟

ويجيب :«لا يصح ولا ينفع هذا لان ديننا ضد أن تبني هذه دولة مسلمة كما أنها ايضا مرفوضة امنيا من زمان ومنذ الثمانينيات لم نسمع عن بناء كنيسة فى قرية نحن نقول إن لدينا قوانين طبقوه وأكثر من 30 من أبناء القرية قدموا بلاغا أن هناك كنيسة تبني ولم يستجب لنا احد والشرطة قالت سيهدم ولم يحدث وصاحب المكان جار لنا ونحن من نوفر له العمل وسبل العيش ولكن يبدو أن هناك من لعب بعقله وأقنعه ببناء كنيسة»

يقاطعنا الشيخ احمد محمد على قائلا : «النقطة عندى أنى أخشى الفتنة وهو إذا لم تبن الكنيسة هل ستتوقف الحياة هذا تحريض من خارج البلد لكى تحدث فتنة ولكننا تغلبنا عليها والحمد لله لأننا أهل قرأن وكنا نعلمهم اللغة العربية والقراءة مع أطفال المسلمين».

ويضيف :«عرضنا عليهم الصلح ومن اتلف شيئا يصلحه وهم رفضوا لان هناك عناصر خارج البلدة تحرض هؤلاء الفقراء الضعفاء وإذا كانت نيتهم سليمة ولم يكن بيتا للعبادة فلماذا يرفضون الصلح ؟؟ وهم تعهدوا انه ليس بيت عبادة واتضح خلاف ذلك ثم ادعوا انه تم الاعتداء على بيوتهم ولم يحدث هذا نهائيا ولم تحرق بيوتهم والآن الوضع ملتهب والأولاد متحفظ عليه على ذم القضية»

(آخر ما علمناه حتى كتابة التحقيق أن عملية إفراج كاملة شملت كل المتهمين بغرامة ألف جنيه على ذمة القضية).

رواية أخري

خارج بيت شيخ المسجد تبدو القرية هادئة تجولنا للوصول للبيوت التى قيل انها تعرضت للهدم والحرق وبالصدفة أثناء سؤالنا عن بيت أيوب خلف قابلنا زوجة أخيه بسرعة أدخلتنا لبيت أسرتها وكأنها تخفينا عن أعين الجيران وبدأت تحكى عن مشكلة بيتها الذى تم حرقه مع بيت شقيق زوجها واثنين من اشقائه وكيف أنهم لم تكن فى نيتهم نهائيا بناء كنيسة كل ما أرادوه هو بيوت جديدة ليعيشوا فيها كل بمفردة بدلا من البيت الطينى الذى كانوا يعيشون فيه جميعا خاصة أنها كما تقول لديها هى وزوجها ورشة خياطة صغيرة تقوم بالتفصيل لأهالى القرية حيث تمتلك ماكينتين للخياطة تم سرقتهما فى حادثة هدم البيوت .يونان خلف الشقيق الثانى لابراهيم حكى لنا بالتفصيل قصة الكنيسة الوهمية كما يصفها وقال : «منذ البداية الأمن كان يعرف أن البيت عليه مشاكل قبلها بأسبوع وترك فى المكان عسكريا وأربعة خفراء وبمجرد أن غادروا اشتعلت الأمور ,من وقام بتحريك هو شيخ البلد ومرشح للعمودية بشكل غير رسمى جاء وقال لنا انتم تبنون كنيسة قلنا له لا, كيف وكل من يقومون بالبناء لنا مسلمون, ولكنه أصر أن نمضى إقرار عند حسن أبو حسين رئيس مجلس قروى بنى غنى على أننا نبنى بيتا, لأنه كما قال البلدة كلها ضدنا وستنقلب علينا وكان معى أخى ابراهيم ومضيت أنا على الإقرار كضامن وشاهد وفعلنا ما طلبوه تماما وطلبت منهم أن أعود للبيت لان العمال يصبون السقف لانى كنت تقريبا أنهيت حوالى 60% من السقف قالوا لا سنذهب لقسم الشرطة أولا وانتظر فقط نص ساعة وسنتركك وذهبنا للقسم حوالى الساعة 10 وانتظرنا حتى الثانية صباحا و عرفت أن الأهالى اشتبكوا مع العمال».

ماذا كانت صيغة هذا الإقرار ؟ا

يجيب : «الإقرار كان على أننا لا نبنى كنيسة وان يذهب شقيقي إلى القسم فى أى وقت يطلبونه فيه ثم طلبوا إقرارا آخر لدى مباحث القسم لم نعرف تفاصيله لأنهم طلبوا أن نمضيه بدون مناقشة . ورغم أن المأمور قال ابنوا إلا أنهم أصروا على استخراج ترخيص من مركز محلى بنى غنى رغم أن البلد كلها لن تجدى فيها ثلاثة أو أربعة بيوت مرخصة , فى اليوم الثانى ذهبنا لإحضار الترخيص رفضوا إعطاءه لنا وأرسلوا موظفين للمعاينة أول عامود وجوده 390 سم وبعد الاتفاق مع العمدة كتبوا 520 وكتبوا عن المكان (شبيه بقاعة) وهو موضوع غريب لأنها كانت بيوت ومقسمة حجرتين ودورة مياه وصالة وطبعا لم يعطونا التصريح فذهبنا للمحامى ليتولى الأمر وعندما ذهبت وجد الشيخ عبد الواحد مع المأمور واتفقوا على قعدة عرفية مع المحامى لحل المشكلة وشكلوا لجنة عرفية من 15 من جيراننا المسلمين و15 من الإخوان والسلفيين معترضين على بناء البيت وكان حاضرا ضابط النقطة (يحيى) وقبلنا بصيغة وضعوها ومضى عليها اشرف أخى على أن توزع على سكان البلد جميعا وليس الكبار فقط كما هو معتاد وجاء فيها انه سيبنى منزلا سكنيا وان حدث غير ذلك وأقيمت به شعائر دينية أو حضانة أو أى غرض له علاقة بالدين يقوم أهل البلد بهدمه وانه سيكون مسئولا أمام القضاء, بل وقبلنا أن يكون هناك 10 مسلمين من رجال القرية مشرفين على عملية البناء حتى تنتهي والورقة موجودة فى محضر النيابة».

ويكمل يونان قائلا : « رغم كل ذلك لم يقبلوا الاتفاق وفعلا فى نفس اليوم بدأت التجمهرات وتعامل معها ضابط النقطة وعادوا مرة أخرى وكلهم إصرار على هدم بيوتنا بل أن بعضهم كانوا يهددونا أنهم سيبنون مكانها مسجدا وبدءوا عملية الهدم الساعة 10 مساء عقب صلاة التراويح وانتهت 2 صباحا بعد أن أشعلوا النار فى البيوت ,ثانى يوم الظهر النيابة حضرت وقالت ما زالت النيران مشتعلة».

 كلام شيخ الجامع والمقرئ الذى يؤكد انه لم تكن هناك حرائق ولا هدم سوى لسور بيت واحد يقابله كلام يونان وزوجته عن عمليات هدم وإشعال نيران وسرقة فى أربعة بيوت, الشهادات المتضاربة بين الطرفين لم يكن من الممكن حسمها بالنسبة لى سوى بشهادة حية أراها بعينى لكن الدخول للشارع الذى تقع به بيوت الإخوة خلف كان أمرا شديد الصعوبة فالأزمة زالت مشتعلة خاصة مع رفض الأقباط الصلح والتنازل عن حقهم القانوني, وعدم تحمل المسلمين لفكرة احتجاز 18 شخصا منذ حوالى الشهر فيما اعتبروه دفاعا عن قريتهم المسلمة. وبعد محاولة ناجحة للتخفى وصلت بالفعل للمنطقة التى توجد بها البيوت القبطية محل الخلاف, المنطقة التى تقع مباشرة أمام البيت المتهدم والمحروق تحولت لثكنة عسكرية بمعنى الكلمة سيارتين كبيرتين للأمن المركزى ومصفحة وسيارة أخرى نصف نقل وعشرات من الجنود والضباط مع بعض الدشم التى يجلس خلفها الجنود مسلحين وبجوار هذا غرفة يبلغ طولها حوالى ثمانية أمتار وعرضها ثلاثة أمتار وهى جراج صغير تملكه العائلة تكدسوا فيه ,إبراهيم ويونان وأمير خلف بزوجاتهم وأولادهم مع ما نجحوا من الإفلات به من ملابس وجهاز تليفزيون وثلاجة قديمة وحصيرة متهالكة, إبراهيم خلف اخبرنى انه غير مسموح له بالخروج عن المنطقة لأنه اكبر الإخوة وصاحب البيت محل الخلاف , وهو ايضا من يرفض تماما كل محاولات الصلح العرفية .

وسط زحام الأطفال المكدسين بالغرفة التى تخلو من دورة مياه كما تشير زوجته لم يحك إبراهيم كثيرا عن الواقعة وكما قال لى يمكنك أن تشاهدى بنفسك الوضع على الطبيعة بما انك تمكنت من الوصول مؤكدا انه لن يقبل بصلح يضيع حقه, على حد قوله رغم تهديدهم بان البلد ستصبح بحر دم ما لم يتم إنهاء الخصومة ويضيف :« نحن لم نبدأ خصومة مع احد وعشنا فى البلدة نحن وآباؤنا ولم نفكر فى بناء كنيسة عددنا يزيد على 150 أسرة ورغم ذلك كنا نذهب للكنيسة فى قرية( الحتاحتة) التى تبعد عن قريتنا أكثر من أربعة كيلو متر ومنعنا عمدتها سنتين كاملتين من دخولها لأنه كما قال وقتها ستحدث فتنة بسبب تجمع المسيحيين كل أسبوع فى الكنيسة .

وفى عهد محمد مرسى حدثت مشكلة فى قرية( رفلة) القريبة التى كنا نذهب للصلاة فيها ويوم احد الشعانين منعونا من دخول القرية ولم نحتفل بالعيد وحتى الآن لا نستطيع أن نذهب للكنيسة سوى مرة واحدة إما الجمعة آو الأحد بعد أن كنا نذهب اليومين وذلك بسبب الزحام فالكنيسة هناك يأتيها الناس من ثلاث قرى أخرى ليست بها كنائس والآن كلما فكر مسيحى حتى فى تجديد بيته يعتقدون أننا نبنى كنيسة وهو أمر طبيعى ماداموا يمنعونا من بناء كنائس نصلى فيها « خرجت من غرفة الجراج التى تختبئ فيها عائلة خلف ومررت أمام المنزل المهدم الذى تلتصق به من ناحية حارة ضيقة ثلاثة منازل أخرى هى منازل أشقاء إبراهيم المنازل كلها مهدمة ومحترقة بما فيها كما قالوا تماما .!!

الجماعة الإسلامية تقود الصلح

عندما كنت ابحث عن قصة الجلسات العرفية وكيف ومتى تشكلت ومن المسئول عنها كان دائما يتردد اسم الشيخ رجب حسن وهو احد قيادات الجماعة الإسلامية سابقا واحد قيادات حزب البناء والتنمية الذى تأسس بعد ثورة يناير بقيادة عبود الزمر والشيخ صفوت عبد الغنى احد أهم قيادات العنف فى فترة الثمانينيات والتسعينيات الشيخ رجب كان لسنوات وربما حتى وقت قريب هو أهم رموز جلسات الصلح العرفية. عندما سألت عنه الشيخ احمد عبد السلام وهو ايضا من نجوم التيار الإسلامى فى المنيا اخبرنى انه سيحاول تدبير موعد وان كان الأمر سيكون صعبا بسبب أن الشيخ مطلوب فى قضية أمام القضاء العسكري, بالمناسبة الشيخ رجب حسن سرت شائعة فى شهر ابريل الماضى انه مرشح ليكون نائبا لمحافظ المنيا ونفى شقيقه الخبر.

فشل ترتيب موعد للقاء الشيخ ووعدنا الشيخ احمد عبد السلام رئيس جميعة عمر بن خطاب دئيس احدى الجمعيات الخيرية الاسلامية بالمنيا بلقاء للحديث فى أزمات الفتنة الطائفية لم يتحقق بعد أن تهرب الشيخ تماما بإغلاق هاتفه المحمول رغم تحديد موعد مسبق للقاء, وحسب تقارير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية فإن نجوم التيار الدينى وخاصة السلفيين والجماعة الإسلامية هم من يقودون عمليات المصالحة ويشكلون لجانها وتمثل المنيا احد ابرز المحافظات التى يتم تشكيل تلك اللجان فيها بشكل غير رسمى وما زال لها سطوتها التى تفوق تشكيلات بيت العائلة قوة ونفوذا وانتشارا فلا زالت الأخيرة لم تتشكل كل كياناتها بشكل رسمى وليست قادرة على الوصول لكل أماكن الصراع .

فتنة الحضانة

على مسافة تبعد حوالى 35 كيلو مترا من مركز (أبو قرقاص) تقع قرية نزلة أبو يعقوب, الطريق إليها يمر بتلك المساحة الخضراء الممتدة بمحاذاة ترعة مياه امتلأت بكل مخلفات البيوت والحقول المجاورة بينما عيدان الذرة وزهور السمسم هى التفاصيل المبهجة الوحيدة للوحة الرمادية بفعل تراب الطريق الضيق ,الدخول للقرية كان طبيعيا رغم سيارة الشرطة وجنود الحراسة الموجودين منذ ما يقرب من شهر ونصف

حسب تقرير العنف الطائفى للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية شهدت القرية حادثة عنف طائفى فى 15 يوليو الماضى وكان السبب شائعة أن احد أبناء القرية وهو رضا خليل وشقيقه إبراهيم خليل يبنيان كنيسة على ارض لهما تقع فى مدخل القرية ونتيجة لذلك قام مئات من أبناء القرية بمهاجمة المكان وإضرام النار به وبعدد من منازل الأقباط المجاورة ونهب بعضها .

عبر أزقة القرية الضيقة سرنا لنصل إلى شارع أوسع قليلا يبدو أن بيوت أقباط القرية تتركز فيه أستاذ رضا الموظف بوزارة التربية والتعليم بدأ الحكاية بنفس المرارة ولكن بطريقة أكثر هدوءا وانكسارا بدأ رضا قائلا :» القصة انتهت خلاص ونحن تصالحنا بجلسة عرفية فرضت علينا لأننا نعيش فى قرية اغلبها مسلمين المفروض أنها جريمة, ولكنهم ايضا جيراننا وهناك علاقات اسرية, فى الجلسة العرفية جلسنا معا بناء على طلب العمدة وانهينا المشكلة ثم ذهبنا للنيابة وتنازلنا كما حضر شيخ قالوا لنا انه من بيت العائلة».

هل كان التصالح برضاك ؟

:«كان ضغطا نفسيا وهم من قدروا التعويض وبالنسبة لى تنازلت عنه ودفعت لى المحافظة عشرة آلاف كتعويض رمزى وكان جيراننا هناك قد رفضوا الصلح لأنهم خارج البلد وبعيدين ولكنى هنا فى وسط بيوت المسلمين كما وخسائرهم كبيرة وقدروها بحوالى 65 ألف جنيه ولكنهم قبلوا فى النهاية بمبلغ ثلاثين ألفا حسب تقدير المجلس العرفى».

حضانة أم كنيسة ؟

-:» اعمل بوزارة التربية والتعليم كأخصائى تطوير كل ما فكرت فيه هو تقديم خدمة لأهالى القرية من الأقباط فالقرية بها حضانتان فقط والاثنتان تابعتان لجمعيات خيرية إسلامية ( نسائم الهدى والجماعة الإسلامية ) وأنا لدى قطعة ارض نصف قيراط على الجانب الآخر من البلدة وقريبة ايضا من قرية العبيد والتى بها نفس المشكلة وعرضت على احدى الجمعيات الخدمية القبطية وهى جمعية مشهرة إن تجهز المكان ليكون حضانة لأطفال القريتين من الأقباط لأننا لا نستطيع إرسال أولادنا للحضانات الإسلامية فليس من الطبيعى أن يذهبوا لقراءة القران وحفظه , ورغم ذلك عرضت على الجمعية أن تعمل الحضانة فى العطلة الأسبوعية كعيادة لتقديم خدمة طبية للمسلمين والمسيحيين حتى لا يعتبرها الأهالى مكانا مقتصرا على خدمة الأقباط فقط ولكن بمجرد أن بدأت فى إعداد المكان انطلقت شائعة أن المسيحيين يبنون كنيسة وجاء بعض سكان القرية وسألونى وأخبرتهم أنها دار حضانة وهم يعرفون الشارع الذى تطل عليه لا يزيد عرضه عن مترين فقط كما أن المكان شقة صغيرة حجرتان ومطبخ وحمام فقط وليس بها أى قاعات مفتوحة أو أماكن للصلاة المكان مساحته 80 مترا فقط كيف يصلح كنيسة «

ويكمل رضا :» رغم ذلك وعقب صلاة الجمعة فوجئنا بأفواج من الشباب والأهالى تجمعوا حول المكان وبدأوا فى تكسيره وحضر ناس من القرى المجاورة ولم اعرف ماذا افعل وقفت فى مكان بعيد أشاهد ما يحدث وحدثت مناوشات بينهم وبين الجيران فى البيوت الملاصقة للمكان وبعد التخريب اشعلوا فيها النيران ثم فى 3 بيوت بخلاف سرقة بعض المحتويات ابلغنا الشرطة ولكنها حضرت بعد ساعتين وكانوا قد انهوا مهمتهم ,الشرطة اخدت أقوالنا وبدأت تقبض على الناس»

الم تفكروا فى بناء كنيسة من قبل ؟

«لم يحدث ففى قرية العبيد المجاورة توجد كنيسة نذهب للصلاة فيها ولم نفكر يوما فى بناء شيء لأننا لا نريد مشاكل فهذه الأمور شديدة الحساسية وحتى مجرد محاولة أى قبطى تجديد بيته أو بناء بيت جديد أمر غير مقبول لأنهم يشكون فورا أننا نبنى كنيسة وبالتالى أصبحنا نتجنب هذا تماما»

القرية تابعة لأسقفية المنيا التى يرأسها الأنبا مكاريوس وكما علمنا من رضا إبراهيم رفضت الكنيسة أن تشارك فى عملية الصلح بينما تولى هذا الأمر الشيخ مصطفى أبو حسين والذى عندما سألته كيف تفجرت المشكلة ؟

أجاب:» احد الأقباط عنده بيت نصف قيراط فكر فى إنشاء حضانة وهذه طبيعى وانطلقت إشاعات أن النصارى يبنون كنيسة وما عرفته أن مدرسة ستحضر من الكنيسة لتدرس لهم وأن الحضانة محصورة على المسيحيين فقط, و الشباب تحفزوا للأمر وتواصلوا عبر الانترنت وتجمعوا معا وحدثت المشكلة .

بعد ذلك عرفنا أنها حضانة وكانت مؤجرة للكنيسة أو جمعية مسيحية , وما حدث رد فعل غير طبيعى قريتنا لم نكن نفرق فيها بين المسلم والمسيحى وكنا نتشارك معا فى كل شيء وهم مجرد شباب غير مسئول والقصة انتهت بسرعة عندما وصلت الشرطة كان بيت واحد فقط أشعلت فيه النيران والأولاد دخلوا البيت وكسروا محتوياته و(الحاجات البسيطة دي) !!!! فى البداية أولادنا دخلوا وكسروا الحضانة ويبدو أن هذا ضايق أصحاب البيوت المجاورة فرموا زجاجات والطوب والأولاد غضبوا وعادوا وأشعلوا النيران فى بيوت هؤلاء.

وبالنسبة للسرقة اخذوا أنبوبة بوتاجاز وأشياء أخرى بسيطة , وهذا شغل الشرطة وممكن يكونوا ناس مندسة نتيجة للتجمهر وعندما حضرت الشرطة قبضت على حوالى 26 وما عرض على النيابة 18 وبدأنا نتحرك واتصلت بالعمدة وذهبنا للمسيحيين وهم إخوتنا وتحدثنا مع بعضهم والكل بدا يتحرك وتدخل السيد مطران في المنيا وابدى استعداده للصلح»

ما عرفته أن المطران رفض وطلب أن تسير الأمور حسب القانون ؟

-:«هم قالوا يريدون الحل قانونى ولكنه لم يتأخر عندما طلبنا لقاؤه وحتى اللحظة لم نجلس لحل الموضوع , وأنا أحضرت الأقباط من العبيد وأبو يعقوب وتواصلت مع العمدة وكان معنا مسيحيين وتحركنا فى نفس الاتجاه وطلبوا أن يستأذنوا المطران وقلنا لا مانع وقابلنا المطران وشرحنا له ما حدث و استوعب الموضوع ولكنه قال لا يصح أن نتدخل كرجال دين, ،نحن جلسنا مع الأقباط وقدروا الخسائر فى كشف راجعناه وأجرينا معاينة للبيوت مع ناس لديهم خبرة وكانت المبالغ اقل من تقديرهم كثيرا ولما حدث من خسائر و رضوا بها».

وماذا عن الشق القانونى ؟

:ِ«الموضوع لم يكن مرتبا أو فيه نية لإيذاء احد هى مجرد (حركات عيال صغار)وبالتالى أفضل أن يتم تسويتها عرفيا ولا توجد أى ضغوط على الأقباط وهم راعوا الجيرة وتمت التسوية «

هناك شكوى من الشك الدائم أن أى قبطى يبنى منزلا يعتقد انه كنيسة فهل تمنعون بناء الكنائس فى القرية ؟

«قريتنا عددها حوالى 10 آلاف ونسبة المسيحيين لا تزيد عن 10 أو 5 % فقط وهى نسبة ضعيفة وقرية العبيد المجاورة بها كنيسة فما الداعى لبناء كنيسة هنا؟»

صلبان وذقون وجبل

يذكر تقرير الحالة الدينية الذى يصدر قريبا عن مركز دال للأبحاث والإعلام أن استخدام الرمز الدينى فى التعبير عن الهوية الدينية تحول فى مصر من كونه أداة من أدوات الطقوس المقدسة إلى كونه الفعل نفسه وله قداسته ويرى التقرير أن استخدام الشعارات الدينية أو مكبرات الصوت لرفع الأذان والصلاة فى الطرقات والمبالغة فى الزى مثلا كأن يحرص أنصار التيار الإسلامى المتشدد على الزى النمطى من جلباب قصير ولحية أو ارتداء النساء للخمار والنقاب بينما على الجانب القبطى يبدو الرمز الدينى مثل الصلبان بأنواعها أو الاجبية التى رفعت بشكل كبير عقب أحداث قرية صول أو فتنة إمبابة بعد عمليات الاعتداء على الكنائس يراه التقرير عنفا رمزيا مقابلا للعنف الإسلامى.. فى قرية (طهنا) الجبل على الجانب الشرقى لنهر النيل وعلى بعد حوالى 25 كيلو من مدينة المنيا يبدو الأمر وكأنه التطبيق الكامل بكل تفاصيله لما ذكره التقرير من القرى القليلة التى تحتوى على كنيسة كبيرة يختبئ معظم تفاصيلها خلف الأسوار العالية التى تحيط بها لكن قبتها وبوابتها الكبيرة كفيلة بتأكيد حضورها.

البيوت أمام الكنيسة تفصح بوضوح عن الهوية القبطية لهذا الجزء من القرية تظهر الصلبان التى تعلو بعض بوابات البيوت بينما وقف احد الشباب أمام بيته المواجه للجبل كاشفا عن صدر وذراعين تحولا بفعل الوشم لمعرض فنى قبطى سلسلة تطوق رقبته كلها دقت بالوشم وصليب ضخم لا تبدو نهايته تحت فانلته الصيفية البيضاء بينما ملأت صورة العذراء احدى ذراعيه بالكامل وعلى الذراع الآخر وشم للقديس (مارى جرجس) وتوزعت الصلبان بمختلف أحجامها على كف يده وأسفل معصمه .. تذكرت فورا قرية( كوم اللوفي) التى تزينت معظم بيوتها بشعارات التهنئة الدينية بالحج والعمرة بينما لا زالت صور حازم أبو إسماعيل ومرشحى التيار الإسلامى ومحمد مرسى معلقة على حوائط بيوت قرية نزلة أبو يعقوب مجاورة ليافطة تشير لمقر حزب النور القريب !!

فى (طهنا الجبل) تلتصق البيوت بالجبل وتبدو أكثر بياضا حيث تأتى الحجارة من الجبل القريب الذى يعمل فيه أكثر من نصف السكان. بيت القس (متاؤس) القريب من الكنيسة لا يبعد عن الجبل بأكثر من ثلاثين مترا هى نفسها المسافة بينه وبين المكان الذى شهد أحداث العنف التى راح ضحيتها احد أقارب القس وهو الشاب فام مارى خلف ,وأصيب شقيق القس بطعنة نافذة وجرح فيها والده نجيب حنا , فى بيت القس كان الجميع رافضين تماما الحديث عن الواقعة ولم يكن القس موجودا تكلمت معه عبر الهاتف وأعلن عن رفضه التعليق عما جرى معتبرا انه أمر متروك للقانون ليأخذ مجراه بينما كان رده الوحيد على أسئلتى أن الكلام لن يغير شيئا وانه لن يتحدث مع احد عن القصة نهائيا هو أو أهل بيته «

فى مواجهة الجبل تقابلت مع أم إسحاق احدى شهود العيان الحادثة والتى تحكى عن الخناقة كما تسميها فتقول :«هذه أول مرة تحدث خلافات مع جيراننا المسلمين وكلها بسبب الأطفال والمشى فى الشارع وكان الأولاد المسلمون يسيرون بسيارة بها جراكن المياه وحدث احتكاك بسيط بينهم وبين والد القس واحد أبنائه تطورت لمشاجرة وعندما حضر قريب للقس تم طعنه بمطواة كانت فى يد احد الشباب من المسلمين ثم اتسعت المشاجرة وانضم إليها العشرات من الطرفين والأكثرية كانت من المسلمين الذين حضروا من جنوب البلد وحدثت الإصابات التي كانت نتيجتها وفاة فام الذى تم نقله بتروسيكل شقيقه حيث لم تحضر سيارة الإسعاف ولم تحضر الشرطة سوى بعد منتصف الليل .»

فى بيت العائلة .. لن نكون بديلا للقانون وما نفعله تذويب للخلافات ..

 

داخل مكتب فريد الشريف رئيس بيت العائلة بسمالوط وبحضور فريد العمدة احد أعضاء بيت العائلة هناك طرحنا عليهم عددا من الأسئلة حول فكرة بيت العائلة وما يقوم به من دور ورفض البعض لهذا الدور أصلا

سألتهما عما يحدث فى قرية كم اللوفى ورفض الأقباط هناك لفكرة التصالح وحقيقة الدور الذى يلعبه بيت العائلة هناك وأجاب فريد الشريف قائلا :» ما حدث هو سوء فهم وتحسس شديد من جانب أهالى القرية التى تضم عددا كبيرا من المتشددين إسلاميا تجاه فكرة بناء كنيسة وهو أمر لا ننكره فالقرى أصبحت تضم تيارات كبيرة من المتشددين سلفيين وإخوان وهؤلاء لديهم القدرة الحقيقية على «تحريك الجهلة» فى قرى تبلغ نسبة الأمية بها حوالى 45% وما حدث فى كوم اللوفى نموذج على هذا وهو نموذج للأسف متكرر بشكل كبير رغم أن القرآن والسنة لم يرد يهما أى نص يمنع بناء الكنائس ولكن أصبح هناك بحكم انتشار التشدد والجهل أعراف ثابتة تمنع بناء الكنائس لدرجة أن مجرد وجود الشرطة مثلا فى القرية عقب الإبلاغ عن مهاجمة بيوت الأقباط قوبل برد فعل عنيف وتم حرق سيارة المأمور ومحاولة التعدى على رجال الشرطة .»

ويكمل مقار العمدة ..:» منذ البداية نحن كمنضمين لبيت العائلة لا نعتبر ما نقوم به بديلا عن القانون على القانون أن يأخذ مجراه ولو قيل لى أنا شخصيا أن ما نقوم به سيكون بديلا للقانون فلن اقبل العمل «

ولكن الأنبا مكاريوس يرفض هذا خشية إهدار القانون ؟

ويعلق مقار قائلا :» لكل شخص وجهة نظره ونحن نتحرك فى حدود مركز سمالوط ونتوسط فى دائرة المركز وكما قلت لو كان بيت العائلة بديلا للقانون فليذهب للجحيم ومهمة بيت العائلة كما أراها هى محاولة تذويب الخلافات بشكل اجتماعى وليس قانونا وأنا مع الأنبا مكاريوس فى تحفظه على سلوك بيت العائلة فى المنيا وقلت هذا بشكل واضح وأننا يجب ألا نسير على نفس النهج فبيت العائلة بأبو قرقاص وأداؤهم فى حادثة تعرية السيدة القبطية كان لا يليق لان هناك فرقا بين ان تصلح وان تضيع الحقوق «

هناك خلاف أصلا على مسمى فتنة طائفية فهل ما يحدث فى المنيا فتنة أم اضطهاد ؟

يجيب حمدى الشريف :» لا توجد فتنة بل يمكن إن نسميها اعتداء من فئة على أخرى وغالبا ما يكون من الأكثرية على الأقلية وهو ما يحدث لدينا فى المنيا وكلها تعبير عن فهم خاطئ للدين والموروث وللأسف ما يحدث عادة ان الدولة لا تقوم بواجبها كما يجب تجاه تلك الأحداث وغالبا ما يذهب الأمن متأخرا جدا وتكون المصيبة قد وقعت بالفعل وهذا حدث فى أبو قرقاص للأسف بينما مثلا فى أحداث أخرى كأحداث قرية كوم اللوفى مثلا حضر مبكرا ولكن أدى هذا لتوجيه العنف تجاه الشرطة نفسها حيث تم مثلا إشعال النار فى سيارة المأمور وفى رأيى الشخصى ان تأخر القضاء فى حسم تلك القضايا أو ما نسميه العدالة الناجزة أمر شديد الأهمية خاصة فى القضايا التى يسقط فيها ضحايا لان طبيعة المجتمع الصعيدى التى تتعامل مع الثأر بتقديس شديد لن تتحمل انتظار سنوات قبل الحكم على الجانى خاصة فى قضايا الخلافات بين المسلمين والأقباط »

ويضيف مقار العمدة :«فكرة بيت العائلة لا زالت رغم مرور خمس سنوات على إنشائها فى بدايتها والمجتمعات هنا لديها أعرافها الثابتة والمسيطرة منذ سنوات طويلة والمهم أن نجد أشخاصا معتدلين يديرون هذا الملف فانا كمسيحى على سبيل المثال لدى دائما هاجس أن الأغلبية المسلمة هى التى ستضع شروطها وتقر الأوضاع التى تريدها ولدى هاجس الرغبة فى إظهار هويتى مقابل الآخر الذى يعبر ايضا عن هويته ويبدأ التناطح ما نريده قبل القانون والمجالس وحتى بيت العائلة هو تغيير ثقافة الناس وتفكيك تلك المخاوف والهواجس الدائمة وترك الأمور لتسير بشكل طبيعى ولا اعرف لماذا لا تترك حرية إنشاء دور العبادة للجميع بلا قيود فى أوروبا الكنائس أصبحت تؤجر كقاعات أفراح الممنوع دائما مرغوب فيه».

الأنبا مكاريوس أسقف المنيا وأبو قرقاص: لـم أحضر جلسة عرفية واحدة والقانون لابد أن ينفذ

 

دائما ما كان يتردد اسم الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا وأبو قرقاص باعتباره صوتا مخالفا لجلسات الصلح العرفية وداعيا لتفعيل القانون كأداة لضبط أداء الجميع فى مواجهة أحداث الفتنة والعنف الطائفى ,,فى مكتبه بمقر الكاتدرائية العامة بالمنيا التقينا به وكان سؤالى الأول له عن بروز ظاهرة العنف الطائفى فى المنيا أكثر منها فى باقى المحافظات ؟

وأجاب :«لابد أن نعترف أولا أن الاحتقان بشكل عام بين المسلمين والأقباط موجود منذ عشرات السنين والمنيا على وجه التحديد خرج منها اكبر قيادات الإخوان والسلفيين وعندما حدث ضغط على هؤلاء فى القاهرة تركوها وكانت المنيا هى وجهتهم الرئيسية ولم تهتم الدولة كثيرا طالما بعدوا عن الرأس , هذا من جانب ومن جانب أخر,المنيا بها أكثر من 2 مليون مسيحى أى حوالى ثلث عدد السكان موزعين على جميع المراكز والقرى وهى نسبة لا توجد فى باقى المحافظات ورغم ذلك فهناك حوالى 600 قرية لا توجد بها كنائس وعندما يحاول الأقباط ممارسة شعائرهم تحدث المشاكل ,بدأنا نقول لا نريد قبة ولا منارة ولا جرس فقط قاعات صغيرة لممارسة الشعائر أو حتى حجرة صغيرة فى بيت حتى لا يضطر الناس لترك قراهم وتكبد مشقة وأخطار الطريق , فعندما يطالب الأقباط ببناء الكنائس تحدث مشاكل وعندما يصلوا خلسة فى بيت حتى لا يطالبوا ببناء كنيسة تحدث مشاكل وطوال الوقت هم تحت رحمة الجهات المختصة فى السماح أو المنع الحماية أو الترك «.

ماذا تقصد بالجهات المختصة ؟

:الداخلية فهى لها الدور الأكبر فى هذا الملف لأنها تمثل الإرادة السياسية , فلو أن الداخلية ردعت منذ البداية من يعتدى فلن يفعلها ثانية ولكن أحيانا برضا من الجهات الأمنية أو بتواطؤ معها يحدث ما يحدث وهو للأسف يجعلنا نقول إن الشرطة نفسها ربما تحتاج مراجعة لموقفها فى هذا الملف والمسئول على كرسيه هو مصرى وليس مسلما أو قبطيا طالما هو فى موقع المسئولية كل تلك الأمور لو تجمعت معا ربما تعطينا تفسيرا منطقيا عن حالة الاحتقان الطائفى والحوادث المتكررة فى المنيا وربما غيرها من المحافظات «

وبالنسبة لقانون العبادة الموحد اعترض عليه لان المساجد لا تحتاج لقانون وأصبح قانون بناء الكنائس فقط الآن الحكومة قدمت القانون والبابا وافق عليه وذهب للرئاسة ومنه إلى البرلمان وسوف يتم نقاشه ولكن بأى روح وأى عقلية فيه أفكار أن الكنائس أماكن كفر وتعنت من الأجهزة المختصة ,كما أن تواجد الحكومة وهيئاتها غير موجودة فى القرى وما يقرب من 80% من القرى تخضع لمراكز القوى داخل تلك القرى والنجوع ومركز القوى قد يكون عمدة نائب فى البرلمان أو رجل أعمال شيخ قبيلة وهذا بديل للحكومة والدليل انه عندما يحدث مشكلة يقال الحكومة مش قاعدة لكم والأمن مش قاعد «.

أنت غير راض عن الجلسات العرفية فلماذا لا تراها حلا مناسبا ؟

«جلسات الصلح مقبولة من اجل علاج البعد المجتمعى فى المشكلة ,لكنها ليست بديلا للبعد القانونى أو أن يقوم أصحابها بدور الدولة أو الحكومة فالقانون لابد أن يأخذ مجراه , ربما فى المشاكل الصغيرة تكون جلسات أسرية من اجل التعايش ولكن أن تكون الجلسات هى الحاكمة كل مرة وأن تأتى على الطرف الضعيف وفى كل مشكلة مهما كان حجمها ويقبلوا بشروط مهينة ويفلت الجناة هذا!!! لن يحدث إصلاحا أبدا ولو بعد مائة عام طالما القانون لا يفعل وكل مرة تم الاعتداء على الأقباط لم يتحدث احد عن القانون وموقفى معلن ورافض تماما لهذه الجلسات فالقانون لابد ان ينفذ»

البعض يتهمونكم بأنكم تديرون الملف بشكل سياسى بحت سواء بالضغط على الدولة أو التحالف معها ؟

«الكنيسة ليست طرفا ولا تتدخل فى قرارات إباءها سواء أنا أو الطرف الأعلى نحن لسنا أوصياء على الأقباط وهم يفعلون ما يريدون .وعندما سألونى لماذا يلجأ الأقباط للكنيسة ولا يلجأون للشرطة قلت لهم لان الأقباط لم يجدوا الشرطة فى خدمتهم كما يقال وعندما لجأوا لها لم يساعدهم احد .

كنت دوما أقول أننى اخشى أن يجد الشعب فى الكنيسة والجامع مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة والآن هذا موجود فهى توفر الطعام والتعليم والعلاج عبر الجمعيات الأهلية التى لا يجب أن يزيد دورها عن تقديم المساعدة

ولكن الدولة لابد أن تقوم بدورها تماما وعندما الجأ للشرطة مثلا فلابد أن تقوم بدورها مضبوط لا تغيره أو تضغط على فى قضية ما تضطرنى أن اذهب للعدول عن أقوالى كما يحدث عادة ,وهناك فرق بين التصالح والعدول عن الأقوال «

كم جلسة عرفية حضرتها كرجل دين ؟

لم احضر جلسة واحدة ولن احضر,لان هذا معناه أنى أقنن تلك الجلسات ولو تابعتم الفيديو الذى نشر مؤخرا عن جلسة عرفية يتحدث فيها احد الأشخاص بشكل مستفز ومهدد للحضور فهل تقبل الدولة أن يتكلم رجل فى حضور ممثل لها بتلك الطريقة ؟

فإذا كان الأهالى من اجل أن يعيشوا ويحافظوا على أراضيهم وبيوتهم ومواشيهم يقبلون بهذا فلماذا تقبل الدولة ؟»

هل ترى أن قانون بناء الكنائس المطروح على البرلمان الآن يمكن أن يحل جزءا من المشكلة ؟

:» القانون فى صورته الأولى كان قانون عدم بناء الكنائس ولكن بعد أن رفعوا منه بعض الألغام أصبح مقبولا ولكن من الممكن أن يوافق عليه المجلس أو يرفض واخشى من البنود التى تسمح لتدخل الأمن فلو قال أن الحالة الأمنية لا تسمح لن تبنى الكنيسة ولو قال يخشى من مشاكل لن تبنى الكنيسة ولن يتخلى الأمن عن الملف القبطى حتى لو قال القانون عكس ذلك «

فى تصورك كيف يمكن حل تلك المشكلة ؟

الموضوع يحتاج لمحورين أولهما التنوير للمسلمين والمسيحيين ، والثانى هو القانون والقانون بدون تنوير لا استطيع أن افعله ومجرد نص جامد النص ومجحف والتنوير بدون نص غير ملزم ويبدو أمرا عائم التنوير يتم على 6 محاور أهمها تغيير الثقافة وهذه ربما يحتاج لثلاثين عاما مثلا لو كنا بدأنا فى الثمانينات كانت حدثت نقلة كبيرة المحاور هى الأسرة, المنهج ,المدرس ,وهو اخطر الخطاب الدينى استثمار الميديا ,القرار السيادى «


2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com