Print
د. عماد جاد .. وجوه من زمن الفتنة

خرج نواب حزب النور السلفى على الإجماع الوطنى برفض قانون بناء الكنائس. بعضهم غادر القاعة حتى لا يشارك فى التصويت، وظل بعضهم الآخر جالساً عندما طلب رئيس المجلس التصويت على القانون وقوفاً. وفى اليوم التالى خرجوا للمرة الثانية على الإجماع بشأن قانون تشديد عقوبة ختان الأنثى. الحقيقة أن انتهاكات السلفيين لنمط حياة المصريين لم تتوقف منذ خرجوا إلى العلن وعلى مدار العامين الماضيين. نجح التيار السلفى فى تثبيت أوضاعه فى مجالى الدعوى والحياة السياسية، ولديهم قناعة تامة بأنهم ورثة الإخوان، ويبدو أن هذه القناعة تتلاقى مع أخرى أمريكية أو ضرورة واقعية لدى واشنطن بأن حزب النور السلفى سيرث حزب الحرية والعدالة الإخوانى، ومن ثم بدأت اللقاءات سريعاً فى واشنطن وفى السفارة الأمريكية بالقاهرة،

وسرعان ما دخل الحزب السلفى فى قلب اللعبة السياسية بقواعدها الأمريكية، أو بقواعد السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة، فكانت اللقاءات مع أبناء العم، تارة مع رموز سياسية مثل لقاء نادر بكار مع رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة، تسيبى ليفنى على الأراضى الأمريكية، وتارة مع رموز دينية حيث التقى قيادات فى الدعوة السلفية مع رجال دين يهود (حاخامات)، وكانت مساحة المشترك الفكرى بينهما واسعة للغاية.

ومؤخراً بدأ الحزب السلفى فى رفع صوته مجدداً رافضاً كل ما هو مصرى وطنى مرتبط بالهوية المصرية الأصيلة، فتجد رموزه تستهدف مساحة المشترك بين المصريين، يتحركون على الأرض فى القرى التى تشهد وجوداً لهم ويعترضون على بناء الكنائس يهيجون مشاعر العامة والبسطاء ضدها، يسعون لفرض شروطهم مثل منع وجود صلبان أو قباب فى مبنى الكنيسة. وعندما صدر قانون بناء وترميم الكنائس، وبعد أن رفضوه علناً فى مجلس النواب أفتى برهامى والشحات بعدم جواز مشاركة المسلم فى أعمال بناء الكنائس، هذا إضافة إلى حفاظهم على فتاواهم الموسمية بعدم تهنئة المسيحيين بالأعياد.

مشكلة هذا الوضع مركبة للغاية، فمن ناحية أولى فإن وجود حزب النور السلفى وغيره من الأحزاب الدينية يعيق عملية التحول الديمقراطى المتعثر فى البلاد، فلا ديمقراطية دون فصل الدين عن السياسة، ووجود هذه الأحزاب قائم على الخلط بينهما، ويمكن لمثل هذه الأحزاب أن تستغل حال المجتمع الذى يعانى من الفقر والجهل، ومن ثم تسيطر بخطابها الدينى على قلوب الفقراء والبسطاء، ومن ثم تلعب دوراً خطيراً فى إعاقة عملية التحول الديمقراطى فى البلاد. ومن ناحية ثانية يعمل وجود الأحزاب الدينية على إضعاف الروح الوطنية، فالوطن لديهم جميعاً: «حزمة من التراب العفن» والرابطة لديهم دينية لا وطنية، ومن ثم لا يعشقون تراب الوطن، ولا يحترمون النشيد الوطنى، ولا يؤدون التحية لعلم البلاد، فكلها لديهم عناصر جاهلية ووثنية. ومن ناحية ثالثة فهم جميعاً لا يؤمنون بالديمقراطية وكل ما يرتبط بها من قيم، ويعتبرون التحزب من عمل الشيطان، وإذا قبلوا بالعمل وفق قواعد اللعبة «الشيطانية فى قناعاتهم» فذلك إلى حين الوصول لمرحلة التمكين، بعدها لا ديمقراطية ولا تعددية ولا أحزاب ولا انتخابات، بل جماعة واحدة تفرض قانونها ورؤيتها على الجميع وبالسلاح.

ومن ناحية رابعة لا تؤمن هذه الأحزاب بقيمة المواطنة ولا المساواة، وتعتبر المخالف لها دينياً أدنى من مرتبة العضو فى الجماعة، حقوقه منقوصة وعليه أكثر مما على أعضاء الجماعة من واجبات، ومنها الضريبة الخاصة التى تسمى «الجزية». وتُعد تصريحات وفتاوى الدكتور ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، الأكثر وضوحاً وصراحة قى التعبير عن فكر التيار السلفى، بعكس مواقف وتصريحات جناحها السياسى، حزب النور. ومؤخراً وضع برهامى ما سماه «تأصيل شرعى لأتباعه وللمسلمين» بألا يتعاونوا مع العلمانيين ودعاة الديمقراطية والوطنية والاشتراكية، فهم دعاة جهنم ومثواهم النار، فقد جمع الرجل فى دعاة جهنم أنصار الوطنية المصرية أى من يؤمنون بمصر وطناً لجميع المصريين، ودعاة الديمقراطية أى الذين يؤمنون بمصر دولة مدنية حديثة تنهض على المواطنة والمساواة وحكم القانون.

مصر دولة تقوم على التعددية الحزبية ودورية الانتخابات وتداول السلطة، على المساواة والمحاسبة، على مبدأ أن الحاكم موظف عام يعمل لدى الشعب وليس سيداً للشعب، يربطه بالشعب عقد اجتماعى، فهو ليس بظل الله على الأرض. ما تحدّث به السيد برهامى هو ما يؤمن به كل أعضاء وأنصار تيار الإسلام السياسى من إخوان وسلفية وجماعات جهادية، وقد عبّر عن فكره بوضوح بعيداً عن الأعمال البهلوانية التى يقوم بها عناصر الجناح السياسى للحركة.

لكل ذلك يبدو مهماً للغاية أن يجرى تحديد هوية البلد بوضوح، هل هى هوية مصرية وطنية تتشكل من طبقات حضارية متراكمة من فرعونية وقبطية وعربية إسلامية، أم هى دولة دينية ومن ثم فلا مجال للحديث عن الوطن والمواطنة؟ ويكون لبرهامى وكل أنصار تيار الإسلام السياسى الحق فى نشر رؤاهم وأفكارهم. ما هو قائم اليوم ينطوى على ازدواجية ما بين دستور يتحدث عن المواطنة والمساواة فى الحقوق والواجبات بين المصريين جميعاً دون تفرقة بسبب الجنس أو الدين أو العرق أو الطائفة، دستور يمنع بشكل واضح لا لبس فيه قيام الأحزاب على أساس دينى، طائفى أو جهوى، وبين واقع يشهد وجود أحزاب دينية متطرفة ترفض المواطنة وتنفى المساواة، أحزاب قائمة ولها مقار فى العاصمة، وحزب منها له أحد عشر عضواً فى مجلس النواب وهو حزب النور، جناحه الدعوى ينشر الفتن ويروج لرفض الهوية المصرية ويمقت الديمقراطية ويعتبرها رجساً من عمل الشيطان، أنصار الحزب ودعاته هم رموز للتطرف والتشدد، هى وجوه خرجت علينا فى زمن الفوضى وكانت بمثابة وجوه للفتنة وآن الأوان للدولة المصرية كى تحسم موقفها وتنهى هذه الازدواجية وترفع هذه المخالفة الدستورية.

مؤخراً بدأ الحزب السلفى فى رفع صوته مجدداً رافضاً كل ما هو مصرى وطنى مرتبط بالهوية المصرية الأصيلة فتجد رموزه تستهدف مساحة المشترك بين المصريين يتحركون على الأرض فى القرى التى تشهد وجوداً لهم ويعترضون على بناء الكنائس يهيجون مشاعر العامة والبسطاء ضدها يسعون لفرض شروطهم مثل منع وجود صلبان أو قباب فى مبنى الكنيسة