Print

أحداث ماسبيرو: الجريمة والمؤامرة!

 بقلم منير بشاى

       تمثل احداث ماسبيرو نقطة فارقة فى تاريخ النضال القبطى من اجل الحرية والمساواة.  هى علامة على الطريق يتحتم ان يقف عندها كل دارس لتاريخ الاقباط ليتأمل الدرس المستفاد، ويفهم صلته بما سبقه وما لحقه من أحداث.

       احداث ماسبيرو هى حلقة ضمن حلقات مسلسل ذلك النضال الطويل ولا يجب ان تؤخذ على انها حدث قائم بذاته وقعت تفاصيله فى ذلك اليوم الحزين الموافق الاحد 9 اكتوبر 2011.

       كانت احداث ذلك اليوم هى رد فعل مباشر لعمل ارهابى حدث فى محافظة اسوان.  وكان الغوغاء قد قاموا بهدم كنيسة فى قرية الماريناب بحجة انها غير مرخصة.  هذا مع ان الكنيسة كانت قائمة وتمارس خدماتها منذ منتصف ثمانينات القرن الماضى.  بل وحتى الشارع الذى تقع فيه الكنيسة كان يحمل يافطة رسمية باسم "شارع الكنيسة".

       تخاذلت الدولة كالعادة فى وقف الاعتداء فى بداية وقوعه، وما زاد الطينة بلة تصريحات محافظ اسوان التى وجهت اللوم للاقباط وايدت المعتدين.

       كان هدم الكنيسة وموقف السلطات الرسمى عملا استفزازيا يضاف الى مسلسل الاعتداءات على الكنائس الذى انتشر فى مصر فى ذلك الوقت ومنها ما حدث فى صول وامبابة.  وقرر الاقباط انهم لن يأخذوا المزيد خصوصا بعد قيام ثورة 25 يناير 2011 التى كان للاقباط دورا بارزا فيها والتى كان يترجى الاقباط بعدها خيرا كبيرا.

       وعلى ذلك قرر الاقباط اعلان التظاهر احتجاجا على ما حدث فى قرية الماريناب.  وبدأ الاحتجاج باعتصام امام مبنى الاذاعة والتلفزيون بماسبيرو يوم 4 اكتوبر 2011 وكانت مطالب المتظاهرين تقديم المعتدين على كنيسة الماريناب للمحاكمة واقالة محافظ اسوان.

       وفى مساء ذلك اليوم قررت السلطات فض الاعتصام بالقوة.  وقامت قوات الامن المركزى بضرب بعض المتظاهرين ومطاردتهم الى ميدان التحرير.  ثم قامت قوات الشرطة العسكرية بتوجيه الأوامر لمن تبقى بترك المكان.  وعندما رفض المعتصمون الانصياع قامت الشرطة العسكرية باطلاق النيران فاصابت 6 من المعتصمين، وقامت بضرب الشاب رائف فهيم ضربا مبرحا.  وهذا دعا المتظاهرين الى الاعلان عن تنظيم مظاهرة سلمية كبرى يوم 9 اكتوبر 2011 فى عدد من محافظات مصر، وكان على رأسها المظاهرة التى توجهت الى مبنى الاذاعة والتلفزيون بماسبيرو بالقاهرة.

       بدأت المظاهرة من شارع شبرا وعندما وصلت الى كوبرى السبتية تعرضت الى الرشق بالحجارة والزجاجات الفارغة فى محاولة لتفريقها ولكن المحاولة لم تنجح ووصلت المظاهرة الى ماسبيرو.  وهناك لوحظ انضمام بلطجية اندسوا بين المتظاهرين مع فلول الحزب الوطنى كما انضم للمظاهرة اعداد كبيرة من السلفيين الذين كانوا يهتفون "اسلامية اسلامية".

       ومن ناحية اخرى كان التلفزيون المصرى الرسمى يبث نداءات تحريضية ضد المتظاهرين الاقباط مدعيا انهم يعتدون على قوات الجيش واخذ المذيعون يناشدون المواطنين المسلمين بأن يهبّوا لانقاذ جيش مصر من الاقباط.  ونتيجة لذلك قيل ان اعدادا من اهالى ابو العلا وغمرة انضموا الى عناصر الجيش ضد المتظاهرين الاقباط.  وبديهى ان تحريضات التلفزيون كانت كاذبة وغير مسئولة.  فمن غير المعقول ان يعتدى قلة من الاقباط غير المسلحين على قوات الجيش المسلحة خاصة ان حصيلة الضحايا كانت غالبيتها من الاقباط.

       فور وصول المظاهرة للموقع فرضت قوات الجيش حصارا أمنيا حول مبنى ماسبيرو وتراجع المتظاهرون الى كورنيش النيل.  وظهر فى المشهد مجهولون يستقلون دراجات بخارية فى حماية الشرطة العسكرية واعتدوا على المتظاهرين.  وتتوالى الحوادث بسرعة حيث ظهرت المدرعات العسكرية تدعس المتظاهرين تحت الجنازير وتطلق عليهم النيران مستخدمة الذخيرة الحية.  وكانت حصيلة ذلك اليوم المشئوم مقتل 24 الى 35 معظمهم من الاقباط، كما كان هناك عددا من الجثث التى القيت فى النيل وظهرت بعد ايام طافية فوق الماء.

       ولا يمكن ان نتعرض لحوادث ماسبيرو دون الاشارة لاهداف المؤامرة الخفية التى يبدو انها كانت تحرّك المسئولين فى التعامل مع ظاهرة الاحتجاج الجديدة التى لم تتعودها من الاقباط.

       وهو يكشف زيف المسئولين الذين كانوا دائما يلومون الاقباط على سلبيتهم وعزوفهم عن الاشتراك فى العمل السياسى فى مواجهة الغبن الذى يعانون منه.  ولكن عندما حدث اشتراك فعلى للاقباط فى مظاهرة حقوقية كان الحدث اكبر مما تستطيع معدة الدولة ان تهضمه، ومن ثم كان انزعاجها وقرارها التصدى له.

       على مدى قرون تعودت الدولة ان ترى الاقباط صامتون او يتظاهرون داخل اسوار الكنيسة.  ولم تكن تسمع لهم صوت.  هذا الدور هو ما كانت تفضله لهم الدولة وهو دور الذمى الذى لا يتكلم ولا يثور ولكنه يترك حق الدفاع عن نفسه للمسلمين فى مقابل ان يدفع الجزية عن يد وهو صاغر.

       ولكن الاقباط قرروا فى هذه المرة ان يمارسوا حقهم كمواطنين.  فخرجوا من اسوار الكنيسة الى الفناء الخارجى، ومن الفناء الخارجى الى شارع رمسيس، ومنه الى ميدان التحرير، ومنه الى ماسبيروا حيث قرروا ان يكون هذا مكانهم الخاص للاحتجاج.

       كل الدلائل تشير الى ان هدف مذبحة ماسبيرو الاساسى كان ارجاع الاقباط مرة اخرى الى داخل اسوار الكنيسة.  وفى اعتقادى انه اذا خضع الاقباط لهذا الهدف يكونوا قد تراجعوا الى نقطة الصفر، وضيعوا كل ما كسبوه.  والأهم انهم سيكونوا قد ضيّعوا دماء شهداء ماسبيرو هدرا.

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.