معذرة يا سيدنا الأسقف...

بقلم منير بشاى- لوس انجلوس

 

هذا تعليق على تصريح أدلى به نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب لجريدة البديل بتاريخ 25 مارس 2008 تحت عنوان: الأنبا موسى يهاجم بابا الفاتيكان ...ويشيد بالحكومة والحزب الوطنى

http://www.elbadeel.net/index.php?option=com_content&task=view&id=15031

  وأود أن أؤكد بداية أننى مواطن قبطى عادى يحب كنيسته ويحترم قادتها. ولست أنتمى الى احدى الجماعات التى ظهرت حديثا والتى همها الأول البحث عن قضايا تنتقد بها الكنيسة ورجالها. كما أؤكد أننى من المعجبين بأراء نيافة الأنبا موسى الدينية الروحية وأقرأ له كثيرا. وأن هذه هى المرة الأولى التى أقرأ له فيها تصريحا سياسيا وأتمنى أن يكون ما أقتبس على لسانه فى جريدة البديل غير دقيق، وهو ما يحدث أحيانا مع بعض الصحف، وفى هذه الحالة أرجو أن نعرف حقيقة ما قاله.

أما اذا كان الأقتباس صحيحا فأجد لزاما على أن اكتب لأعلن عن رأيى ازاء بعض ما جاء فيه. هذه مسئولية أحملها تجاه الله وضميرى. وأظن أن الأنبا موسى نفسه يريدنى أن أكون أمينا فى نقل رأيى له بأمانة. ففى كنيستنا الأرثوذكسية لا نؤمن بعصمة البشر، والنقد البناء وارد، وهو لاينتقص بحال من الأحوال من تقديرنا وطاعتنا لآبائنا الروحيين من رجال الأكليروس الأجلاء.

الجزء الذى أزعجنى أولا فى تصريح الأنبا موسى هو انتقاده لبابا الفاتيكان بنديكيت السادس عشر لتعميده للصحفى مجدى علام. وصف الأنبا موسى ما قام به البابا بنديكيت على أنه "شو اعلامى ليس له ارتباط بالعقيدة ويستفز مشاعر المسلمين" وأضاف "أنه من غير اللائق أن ينزل البابا الى مستوى شخص عادى ويجب أن يحاسب عن أعماله"

ولا أريد أن أحكم هنا على صدق ايمان مجدى علام فألله وحده هو الذى يعرف خفايا القلوب، وان كنت استبعد أن انسانا يعرض نفسه للمخاطر ان لم يكن عن اقتناع. كما أننى لا أدافع هنا عن مواقفه التى يعبر عنها فى كتاباته والتى قد يعتبرها البعض معادية لوطنه وأمته. ولكن لا أفهم كيف يمكن أن تصبح مراسيم عماد "شو اعلامى ليس له ارتباط بالعقيدة ويستفز مشاعر المسلمين" هل لأن المراسيم أخذت طابع الأعلام الجماهيرى العلنى أصبحت شو اعلامى؟ أليس العلنية جزء أساسى فى مراسيم العماد الذى يعترف فيه الانسان أمام ألله وأمام الناس أنه اختار هذا الطريق بمحض ارادته وأنه يريد أن يعلن هذا أمام العالم كله اعترافا بايمانه بالرب يسوع المسيح لأنه من يعترف به أمام الناس يعترف به أمام ملائكة أبيه فى السماء؟ ثم كيف يكون عماد انسان عمل لا ارتباط به بالعقيدة مع أنه تنفيذ لما رسمه الرب يسوع لتلاميذه "عمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس". اما الحرص على عدم "استفزاز مشاعر المسلمين" فهو شعور طيب ولكن الا ترى ياسيدى أن تنفيذ وصايا ألله تفوق اعتبارات ارضاء مشاعر البشر؟ ان العقائد بطبيعتها قد تجرح مشاعر من لا يؤمنون بها. يحدث هذا بالنسبة لمشاعر المسلمين ازاء عقائد المسيحين وأيضا بالنسبة لمشاعر المسيحيين ازاء عقائد المسلمين. فالحل ليس فى تغيير العقائد لارضاء الطرف الآخر ولكن فى اقناع الطرف الآخر أن يكون متسامحا فىالتعامل مع عقيدة الآخرين المخالفة لعقيدته. الحل هو أن يفهم الجميع أن الانسان لايملك تغيير عقيدته كما لا يقصد بايمانه أى اهانة شخصية لأى طرف آخرلا يؤمن بها.

أما انتقاد البابا بنديكيت بالقول "انه من غير اللائق أن ينزل البابا الى مستوى شخص عادى ويجب أن يحاسب عن أعماله" فأنا لا أفهم كيف نزل البابا الى مستوى شخص عادى؟ وهل يستطيع شخص عادى (علمانى) أن يقوم بعماد انسان؟ أما اذا كان المقصود ان يقوم بالعماد كاهن عادى (أقل مرتبة) وليس البابا نفسه – فلماذا يجوز للبابا تعميد الباقين كلهم الا هذا الرجل الذى من خلفية اسلامية، وعلى ذلك يجب أن يحاسب على هذا العمل؟ فبغض النظر عن من قام بالعماد فان السؤال يجب أن يتركز على ما اذا كان العماد فى ذاته خطأ أم صوابا؟ ثم من هو الذى يحق له محاسبة البابا وما هى الجريمة التى يحاسبه عليها؟

الجزء الآخر الذى أزعجنى فى تصريح الأنبا موسى هو رفضه اطلاق لفظ "مضطهدين" على الأقباط فى مصر قائلا " الأضطهاد كلمة لا نقبلها على انفسنا ولا على مواطنى الدولة من المسلمين ولكن يمكن أن نقول أن هناك مشكلات وهذا هو حال الأقلية العددية فى أى دولة"

وأعترف أن هذا الكلام قد صدمنى بعنف. فكلمة اضطهاد قد تم حسمها بواسطة التعريف الذى وضعته الأمم المتحدة وهو معروف لدارسى القانون الدولى. ولا يقلل من خطورته اذا حاولنا التخفيف منه واعادة تسميته بكلمة "مشكلات" فعلى اىاساس يمكن أن نقبل "المشكلات" ونعاملها على أنها وضع طبيعى؟ ولا أفهم لماذا يكون قدر الأقليات العددية أن تعانى المشكلات دون أن يكون هناك فى الأفق أمل فى الحل ؟ ولا أقبل محاولة التماس العذر للدولة فى الآصرار على ظلم الأقلية القبطية. ولا اقتنع أن هذا هو حال الأقليات العددية فى أى دولة فى العالم. فأنا أعرف أن الأقليات تأخذ حقوقها فى جميع الدول المتحضرة وعلى سبيل المثال فى الدولة التى أعيش فيها الآن وهى الولايات المتحدة. فلا أحس كشخص ينتمى الى أقلية عددية فى الولايات المتحدة أن القانون الأمريكى يظلمنى فى شىء. ولا أعتقد أن القانون الأمريكى يظلم أى أقلية أخرى سواء على أساس الدين أو اللون أو الأصل العرقى.

وأنا أقدر حساسية الموقف بالنسبة لقادتنا رجال الدين فيما يقولون فى مصر وتأثير ذلك على العلاقات المتوترة بين مسلميها ومسيحيها. ولا أطالبهم دائما بالكلام صراحة فى الأمور التى قد تثير حفيظة بعض المواطنين وتضيف زيتا على النيران. ولكن هناك اختيار آخر: اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com