شهادة الذمي في المحاكم المصرية

بحث فقهي وثائقي من إعداد / ممدوح نخلة

المحامى الدولي

أهل الذمة :-

المقصود بأهل الذمة هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى تحت الحماية الإسلامية وهم مسئولية الدولة وأيضا مسئولية المواطن المسلم فلا يجوز للمسلم الإساءة للذمي تحت عذر أنه غير مؤمن بالقرآن أو الرسول (ص) وقد روي عن الرسول (ص) من أذي ذمياً فأنا خصيمه ومن كنت خصيمه خصمته يوم القيامة ( الخطيب الجامع جزء 2 ص 269 )

وروي أيضاً ( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ) صحيح البخاري حديث رقم 3166

اذ أن  لفظ ذمه يعني عهد وأمان

أول من استخدم هذا اللفظ

كان في عهد رسول الله (ص) وذلك في رسالته إلي أهل نجران فقد كتب لهم : ( ولنجران وحشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله علي أموالهم وأنفسهم وأرضهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير لا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته ولا يطأ من أرضهم جيش ومن سأل منهم حقاً فبينه النصف غير ظالمين ولا مظلومين ( النصوص والتعليق عليها لأبي يوسف ص 78 ، 155 )

فالذمة هي ذمة الله ورسوله وليس ذمة أحد من الناس بقائها لضمان الحقوق لا إهدارها ولاحترام الدين المخالف للإسلام لا لأهانته وللإقرار أهل الأديان علي أديانهم ونظمها لا لحملهم علي الزهد فيها أو الرجو ع عنها فهي عقد لا وضع

وبناء علي ذلك متي نقض الذم العهد بمخالفته لشئ من الشروط المأخوذة عليه ولم يرد إلي مأمنه فالإمام فيه بالخيار بين القتل والاسترقاق

وقد اتفق الفقهاء علي أن الذمي يجب عليه دفع الجزية نظير حمايته وأمانه في بلاد المسلمين فهي مقابل لعدم تكليفه لأداء الخدمة في الجيش الإسلامي

حكمة تشريع الجزية:-

ما جاء في الآية الكريمة في قوله تعالي ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) سورة التوبة آية 29

وجاء في تفسير الجلالين في هذه الآية ما يلي  ( الذين أوتوا الكتاب ) هم اليهود والنصارى ، (حتى يعطوا الجزية ) اى الخراج المضروب عليهم كل عام ، (عن يد) أي منقادين أو بأيدهم لا يوكلون بها (وهم صاغرون ) أي أذلاء منقادون بحكم الإسلام

طريقة دفع الجزية:

اتفق المفسرون علي أن طريقة دفع الجزية هي أن يدفعها اليهود والنصارى وهم أذلاء كارهون فقد جاء في تفسير أبن كثير ( وهم صاغرون ) أي ذليلون حقيرون مهانون فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم علي المسلمين بل هم أذلاء صغره أشقياء كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (ص) قال لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فأضطروهم إلي أضيقه 0

وجاء في تفسير الطبري لذات الآية ( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) أي تأخذها وأنت جالس وهو قائم وقال آخرون معني قوله (حتى يعطوا الجزية  عن يد وهم صاغرون ) عن أنفسهم بأيديهم معناها يمشون بها وهم كارهون  0

بعض ما جاء في كتاب سراج الملوك لمحمد بن الوليد الطرطوشي في أحكام أهل الذمة

وروي أن أمير المؤمنين جعفر المتوكل أقصي اليهود والنصاري ولم يستعملهم ( لم يستخدمهم) وأذلهم وأقصاهم وخالف زيهم و زى المسلمين وجعل علي أصوابهم مثالا للشياطين لأنهم أهل ذلك وقرب منهم أهل الحق وباعد عنهم أهل الباطن والأهواء فأحيي الله به الحق وأمات به الباطل وكان عمر بن الخطاب يقول لا تستعملوا اليهود والنصاري فأنهم أهل رشا في دينهم ولا تحل الرشوة ولما استخدم عمر بن الخطاب أبي موسي الأشعري من البصرة وكان عاملاً للحساب دخل علي عمر وهو في المسجد واستأذن لكاتبه وكان نصرانياً ان يعمل عنده

فقال له عمر قاتلك الله -وضرب بيده علي فخذه- وليت ذميا علي المسلمين !! أما سمعت الله تعالي يقول ( يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود و النصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم ..... ) سورة المائدة 51

فقال يا أمير المؤمنين لي في كتابته وله دينه فقال لا أكرمهم إذا أهانهم الله ولا أعزهم إذا أذلهم الله ولا أدنيهم ( أقربهم ) إذا أقصاهم (أبعدهم) الله

رد نصارى أهل الشام علي كتاب عمر بن الخطاب في صلحهم

بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذريتنا وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم علي أنفسنا ألا نحدث في مدايننا ولا حولها ديراً أو كنيسة أو صومعة راهب ولا نجد ما خرب منها ولا مكان فيها من خطط المسلمين في ليل أو نهار وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل وأن ننزل من مارة بنا من المسلمين ثلاث ليال ولا نأوي من نايسننا جاسوسا ولا نكتم غشا للمسلمين ولا نعلم أولادنا القرآن ولا نظهر شرعنا ولا ندعو إليه أحداً ولا نمنع أحداً من ذوي قرابيننا الدخول في دين الإسلام إن أراد 0وان نوقر للمسلمين ونقوم لهم من مجالسنا إذا أراد الجلوس ولا نتشبه بهم في شيء من لبساهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا ننكي بكتاهم ولا نركب بالسروج ولا نتقلد السيوف ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله معنا ولا ننقش علي خواتمنا بالعربية ولا نبيع الخمور وان نجز مقادم رؤوسنا ونلزم زينا حيث ما كنا  وأن نشد زنانير علي أوساطنا وإلا ننظر صلباننا وكتابنا في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم ولا نضرب بنو قسنا في كنا يسنا إلا ضرباً خفيفا ولا نرفع أصواتنا في كنايسنا في شئ  من حضرة المسلمين ولا تخرج  شعانينا  ولا باعوثنا ولا نرفع أصواتنا مع موتانا ولا نظهر النيران في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم ولا نجاورهم بموتانا ولا نتخذ من الرقيق ما جري عليه سهام المسلمين ولا نطلع علي منازلهم

فلما أتيت عمر بالكتاب زاد فيه : ولا نضرب أحدا من المسلمين شرطا ذلك علي أنفسنا وأهل ملتنا وقبلنا عليه الأمان فان نحن خالفنا عن شيء مما شرطنا لكم وضمناه علي أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل منا ما يحل من أهل المعاندة والشقاق  

وواضح من هذا الرد

 أن نصارى الشام قد اجبروا على هذا الصلح لان عمر بن الخطاب لم يعترض على جوابهم بل زاد عليه من الشروط بما يزيد من أزلالهم وأهانتهم

شهادة الذمى

الشهادة اسم من المشاهدة وهى الاطلاع على الشئ عيانا قال شاهدت الشئ اى اطلعت عليه وعاينته ومنه قوله تعالى ( من شهد منكم الشهر فليصمه )

صفات الشاهد كما وردت فى كتب الفقه

1- البلوغ فلا تقبل شهادة الصغير والطفل

2- كمال العقل فلا تجوز شهادة المجنون والمعتوه او ذو الغفلة

3- الإسلام فلا تجوز شهادة الكافر أو الذمي على لمسلم بينما تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل ولا تجوز شهادة أهل الذمة على المسلمين ( الشهادة للعلامة الفقيه جعفر السبحانى ) ولكن تجوز شهادة غير المسلم فى الوصية اذا كان حاضرا  وقتها ولا يوجد من المسلمين من هو أهل لها كما تجوز شهادة الذمي على الذمي

اما عن شهادة النساء فلا تجوز فى الحدود او القصاص او الطلاق او النكاح وذلك بإجماع

جمهور الفقهاء

ولاية الذمي على المسلم

اتفق الفقهاء على عدم جواز تقلد الذمي للوظائف العليا في جهاز الحكم وأيضا عدم جواز توليه منصب القضاء على المسلمين وهو ما يأخذ به النظام المصري حاليا  حيث يمتنع تماما على المسيحيين أن يكونوا قضاة فى محاكم الأسرة

الحكمة فى عدم ولايه الذمى

ما جاء فى القرآن الكريم ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شئ الا ان تتقوا منهم تقاه ويحذركم الله نفسه والى الله المصير

 (سورة آل عمران 28)

يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أ فواهم وما تخفى صدورهم اكبر قد بينا لكم الآيات ان كنتم تعقلون. ها انتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله (سورة آل عمران 118 ،119)

يا أيها الذين امنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون ان تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا (سورة النساء 144 )

يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق ( سورة الممتحنة 1 )

وجاء فى الحديث الشريف ( إن اليهود والنصارى أهل غدر وخيانة )

من هذه الآيات وغيرها كثير تؤكد ان اهل الذمة من اليهود والنصارى يتحايلون على الإسلام والمسلمين مما جعل الفقهاء يتفقون على انه لا يجوز للذميين ان يتقلدوا وظائف عاليه فى جهاز الحكم  لان طاعتهم من الحكم الاسلامى موضع شك وان مكانة الذمى المنحطه لا تتلائم مع ما للدوائر الحكومية من خطورة وأهمية بالنسبة للمسلمين وعليه فلا يجوز للذمي ان يكون وزيرا او قاضيا او كاتبا او مترجما )

 

 

ولاية القضاء

القضاء فى اللغة بمعنى الحكم والجمع اقضية وفى الاصطلاح بمعنى فصل الخصومات وقطع المنازعات فيقال قضيت بين الخصمين اى حكمت بينهما

شروط القضاء

ان يكون عاقلا -بالغا –حرا- مبصرا – حسن البصر والسمع

مسلما وقد جميع كتب الفقه الاسلامى شرط الإسلام فى تولى منصب القضاء

يراجع أيضا رأى المستشار /مجدي الجارحى وهو يشغل منصب السكرتير العام المساعد لنادي مجلس الدولة الذي أكد على انه لا يجوز تولى الأقباط لمنصب القضاء طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية ( المصدر :صحيفة روز اليوسف 23/3/2007)

الخلاصة

الفقه الاسلامى يمنع تولى غير المسلم من المناصب العليا فى البلاد المسلمة خاصة القضاء كما يمنع شهادة غير المسلم فى مسائل الأحوال الشخصية

ان المحاكم المصرية على اختلاف أنواعها ودرجاتها تطبق أحكام الشريعة الإسلامية وتعتبر الفقه المصدر الرئيس للتشريع  استنادا للمادة الثانية من الدستور رغم ان المحكمة الدستورية العليا أكدت ان  هذا النص الدستوري موجه للمشرع وليس للقاضي

كاتب المقال محام بالنقض وعضو الاتحاد الدولي للمحامين بباريس


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com